• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
مقالات مترجمة

تعبئة تاريخية لليهود الأميركيين في مواجهة انجراف إسرائيل


يثير الإصلاح القضائي الذي بادرت به حكومة نتنياهو رفضًا غير مسبوق في الشتات في الولايات المتحدة، فقد ارتفع المزيد والمزيد من الأصوات للتنديد بالتحول المتطرف للائتلاف الحاكم.

احتجاج أم ثورة أم صحوة؟، يصعب العثور على الكلمات الصحيحة في مواجهة الجدل الذي يشعل الجاليات اليهودية الليبرالية في الولايات المتحدة. ليس هناك من شك في الصفة الصحيحة: الجدل التاريخي. منابر، رسائل مفتوحة، إذاعات، وتظاهرات ... فرد فعل الشتات على مشاريع حكومة نتنياهو يتردد صدى تضامناً مع المتظاهرين في الشوارع الإسرائيلية. ولايزال المواطنون الأميركيون يرتعدون عند ذكر هجوم 6 كانون الثاني\يناير 2021 على مبنى الكابيتول من قبل أنصار دونالد ترامب. واليوم، يشهدون هجومًا كبيرًا في إسرائيل لسحق الضوابط والتوازنات - بدءًا من المحكمة العليا - باسم أجندة متطرفة وقبول مقيد للهوية اليهودية.

الصورة الأكثر لفتا للنظر في هذه التعبئة كانت تدخل الحاخام الأميركي ريك جاكوبس نهاية شباط في تل أبيب أمام حشد من المعارضين. تم الترحيب برئيس الاتحاد من أجل اليهودية الإصلاحية الذي يضم مليوني شخص في الولايات المتحدة عندما عبر بالعبرية عن قلق الشتات. وقال في مقابلة مع صحيفة لوموند عبر الهاتف: نحن نتحدث بدافع الحب. حان الوقت الآن للالتزام بدولة يهودية وديمقراطية. هذان المصطلحان مهددان اليوم من قبل التحالف المؤلف من متدينين متطرفين وقوميين متطرفين، ويحمل رؤية تفوق لليهودية، وليس رؤية شاملة للعلمانيين والإصلاحيين. لا أستطيع أن أتخيل دولة يهودية غير ديمقراطية. هم، نعم. مع هذه التغييرات الدراماتيكية، ستتعرض الأقليات للتهديد بسبب عدم وجود دستور ومحكمة عليا لم تعد قادرة على الدفاع عنهم".

سيكون من المبالغة التحدث عن الإجماع بين ما يقرب من 7.5 مليون يهودي أميركي يشكلون مشهدًا ثقافيًا ودينيًا معقدًا. لكن الاتجاه واضح. فوفقًا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في العام 2020، قال حوالي 70 في المئة إنهم ديمقراطيون، ومن وجهة نظرهم، فإن قيم العدالة والمساواة أهم بكثير من القانون الديني. كانوا 26 في المئة فقط يعلنون أنفسهم أنهم جمهوريون. قال رئيس المجلس اليهودي الديمقراطي هالي سويفر: "يرى اليهود الأميركيون أنفسهم مؤيدين لإسرائيل، لكن هذه ليست مشكلة كبيرة عندما يتعلق الأمر بالتصويت". لديهم علاقة عاطفية بإسرائيل، لكن يتم تحديدها في الغالب من خلال القضايا المحلية، مثل الصحة أو الحد من الأسلحة أو سياسة المناخ".

يعتقد هالي سويفر التي كانت مستشارة لأربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين أن التعبئة الحالية خارجة عن المألوف. فالأزمات السابقة التي مرت بها إسرائيل: هجمات إرهابية أو تهديدات خارجية عززت المجتمع الإسرائيلي وأوجدت انعكاسًا للتضامن في الشتات. لكن القضية هذه المرة هي مستقبل الديمقراطية في إسرائيل. لكن اليهود الأميركيين ـ كما تقول هالي سويفر ـ يقيمون صلة بين البلدين في هذه النقطة. وقالت: "لقد رأينا تهديدات مماثلة في الولايات المتحدة من الرئيس السابق دونالد ترامب الذي شجع التمرد العنيف وندد بنتائج الانتخابات بدعم من العديد من المسؤولين التنفيذيين الجمهوريين".

في نهاية كانُون الأَوَّل \ ديسمبر 2022 وقع نحو 400 حاخام خطابًا مفتوحًا أعلنوا فيه أنهم يعارضون أي حديث داخل مجتمعاتهم من قبل أعضاء متطرفين في التحالف الحاكم بإسرائيل. ويستشهد النص بالعديد من المشاريع التشريعية التي من شأنها أن تسبب ضررًا لا يمكن إصلاحه للعلاقة بين الشتات وإسرائيل، لاسيما مراجعة قانون العودة ـ السماح لأي أجنبي مع جد يهودي بالهجرة إلى إسرائيل ـ وضم أجزاء من الضفة الغربية، وتآكل حقوق الأقليات، وبالطبع الإصلاح القضائي.

وصاحب المبادرة بشأن هذه الرسالة هو الحاخام ديفيد تيوتش في نيويورك. وهو ناشط منذ فترة طويلة ضد الاحتلال في الضفة الغربية.  ويقول هذا الأخير: "بالنسبة لأولئك الذين يعارضون الفاشية اليهودية على أسس سياسية وأخلاقية، فإن هذا يؤدي إلى أكبر انقسام في التاريخ بين اليهود الأميركيين الليبراليين وحكومة إسرائيل". ويعترف ديفيد تويتش بسهولة أنه لم يكن ليستخدم تعبير الفاشية اليهودية علانية قبل أشهر. لكن الحاخام يعتقد أن الوعي لم يكتمل بعد، قائلاً: " لم يربط العديد من اليهود الأميركيين بين الأزمة الداخلية في إسرائيل وما يحدث للفلسطينيين، بما يتجاوز الخط الأخضر [الفصل الذي يعود تاريخه إلى عام 1949]. لكن هذا سيحدث. بالنسبة للكثيرين، فالمذبحة التي نفذها المستوطنون في بلدة حوارة الفلسطينية أدت إلى إيقاظ فظّ، وغيّرت نظرة هؤلاء المستوطنين". ويفضّل البعض الآخر التركيز على الأزمة المؤسسية، مثل أوفير جوتلزون الذي غادر إسرائيل وانتقل إلى الولايات المتحدة في العام 2011، حيث أنشأ شركة ناشئة في وادي السيليكون، تقدم مكتبة رقمية لتخزين رسومات الأطفال وصورهم.  يعرّف أوفير جوتلزون، نفسه بأنه أميركي إسرائيلي يتمتع بفخر يهودي قوي جدا. وقد أسس في سان فرانسيسكو منظمة UnXeptable التي تدين تصرفات اليمين الإسرائيلي. فالجمعية إحدى منسقي المسيرة في واشنطن يوم 12 آذار\مارس أمام الفندق الذي كان يقيم فيه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. ويشرح أوفير جوتلزون: " نحن لا ننتقد الاحتلال أو الضم. بل نستنكر الرغبة في تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية وموازين القوى. لقد تم اتهامنا بأننا فوضويون ويساريون، لكن هذه الأزمة من عمل الحكومة وانقلابها القضائي!".

إن الأزمة الحالية هي تتويج لاتجاهات رئيسة تعود إلى اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين على يد متطرف يهودي عام 1995. ومنذ ذلك الحين، تبلورت حركة مزدوجة: صعود قوة المستوطنين والتشاؤم حول إمكانية السلام بعد الهجمات الفلسطينية للانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ثم تأكيد القومية الشعبوية اليمينية التي تستهدف أي شخص ومنظمة أو وسائل إعلام أو أقلية لا تتناسب مع هذا الخط. واقتصر النقاش النقدي لفترة طويلة حول هذه التطورات في الولايات المتحدة على الدوائر المقيدة ونشطاء الشتات. وساد في الأساس الارتباط التقليدي بإسرائيل: الوطن القومي اليهودي الوحيد في العالم على البقية، خاصة وأن العديد من اليهود الأميركيين لديهم رؤية مثالية للبلد، وأنها نوع من بطاقة بريدية مشمسة تعززها الرحلات المجانية التي تقدمها منظمة بيرثرايت إسرائيل للشباب في الشتات. وبالنسبة للكثيرين تمزق حجاب الإنكار أو الجهل أو النسبية باسم الارتباط الصادق بالدولة اليهودية. كما ندرك لحظة التمزق هذه في ما يسمى بالصحافة السائدة تحت الأقلام الشهيرة. ففي 7 أذار\مارس، كتب كاتب العمود توماس فريدمان مقالة لاذعة في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان “اليهود الأميركيون.. يجب أن تختاروا طرفكم في إسرائيل". وقال: "إسرائيل تواجه أكبر صراع داخلي لها منذ تأسيسها، وكل حاخام وكل زعيم يهودي في أمريكا يسكت عن هذه المعركة، لم يعد مهمًا".

وكانت هذه اليقظة القسرية ملحوظة في رسالة مفتوحة نُشرت في 13 آذار\مارس من قبل ما يقرب من 250 مستثمرًا يقيمون في الولايات المتحدة، جاءوا من مختلف الخلفيات السياسية، موجهين تحذيرًا غير مسبوق إلى بنيامين نتنياهو جاء فيه: "سيصبح من الصعب الدفاع عن إسرائيل دوليًا إذا نجح مشروع التحالف. وقتها سيشعر هؤلاء المستثمرون بأنهم مضطرون لإعادة تقييم ثقتهم في إسرائيل كوجهة استثمارية استراتيجية.

حتى في الكابيتول ـ حيث استفادت إسرائيل دائمًا من الدعم القوي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ـ ينتشر القلق. في مجلس النواب، فقد كتب الديموقراطي المنتخب من نيويورك والطالب السابق في مدرسة دينية (يشيفا) جيرولد نادلر عمودًا في صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية في 25 كانون الثاني\يناير قال فيه "أخشى بشدة أن هذه العلاقة الأساسية [بين البلدين] قد تتوتر بشكل لا رجعة فيه إذا مضت إسرائيل قدمًا في تعديلات وزير العدل المناهضة للديمقراطية".

واستنكرت أرملة شيلدون أديلسون المؤسس الراحل لصحيفة إسرائيل اليوم ميريام أديلسون "تسرع الحكومة الإسرائيلية في المصادقة على الإصلاحات، مما أثار الشكوك حول عمل غير مسؤول". وتعتبر عائلة أديلسون المعادية للدولة الفلسطينية وتدعم المستوطنين من بين أهم المانحين لدونالد ترامب. وقد انتهج هذا الأخير سياسة مواتية تماما لليمين الإسرائيلي، ودعمه في ذلك الإنجيليون الأميركيون.

من ناحية أخرى، يحتفظ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بمرارة شديدة تجاه اليهود الأميركيين الجاحدين للجميل؛ إذ دعاهم في شهرتِشرين الأَوَّل\ أكتوبر الماضي إلى "توحيد صفوفهم وتقدير ما لديهم في إسرائيل قبل فوات الأوان". ففكرة الولاء المزدوج هذه عبّر عنها ترامب بالفعل في نهاية العام 2021 بقوله: "اليهود في الولايات المتحدة إما أنهم لا يحبون إسرائيل أو غير مهتمين بها".

فضلًا عن أن ارتباط صعوبة مناقشة مستقبل إسرائيل داخل المجتمعات اليهودية الأميركية الليبرالية في السنوات الأخيرة بعودة معاداة السامية التآمرية، وهي مزيج من الكليشيهات في العصور الوسطى والفاشية الحديثة، وتحمل دونالد ترامب نفسه ذلك وزاد من تأجيجه. وتشهد على ذلك إشاراته الشديدة إلى شخصية الملياردير اليهودي من أصل مجري جورج سوروس، ومصطلح العولمة. إنها تعزز في صفوف اليهود الأميركيين أهمية القتال بلا حدود ضد الصعود غير الليبرالي.