• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
أبحاث

ترامب في مواجهة القضاء.. الديمقراطية الأمريكية تحت الاختبار


أصبحت الإثارة سمة مميزة للسياسة الأمريكية في الآونة الأخيرة، ومليئة باتهامات التزوير والتهديد بالعنف، والدعاوى القضائية، مما منح السياسة الأمريكية طابعًا حادًا خشنًا، اعتدنا عليه في سياسات دول العالم الثالث، أكثر مما عهدناه في السياسة في النظم الديمقراطية.

يواجه ترامب اتهامات تهدد حريته، بعد عقود من التحقيقات في تعاملاته التجارية والسياسية والشخصية، ومن غير الوارد أن تدفع هذه القضية أو حتى الإدانة الرئيس إلى العزوف عن الترشح للانتخابات المقبلة أو القتال بشراسة للفوز في عام 2024.

وحدهم الجمهوريون من أنصاره يعتقدون أن القرار جاء نتيجة عملية مسيَّسة لحسابات انتخابية لا غير، في حين يقول خصومه الذين رحبوا بالتهمة إن القضية وإن كانت مشحونة بالسياسة إلا أن حيثياتها القانونية المتماسكة فرضت توجيه التهمة. وبذلك توسع الشرخ والجدل، مع احتمال كبير بالتصعيد مع اقتراب موسم الحملة الانتخابية لانتخابات 2024، خاصة إذا صدرت قرارات لاحقة من هذا النوع في قضايا أخرى ضد ترامب مازالت قيد التحقيق، منها قضية الوثائق السرية التي صودرت من منزله، وأيضًا ملف اقتحام الكونغرس في يناير2021 المشتبه فيه كمحرض أساسي عليه.

وسيتعين على ترامب الطامح للعودة إلى البيت الأبيض التعاطي مع هذه التحديات خلال الفترة المقبلة، مما قد ينعكس سلبيًا على مسار حملته الانتخابية.

الأكيد، أن تاريخ 30 مارس 2023 سيبقى وصمة في تاريخ الرئاسة الأمريكية، خصوصًا أن القرار بحد ذاته “فضيحة معيبة للمنصب وصاحبه، وإن كان انتصارًا لمبدأ أن لا أحد فوق القانون”، حسب ما تكاد تجمع الردود على تصنيفه.

أولًا: خلفيات توجيه الاتهام للرئيس الأمريكي السابق ترامب

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة أصبح اتهام رئيس سابق في قضية جنائية وشيكًا، فها هو الرئيس الـ 45 لأمريكا يترقب أن يجرجر أمام المحاكم، ويمكن أن يكون ذلك بسبب أيٍّ من 4 قضايا تُقضُّ مضجعه.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير اعتبرت أنه على الرغم من عدم الإعلان عن تفاصيل لائحة الاتهام الموجهة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن مسؤولين متابعين للملف أكدوا أنها تضم أكثر من 20 تهمة تتعلق أساسًا بفضيحة ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز التي كانت تحاول في أكتوبر 2016، قبيل الانتخابات الرئاسية، بيع قصة علاقتها مع ترامب.

عندما يتهم شخص ما من قبل هيئة محلفين كبرى، فهذا يعني أنه متهم بارتكاب جريمة واحدة أو أكثر. هيئة المحلفين الكبرى، التي تتكون في نيويورك من 23 عضوًا، تستمع إلى الأدلة من الشهود التي قدمها المدعون على مدى أيام أو أسابيع أو شهور. وفي نهاية هذه العملية، يقرر المدعون ما إذا كانوا سيطلبون من المحلفين التصويت على لائحة الاتهام. ويجب أن تصوت الأغلبية لتوجيه الاتهام إلى الشخص. ولا يتم الإعلان عن لائحة الاتهام بشكل عام حتى يتم تقديمها في المحكمة أو – في بعض الحالات – حتى يمثُل المدعَى عليه أمام المحكمة لأول مرة.

1. قضية ستورمي دانييلز في نيويورك: ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في 12 يناير 2018 أنه قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، قام مايكل كوهين، محامي دونالد ترامب، بترتيب دفع مبلغ 130 ألف دولار لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز لشراء صمتها بخصوص علاقة غرامية زعم أنها أقامتها مع ترامب في عام 2006 ووافقت ستورمي دانيلز.

اعترف محامي ترامب بدفع المبلغ رغم إنكاره في البداية، ما أدى إلى شكوك كبيرة في انتهاك قوانين الحملات الانتخابية. ثم اعترف مايكل كوهين أمام المحكمة بانتهاكه عدة قوانين، ليُحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهم منها الاحتيال. فيما ظل ترامب يحاجج بأن ما تم دفعه لدانيلز لم يؤخذ من صندوق الحملة الانتخابية، متحدثًا عن أن إدانة كوهين لا علاقة لها بما تم دفعه للممثلة.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، فإن التحقيقات بحثت أيضًا قصة شيكات السداد الشهرية التي دفعها ترامب، عبر شركته، لمحاميه كوهين، إلى جانب الطريقة المضللة التي قدمت بها الشركة ما دُفع للمحامي على أساس أنه نفقات قانونية، حيث تحدثت أوراق الشركة عن “أتعاب المحامي”.

ويخضع ترامب أيضًا لتحقيقات إضافية هي: محاولة إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية في جورجيا لعام 2020 وتعامله مع الوثائق الحكومية السرية والمتعلقة بالدفاع الوطني وحيازتها، وكذلك دوره وتحريضه على اقتحام مبنى الكابيتول.

2.  قضية “11 ألفًا و780 صوتًا” في جورجيا: تتعلق هذه القضية بمحاولات دونالد ترامب تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020، والتي خسرها أمام الرئيس الحالي جو بايدن.

لم يستطع ترامب تقبل خسارته جورجيا، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يخسر فيها الجمهوريون هذه الولاية منذ عام 1992، فقد فاز فيها بايدن بفارق 11 ألفًا و779 صوتًا من أصل 5 ملايين، لكن ترامب اتصل في الثاني من يناير 2021 بالمسؤول الذي يشرف على الانتخابات في تلك المنطقة براد رافنسبرجر وقد سجلت مكالمته معه، حيث حثه على منح الحزب الجمهوري 11 ألفا و780 صوتًا كي يفوز على بايدن، وعندما رد الموظف بأن النتائج لا غبار عليها هدده قائلًا: “أنت بذلك تخاطر مخاطرة كبيرة”، وقد أعيد الفرز لكنه أعطى بايدن هامشًا أكبر ولو أنه قليل.

والقضية الآن معروضة في مقاطعة فولتون بأتلانتا، حيث التقرير النهائي أوصى بإدانة عدة أشخاص في هذه القضية، وتشمل التهم المحتملة الموجهة إليهم انتهاك قانون الانتخابات وتهديد المسؤولين والابتزاز، وقد يصل الحد الأقصى للعقوبة إلى السجن 20 سنة.

3. التدخل في نتائج انتخابات 2020: وهذه هي القضية الأكثر أهمية، وقد تم تفصيل أهم التهم الموجهة من خلالها في التقرير النهائي للجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير 2021، والتي أطلقها مجلس النواب السابق، والتي كانت تتمتع فقط بصلاحية التحقيق والتوصية إلى وزارة العدل بتوجيه الاتهام.

وقد وجهت “لجنة 6 يناير” الاتهامات إلى الرئيس الأمريكي السابق بتعمد نشر مزاعم كاذبة عن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بداية من ليلة 6 يناير 2021 وما بعد ذلك؛ من أجل تحقيق هدفه الرئيسي الخاص بإلغاء الانتخابات، وذلك رغم خسارته هو وأنصاره عشرات الدعاوى القضائية الانتخابية. وأضاف التقرير أنه بالرغم من دحض كبار مستشاري ترامب ادعاءاته المتعلقة بالتزوير وحثه على الاعتراف بخسارته في الانتخابات، فإنه رفض قبول النتيجة القانونية لانتخابات عام 2020، وبدلًا من احترام التزامه الدستوري بـ “الحرص على تنفيذ القوانين بأمانة”، تآمر لإلغاء النتيجة. وقد سبق للرئيس ترامب أن صرح في يونيو 2020 بأن الانتخابات الرئاسية هذا العام ستكون أكثر الانتخابات فسادًا في تاريخ بلدنا، وبحسب إحصاءات صحيفة الواشنطن بوست، فإن الرئيس قد هاجم التصويت بالبريد ما يقدر بـ 50 مرة على الأقل.

هذه السلوكيات الصادرة عن ترامب ومؤيديه تجعلنا نتساءل: هل النظام الديمقراطي في أمريكا يعمل بكفاءة؟ أم أنه لا يعمل على الإطلاق؟ هذا هو السؤال الذي يتبناه الديمقراطيون والجمهوريون، وثمة إجابات مختلفة عنه. فالديمقراطيون يرون أن النظام يعمل بكفاءة، ولم لا وقد فاز مرشحهم “جو يايدن” في النهاية. أما في رأي بعض الجمهوريين، فإن النظام لا يعمل على الإطلاق، وأنه تعرض لتلاعب وتآمر يقوض أركانه. وظهور اتجاه مثل هذا بين أنصار المرشح الخاسر في نظام ديمقراطي هو أمر خطير للغاية، حيث يصبح النظام الجيد هو النظام الذي يفوز فيه المرشح المفضل، وليس النظام الذي يعمل وفقًا لقواعد عادلة متفق عليها مسبقًا.

وفي هذه القضية يمكن أن تؤدي عرقلة العملية الرسمية إلى السجن لمدة 20 عامًا، خصوصًا أن الأحداث أدت إلى تأخير التصديق على الأصوات الانتخابية التي كان فرزها يجري آنذاك في مبنى الكابيتول، كما أن ترامب حث أنصاره خلال ذلك الهجوم على الاستمرار فيه وعدم التراجع، وهو ما يزيد تعقيد القضية بالنسبة له.

4. عرقلة ترامب عمل الكونجرس للمصادقة على النتائج: تم توجيه الاتهام أيضًا إلى ترامب بمحاولة الضغط على نائبه مايك بنس لرفض فرز الأصوات الانتخابية خلال جلسة الكونجرس المشتركة في 6 يناير 2021، برغم معرفته بعدم قانونية الإجراء. ووفقًا لتقرير اللجنة، ضغط ترامب كذلك على أعضاء الكونجرس للاعتراض على قوائم صالحة للناخبين من عدة ولايات، دون أي أساس إثباتي، وبما يتعارض مع قانون هذه الولايات والقانون الفيدرالي، وضغط أيضًا بشكل غير قانوني على المسؤولين والمشرِّعين لتغيير نتائج الانتخابات في ولاياتهم، وخلال ذلك أشرف ترامب بنفسه على الجهود التي بُذلت لأجل الحصول على شهادات انتخابية مزورة وإرسالها إلى الكونجرس والأرشيف الوطني.

5. وثائق “مارالاغو” المصنّفة سرية: لدى مغادرته البيت الأبيض، أخذ دونالد ترامب صناديق مملوءة بالوثائق، حيث كشفت صحيفة أمريكية أن الرئيس السابق دونالد ترامب أخذ أكثر من 700 صفحة من الوثائق السرية بما في ذلك بعض الوثائق المتعلقة بالعمليات الاستخباراتية الأكثر سرية بالبلاد إلى ناديه الخاص ومقر إقامته في فلوريدا، وفقًا لرسالة الأرشيف الوطني. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن المحققين عثروا على أكثر من 300 وثيقة تحمل علامات سرية في منزل ترامب.

وفي يناير 2022، أعاد ترامب 15 صندوقًا. وبعد التحقق، قدرت الشرطة الفيدرالية أنه يحتفظ بصناديق أخرى في داره الفاخرة في مارالاغو.

وتشمل التهم المحتملة في مذكرة التفتيش الصادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي في مارالاغو: الاحتفاظ غير المصرح به بوثائق تتعلق بأمن الدولة، وفيما يتعلق بقانون التجسس وعقوبتها القصوى السجن 10 سنوات، وعرقلة سير القضاء (20 عامًا)، وإساءة التعامل مع وثائق رسمية (3 سنوات)، وازدراء المحكمة لأنه تجاهل أمر هيئة المحلفين الكبرى في مايو 2022 بإعادة جميع المستندات (6 أشهر)، والمؤامرة للإدلاء ببيان كاذب (5 سنوات).

صحيفة واشنطن بوست، نقلًا عن أشخاص مطلعين، قالت: إن وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) جمعا أدلة جديدة تشير، على ما يظهر، إلى تعمد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عرقلة التحقيق فيما يخص الوثائق السرية التي عُثر عليها في منتجعه ومقر إقامته الفاخر في مارالاغو بفلوريدا.

وأضافت أن الأدلة الجديدة جاءت بعدما فحص المحققون رسائل إلكترونية وأخرى هاتفية لمساعدين سابقين لترامب لمعرفة ما جرى خلال العام 2022.

ولفتت صحيفة واشنطن بوست إلى أن الأدلة الجديدة التي تم الوصول إليها تشير إلى أن التحقيق الذي يقوده المشرف القضائي الخاص، جاك سميث، بشأن التعامل غير اللائق المحتمل مع الوثائق السرية في مقر إقامة ترامب، بات يركز أكثر على عنصر عرقلة التحقيق الفيدرالي. وأوضحت في هذا الصدد أن التحقيق ينصب على معرفة ما إذا كان الرئيس السابق اتخذ خطوات لعرقلة جهود الحكومة في جمع الوثائق الحساسة أو وجه معاونيه للقيام بذلك.

6- أحداث الكابيتول انقلاب على الديمقراطية

لم تكن الانتخابات الأمريكية 2020 حدثًا عابرًا، بل كانت محط جدال ونقاش واسع، داخليًا وخارجيًا، سواء كان ذلك بظهور جماعات مسلحة كانت تثير قلق الأجهزة الأمنية الأمريكية، بل وصل الأمر إلى إغلاق عدة بلدان ومدن تحاشيًا لوقوع مصادمات، أو بسريان حالة من الذعر والخوف في الشوارع من اندلاع موجة من العنف والشغب والنهب والسرقة عقب إعلان اسم الفائز بالانتخابات، وهو ما يعد أمرًا غريبًا على دولة تصنّف من أكبر المدافعين عن الحريات.

إن ما حصل يوم الأربعاء الأسود 06 يناير 2021 جاء صادمًا للجميع، إذ اقتحم مئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس، واحتلوا رمز الديمقراطية الأمريكية وأجبروا الكونغرس على تأجيل جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، مؤقتًا، فيما شهد مبنى الكابيتول هيل أعمال تخريب ونهب، وقتل 4 أشخاص في هذا الحدث غير المسبوق.

وقد دفعت هذه الأحداث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، بأن يصدر في فبراير 2020 تحذيرًا مباشرًا للكونغرس من أن “المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية أصبحوا المصدر الرئيسي للتهديدات الإرهابية المحلية وجرائم القتل”. وقد تفاقمت مخاوفه مع مرور عام 2020 بسبب تزامن الوباء مع قيام ترامب ببعض التصرفات الخالية من قواعد الدبلوماسية، حيث استغل القلق العام بشأن القوانين الخاصة بارتداء الأقنعة وعمليات الإغلاق الخاصة بكورونا لإثارة جنون قاعدة مؤيديه.

وقد علق بعض العاملين في وسائل الإعلام الأمريكية على اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لجدران مبنى الكونغرس بأنه “محاولة للانقلاب”، وبهذه العبارة علق مذيع شبكة “CNN” الأمريكية، جيك تابر، على اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب لجدران مبنى الكونغرس، في مشهد لن ينساه الأمريكيون مطلقًا بعدما وضع سمعة بلادهم على المحك وأصابت مصداقية الديمقراطية الأمريكية الممتدة قرابة قرنين ونصف تقريبًا، بينما رأى آخرون أن التجربة الحالية بكل تفاصيلها تؤكد صمود تلك الديمقراطية في مواجهة أكثر السيناريوهات قسوة.

ويمكن القول إن من أسباب أحداث الكابيتول هو تشكيك ترامب في النظام الانتخابي لبلاده، بل إنه اتهم الديمقراطية الأمريكية بالعوار الذي منح منافسه الديمقراطي جو بايدن الفوز رغم عدم أحقيته في ذلك على حد قوله، وسيكون له تداعياته السلبية على المشهد الداخلي خلال المرحلة المقبلة.

ويبدو من خلال هذه الأحداث أن الرئيس السابق ترامب كان يحلم بإطالة أمد بقائه في البيت الأبيض أو عرقلة تسليم السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن، من خلال نشر الفوضى بعد مطالبته أنصاره بالتجمع أمام الكونغرس تزامنًا مع انعقاد الجلسة الختامية للتعبير عن رفضهم لنتائج المجمع الانتخابي، محرضًا على ضرورة الدفاع عن أحقيته في ولاية ثانية، ومؤكدًا أنه الفائز الحقيقي وأن بايدن فاز بالتزوير، وهو ما دفع الآلاف من داعميه للتوجه إلى مبنى الكابيتول واقتحام ساحته، ما خلف 4 قتلى وعددًا من الجرحى.

إن ما حصل يوم “الأربعاء الأسود 06 يناير 2021” جاء صادمًا للجميع، إذ اقتحم مئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس، واحتلوا رمز الديمقراطية الأمريكية وأجبروا الكونغرس على تأجيل جلسة للتصديق على فوز الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، مؤقتًا، فيما شهد مبنى الكابيتول هيل أعمال تخريب ونهب.

ويواجه ترامب دعاوى مدنية من ضابطي شرطة في الكابيتول و11 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب؛ لتحميله المسؤولية المالية عن الإصابات التي لحقت بهم خلال أعمال الشغب، حيث بلغ عدد مصابي ضباط شرطة الكابيتول خلال أحداث الشغب في 6 يناير 114 ضابطًا، وفقًا لتقرير صدر العام الماضي عن مكتب محاسبة الحكومة، ولا يشمل هذا الرقم ضباط شرطة العاصمة المصابين.

وزعم المدَّعون أن ترامب طلب من أنصاره في 6 يناير “القتال بضراوة”، ما يعد انتهاكًا لقانون “كو كلوكس كلان” الصادر عام 1871، ما يمنح الحكومة تعويضات نتيجة تعطيلها عن ممارسة أعمالها. غير أن وزارة العدل الأمريكية لم تعلق على الدعوى وصرحت فقط بأنه: "لا يتضمن أي جزء من المسؤوليات الرسمية للرئيس على التحريض على العنف، فمثل هذا السلوك لا يندرج تحت الواجبات الدستورية والقانونية للرئيس".

رابعًا: التداعيات السياسية

تثير هذه المحاكمة التساؤلات بشأن إمكانية ترشح ترامب لانتخابات الرئاسة 2024، ومدى تأثيرها على حظوظه في الفوز. لكن خبراء ومعنيين يحذرون من أن هذه المحاكمة قد تزيد من شعبيته، ويرجحون أن الأمر قد يستغرق أعوامًا حتى تصل قضيته الجنائية إلى المحاكم، نظرًا للإجراءات وتكتيكات التأجيل التي قد تدفع المحاكمة إلى ما بعد انتخابات عام 2024.

1-إرث الترامبية ما بعد المحاكمة

جاء ترامب قبل خوضه انتخابات 2016 مغردًا من خارج سرب السياسة التقليدية الأمريكية بتقاليدها وأعرافها الراسخة، ونجح في تحقيق انتصار ساحق على أكبر عائلتين سياسيتين قوة ونفوذًا في العقود الأخيرة، وهما عائلة بوش، التي مثلها في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري آنذاك المرشح جيب بوش، وعائلة كلينتون التي مثلتها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية.

صعود ترامب عكس مسارًا ليس جديدًا تمامًا في السياسة الأمريكية، لكنه رافق جملة تحولات نجمت عن العولمة والنيوليبرالية، التي تسببت في تقليص المزايا الاجتماعية، وانتقال الرأسمالية الأمريكية من التصنيع إلى الرأسمالية المالية، ثم الاعتماد على الوسائل التكنولوجية الكبرى، ونبذ مراكز الإنتاج الصناعي من الولايات المتحدة، للبحث عن تمركزات أخرى في مناطق تضمن عوائد استثمارية ضخمة ومتسارعة، الأمر الذي كان كلفته تنامي البطالة، وضعف شرائح وقطاعات من الطبقة العاملة.

ويرى مراقبون أن ترامب لم يتفوه حتى اللحظة بكلمة “آسف” أو “لم أكن أقصد ذلك”، ورغم ذلك فقد قبل الكثير من الأمريكيين بالتغاضي عن سقطاته وسلوكه الأخلاقي والقِيمي.

ما يتعرض له ترامب من اتهامات جنائية كفيل بإسقاط أي مرشح تقليدي، وكفيل بأن يبعد عنه دعم الملايين من الناخبين، خاصة مع بدء إرهاصات الحملة الانتخابية لعام 2024. لكن العكس حصل مع ترامب، حيث زادت التبرعات المالية لحملته الانتخابية، في وقت وسع فيه الفارق مع أقرب منافسيه المهتمين بالترشح على بطاقة الحزب الجمهوري.

بذل ترامب جهودًا لتشويه سمعة المحاولات السياسية لمحاسبته، منها ترهيب المدّعين العامين، وتعبئة مؤيديه على مستوى القاعدة للحزب الجمهوري، والضغط على كبار مسؤولي الحزب الجمهوري للوقوف إلى جانبه، لكن دعوة الرئيس السابق في نهاية هذا الأسبوع تحت شعار “استرداد أمتنا” كانت تحريضية منذ أن أظهر في 6 يناير 2021 أنه على استعداد للتحريض على العنف من أجل مصالحه.

دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الثلاثاء 4 أبريل 2023، ببراءته من كل التهم الجنائية الموجهة إليه، وذلك بعد مثوله أمام محكمة في نيويورك، حيث وُجّه إليه رسميًا الاتهام بتزوير مستندات محاسبية، وذلك في جلسة تاريخية أمام قاضٍ في نيويورك قد تفتح المجال لمحاكمته خلال أقل من عام.

وفي خطاب له بعد المحاكمة، قد بدا كأنه جزء من حملة انتخابية وعودته إلى مقر إقامته بفلوريدا، زعم ترامب أن القضية لها دوافع سياسية وأنها تهدف إلى منعه من دخول انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024. وعن الدعوى القائمة، أخبر ترامب حشدًا من المؤيدين داخل قاعة مارالاغو بأنه "يجب إسقاطها فورًا".

طالب ترامب المدعي العام براغ بتقديم استقالته لتوجيهه مزاعم لا أساس لها من الصحة، موجهًا اتهامًا آخر للقاضي، خوان ميرتشان، وعائلته بأكملها بالتحيز السياسي ضده (هاجم ترامب في السابق ميرتشان، الذي أشرف على محاكمة جنائية منفصلة تتعلق بالاحتيال الضريبي ضد منظمة ترامب).

كما زعم ترامب أن التفاصيل الخاصة بلائحة الاتهام المعلنة الثلاثاء 04 أبريل 2023 جاءت ضعيفة على غير المتوقع، مؤكدًا أن الجميع تقريبًا يؤيدون براءته، برغم اعتقاد غالبية أعضاء هيئة المحلفين الكبرى المكونة من 23 عضوًا بأن القضية تستلزم استدعاءه للمحاكمة. وقدم مكتب براغ بيانًا منفصلًا للوقائع يوضح مزيدًا من التفاصيل حول الادعاءات.

انتقد ترامب في خطابه العديد من التحقيقات الأخرى التي أجريت معه، مضيفًا أن التحقيقات الجنائية الفيدرالية التي أجريت معه حول تعامله مع وثائق سرية وتورطه في هجوم 6 يناير 2021 وكذا التحقيق الذي تم في جورجيا والدعوى المدنية التي رفعها المدعي العام لنيويورك ضده لها دوافع سياسية، وأردف "الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها هي الدفاع عن أمتنا بلا خوف".

تجدر الإشارة إلى أن لجنة 6 يناير بمجلس النواب، التي تحقق في أحداث 6 يناير 2021، قدمت في 19 ديسمبر 2022، وعبر الأدلة حجة قوية ضد ترامب وداعميه، وبات في الإمكان تقديم هذه الأدلة ضد ترامب وأنصاره لمعاقبتهم على مخططهم للإعلان عن تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020 عن طريق الدفع بمجموعة متنوعة من الأكاذيب التي بلغت ذروتها في الحديث عن وجود قوائم انتخابية مزيفة، كما أوصت اللجنة بمحاكمة ترامب بتهمة التحريض على العصيان، وتقديم الدعم للمتمردين، وهي تهمة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية.

هناك شعور ملموس بين بعض الناخبين بأنه حان الوقت للخروج من الدراما والفوضى وقانون الغاب السياسي، نتيجة استمرار سلوك ترامب الهجومي، مع عدم إغفال أن محاولة الرئيس السابق حث مؤيديه الذين يرفضون الانتخابات إلى السلطة كلفت غاليًا الجمهوريين في الولايات المتأرجحة في انتخابات التجديد النصفي العام الماضي، كما ستضيف لائحة الاتهام الجدل حول ما إذا كانت شخصية ترامب وجاذبيته السياسية قد تضررت لدرجة أنه لن يستطيع الفوز في الانتخابات العامة.

معظم التهم الموجهة إلى الرئيس السابق، إن لم تكن كلها، تهدد بقرارات من هذا الصنف، كما ستكون نتيجتها الدخول في منازعات قضائية طويلة أمام المحاكم. والخشية أن يساهم ذلك في المزيد من شحن الأجواء المتوترة أصلًا، التي قد تجر الوضع إلى اهتزازات أمنية لا تُخفي الجهات المعنية تخوفها منها. ومثل هذا الاحتمال بدأت تتبدى ملامحه في وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت بضخ التهديدات من جانب أنصار الرئيس ترامب ضد الجهات القضائية والمؤسسات الرسمية.

2-ما بعد المحاكمة: فرص قوية للترشح لانتخابات 2024

يستند أنصار الرأي القائل بإمكانية ترشح ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة على جملة من الحجج المضادة التي يمكن الوقوف على أبرزها من خلال النقاط الآتية:

- احتمالية الحصول على دعم جمهوري واسع: تسبب تفتيش منزل ترامب والتهم الموجهة إليه في احتقان سياسي واسع عبر عنه عدد من أعضاء الحزب الجمهوري، وهو ما قد يلقي بظلاله على دعمهم المحتمل لترشحه في الانتخابات المقبلة، خاصة أنه كان يفكر بالفعل في إعلان نيته الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024 في الأشهر القليلة المقبلة، وتحديدًا قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر 2022.

- معظم استطلاعات الرأي، التي يجب النظر إليها بتأنٍ، ما زالت تظهر أن الرئيس السابق الذي يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، سيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير. ومن المتوقع أن يعود دونالد ترامب إلى النشاط السياسي في قلب الحزب الجمهوري الذي أعطاه زخمًا كبيرًا وغير مسبوق، وهو يقنع أنصاره بكل سهولة أنه كان رئيسًا شجاعًا عندما حكم الولايات المتحدة الأمريكية مدة أربعة أعوام، وأنه أوفى بوعوده ولعب دورًا محوريًا في توسيع القاعدة الاجتماعية للحزب الجمهوري، لولا أن تفشي الجائحة قد أضر بفرصه في الفوز بالانتخابات.

- في استطلاع للرأي أجري في شهر مارس 2023، أكد نحو 50% من الناخبين الجمهوريين أنهم سيصوتون لصالح ترامب في الانتخابات التمهيدية لعام 2024، وفقًا لاستطلاع Harvard CAPS/Harris الذي صدر يوم الإثنين 27 مارس 2023، بزيادة أربع نقاط عن الاستطلاع السابق للمجموعة في فبراير 2023. ورأت نسبة أكبر من الجمهوريين 57% أن ترامب سيفوز بالترشيح.

- حصل حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، الذي لم يعلن عن خوضه سباق انتخابات 2024 بعد، على دعم 24% من المستجيبين، بما يتفق مع نتيجته في استطلاع فبراير 2023، وقد أُجري هذا الاستطلاع الذي شمل 2905 ناخبين مسجلين في الفترة من 22 إلى 23 مارس 2023، بعد أيام من انتشار أنباء عن أن مكتب المدعي العام في مانهاتن يعد لائحة اتهام ضد ترامب لدوره في دفع أموال إلى ستورمي دانيلز لشراء سكوتها قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016 .

- لايزال ترامب يحتفظ بتقدم قوي في استطلاع رأي آخر أجراه موقع ياهو بالتعاون مع خدمة ونيوز-يوجوف، إذ أظهر الاستطلاع الذي أُجري عقب الإعلان عن اتهامه من قبل هيئة محلفين كبرى في مانهاتن بولاية نيويورك، عن تقدمه الكبير على منافسيه الجمهوريين الحاليين والمحتملين الآخرين لخوض انتخابات 2024. وتقدم ترامب بفارق 31 نقطة على أقرب منافسيه المحتملين من الحزب الجمهوري، حاكم فلوريدا رون دي سانتيس، فحصل ترامب على 52% من الأصوات، وجاء دي سانتيس في المرتبة الثانية (21%)، تليه السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي (5%)، ثم نائب الرئيس السابق مايك بنس (3%).

- أظهر استطلاع للرأي أجرته PBS/Marist، في الفترة من 20 إلى 23 مارس 2023، أن 81% من الجمهوريين لديهم وجهة نظر إيجابية عن ترامب (مقارنة بـ 39% من جميع المستجيبين البالغ عددهم 1327)، ويعتقد 80% من المشاركين من الحزب الجمهوري أن التحقيقات المختلفة مع ترامب هي مضايقات سياسية مقابل 56% من جميع البالغين الأمريكيين الذين يقولون إن التحقيقات عادلة. وقال 56% من الناخبين الجمهوريين إنهم سيصوتون لصالح ترامب ضمن سباق مع دي سانتيس الذي حصل على 44% من أصوات الناخبين. وفي حالة عدم ترشح ترامب، فإن دي سانتيس سيكون المفضل بشكل واضح، فقد قال 45% من المستطلعين إنهم سيصوتون له، وفقًا لاستطلاع هارفارد/هاريس.

- أغلب الجمهوريين، حتى من لا يتفقون مع ترامب، مثل مايك بنس وليندسي غراهام، وجهوا انتقادات بالفعل للمحاكمة، واعتبروها حملة من الديمقراطيين ضد الجمهوريين، خاصة أن المدعي العام في نيويورك، ألفين براغ، ينتمي للحزب الديمقراطي، وهذا ما يريده ترامب لتحسين صورته.

وقد امتنع غالبية المرشحين المنافسين للرئيس السابق في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين عن انتقاد ترامب بسبب متاعبه القضائية حرصًا على عدم إثارة غضب زعيم حزبهم وقاعدته الانتخابية التي قد تكون مفيدة في مساعيهم للوصول إلى البيت الأبيض. وتختبر لائحة الاتهام، الموجهة لترامب، الحقيقة البديهية للحزب الجمهوري؛ وهي أن ترامب يحكم قبضته على أكثر أنصار الحزب الجمهوري، وأن معظم المشرعين والمسؤولين في الحزب يسعون ويشعرون أنهم ملزمون بإرضائه من أجل الحفاظ على مسيرتهم وحياتهم السياسية.

- من المحتمل أن تؤدي لائحة الاتهام إلى قلب الانتخابات التمهيدية الرئاسية للجمهوريين لعام 2024، حيث يفصلنا عام تقريبًا عن أول مسابقات ترشيح للحزب الجمهوري، لذلك من المستحيل الحكم على كيفية رد فعل الناخبين الأساسيين في الحزب الجمهوري والناخبين الوطنيين على أي لائحة اتهام ضد ترامب وبناء التعاطف معه، من خلال تحقيقات يمكن أن تغير النموذج بشكل جذري، بينما ندخل في انتخابات 2024.

- انتفاء الموانع القانونية: لا يمكن الجزم بمنع ترامب من الترشح للانتخابات المقبلة، حتى وإن ثبتت إدانته بإتلاف الوثائق الرسمية؛ فقد أكد عدد من الخبراء القانونيين أن القانون السابق الإشارة إليه، لا يتصل بالترشح للرئاسة من عدمه، وإنما الدستور الأمريكي الذي يقصر شروط الترشح على معايير تتصل بالسن والجنسية ومقر الإقامة، ولا يتطرق إلى مسألة الإدانة الجنائية بوصفها سببًا محتملًا يحول دون الترشح. ولا يمكن الجزم بأن المدعين الحكوميين سيتهمون ترامب في نهاية الأمر، فلا شك أن إدانته ستفتح الباب لاختلاف الآراء بين الفقهاء، وإن كان من المستبعد أن تعرقل عودته المحتملة إلى البيت الأبيض.

إذن، لن تؤثر القضية على حظوظ ترامب في الترشح لولاية رئاسية ثانية، لأن قوانين الولايات المتحدة تعطي الحق لأي شخص متهم جنائيًا أو مُدان في الترشح لأي منصب وأن يتم انتخابه.

الجريمة الوحيدة التي تُسقط أهلية ترامب لممارسة وظيفة رسمية ومنها الترشح للانتخابات الرئاسية حسب التعديل الرابع عشر للدستور هي المشاركة في عصيان أو تمرد ضد الولايات المتحدة، وبالتالي فإن ترامب يمكنه إدارة البلاد من السجن، لكن ليس في هذه القضية المعروضة أمام الادعاء العام.

 نجح ترامب في بناء حركة سياسية داخل المجتمع الأمريكي، وأنه هو رئيسها وزعيمها ومقررها، وهذا يدل بالتأكيد على أنه ليس شخصًا غير مسؤول كما يردد البعض. فمن يعرف ما يريده نصف الشعب الأمريكي ويصبح هو مجسدًا له ليس مغفلًا. والذي ينجح في الحصول على ملايين أصوات الشعب ليس بهذه الحماقة. والذي جمع ما زاد على (210) ملايين دولار «للمعارك القانونية» التي أعقبت التصويت في الانتخابات ليس سفيهًا. والذي يكرس رغم خساراته الواضحة في الانتخابات ولاء ملايين الأصوات وبقاءها معه وإلى جانبه ويسيطر – من ثم – على الحزب الجمهوري وعلى الشارع السياسي هو بالتأكيد ليس مغفلًا.

- وجود سوابق قانونية لرؤساء أمريكيين وغربيين: سبق أن أدين الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، بالقيادة تحت تأثير الكحول، إلا أنه تولى الرئاسة في نهاية المطاف، كما سبق التدقيق في القانون السابق الإشارة إليه في عام 2015 عقب استخدام هيلاري كلينتون خادمًا خاصًا للبريد الإلكتروني في الأعمال الحكومية أثناء توليها وزارة الخارجية الأمريكية، وقد صاحب ذلك جدالٌ قانوني مماثل بين مختلف الفقهاء القانونيين، وإن خاضت كلينتون السباق الرئاسي في نهاية المطاف، ولاسيما أن الدستور الأمريكي يحدد معايير أهلية الترشح للرئاسة، كما تشير أحكام المحكمة العليا إلى أن الكونجرس لا يمكنه تغييرها. ويسمح الدستور للكونجرس بعزل بعض الأشخاص من مناصبهم بما في ذلك رئيس الجمهورية، دون أن يملك القانون الجنائي تلك الصلاحية.

الدستور الأمريكي ينص فقط على أن يكون المرشح فوق 35 عامًا ومقيمًا في الولايات المتحدة لمدة 14 عامًا على الأقل، دون الإشارة إلى ضرورة أن يكون سجله القانوني نظيفًا أو غير مدان بجرائم. إلا أن التعديل الرابع عشر للدستور، الذي تم إقراره في أعقاب الحرب الأهلية الأمريكية، نص على منع أي شخص شارك في تمرد أو عصيان من تولي مناصب عامة رفيعة، بما فيها الرئاسة. ويواجه ترامب تهمة التحريض على العصيان في أحداث اقتحام الكونجرس، وهو واحد من اتهامات أربعة أوصت لجنة التحقيق في أحداث الكابيتول بتوجيهها إلى الرئيس السابق، لكن لم توجَّه له بعد.

غير أن الاتهام والإجراءات القانونية المرتبطة به يمكن أن تؤثر على ترشح ترامب بطريقتين سلبية وإيجابية؛ فالمدافعون عن ترامب ومستشاروه يعتبرون الجدل القانوني منطقة مفضلة لترامب، حيث يعيده إلى قلب الانتباه باعتباره الشخصية المهيمنة في الحزب الجمهوري، إلا أنهم يعترفون أيضًا بالعثرات التي يسببها الاتهام، وقالوا إن الحملة الانتخابية لم تحدد خوض سباق رئاسي ومواجهة محاكمة جنائية في الوقت نفسه.

وتسعى حملة ترامب إلى تصوير الملاحقة القادمة باعتبارها أحدث اضطهاد سياسي يستهدف الرئيس السابق. وسبق أن أشارت إلى أن الاتهام له دوافع سياسية من الديمقراطيين اليساريين الراديكاليين، وقالت إن تحقيق مدعى مانهاتن تم تمويله من رجل الأعمال الليبرالي جورج سوروس.

ختامًا يمكن القول إن التحقيق في مانهاتن هو واحد من عدة تحديات قانونية تواجه ترامب، وقد تضر التهم بمساعيه للعودة للرئاسة. وقد أعلن قاضٍ، في المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك، أن محاكمة الرئيس السابق دونالد ترامب بالتهم الـ (34) التي وجهت إليه الثلاثاء 4 أبريل 2023 يمكن أن تبدأ في يناير 2024.

الوضع أكثر خطورة، لأن ترامب هو بالفعل مرشح نشط لسباق البيت الأبيض 2024، وقد رسخ حملته بالفعل في قصة من الاضطهاد السياسي، خاصة فيما يتعلق بالتحقيقات في سلوكه بعد الانتخابات الأخيرة، كما أنه يعد برئاسة انتقامية ضد خصومه إذا فاز بالمنصب البيضاوي مرة أخرى.

وحتى إذا ما تم توجيه الاتهام إليه فسيبقى ترامب يتمتع بالحماية الدستورية وافتراض البراءة قبل إدانته بالتهم المنسوبة إليه، ومن المؤكد أن ترامب سيسعى بالفعل إلى تصوير الملاحقات القضائية المحتملة ضده من قبل وزارة العدل على أنها تسليح للعدالة بدوافع سياسية واضطهاد سياسي، بطريقة تمثل تحديًا جديدًا للرئيس جو بايدن، خصمه السابق وربما المستقبلي في الانتخابات الرئاسية القادمة.

إن أي محاكمة لرئيس سابق يجب أن تنطوي على جريمة خطيرة، وأن يكون الدليل فيها قويًا بدرجة كافية، بحيث يُقنع أي ناخب عاقل، وأن آخر ما تحتاجه أمريكا المستقطبة سياسيًا، هو حالة تحدث اصطفافات مثل قضية أو جاي سيمبسون، ومن الضروري أن يُنظر إلى المحاكمة من قبل غالبية المواطنين على أنها مثال للعدالة المنصفة.