• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

فرص تأجيج المشهد الأمني بعد إعلان الغرياني تأسيس "اتحاد ثوار ليبيا"


أعلن قادة عدد من المليشيات العسكرية بغرب ليبيا، في 10 إبريل 2023، تفعيل ما يسمى بـ"اتحاد ثوار ليبيا" ورفضهم للتعديل الـ13 للإعلان الدستوري، الذي أقره مجلسا النواب والدولة أخيراً، كما لوحت هذه المليشيات إلى إمكانية استخدامها القوة لتعطيل هذا الإعلان تحت ذريعة الخروج من الفوضى السياسية والأمنية في البلاد.

عودة الغرياني للمشهد

تأتي تحركات مليشيات غرب ليبيا بالتزامن مع الزخم الدولي والأممي المتزايد الذي يشهده الملف الليبي خلال الفترة الأخيرة، والذي يستهدف إنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد خلال 2023، ويمكن عرض أبعاد هذه التحركات على النحو التالي:

1- الإعلان عن "اتحاد ثوار ليبيا": أصدرت مجموعة من المليشيات المسلحة الموالية لمفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، بياناً أعلنت خلاله رفضها عسكرة الدولة، وتولي مزدوجي الجنسية لأي مناصب سيادية في ليبيا. كما أشار البيان إلى تفعيل ما يسمى بـ"اتحاد ثوار ليبيا"، وهو تكتل مليشياوي يتشكل من مجموعة من المليشيات المسلحة المنتشرة بغرب ليبيا، وأن هذا الاتحاد سيكون مسؤلاً عن الدفاع عن مكتسبات الشعب الليبي والخروج من الفوضى الأمنية والسياسية.

ولم يحدد البيان ماهية المليشيات المنضوية داخل هذا التكتل، وهو ما أثار شكوكاً بشأن قدرتها على تنفيذ تهديداتها. وأعربت المليشيات المشاركة في البيان كذلك عن رفضها للتعديل الـ13 للإعلان الدستوري، والذي كان تم إقراره في فبراير 2023 ليكون بمثابة القاعدة الدستورية التي ستجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقاً لها، وحسم هذا التعديل الجدل بشأن طبيعة النظام السياسي في ليبيا لصالح النظام الرئاسي، كما حدد صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع إحالته شروط الترشح للاستحقاقات المقبلة إلى القوانين التي ستصدر لاحقاً، والتي يجري إعدادها حالياً من قبل لجنة 6+6 المشتركة بين مجلسي النواب والدولة.

2- تحذيرات الغرياني من المبادرة الأممية: حذر الغرياني من جهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا للتحضير للانتخابات المقبلة في البلاد، متهماً إياها بأنها تستهدف إنشاء دولة فاشلة، ومطالباً من وصفهم بـ"القادة المخلصين" بضرورة رفض هذه المساعي.

ورأت تقديرات أن دعوة الغرياني موجهة بالأساس إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته، عبدالحميد الدبيبة، والذي أبدى تقارباً مع المفتي المعزول خلال العام 2022، في إطار مساعي الدبيبة آنذاك لحشد دعم داخلي يعزز موقفه في مواجهة الحكومة الموازية، برئاسة فتحي باشاغا. وبالتالي، يستهدف الغرياني من دعوته الأخيرة تعطيل التقارب الراهن بين شرق وغرب ليبيا، خاصة في ظل الحديث عن تفاهمات جارية بين الدبيبة وقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، في إطار وساطة أممية وغربية لتهيئة الظروف الأمنية لإنجاز الانتخابات.

دوافع متعددة

هناك دوافع ربما تفسر التحركات الأخيرة للتيار الموالي للغرياني في غرب ليبيا، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- التخوف من توحيد المؤسسة العسكرية: شهدت الآونة الأخيرة تعزيزاً للتفاهمات بين القادة العسكريين في شرق وغرب ليبيا، والتي قد تسفر عن توحيد المؤسسة العسكرية في البلاد، وهو الأمر الذي يشكل محدداً حاسماً في التحضير للانتخابات المقبلة.

وتقوم البعثة الأممية والقوى الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، ببذل جهود مكثفة لإنجاز هذا الملف، وهو ما انعكس في اللقاءات المتكررة بين قادة الجانبين. وكان آخرها اجتماعاً في مدينة بنغازي بشرق ليبيا، في 7 إبريل 2023، بين القيادات العسكرية في شرق وغرب ليبيا، وجاء الاجتماع في إطار استكمال المباحثات التي انطلقت في طرابلس نهاية مارس 2023، والاتفاق على تشكيل قوة مشتركة في جنوب ليبيا تكون نواة لتوحيد المؤسسة العسكرية.

ولم تلق هذه التحركات ترحيباً من المجموعات الموالية للغرياني، باعتبار أن نجاح جهود توحيد المؤسسة العسكرية يهدد مكتسبات هذه المجموعات، ولاسيما في ظل الحديث عن وجود مساعٍ لاستيعاب عدد من المجموعات المسلحة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، وتسريح ونزع سلاح المجموعات الأخرى غير المهيئة لهذا الاندماج، وهو ما يهدد استمرارية بعض المجموعات المسلحة الموالية للغرياني.

2- القلق من التقارب المصري التركي: تزايد التقارب بين مصر وتركيا حول الملف الليبي خلال الأسابيع الأخيرة. فقد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال لقائه بنظيره المصري، سامح شكري، في 13 إبريل الجاري، أن البلدين اتفقا على بلورة خريطة طريق تمهد الطريق لإنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا.

ويثير التقارب بين القاهرة وأنقرة قلق تيار مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، لكون هذا الفصيل يعول على استمرار الخلافات بين البلدين لضمان استمراريته في المشهد. وعلى الرغم من استبعاد استجابة أنقرة للمطالب المصرية الخاصة بسحب قواتها والمرتزقة الأجانب من ليبيا، فإن تقارير غربية أشارت إلى إمكانية موافقة تركيا على سحب المرتزقة السوريين، مقابل الاحتفاظ بمستشاريها العسكريين هناك.

3- الضغوط الدولية لإنجاز الانتخابات: يتخوف تيار الغرياني بشدة من الضغوط الأممية والأمريكية، لإنجاز الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا قبل نهاية 2023، لأنها قد تفرز سلطة تنفيذية قوية قادرة على تقويض نفوذ هذا التيار في الداخل، خاصة وأن استمرار هذا النفوذ يعتمد بالأساس على استمرار الصراعات الداخلية.

4- التفاهمات بين الدبيبة وباشاغا: شهدت الأسابيع الأخيرة بلورة تفاهمات بين حكومتي الدبيبة وباشاغا للتحضير للانتخابات المقبلة، عبر الإشراف المشترك بين الحكومتين على العملية الانتخابية. فقد أكدت الحكومتان المتنافستان مشاركتهما في الاجتماعات التي سيعقدها "مركز الحوار الإنساني" بجنيف خلال شهر إبريل 2023. ومن ناحية أخرى، عمد فتحي باشاغا رئيس حكومة الاستقرار المكلف من قبل البرلمان الليبي، إلى القيام بزيارة إلى مدينة مصراته، نهاية مارس 2023، حيث دعا إلى ضرورة تبني خطاب تصالحي ينهي حالة الاستقطاب والصراع.

وفي هذا السياق، فإن أي تفاهمات بين حكومتي باشاغا والدبيبة تشكل تهديداً لمصالح الغرياني، لأن الأخير يوظف الصراع بين الحكومتين لتعزيز دوره في المشهد، وربما هذا ما يفسر دعوته غير المباشرة للدبيبة برفض المبادرة الأممية وجهود توحيد المؤسسة العسكرية. ومن ناحية أخرى، فإنه نظراً لتمركز المليشيات الموالية للغرياني في مدينة مصراته، يتخوف الأخير من انعكاسات أي تفاهمات بين الدبيبة وباشاغا على تقويض نفوذه في المدينة، عبر تحول ولاءات المجموعات المسلحة الداعمة له هناك.

انعكاسات محتملة

في إطار التحركات الراهنة لتيار المفتي المعزول، الصادق الغرياني، المتزامنة مع الجهود الأممية والدولية للتحضير للانتخابات المقبلة، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تطرأ على المشهد الليبي خلال الفترة المقبلة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- التخوف من تدهور الوضع الأمني: قد تؤدي تحركات الغرياني إلى تأجيج المشهد الأمني مرة أخرى، عبر تقويض التفاهمات الراهنة، بيد أن فرص نجاح هذه التحركات في إثارة الخلافات الداخلية مرة أخرى تبدو محدودة للغاية، في ظل الاختراق الكبير الذي حققه المسار العسكري، والذي يعد الأكثر تعقيداً في مسارات الأزمة الليبية، فضلاً عن إعلان مصر وتركيا تعاونهما في تدريب وتعزيز الجيش المشترك من قوات شرق وغرب ليبيا.

2- احتمالية إطلاق خريطة طريق جديدة: أشارت تقديرات إلى احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة إطلاق خريطة طريق جديدة تستند للمبادرة التي يقودها المبعوث الأممي في ليبيا، عبدالله باتيلي، أو مكملة لها، حيث تستند هذه التقديرات إلى التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، والذي لوح إلى أن ثمة خريطة طريق يجري التشاور بشأنها بين القاهرة وأنقرة، بمشاركة عدد من الفواعل الإقليميين والدوليين المنخرطين في الملف الليبي. ويتوقع أن يتم الإفصاح عن هذه الخريطة قبيل منتصف يونيو 2023، على أن تنطوي على إطار زمني محدد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكذلك حسم الجدل بشأن السلطة التنفيذية التي يفترض أن تتولى إدارة العملية الانتخابية.

3- تزايد فرص إنجاز القوانين الانتخابية: يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحقيق تقدم في ملف إنجاز القوانين الانتخابية التي يفترض أن تنظم الاستحقاقات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، في ظل التحركات الراهنة للجنة 6+6 المشتركة، فضلاً عن التقارب المصري التركي الحالي، ناهيك عن الزيارة المفاجئة التي قام بها رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لإسطنبول، ولقائه مع أوغلو حيث تم بحث الملفات الخلافية التي تشكل تحدياً أمام إنجاز القاعدة الانتخابية، كما يستعد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، للقيام بزيارة إلى القاهرة خلال الأيام المقبلة، للهدف نفسه. وقد ينعكس التقارب بين القاهرة وأنقرة إيجاباً على جهود التوصل لتوافق حول القاعدة الانتخابية.

وفي الختام، تمثل المعطيات الداخلية والسياقات الإقليمية والدولية الراهنة فرصة مناسبة يمكن أن تمهد الطريق أمام تسوية الأزمة الليبية المعقدة، بيد أن هذا لا يعني عدم وجود تحديات قائمة ربما تعرقل هذه الجهود، ويمثل تيار مفتي ليبيا المعزول، الصادق الغرياني، أحد هذه التحديات الداخلية، حيث يستهدف هذا التيار الحفاظ على الوضعية الراهنة المضطربة التي تضمن مصالحه واستمراريته في المشهد، غير أن قدرته على عرقلة هذه الجهود تبدو محدودة.