• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
كتب

هل تتدارك واشنطن إخفاقاتها في الشرق الأوسط؟


أدى إعلان الصين في مارس 2023 عن توسُّطها لعودة العلاقات بين السعودية وإيران، إلى تصاعد الحديث عن تراجع دور الولايات المتحدة “المتضائل بسرعة” في الشرق الأوسط، كما أنه بعد وقت قصير من وصول الرئيس جو بايدن إلى السلطة، أكملت الولايات المتحدة انسحابها غير الناجح من أفغانستان، فيما تعثرت الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسط موجة عنيفة من الاحتجاجات ضد النظام الإيراني. ومن جانب آخر، وصلت الحكومة الأكثر يمينيةً في تاريخ إسرائيل إلى السلطة؛ ما يهدد مطالبات الدولة بالديمقراطية، ويؤجج موجة جديدة من العنف، ويُعرِّض اتفاقيات السلام المدعومة من واشنطن للخطر، وهو ما دفع المراقبين إلى التساؤل إذا ما كان نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة قد تراجع بشكل دائم.

وفي هذا السياق، يحاول كتاب "الوهم الكبير: صعود وسقوط الطموح الأمريكي في الشرق الأوسط" للمؤلف ستيفن سيمون عضو مجلس الأمن القومي السابق والخبير المخضرم بالشرق الأوسط، الذي صدر في أبريل 2023 عن بنجوين للنشر؛ تتبُّع جهود الولايات المتحدة لتشكيل المنطقة، ويقدم منظوراً جديداً حول تعقيدات المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط، كما يقدم تحليلاً نقدياً للسياسات الأمريكية وكذلك النجاحات والإخفاقات والفروق الدقيقة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة من حقبة جيمي كارتر إلى حقبة جو بايدن.

إخفاق واشنطن

يقيِّم الكاتب سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مدى العقود الأربعة والنصف الماضية، ويسلط الضوء على عيوبها وإخفاقاتها، ويحدد الكتاب عدة عوامل ساهمت في هذه الإخفاقات؛ وذلك على النحو التالي:

1توظيف الإدارات الأمريكية صانعي سياسات غير أكفاء: يعتقد الكتاب أن من أبرز عوامل إخفاقات السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، هو صناع السياسات غير الأكفاء عبر الإدارات المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، يشير الكاتب إلى أنه كانت إدارة ريجان مأهولة بخصوم مراوغين ومتمردين، و”كانت رؤيتهم لعملية السلام العربية الإسرائيلية” سخيفة تماماً، بينما يرى أن مستشاري كلينتون انجذبوا في الشرق الأوسط إلى عقائد خاطئة. وكان جورج بوش الابن – وفق الكتاب – “ضيق الأفق، وغير مبالٍ، ومندفعاً”، مع تبني “نهج فظ لمعضلات السياسة الخارجية”، كما عكست مشاكل أوباما في ليبيا “عدم كفاءته”، ثم كان هناك ترامب الذي منح حقيبة الشرق الأوسط لصهره جاريد كوشنر؛ لذلك يرى الكاتب أن دولارات الضرائب الأمريكية كانت تدفع رواتب مجموعة كبيرة من “غير الأكفاء” المسؤولين عن وضع السياسات.

2تضارب عمل الأجهزة المعنية بصناعة القرار الأمريكي: أشار الكتاب إلى قضية أخرى وراء الإخفاق الأمريكي، وهي العملية السياسية المَعيبة التي تحركها الضرورات السياسية والأيديولوجية، والاندفاعات العاطفية، وعملية التنسيق التي غالباً ما تحتاج إلى إجماع بين الوكالات ذات الأولويات المتضاربة. فيما يجادل المؤلف بأنه غالباً ما تجاهل صانعو السياسات محللي الاستخبارات والإنذارات المبكرة، مثل تلك التي توقعت هجوم 11 سبتمبر 2001. فوفقاً للكتاب، فإنه قبل أكثر من 18 شهراً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، نشر هو وخبير مكافحة الإرهاب دانيال بنجامين، مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز، يحذران من أنه سيكون هناك قريباً “هجوم جماعي” ضد الولايات المتحدة من قبل بعض المتطرفين.

3عدم تفضيل واشنطن “الانخراط الفاعل” في المنطقة: يشير الكتاب إلى أنه لطالما عرَّفت واشنطن الشرق الأوسط بمصطلحات سلبية مع التركيز على سياسة المنع والاحتواء بدلاً من المشاركة الحقيقية والترويج للتغيير الإيجابي. وفي إطار ذلك، أدان الكاتب سياسة الاحتواء المزدوج في عهد كلينتون، التي حاولت تقييد كل من العراق وإيران بشكل مستقل؛ ما مهد الطريق لحرب العراق، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، فيما أشار الكاتب إلى أنه مع انتهاء الحرب الباردة، أعاقت نزعة الانتصار الأمريكية نوع البحث عن الذات في واشنطن الذي قد ينتج عنه مداولات أكثر جديةً حول عواقب السياسات الأمريكية، وما يجب أن تكون عليه المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل واضح.

4إغفال إعادة تشكُّل القوى المختلفة في الشرق الأوسط: بحسب الكاتب، فإنه في عصر غيَّر فيه الابتكار الرقمي وسائل الإعلام، ووسع سلاسل التوريد، وأثرى الصناعة المالية، وأعاد تشكيل التكنولوجيا العسكرية، وولَّد عدم المساواة المتزايدة؛ تغيَّر دور ومصالح الولايات المتحدة بالضرورة أيضاً، لكنها – من جهة أخرى – أغفلت أنواع القوى الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي شكَّلت الحياة اليومية في الشرق الأوسط لفترة طويلة.

5الاعتماد على التدخل العسكري لمعالجة بعض القضايا: يشير الكتاب إلى أن الاعتماد على الضربات العسكرية بين الحين والآخر لمعالجة القضايا في الشرق الأوسط، يأتي بنتائج عكسية؛ لأنه ينتج فقط المزيد من الساخطين الذين يتجهون إلى العنف. وفي هذا السياق، انتقد سيمون غزو العراق في 2003، كما يجادل بأنه ما كان ينبغي للولايات المتحدة أن تتسرع في التخلص من معمر القذافي في ليبيا؛ إذ يعتبر الكاتب أنه كان حليفاً مفيداً في مكافحة الإرهاب.

6المبالغة في تقدير القوة الأمريكية في المنطقة: يجادل الكاتب بأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كانت مدفوعة في كثير من الأحيان بالمبالغة في تقدير قدرة واشنطن على تشكيل الأحداث في المنطقة، والتقليل من قدرة السكان المحليين؛ إذ يشير إلى أنه من منطلق الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت "أعظم قوة على وجه الأرض"، فإن إدارة بوش "خسرت حروبها في العراق وأفغانستان، وقتلت أو تسببت في مقتل مئات الآلاف من الناس".

استراتيجية جديدة

في ضوء ما سبق، يشير الكاتب إلى أن هناك حاجة إلى استراتيجية أمريكية أكثر فاعليةً تجاه الشرق الأوسط، تأخذ في اعتبارها ما يلي:

1الحاجة إلى تحديد المصالح الأمريكية في المنطقة: يرى الكتاب أن واشنطن تحتاج إلى إعادة تحديد مصالحها في الشرق الأوسط، لتتجاوز الخطاب الفارغ والسياسات الفاشلة للإدارات السابقة، في ظل استعراض العديد من نماذج الإخفاق الأمريكية في الشرق الأوسط على مدار العقود الماضية ومع اختلاف الإدارات الأمريكية الموجودة في البيت الأبيض.

2تبنِّي واشنطن نهجاً تكيُّفياً إزاء قضايا الشرق الأوسط: يشدد الكاتب على ضرورة أن تكيف الولايات المتحدة نهجها تجاه الشرق الأوسط لتبقى ذات صلة، وتتجنب الوقوع في دوامة من المشاركة المحبطة، لا سيما في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة، وهو ما يتطلَّب إعادة صياغة الاستراتيجية الأمريكية المرتبطة بالشرق الأوسط، وتعزيز التقارب مع الحلفاء في ظل مساعي بكين لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي والأمني في المنطقة.

3أهمية التواصل الأمريكي مع المجتمعات المحلية ومعالجة عدد من القضايا الملحة: يؤكد الكاتب أنه على الدبلوماسيين الأمريكيين التواصل مع المجتمعات المحلية، ومعالجة عدد من القضايا الملحة، والاهتمام بقضايا مثل المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية للمرافق في لبنان، وهو ما يمكن أن يعزز النفوذ الأمريكي بجانب تصحيح رؤية واشنطن لصالحها في بلدان الشرق الأوسط.

رؤية نقدية

على الرغم من أهمية الكتاب في فهم جوانب مختلفة من السياسة الأمريكية في المنطقة، إلا أنه يعاني من نقاط ضعف عديدة، ومن أهمها ما يلي:

1- عدم تقديم سياسات مقترحة في المدى القصير: تسليط الكتاب الضوء على الإدارات الأمريكية المتعاقبة أدى إلى التركيز على خيارات السياسة في المدى القصير، بدلاً من التوجهات الوطنية الأوسع مع الأخذ في الاعتبارات التطورات العالمية ذات الصلة. وفي ذات السياق غالباً ما يكشف محللو الاستخبارات عن نقاط ضعف في مقترحات السياسة لكنهم لا يقدموا أفكاراً للتحسين، وينطبق ذلك على الكتاب إذ لا يقدم رؤية واضحة لاستراتيجية أمريكية أكثر فاعلية تجاه المنطقة، مع التركيز بشكل أكبر على الكشف عن نقاط الضعف في السياسة الحالية.

2- إغفال مساحات مهمة في تحليل سياسات واشنطن: يميل تحليل سيمون إلى التركيز على تجاربه الخاصة والمجالات التي خدم فيها شخصياً، مما قد يخلق منظوراً محدوداً، ومن جانب آخر فإن تركيز الكتاب على السلطة التنفيذية وإهمال الكونجرس والإدارات الأخرى والسكان المحليين قد يعطي نظرة غير كاملة لسياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

3- الادعاء الخاطئ بالاستمرارية في السياسات الأمريكية: يسلط المؤلف الضوء على الاستمرارية في سياسات الشرق الأوسط عبر مختلف الإدارات الأمريكية، على الرغم من الخلافات العامة بين تلك الإدارة إزاء ملفات الشرق الأوسط المختلفة. فعلى سبيل المثال، يرى أن ترامب قد واصل إلى حد كبير سياسة أوباما في الولاية الثانية في الشرق الأوسط، على الرغم من الخطاب العام يشير إلى خلاف ذلك.

4- التأثر بالتحيزات الأيديولوجية الشخصية للكاتب: قادت التحيزات الأيديولوجية للكاتب إلى التقليل من شأن بعض النجاحات الأمريكية، مثل الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” كما يتضمن الكتاب بعض الانتقادات للأفراد الذين اختلف معهم سيمون خلال فترة وجوده في مناصب حكومية سابقة.

وختاماً، يُوصِي الكتاب بأهمية التواضع والاعتراف بحدود القوة الأمريكية في تشكيل الأحداث في المنطقة، ويجادل أن من المحتمل ألا يشبه مستقبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ماضيَها أو حاضرها؛ ما يعطي بعض الأمل في التغيير والتقدم في المديين المتوسط والطويل.