• اخر تحديث : 2024-05-02 13:29
news-details
قراءات

دوافع التوجه الروسي نحو إقامة قاعدة عسكرية في إريتريا


تتيح اتفاقية التفاهم التي تم التوقيع عليها بين روسيا وإريتريا، في 10 يناير 2023، لموسكو استغلال ميناء “مصوع” الإريتري، باعتبار ذلك خطوة تمهيدية لإقامة قاعدة روسية في البحر الأحمر، بالقرب من باب المندب، وهي خطوة لطالما سعت إليها موسكو سعياً حثيثاً خلال السنوات الأخيرة، بهدف إيجاد موطئ قدم لها في منطقة القرن الأفريقي لتحقيق أهدافها الجيوسياسية هناك. اللافت أن موسكو ستسعى إلى إيجاد دور أكبر لها، خلال الفترة المقبلة، في إريتريا، من منظور أن هذه الأخيرة يمكن أن تُمثل “موضع قدم استراتيجياً” لها، ومنطلقاً لحضور روسي أكبر في منطقة القرن الأفريقي، وفي مدخل البحر الأحمر.

أهداف متشابكة

يمكن الإشارة إلى أهم الأهداف التي تقف وراء السعي الروسي لإقامة قاعدة عسكرية في إريتريا؛ وذلك على النحو التالي:

1موقع إريتريا الاستراتيجي في القرن الأفريقي: تبدو المساعي الروسية لاستغلال إمكانات ميناء “مصوع” الإريتري، نظراً إلى ما تتمتع به إريتريا من موقع استراتيجي متميز في شرق أفريقيا؛ إذ إن إريتريا تمتلك ساحلاً ضخماً يمتد على طول 800 كيلومتر بحري، علاوة على ما تمتلكه إريتريا من جزر مهمة في البحر الأحمر، يصل عددها إلى 126 جزيرة، من بينها جزيرتا “حالب” و”فاطمة” وهما الأكثر أهميةً؛ لوقوعهما أمام مضيق باب المندب، فضلاً عن وقوعهما أمام أرخبيل حنيش البالغ عدده 43 جزيرة، الذي يتبع “اليمن”، كما تطل جزرها أيضاً على الجزر السعودية، بما يُزيد عمقها الاستراتيجي بالنسبة إلى الخليج العربي، والمنطقة العربية.

ومن ثم، فإن المسعى الروسي، في حال إتمامه، سيسمح لموسكو، ليس فقط بتعزيز الحضور في مداخل البحر الأحمر وباب المندب – وهي منطقة بالغة الأهمية لحركة التجارة العالمية، وقريبة من شرايين اقتصادية حيوية في العالم، مثل منطقة الخليج العربي وقناة السويس – بل إضافة إلى ذلك، سيُعزز من مساعي موسكو للتغلغل نحو العمق الأفريقي في شرق وجنوب القارة.

2- تأمين الارتكاز البحري لموسكو بالبحر الأحمر: المُلاحظ أن الحضور العسكري في إريتريا، إنما يؤشر إلى المحاولة الروسية في تأمين الارتكاز البحري لموسكو في مدخل البحر الأحمر؛ ما يساهم في إمكانية التأثير على عمليات النقل للتجارة الدولية، وبما يعني فرض روسيا نفسها “لاعباً متحكِّماً” في معادلات الطاقة الجديدة، التي يمر جزء كبير منها عبر مضيق باب المندب.

يضاف إلى ذلك ما يُمكن أن يُتيحه هذا الحضور من تعزيز الأسطول الروسي لموقعه البحري في المحيط الهندي، بما يوفر مرفقاً آخر للمياه الدافئة، إلى جانب قاعدة طرطوس في سوريا؛ حيث يسمح ذلك للسفن الروسية بالمرور عبر خليج عدن والبحر الأحمر بهدف تأمين الإمداد والخدمات اللوجستية المختلفة؛ هذا فضلاً عن تقوية الدور الروسي كـ”منافس”، في المناطق التي تحوي مخزوناً كبيراً من النفط والغاز مثل الصومال وإثيوبيا.

3- تعزيز التعاون الأمني والعسكري في شرق أفريقيا: نتيجة محدودية قدرات موسكو الاقتصادية، قياساً بمنافسيها الرئيسيين: الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد مثَّلت سوق الخدمات الأمنية والعسكرية أبرز أوجه الحضور الروسي أفريقياً، ومدخلاً لتوسيع نفوذ موسكو الجيوسياسي ومكاسبها الاقتصادية من القارة السمراء.

وضمن هذا الإطار يندرج الحديث عن محاولات موسكو إقامة قاعدة عسكرية في أفريقيا، وعلى شواطئ البحر الأحمر تحديداً؛ فمن جهة، تسعى موسكو لحماية شحناتها التجارية والنفطية؛ إذ يبلغ حجم الصادرات الروسية النفطية، بحسب تقرير لمؤسسة “راند” الأمريكية، نُشر في ديسمبر الماضي، نحو 24% من إجمالي حركة النفط المتجهة جنوباً إلى البحر الأحمر مروراً بقناة السويس ومضيق باب المندب.

أيضاً يمكن لموسكو الترويج لصادراتها التسليحية في منطقة القرن الأفريقي، التي يُنظر إليها بأنها منطقة مضطربة أمنياً؛ وذلك باعتبار روسيا مورداً رئيسياً للأسلحة في أفريقيا؛ حيث إن الصادرات العسكرية الروسية للقارة مثلت 18% من إجمالي صادراتها من الأسلحة، في الفترة بين عامي 2016 و2020، بحسب تقرير “سيبري” لعام 2020.

4- مساومة القوى الغربية في بعض الملفات الشائكة: تتضمن خطوة التعاون الروسي الإريتري، عبر إقامة قاعدة عسكرية روسية في الساحل الإريتري على البحر الأحمر، أو في الحد الأدنى إنشاء مركز دعم لوجستي في ميناء “مصوع”؛ تتضمن تحقيق عدد من المكاسب المتبادلة بين موسكو وأسمرة؛ فعلى الجانب الروسي، تساهم هذه الخطوة في تعزيز مكانة روسيا إقليمياً ودولياً، إضافة إلى أن وجودها في أحد أهم المضائق المائية الاستراتيجية، سيمثل ورقة ضغط مهمة لمساومة الولايات المتحدة والغرب في بعض الملفات الشائكة، لا سيما ملف أوكرانيا.

أما على الجانب الإريتري، فسوف تُخفف هذه الخطوة عن أسمرة حدة العزلة الدولية التي تعانيها، فضلاً عن أنها سوف توفر للنظام الإريتري حليفاً دولياً، بما يُمكنه من مواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية، لا سيما في ضوء التوتر في علاقته بالولايات المتحدة، على خلفية تورط القوات الإريترية في حرب تيجراي بجانب القوات الإثيوبية؛ وهو التوتر الذي برز بوضوح في تجاهل واشنطن دعوة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، التي انعقدت في ديسمبر 2022.

5- تأسيس نظام أمن إقليمي لحماية مصالح موسكو: من خلال تلك الخطة ستؤسس روسيا نظاماً إقليمياً لحماية مصالحها بالقارة الأفريقية، ومن ثم خدمة أهدافها في شرق أوروبا وشرق المتوسط، بجانب التهرب من حزمة العقوبات الغربية المفروضة عليها، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل أكثر من عام؛ هذا فضلاً عن السعى إلى كسب الدعم السياسي، خاصة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، عبر التحركات التي يقوم بها وزير خارجيتها، من خلال عدد من جولاته، خاصة في القارة الأفريقية، والتي كانت زيارته إلى إريتريا، في يناير 2023، في مقدمتها.

كذلك يُمثل وجود روسيا على سواحل البحر الأحمر فرصة لتعزيز تجارتها مع دول القرن الأفريقي، بما في ذلك إريتريا، وإمكانية التمدد لتنشيط الصفقات التجارية مع دول وسط أفريقيا. أضف إلى ذلك إمكانية أن تخوض موسكو سباق التنافس على الاستكشافات النفطية والغازية في منطقة القرن الأفريقي، خاصة أن ثمة تقديرات تُشير إلى استحواذ بعض دولها، مثل الصومال وإثيوبيا، على مخزون كبير من احتياطي النفط والغاز.

وختاماً، يمكن القول بأن الوجود الروسي في ميناء “مصوع” الإريتري، على ساحل البحر الأحمر، يُعد بمنزلة “ورقة رابحة” تستطيع من خلالها موسكو التمدد نحو العمق الأفريقي، والدفع في اتجاه تعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي والبحيرات العظمى، إضافة إلى محاولة بناء قواعد عسكرية، أو قواعد لوجستية، في دول المنطقة، مثل جيبوتي والسودان وإقليم أرض الصومال. لكنها قد تصطدم – وهذا احتمال متوقع – باحتكاك متزايد بالقوى الدولية المنافسة، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، فضلاً عن إيطاليا، وإلى حد ما الصين؛ ما سوف يعزز التنافس الدولي في هذه المنطقة خلال الفترة المقبلة.