بينما تحتفل إسرائيل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها، توقف لحظة لتتعجب بكيفية انتصارها على الصعاب. قبل إعلان الاستقلال في العام 1948 حذر جنرالاتها من أن فرصة البقاء على قيد الحياة لا تتعدى الخمسين. إن إسرائيل اليوم غنية جدًا، وأكثر أمانًا مما كانت عليه في معظم تاريخها، وهي دولة ديمقراطية إذا كنت مستعدًا لاستبعاد الأراضي التي تحتلها. لقد تغلبت على الحروب والجفاف والفقر بموارد طبيعية قليلة بخلاف العزيمة البشرية. إنها منطقة نائية في الشرق الأوسط، وهي مركز للابتكار واستفادت من العولمة.
ومع ذلك، تواجه إسرائيل مجموعة مختلفة من الفرص والتهديدات في العقود المقبلة. يمكنك أن تتلمس هذا من الاضطرابات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة: أزمة دستورية حول استقلال القضاء أثارتها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، فراغ غريب في السلطة في الضفة الغربية الراكدة، وقواعد النظام القديم الذي تقوده أميركا يجري تمزيقه؛ فقد أبرمت السعودية وإيران والصين صفقات جديدة. وخطر الغزو يهدد بقاء إسرائيل في القرن العشرين. أما في القرن الحادي والعشرين، فيكمن الخطر في أن الانقسامات الداخلية التي تستنزف القوة والرشاقة التي تحتاجها لتزدهر.
ومن السهل التعامل مع إنجازات إسرائيل على أنها أمر واقع. فبعد العام 1948 بنت إسرائيل نظاما ليبراليا، وديمقراطية بمحاكم مستقلة على الرغم من عدم وجود دستور مستقل، وعادت إلى السوق الحر بعد محاولة للتغازل مع الاشتراكية. وفي العام 1980 كان معدل دخل الفرد نصف دخل الفرد في ألمانيا. والآن هو أعلى من 12 في المئة. وإسرائيل أغنى بمعدل 11 مرة من مصر. ومن الدول الأقوى من ناحية الشركات التكنولوجية الناشئة من كل الشرق الأوسط، وفيها حائزون على جائزة نوبل أكثر من الصين. واستطاعت المرور عبر التحولات الجيوسياسية بذكاء. وبعد نهاية الحرب الباردة استوعبت إسرائيل مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي السابق وحافظت على علاقات خاصة مع أميركا؛ وكان تميزها العسكري على جيرانها العرب الأكثر تعبيرًا عن تفوقها التكنولوجي، ولدى جيشها حوالي 400.000 من جنود الاحتياط. ومع التغيرات المناخية التي أدت إلى زيادة معدلات الجفاف خلقت إدارة من أجل توفير المياه المحلاة.
وفي أيامها السود، من يوم كيبور عام 1973، واجتياح العام 1982 واغتيال يتسحاق رابين عام 1995 وكل محاولات السلام الفاشلة مع الفلسطينيين استطاعت التكيف والعثور على تعايش اجتماعي وسياسي. وتعرضت براعة إسرائيل وصمودها للامتحان من خلال ثلاثة اتجاهات:
أولاـ الديمغرافيا، فالبلد شاب وقد يرتفع عدد سكانه من 10 ملايين اليوم إلى 20 مليونًا بحلول العام 2065. ويعتمد نتنياهو على الأحزاب الدينية المتطرفة المتماهية مع حركة الاستيطان، وتريد أن تحد من استقلالية المحاكم التي تراها غير ممثلة. وفي الوقت نفسه، فنسبة المواطنين الذين ينتمون للأحزاب المتطرفة لن يعملوا على الأرجح أو يخدموا في الجيش أو يدرسوا في المدارس الحكومية، (ستزيد من 13 في المئة الآن إلى 32 في المئة بحلول 2065). وهذا سيشرذم الانتخابات ويميل السياسات نحو اليمين المتطرف، ما سيزيد الضغوط على الطابع الليبرالي- الديمقراطي. ولو استمرت الموجة بهذه الوجهة فإنها ستؤثر على الازدهار وربما انتقل رأس المال والإبداع إلى أماكن أخرى.
ثانيًا ـ تراجع بروز الموضوع الفلسطيني، فثلاثة ملايين يعيشون في الضفة الغربية ومليونان في غزة، ففي القرن العشرين، حاول رؤساء أميركا التوصل إلى صفقات سلام، ولكن العالم تخلى عن هذا وتحرك إلى الأمام، وربما كان هذا بمثابة نعمة لإسرائيل، فمن غير المرجح أن تجبرها القوى الخارجية على تقديم تنازلات في الأراضي أو المستوطنات، حتى بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020. ولكن على المدى البعيد، فمن الصعب رؤية كيف سيكون تجاهل الفلسطينيين جيدًا لإسرائيل؛ فالفجوة الاقتصادية زادت بشكل كبير، ودخل الفرد في الضفة الغربية هو 94 في المئة أقل من دخل الفرد في إسرائيل وبابو نيو غينيا. والسلطة الوطنية في حالة انهيار، وقادتها الذين أصابتهم الشيخوخة علقوا الانتخابات وفقدوا الشرعية. وقبل المتشددون في إسرائيل على مضض المنافع الاقتصادية المتبادلة، حتى مع مواصلتهم حرمان الفلسطينيين من الحقوق السياسية. والآن يريد المتطرفون الصاعدون في إسرائيل عزل الفلسطينيين بالضفة الغربية. وربما انتهت غزة إلى منطقة فاشلة من دون وضعية الدولة، ما قد يؤثر على أمن إسرائيل وموقفها الأخلاقي.
ثالثًا ـ ظهور العالم المتعدد الأقطاب. وكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل عام 1948، وظلت حليفًا قويًا، ووجود قوة عالمية موزعة بتوازن فرصة لإسرائيل، بما في ذلك صلات مع الجيران العرب ومع الصين والهند التي لا تهتم بالفلسطينيين إلا قليلًا. ولدى إسرائيل علاقات تجارية مع آسيا أكثر من أميركا. والنقطة هنا هي أن أميركا لا تزال توفر 66 في المئة من احتياجات إسرائيل العسكرية، وتقدم لها الضمانات الأمنية من الهجمات بما فيها إيران. ومع زيادة الميول غير الليبرالية تحول دعم الأميركيين لإسرائيل إلى موازنة حزبية، ويقول واحد من كل أربعة أميركيين إن إسرائيل هي دولة تمييز عنصري.