• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
مقالات مترجمة

حميدتي أمير الحرب الذي أنشأ قوة شبه عسكرية أقوى من الدولة


نشرت مجلة "لوبوان" الفرنسية مقالا تحليليا لأليكس دي وال، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، وأستاذ أبحاث في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، تناول فيه التوترات الحاصلة في السودان والتي تعود إلى الخلاف حول دمج المجموعة شبه العسكرية التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، في الجيش السوداني. وهو شرط أساسي لاتفاقية انتقالية لم يتم توقيعها مطلقا، ولكن التزم بها الطرفان منذ عام 2021. ومما جاء في المقال:

قُتل العشرات في اشتباكات مسلحة بالعاصمة السودانية الخرطوم بعد شهور من التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية القوية. تعود هذه التوترات إلى الخلاف حول دمج المجموعة شبه العسكرية في القوات المسلحة، وهو شرط أساسي لاتفاقية انتقالية لم يتم توقيعها مطلقًا ولكن التزم بها الطرفان منذ العام 2021.

الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي هو زعيم FSR. التي تؤدي دورًا رئيسيًا في الحرب الأهلية المتصاعدة بسرعة كما فعلت في لحظات مهمة أخرى في تاريخ السودان الحديث.

يقود قوات حميدتي "الدعم السريع" عرب دارفور المعروفون باسم الجنجويد. ويشير هذا المصطلح إلى الجماعات المسلحة من العرب في دارفور وكردفان في غرب السودان. نشأوا من أقصى الغرب من أطراف البلاد، وأصبحت في غضون عقد من الزمن القوة المهيمنة في الخرطوم. وأصبح حميدتي وجه الساحة السياسية العنيفة في السودان.

مهنة حميدتي هي درس ريادة الأعمال السياسية قدمه متخصص في العنف. ويعد سلوكه وإفلاته من العقاب حتى الآن من المؤشرات الأكيدة على أن السياسات الشبيهة بالمرتزقة التي لطالما حددت الأطراف السودانية قد أعيدت إلى العاصمة. ينحدر حميدتي من أبعد ضواحي السودان، وهو غريب عن المؤسسة السياسية في الخرطوم. وجده دقلو كان زعيم عشيرة كانت تجوب مراعي تشاد ودارفور.و أصبح شباب هذه المجموعة من رعاة الإبل الذين لا يملكون أرضًا والمهمشين جزءًا مركزيًا من الميليشيا العربية التي قادت مكافحة التمرد من الخرطوم إلى دارفور منذ العام 2003.

لم يتلق بعد أن ترك المدرسة وأصبح تاجرًا حميدتي تعليمًا رسميًا. وقد مُنح لقب "جنرال" بسبب مهاراته كقائد لواء الجنجويد في جنوب دارفور في ذروة حرب 2003-2005. بعد سنوات قليلة، انضم إلى تمرد ضد الحكومة، وتوسط في تحالف مع متمردي دارفور وهدد باقتحام مدينة نيالا التي تسيطر عليها الحكومة.وبسرعة كبيرة توصل حميدتي إلى اتفاق مع الحكومة تتعهد الخرطوم فيه بتسوية رواتب جنوده المتأخرة وتعويض الجرحى وعائلات القتلى. وتمت ترقيته إلى رتبة جنرال وتلقى مبلغًا كبيرًا من المال. وبعد عودته إلى سوق العمل في الخرطوم، أثبت حميدتي ولاءه. وأعجب به الرئيس عمر البشير الذي حكم السودان من العام 1993 حتى نيسان\أبريل 2019 عندما أطيح به، ويبدو أحيانًا أنه يعامله مثل الابن الذي لم ينجبه من قبل.لكن في الأيام التي أعقبت الإطاحة بالبشير  اعتنق بعض المتظاهرين الشباب المؤيدين للديمقراطية في الشوارع المحيطة بوزارة الدفاع حميدتي كوجه جديد للجيش.

بلد في جيبه

في الوطن، كان حميدتي قادراً على استخدام فطنة عمله وبراعته العسكرية لجعل ميليشياته أكثر قوة من قوة الدولة السودانية المتدهورة. فقد شكل البشير قوات الدعم السريع كوحدة منفصلة في العام 2013 لمحاربة الجيش الشعبي لتحرير السودان - متمردي الشمال في جبال النوبة في البداية من دون أن تحقق هذه القوات نجاحاً كبيراً في البداية. ولكن مع وجود أسطول من شاحنات البيك أب الجديدة المزودة بمدافع رشاشة ثقيلة سرعان ما أصبحت قوة لا يستهان بها، اذ خاضت معركة رئيسة ضد المتمردين في دارفور في نيسان\ أبريل 2015.

بعد التدخل العسكري السعودي الإماراتي في آذار\مارس 2015 في اليمن توصل السودان إلى اتفاق مع الرياض لنشر قوات سودانية في اليمن. وكان أحد قادة العملية هو اللواء عبد الفتاح البرهان الذي ترأس المجلس العسكري الانتقالي منذ العام 2019. لكن معظم المقاتلين كانوا أعضاء في قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي. ما جلب المال مباشرة إلى حميدتي. وفي تشرين الثاني \نوفمبر 2017 سيطرت قوات حميدتي على مناجم الذهب في جبل عامر في دارفور التي تشكل أكبر مصدر للصادرات في السودان. وجاء ذلك بعد هزيمة منافسه الكبير موسى هلال الذي كان قد تمرد على البشير. وهكذا، حصل حميدتي على أكثر مصدرين ربحًا للنقد الأجنبي في البلاد.

ويتبنى حميدتي أنموذج مرتزقة الدولة المألوف لمن يتبعون سياسة الصحراء. واستعان رئيس تشاد الراحل إدريس ديبي بقواته الخاصة لمكافحة التمرد على كشوف مرتبات فرنسا أو الولايات المتحدة على حد سواء. في يوم من الأيام يمكننا أن نتوقع أن نرى قوات الدعم السريع منتشرة في ليبيا.

ويتحدر جميع قادة السودان من قلب الخرطوم والمدن المجاورة على النيل باستثناء واحد ملحوظ هو خليفة عبد الله "التعايشي" وهو عربي من دارفور. وفرت جيوشه غالبية القوات التي احتلت الخرطوم عام 1885. وتتذكر النخب المحلية حكم خليفة (1885-1898) باعتباره طغيانًا. إنهم مرعوبون من عودة هذا الطغيان.

وحميدتي هو وجه هذا الكابوس، فهو أول زعيم غير مؤسسي في السودان منذ 120 عامًا. وعلى الرغم من المظالم ضد الجماعات شبه العسكرية التابعة لحميدتي، إلا أنه لا يزال يُنظر إليه على أنه دارفوري وغريب عن المؤسسة السودانية.

عندما بث النظام السوداني رياح الجنجويد في دارفور عام 2003 لم يكن يتوقع أن يحصد العاصفة في عاصمته. وفي الواقع، تم زرع البذور قبل ذلك بكثير. فالحكومات السابقة تبنت استراتيجية حرب في جنوب السودان وجنوب كردفان من خلال تأليب السكان المحليين ضد بعضهم البعض. وفضلت هذه الاستراتيجية على إرسال وحدات من الجيش النظامي لأنها تريد تجنب تعريض هذه الأخيرة المكونة من أبناء المؤسسة المحلية للخطر.

حميدتي هو تلك العاصفة. لكن صعودها أيضًا يعد بشكل غير مباشر انتقامًا لهامش تاريخي. ومأساة السودانيين المهمشين هي أن الرجل الذي يقدم نفسه على أنه بطلهم هو الزعيم القاسي لفرقة بدوية عرف كيف يستفيد استفادة كاملة من الصراعات العسكرية التي تمزق البلاد.