مقدمة:
مع تعدد التنظيمات الإرهابية واتّساع نطاق نشاطها الجغرافي في الإقليم، نظرًا لتزايد قدراتها العسكرية وكثافة أعداد مقاتليها وتعدُّد مصادر تمويلها، شهدت تلك التنظيمات تحوّلات واضحة فيما يتعلق بأولويات الاستهداف، إذْ لم تعد أولويات هجماتها منصبّة على القوات الحكومية وعناصر الأجهزة الأمنية فحسب، حيث تراجعت تلك الأولوية لصالح أولويات أخرى فرضتها مجموعة من التحولات التنظيمية والفكرية، تزامنًا مع رغبتها في تكريس نفوذها وتعزيز وجودها على الساحة، واستقطاب عناصر إرهابية جديدة، وربما ما يفسر هذا تركيز بعض التنظيمات على استهداف مصادر الطاقة في المناطق التي تنشط بها، على غرار تحوّل تنظيم داعش إلى التركيز على الأهداف المدنية، مثل استهدافه نهاية ديسمبر 2022 حقلًا نفطيًّا في شرق سوريا أسفر عن مقتل 10 وإصابة 2 آخرَين.
وهو ما يشير إلى أن التنظيمات تتخلى بشكل مؤقّت على بعض الأولويات التقليدية، مثل أولوية استهداف العدو القريب بالنسبة للتنظيمات المحلية، أو أولوية استهداف العدو البعيد بالنسبة لتنظيم القاعدة في الماضي، ولذا يمكن القول إن التنظيمات الإرهابية باتت تتجاوز أولوياتها الفكرية من أجل مصالحها التنظيمية تكريسًا لحالة الانفلات في المناطق التي تنشط بها. وذلك لا يعنى أنه ليست لديها أهداف أخرى تنصبُّ عليها هجماتها الإرهابية، ولكن المقصود أن التوسّع الجغرافي وتزايد القدرات التنظيمية، دفعها إلى تغيير أولويات الاستهداف بما يتلاءم مع واقعها التنظيمي والجغرافي وتحقيق أهدافها التكتيكية والاستراتيجية.
وجديرٌ في هذا السياق ذِكر أن الإقليم شهد منذ عام 2011 طفرة كبيرة في أعداد التنظيمات الإرهابية ونوعياتها، ما بين تنظيمات عابرة للحدود على غرار “القاعدة” و”داعش”، وأخرى إقليمية مثل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، إلى جانب بروز ظاهرة تنظيمات الإرهاب القَبَلي أو العِرْقي، وهو ما أدّى لتعدّد الهجمات الإرهابية وتنوّعها، وذلك في إطار سعي كلٍّ من تلك التنظيمات لتعزيز حضورها وتكريس نفوذها، وهو ما جعل من الصعب تحديد أولويات الاستهداف بالنسبة لهذه التنظيمات الإرهابية، خصوصًا أنّ التنظيم الواحد قد تكون أمامه مجموعة من الأهداف، يحدد أولوياتها بناء على قدراته التنظيمية والواقع المحيط به وأهدافه التي يسعى إلى تحقيقها خلال كل مرحلة، وهو ما يتطلب ضرورة الإحاطة الجيدة بطبيعة تلك التنظيمات ومدي قدراتها العسكرية والتنظيمية والمالية وحدود انتشارها الجغرافي وأبرز ملامحها الفكرية، خصوصًا في ظل تعدُّدها وتنوُّع أفكارها وانتشارها على نطاق واسع، وتحديدًا داخل القارة الأفريقية، التي صارت توصف بـ”كهف الإرهاب الفسيح” في المنطقة.
أولًا- تحوُّلات تنظيمية لافتة:
لا يمكن التعرّض لمسألة تحديد أولويات الاستهداف الحالية للتنظيمات الإرهابية الكبيرة في المنطقة، من دون الوقوف على التحولات التي شهدتها تلك التنظيمات، وأثّرت بشكل واضح على طبيعة ونوعية هجماتها الإرهابية، فعلى سبيل المثال، كلما تزايدت الفاعلية التنظيمية تزايدت معها حدة الهجمات الإرهابية، وهو ما يعني أن هناك علاقة طردية بين الطبيعة التنظيمية وبين نوعية الهجمات، وفي هذا الإطار يمكن تحديد أبرز ملامح التحولات التنظيمية للمجموعات الإرهابية في النقاط الآتية:
1. تحوُّل القوة التنظيمية إلى الفروع:
من اللافت للنظر أن معظم التنظيمات الإرهابية الموجودة على الساحة، برغم كونها فروعًا لتنظيميات أخرى عابرة للقارات، غير أنها صارت تمثِّل الثقل التنظيمي والفكري لها، نظرًا لتراجع التنظيميات المركزية، بسبب الضربات القوية التي تعرضت لها طَوال السنوات الماضية، ما جعلها تبدو أقرب للقيادة الرمزية أو الشرفية التي تلتفُّ حولها الفروع منعًا للانقسام والتفرّق، على غرار تنظيم القاعدة الذي أصبحت فروعه تمثّل ثِقله التنظيمي؛ من قَبيل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وحركة الشباب المجاهدين في الصومال. وكذلك الأمر بالنسبة لمنافسه وغريمه اللدود تنظيم داعش، الذي انتقل ثقله التنظيمي إلى فروعه المختلفة، من قَبيل ولاية غرب إفريقيا، وولاية وسط إفريقيا، وولاية خراسان في أفغانستان، حيث أصبحت تلك الفروع تمثل القوة الضاربة للتنظيم، بعد انهيار خلافته المزعومة في العراق وسوريا.
2. تزايُد نفوذ وطموح قيادات الفروع:
أسهمَت عمليات التوسع الجغرافي والانتشار التنظيمي لفروع القاعدة وداعش، في تزايد دور قادتها، حيث باتت تدرك أنها تتمتع بالقوة والنفوذ أكثر من قيادات التنظيمات الأم، نظرًا لكونها تقود تنظيمات لديها قدرات تنظيمية وعسكرية وأعداد بشرية كبيرة، تمكّنها من شن هجمات نوعية لا يمكن للتنظيمات الأم أن تقوم بها، وهو ما يشجّع قادة الفروع على تعزيز مكانتهم التنظيمية ودورهم القيادي عبر شنِّ هجمات غير تقليدية، تتسم بالعنف والدموية، وذلك على أمل أن تستقل تلك الفروع في يوم من الأيام عن التنظيمات المركزية وتتحوّل الى تنظيميات مستقلة، أو حتى ترث التنظيم الأم إذا ما جرى القضاء عليه نهائيًّا، فعلى سبيل المثال، طرحت بعض الاتجاهات داخل تنظيم القاعدة تصعيد أحد قادة الفروع الرئيسية في منصب زعيم التنظيم، بعد مقتل الظواهري، وهو ما يعنى نقل مقر القيادة المركزية خارج أفغانستان.
3. التنافسات العِرقية داخل التنظيمات الإرهابية:
دائمًا ما يصاحب ظهور التنظيمات المتطرفة سيطرةُ جنسيةٍ أو عِرقية معيّنة عليها، وهو ما بدا بشكل واضح مع ظهور جماعة الإخوان عام 1928، حيث كانت هناك سيطرة واضحة للمصريين، ليس على الجماعة فحسب، وإنما أيضًا على فروعها الخارجية، من خلال ربطها بما يسمى بالتنظيم الدولي، الذي كان بدوره يسيطر عليه المصريون، وفى إطار سعى القيادات المصرية للسيطرة على الجماعة وفروعها، كانت تُقصي كل من يحاول الخروج على هذا التقليد مطالِبًا بضرورة إتاحة الفرصة لقادة فروع الجماعة من الجنسيات الأخرى لتولى منصب مرشد الجماعة أو حتى قائد تنظيميها الدولي.
وعلى هذا المنوال سار تنظيم القاعدة الأم، حيث كان يسيطر عليه المصريون، وفى مقدمتهم الظواهري، حتى مع وجود أسامة بن لادن، إذْ كان الظواهري يقود التنظيم من خلف الستار، حيث كان واضحًا سيطرة العناصر المصرية على مفاصل التنظيم منذ تأسيسه عام 1998، من خلال سيطرتهم على مفاصله التنظيمية ولجانه العسكرية والشرعية والأمنية، وحتى الاقتصادية منها، حيث كان هناك تعمّد واضح منذ البادية لإقصاء العناصر غير المصرية من المناصب القيادية الحسّاسة، إذْ كانت تُوكَل إليهم الأعمال القتالية التقليدية وجمْع المعلومات والخِدْمات اللوجستية وغيرها من الأعمال المشابهة، وكذلك فعل تنظيم داعش الإرهابي أيضًا، فمنذ أن أعلن عن دولته المزعومة في سوريا والعراق، ظلّت هناك سيطرة شبه كاملة للعناصر العراقية، حيث كان التنظيم يقصي الجنسيات الأخرى، وخصوصًا السورية منها، من المناصب الرئيسية مثل اللجان العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية، وهو ما أدى إلى تحوُّل جزء كبير من هجمات التنظيم إلى هجمات ضدَّ الدولة العراقية، لكون ذلك يخدم مصالح تلك القيادات ويدعم نفوذها في مسقط رأسها، خصوصًا بعد أن شكّل العراقيون القوام الرئيسي في بناء دولته المزعومة .
ثانيًا: محدِّدات أولوية الاستهداف:
يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي يتوقف عليها تحديد أولوية الاستهداف لدى التنظيمات الإرهابية، حيث يصعب تجاوزها أو التغاضي عنها، ويمكن تحديد أبرزها في النقاط الآتية:
1. حرية الحركة على الأرض
أصبح من الصعب على فروع التنظيمات الكبرى مثل القاعدة وداعش تقييد حركتها بالالتزام بالتوجيهات المباشرة من القيادة المركزية، وذلك في ظل اتساع نطاق نفوذها وانتشارها الواسع، خصوصًا بعد أن تحوّل العديد منها إلى تنظيم عابر للحدود، وهو ما فرض عليها التوجه نحو اللامركزية التنظيمية للتمتع بقدر كبير من الحرية في ممارسة أنشطتها المختلفة، والتعامل طبقًا للأوضاع، بحكم وجودها على الأرض وإدراكها حجم المتغيرات في مناطق نفوذها، وذلك حتى تصبح لديها القدرة على تحديد أولوياتها العسكرية والتنظيمية.
2. طبيعة التنظيم وأهدافه:
نشأت التنظيمات الإرهابية بمختلف أشكالها لتحقيق أهداف محددة، تتوقف على طبيعة مشروعها الفكري، فمثلًا، التنظيمات الداعشية تسعي لتكريس مفهوم الخلافة وأن دولة الخلافة المزعومة يجب أن تظل باقية وتتمدّد، وهو ما يجعلها حريصة على الحضور في أكبر عدد من المناطق، حتى لو اضطرها ذلك إلى الدخول في مصادمات مع القوى المختلفة في مناطق نفوذها، في حين أن التنظيمات القاعدية تسعى للتأكيد على أنها حامية العالم الإسلامي وحاملة لواء الفكر الجهادى في مواجهة أعداء الأمة من اليهود والصلبيين، لذا تفضِّل استهداف القوات الأجنبية والحكومية، أما التنظيمات العِرقية، على غرار جبهة تحرير ماسينا، فتهدف إلى استعادة أمجاد عِرقيتها سياسيًّا وعسكريًّا، عبر رفع شعارات جهادية أو التحالف مع التنظيمات الجهادية التي تتوافق معها فكريًّا، وهو ما يدفعها للتركيز على استهداف العِرقيات الأخرى.
أما التنظيمات المحلية صاحبة المشروع الجهادي المحلّى على غرار حركة طالبان، فإنها تسعى إلى توطيد نفوذها عبر إقامة دولة إسلامية -حسب رؤيتها- من خلال السيطرة على الحكم والانفراد بالمشهد، وعدم السماح بوجود منافسين لها على تلك السيطرة، وهو ما يجعل أولوياتها تتمثّل في استهداف التنظيمات المنافسة، ولذا فإن طبيعة التنظيم وملامح مشروعه الفكري تحدّد بشكل كبير أولوياته في الاستهداف.
3. القدرات والإمكانات المتاحة:
من العوامل المهمة التي تتحكم في أولوية الاستهداف عند التنظيمات الإرهابية، هو مدى إمكاناتها العسكرية والتنظيمية ومصادر تمويلها، فكلما توافرت تلك العوامل في مناطق نفوذها ساعدها ذلك على تكريس حضورها على الأرض وتأسيس معاقل قوية، وزيادة هجماتها الإرهابية التي غالبًا ما تهدف إلى إزالة العوائق التي يمكن أن تحدَّ من انتشارها، سواء كانت عوائق مدنية أو عسكرية، كما يساعدها ذلك على استقطاب عناصر جديدة، وهو ما يفسّر محاولة بعض التنظيمات الإرهابية -خصوصًا القاعدية منها- مؤخرًا التعامل بشكل جيد مع المدنيين في مناطق انتشارها، نظرًا لأن ذلك يمكّنها من توفير حاضنة شعبية تساعدها في مدّ نفوذها إلى مناطق جديدة، على غرار محاولات تنظيم القاعدة نهاية شهر يونيو 2021 الحضور في المناطق الحدودية بين مالي وموريتانيا، بزعم تطبيق الشريعة الإسلامية، وتأسيس مجموعات قضائية وأمنية.
4. التحالفات التنظيمية:
تحرص معظم التنظيمات الإرهابية، وخصوصًا القاعدية منها، على عقد تحالفات تنظيمية وقَبلية، لمساعدتها في تكريس حضورها ونفوذها في مناطق واسعة، وتعدُّ جماعة “نصرة الإسلام المسلمين” التي أعلن عن تأسيسها 2017، المثال الأبرز على ذلك، بعدما تمكّن تنظيم القاعدة من التحالف مع كل من جماعة “أنصار الدين” التي تمثِّل الطوارق، وحركة “تحرير ماسينا” التي تمثّل عرقية الفولاني وكتيبة “الموقّعون بالدماء” التي تمثّل العِرقية العربية، وهو ما منح التنظيم انتشارًا واسعًا في الساحل والصحراء، وساعده ذلك أيضًا على شن هجمات نوعية خصوصًا ضدَّ جيوس دول المنطقة، على غرار بوركينافاسو التي أصبحت تعانى من الهجمات شبه اليومية للمجموعات القاعدية والداعشية، وصلت إلى حد محاولة إحدى المجموعات الإرهابية استهدف قوات الشرطة وسجن مدينة توغان في محافظة “سورو” شمالي البلاد.
5. حدود الترابط التنظيمي:
غالبًا ما تحرص التنظيمات الإرهابية منذ تأسيسها على خلق حالة من الترابط التنظيمي بين عناصرها وقيادتها، لكون ذلك يمثّل العامل الرئيسي في الاستمرار على الساحة، عبر تكريس بعض المفاهيم مثل “البيعة” و”السمع والطاعة”، لكن بعد فترة غالبًا من تدبّ حالة من الانقسامات داخلها، لعوامل متعددة، منها الصراع على القيادة، خصوصًا بين جيل المؤسسين، حيث يرى كل منهم أنه أولى بالقيادة، لذا يرفض كثير منهم قبول فكرة الرجل الثاني أو الثالث داخل التنظيم، وهو ما يدفعه للانشقاق ومعه غالبًا مجموعة من العناصر، وتأسيس تنظيم جديد يتولّى هو قيادته، وهو ما يؤدي لنشوب صراعات ومواجهات مسلّحة بين التنظيم الجديد والتنظيم القديم، تؤدي تلقائيًّا إلى تغيُّر أولويات الاستهداف لدى كلا التنظيمين.
ثالثًا: أبرز التحوُّلات في أولويات الاستهداف:
بالرغم من أن التنظيمات الإرهابية التقليدية دائمًا ما كانت تضع الأهداف الحكومية والأمنية على رأس أولوياتها، بدعوى وجوب إسقاط الحكومات التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية، وإقامة الدولة الإسلامية المنشودة، غير أن التحولات التي شهدتها تلك التنظيمات جعلتها تغيِّر من أولويات استهدافها، طبقًا للواقع والبيئة المحيطة بها ونوعية أهدافها المرحلية والتكتيكية، طبقًا للمقولة العسكرية “أنا والعدو والمجاورون على الأرض تحت الطقس”، حيث يتم وضع تلك المتغيرات في الاعتبار عند تحديد الأهداف المراد الوصول إليها، وهو ما يعني الحرص على تنفيذ العمليات بناء على المعطيات الموجودة على الأرض.
وعلى ضوء ذلك، يمكن تحديد أولويات الاستهداف المشتركة للتنظيمات الإرهابية -مع الوضع في الحسبان أن تلك الأولويات قد تختلف حسب مقتضيات المرحلة- على النحو الآتي:
1. الأهداف الأممية:
شهدت السنوات الماضية تصاعدًا ملحوظًا في استهداف المجموعات الإرهابية للقوات الأممية، وربما ما يفسر هذا الهجمات شبه المستمرة التي يشنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة الساحل الإفريقي وتستهدف بشكل كبير جيوش القوات الأممية المرابطة في تلك المنطقة، على غرار هجومه على إحدى دورياتها في مدينة تمبكتو (شمال)، في منتصف ديسمبر 2022، وهو ما أسفر عن مقتل جنديين، وفى هذا السياق كانت جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين” قد أصدرت بيانًا فى 1 ديسمبر 2022، على موقع الزلاقة، وهو أحد الأذرع الإعلامية للقاعدة، حمل عنوان “قوات بعثة الأمم المتحدة في شباك المجاهدين” أعلنت الجماعة خلاله استمرارها في استهداف القوات الأممية، واعتبارها قوات صلبية تهدف إلى حماية الأنظمة السياسية المعادية للإسلام.
وعلى المنوال ذاتِه سار تنظيم داعش، حيث أخذ يكثّف هجماته ضدّ القوات الأممية في المناطق التي ينشط فيها، خصوصًا في منطقة وسط إفريقيا، وهو ما تكشف عنه بياناته المختلفة، على غرار ما جاء في العدد (368) من مجلته الأسبوعية “النبأ”، بتاريخ 8 ديسمبر 2022، التي أعلن فيها عن استهداف عناصره لقوات تجمّع تنمية الجنوب الأفريقي “سادك” في موزمبيق، متعهدًا بالاستمرار في استهداف تلك القوات بزعم أنها قوات صلبية غازية. وجدير بالذكر أن قوات “سادك” تحظى بدعم الاتحاد الأوربي، حيث تهدف القوى الأوروبية إلى الحد من هجمات داعش المتزايدة في موزمبيق مهدِّدة مشروعات الغاز هناك والاستثمارات البالغة قيمتها نحو 60 مليار دولار، حيث عطّلت الهجمات بعض المشروعات، أبرزها مشروع توتال الفرنسي التي أعلنت، في مارس 2021، توقف المشروع الذي تبلغ قيمته 20 مليار يورو.
2. التنظيمات المنافِسة:
تنافس التنظيمات الإرهابية على التمدد والانتشار ومصادر التمويل، أدّى إلى دخولها مواجهات مسلحة فيما بينها، وهو ما أدى إلى تحوّل جديد ونوعى في أولوية الاستهداف، حيث أصبح استهداف التنظيمات المنافسة يحلُّ مرتبة متقدمة للغاية في قائمة أولويات الاستهداف لدى التنظيمات المختلفة، ربما تقدَّم على أولوية استهداف القوات الحكومة، وذلك نظرًا لرغبة كل تنظيم في السيطرة والانفراد بالنفوذ في المناطق التي ينتشر بها، دون وجود منافس، وهو ما تكشّف عن الصراعات الدموية بين المجموعات القاعدية والداعشية في منطقة الساحل، التي أسفرت خلال العاميين الماضيين عن وقوع مئات القتلى من التنظيمين، وهي أعداد تفوق قتلى تلك التنظيمات في المواجهات مع القوات الحكومية. ونظرًا لأهمية أولوية الاستهداف تلك بالنسبة للتنظيمات الإرهابية فإنها تحرص على أبرزها إعلاميًّا بشكل مركَّز، على غرار الإعلان المتكرر من قبل تنظيم القاعدة عن استهداف مقاتليه عناصر “داعش” في منطقة الساحل الإفريقي، الذين يطلق عليهم صفة الخوارج، على غرار بيانه على موقع الزلاقة في 17 ديسمبر 2022، الذي أعلن خلاله نجاح مقاتليه في قتل عشرات من عناصر “داعش”. وفى المقابل يحرص “داعش” على الإعلان عن هجماته ضدّ عناصر القاعدة، الذين يطلق عليهم مسمّى “مرتدّي القاعدة”، كما جاء في العدد (366) من مجلة “النبأ”، بتاريخ 24 نوفمبر 2022، الذى تفاخر فيه التنظيم بأن مقاتليه تمكّنوا من قتل قرابة 90 من عناصر القاعدة في هجوم مباغت، في منطقة تيسيت شمال شرقي مالي، فضلًا عن أسر ستة آخرين، ولم يقف الأمر عند منطقة الساحل الإفريقي ولكنه انتقل إلى أفغانستان، في ظل المواجهات المستمرة بين حركة “طالبان” وتنظيم “ولاية خراسان”، حيث بات واضحًا أن تنظيم داعش يركز هجماته ضدّ عناصر طالبان وقادتها، وهو ما يحرص على الإعلان عنه خلال وسائله الإعلامية المختلفة، على غرار ما جاء في مجلته “النبأ” في العدد (371)، بتاريخ 29 ديسمبر 2022، الذي كشف فيه عن اغتيال عناصره أحد قادة “طالبان” يدعي “عبد الحق عمر” ويشغل قائد الشرطة في إقليم بدخشان.
3. المجموعات المنشقّة:
دائمًا ما تحرص التنظيمات الإرهابية بمختلف أشكالها على تكريس الترابط التنظيمي، كونها تمثّل الآلية الرئيسية للبقاء والاستمرار، من خلال منع أي انشقاقات بكل الطرق والوسائل الممكنة، وفي مقدمتها القضاء على أي مجموعات منشقة عبر استخدام القوة العسكرية المفرطة، ليكون ذلك رادعًا لأي فرد أو مجموعة تفكّر في الانشقاق، خصوصًا أنّ كل تنظيم يعتبر نفسه ممثلًا حصريًّا للإسلام، ولذا فإنّ كل من ينشقّ عنه فهو في حكم المرتدّ ويجوز قتْله، وربما ما يفسر هذا الصراع الدموي بين “داعش” و”بوكو حرام” في نيجيريا، حيث ترى الأخيرة أن عناصر “داعش” انشقّوا عنها وبالتالي يجب القضاء عليهم، لكونهم يمثّلون الجيل الجديد من الخوارج، في حين يزعم “داعش” أن المجموعات التابعة لـ”بوكو حرام” عبارة عن مجموعة من المرتدّين، لكونهم نكثوا ببيعتهم للتنظيم، لذا فهم أَوْلى بالقتال من غيرهم، وهو ما تكشف عنه المواجهات المتكررة بين الطرفين، على غرار تلك التي حدثت في نهاية نوفمبر 2022، عندما نصب إرهابيو داعش كمينًا لقافلة متحركة لعناصر بوكو حرام، ما أدى إلى اندلاع معركة بالأسلحة النارية استمرت حوالي 40 دقيقة، وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات من الطرفين.
4. الأهداف الاقتصادية:
أطلق تنظيم داعش في 2021، ما أسماه “الغزوة الاقتصادية” مستهدفًا مصادر الطاقة في المناطق التي ينشط فيها، وذلك بهدف معاقبة الحكومات والمواطنين على حد سواء، وهو النموذج الذي طبّقه في العراق، من خلال استهدافه المتكرر لأبراج الكهرباء. وما أطلق عليه التنظيم مسمى “الغزوة الاقتصادية” هو ما كان يتفاخر به في إصدارته المختلفة، مثل ما جاء في مجلته “النبأ”، في العدد 294 بتاريخ 8 يوليو 2021، حيث أعلن استهداف عناصره قرابة 100 برج كهرباء وعدد من محطات التوليد، ليخلق أزمة خانقة في هذا القطاع الحيوي لم تستطيع الحكومة التغلب عليها حتى يوليو 2021. وسرعان من تلقّفت فروع التنظيم توجّهاته باستهداف خطوط الكهرباء والطاقة، على غرار ما جاء في “النبأ”، العدد 310، بتاريخ 28 أكتوبر 2021، الذي أعلن فيه أن مقاتلي “ولاية خرسان” في أفغانستان، دمّروا برج كهرباء في العاصمة “كابل”، استجابة لـ”الغزوة”، كما قام التنظيم باستهداف مجموعة من رجال الأعمال الصينين في العاصمة كابل خلال ديسمبر الماضي، في محاولة من التنظيم لإعاقة التعاون الاقتصادي بين “طالبان” والصين، نظرًا لكونه يعدُّ كلًّا منهما عدو له يجب القضاء عليه. وعلى هذا المنوال أيضًا سار تنظيم القاعدة، حيث دعا في العدد 18 من مجلة “ثبات” بتاريخ 26 فبراير 2021، إلى ضرورة استهداف مصادر الطاقة في الدول المعادية له من باب الضغط عليها واستنزافها اقتصاديًّا.
5. المواطنون الأجانب:
بالرغم من تعدُّد دوافع اختطاف المواطنين، مثل الرغبة في الضغط على الدول الغربية المتحالفة مع الحكومات التي تحارب هذه الجماعات، أو لجعله ورقة ضغط للحصول على تنازلات سياسية، غير أن الدوافع المالية تبقى هي الأبرز، حيث إن الفدية المالية قد تصل إلى عشرات الملايين، وهو ما أسهم في تزايد عمليات الاختطاف، خصوصًا أن العديد من الدول الغربية تسارع لتلبية الطلبات المالية للإرهابين الخاطفين، وجدير بالذكر في هذا السياق أن عمليات خطف الأجانب صارت تمثِّل مصدرًا مهمًّا للتمويل بالنسبة لتنظيم القاعدة، فضلًا عن كونها وسيلة جيّدة للإفراج عن عناصره المعتقلين في السجون، وهو ما برز بشكل كبير في اختطاف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين -مظلة تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي- رهينة فرنسية ورهينتين إيطاليتين، تم الإفراج عنهم في 11 أكتوبر 2020، مقابل الحصول على 25 مليون يورو مع الإفراج عن قرابة 200 من عناصر الجماعة المحتجزين لدى السلطات المالية.
6. المتعاونون مع الجهات الأمنية:
هناك مقولة شائعة لدى التنظيمات الإرهابية هي أن الجاسوس يقدَّم قتْله على من سواه، لأنه يسهم بشكل كبير في الكشف عن عناصر التنظيمات وأوكارهم، وهي المعلومات التي يصعب على الأجهزة الأمنية الوصول إليها من دون متعاونين مدنيين، بل ذهب بعضهم إلى أنّ من يتجسّس على التنظيمات الإرهابية كافر مرتدٌّ يطبّق عليه حكم المرتدّ، وهو ما قاله بوضوح شديد القيادي والمنظّر البارز في تنظيم القاعدة “أبو يحيي الليبي”، وهذا ما يجعل هذه التنظيمات تحرص على استهداف المدنيين الذين تعتقد أنهم يتعاونون مع الجهات الأمنية والعسكرية، وهو ما يفسّر حرْص تنظيم داعش على التأكيد على استهداف المدنيين الذين يطلق عليهم صفة الجواسيس، كما جاء في العدد 368 بتاريخ 8 ديسمبر 2022، الذى أعلن فيه استمرار استهدافه للمتعاونين مع الأجهزة الأمنية لحركة طالبان، وكذلك المتعاونين مع الاستخبارات الباكستانية.
7. المدنيون المناوئون:
في معظم الأحيان لا تستهدف التنظيمات الإرهابية المدنيين لمجرد الاستهداف، خصوصًا أنها تُدرك أهمية وجود حاضنة شعبية لتدعيم نفوذها والحصول على موارد بشرية تعوّض بها النقص في صفوفها نتيجة المواجهات المختلفة، لذا غالبًا مّا كانت لا تقتل المدنيين إلا خلال العمليات التي تستهدف القوات العسكرية -تحت شعار يبعثون على نياتهم-، أو خلال مقاومتهم للعناصر الإرهابية التي ترفض الإذعان لمطالبهم، لكن مؤخرًا أصبح هناك تحوّل في استهداف المدنيين، حيث أصبحت بعض المجموعات الإرهابية تستهدف المدنيين في حال ما إذا اعتقدت أنهم يوالون التنظيمات المنافسة أو يقدّمون لها الدعم، أو أنهم ينتمون للعِرقية التي ينتمى إليها عناصر التنظيمات المعادية، على غرار قتل داعش في مارس 2022، أكثر من 200 شخص في ولاية “ميناكا” في مالي، معظمهم من الطوارق الذين يعتبرهم “داعش” حلفاء لتنظيم القاعدة، وقبلها كان التنظيم قد شنّ هجومًا على قرية “تيليا” في مقاطعة “تاهْوا” في النيجر قرْب الحدود مع مالي، راح ضحيتها 141 مدنيًّا ما بين رجال ونساء وأطفال، فيما نُهب أكثر من 5 آلاف رأس من الإبل، وقرابة 4 آلاف من الأبقار ونحو 20 ألف رأس من الأغنام وعدد من السيارات.
أخيرًا، على ضوء ما سبق يمكن القول إن استمرار أولويات الاستهداف الحالية عند التنظيمات الإرهابية، متوقّفة على ثبات محدّدات الاستهداف السابقة، ولذا فإن التغيُّرات التي يمكن أن تطرأ على العوامل المحيطة، مثل تزايد الوجود الأجنبي، أو تصاعد معدّل التنافس الجهادي، أو تزايد حالات الانقسامات داخل التنظيمات، ستؤدى بشكل تلقائي إلى تغيُّر أولويات الاستهداف لدى كل تنظيم، وهو ما يعنى أن تلك الأولويات تُعدُّ مرحلية، ويمكن أن تتغير بتغيُّر الظروف والبيئة المحيطة.