تشهد تركيا يوم 14 مايو/أيار المقبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعدما قدّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موعدها بموجب مرسوم رئاسي وقّعه يوم 10 آذار\ مارس 2023 التي كانت مقررة بتاريخ 18 حزيران\ يونيو. وتصاحب هذا التاريخ المرتقب الكثير من التكهنات حول مصير تركيا ورئيسها. وتوصف بأنها الانتخابات الأكثر أهمية لجهة تحديد وضع تركيا الداخلي، وعلاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية من زاوية جيوسياسية، لاسيما إيران وروسيا وسوريا، والناتو وأميركا. وهو ما تناولته حلقة نقاش نظمتها الرابطة بعنوان: "تركيا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية: مع أردوغان أم من دونه".
أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
الزمان |
الثلاثاء 2\5\ 2023 |
المكان |
Zoom Meeting ـ مكتب الرابطة في بيروت |
المشاركون السادة |
|
1 |
رئيس الرابطة د. محسن صالح. |
2 |
عضو الهيئة الإدارية في فلسطين د. حسن عبدو. |
3 |
عضو الرابطة في سوريا د. بسام بو عبد الله |
4 |
عضو الرابطة في لبنان د. محمد نور الدين |
5 |
عضو الرابطة في تركيا د. محمد يوفا |
6 |
أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط. |
ثانيًا: مجريات اللقاء
بعد بالترحيب بالمشاركين، افتتح رئيس الرّابطة د. محسن صالح النقاش بمداخلة بدأها بالقول: بعد سقوط السلطنة العثمانية أصبحت تركيا الداخل وتركيا الخارج بين حلف بغداد والناتو ، بين شنغهاي والبريكس، بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وإيران، بين العالم الجديد والعالم القديم وبين عالم احادي القطب وعالم متعدد الأقطاب، بين فلسطين وإسرائيل بين الإسلام والعلمانية، عجبي أن يكون تيار اسلامي ينسجم مع الطروحات الأميركية ويعمل معها على تفتيت المنطقة في الوقت الذي كانت تخضع فيه كل المنطقة للسلطنة العثمانية، والان "عثمنة" جديدة لتفتيت المنطقة.
الهجوم على سوريا كان لضرب واحدة من العقد او الحلقات محور المقاومة وهي سوريا، وتركيا انخرطت في هذا المجال من اجل كسب آني وذاتي ومساعدة المشروع الأميركي في تفتيت المنطقة لشرق أوسط كبير، او متوسط او صغير، والعدوى انتقلت الى تركيا التي لم تستطع التخلص من الهجوم الذي شنته على نفسها وهي وقعت في فخ التخطيط الأميركي، أو المؤامرة الأميركية على المنطقة.
اليوم سوريا انتصرت، وفلسطين انتصرت، ولبنان والعراق وإيران ما أنشأ عالمًا جديدًا، وتركيا مضطرة للحاق بهذا العالم الجديد، ولكن من سيلتحق به: اردوغان ام كمال كيليتشدار؟: وما تأثير ذلك على الرؤى الجديدة لشرق أوسط جديد خال من الكيان الصهيوني الغاصب؟ ، وأي نظام في تركيا سيقبل بإزالة هذا الكيان؟، خاصة أن للناتو الدور في كل الانتخابات التركية. وعلى مستوى العلاقة ما بين سوريا وتركيا خلال فترة وجود اردوغان في السلطة هل هناك إمكانية لإعادة رأب الصدع والنظرة الواقعية والبرغماتية والمصلحية، هذا باعتقادي عند اردوغان، لأنه هو الذي قام بهذا الفعل مع الناتو وأميركا والكيان الصهيوني الغاصب.
لقد صحح محور المقاومة المسارات الإقليمية باتجاه ان العداء لإسرائيل والوجود الأميركي هو المقياس، لذلك فإن محور المقاومة أبقى قضية فلسطينية حية وقوية وصولا الى ضعف الكيان الصهيوني عندما انتصر، تمامًا كما أدى انتصار سوريا ولبنان والعراق واليمن الى تصويب العالم باتجاه تعددية قطبية ولا ديكتاتورية عثمانية، أو صهيونية، وهو ما سيؤدي الى تصويب المسار التركي، بحيث أن التطرف الذي ذهب اليه اردوغان جعله ينظر بعين أكثر موضوعية وبراغماتية.
المداخلات:
د. محمد يوفا:
للقوى الخارجية القوية دور في التأثير على الانتخابات في تركيا، والصراع الذي يجري في تركيا خلال هذه الفترة هو صراع قوي جدًا لتحديد مصير موقع تركيا بعد الانتخابات: بين الولايات المتحدة وحلفائها وروسيا وحلفائها من جهة ثانية. لقد تحدثنا عن دور الناتو وتحالفات الأحزاب التركية مع حلف شمال الأطلسي وهذا قديم جدًا ، فتركيا في حضن النظام الغربي منذ العام 1943. وهناك خطأ يجب تصحيحه، سواء كان من حزب الشعب الجمهوري والأحزاب التي خرجت من الحزب الديمقراطي أو حزب الشعب الجمهوري، فتركيا منذ العام 1943 حتى هذه اللحظة تتخبط في النظام الغربي، وكانت تؤدي دائمًا دورًا رئيسًا في تنفيذ مشاريع امبريالية غربية تجاه المنطقة.
ما حصل في العام 2003 بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة وكان بدعم مباشر من اميركا وإسرائيل والقوى الغربية المتحالفة معهما، ووصل الى السلطة كموظف أساسي في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي حددته الولايات المتحدة مع مبادئه، وتركيا تؤدي دورًا أساسيًا في تفكيك المنطقة ، والأهم أن تكون إسرائيل في المنطقة الدولة الأقوى اقتصاديًا وماليًا وعسكريًا، وأن تكون المنطقة بأكملها المحيطة بإسرائيل متورطة إما بحروب داخلية، أو صراعات ونزاعات اجتماعية واقتصادية، وللوصول الى السلطة قدم اردوغان وحزب العدالة والتنمية كل الضمانات لأميركا بأن يكونوا أوفياء لتنفيذ ما يطلبه السيد الأميركي. ولكن بعد العام 2011 أدت تركيا دورها بشكل ذكي عبر تقديم مساعدات عسكرية امنية للأميركي لنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وعبر التدخل العسكري المباشر خدمةً للولايات المتحدة من خلال دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا، ولكن يجب التركيز على الخلافات التي ظهرت خاصة بعد العام 2013 بين القوى المتحالفة الموظفة في مشروع الشرق الأوسط الكبير.
اليوم تركيا تعيش الصراع الداخلي، وكان المطلوب من اردوغان وحزبه أن لا يتردد بتنفيذ ما حصل على أرض العراق، أي بناء الدولة الكردية. وفي العام 2013 صرح اردوغان بوضوح أنه قد خدع من أوباما والولايات المتحدة بعدم تلبية طلب تركيا بإقامة مناطق آمنة على ارض سوريا، وعدم ارسال قوات عسكرية اميركية مباشرة لدعمها في بناء هذه المناطق بالنسبة للتنظيمات المسلحة المدعومة من تركيا، وكان هناك انزعاج كبير.
اقتضت المصلحة ان نكون عند نقطة من سيخدم مصلحة الامن القومي السوري واللبناني والفلسطيني والإيراني والروسي... تركيا جيواستراتيجيًا دولة اوراسية مهمة واساسية في جغرافيا اسيا الغربية.
أما ما خص المعارضة الموجودة حاليًا فهي غير ديمقراطية، ولا تملك مشروعًا اقتصاديًا ينقذ النظام في تركيا، كما لأنها لا تملك مشروعًا خارجيًا يصحح العلاقات مع سوريا وإيران ولبنان وفلسطين، ولا تحافظ على الصداقة التي بنتها تركيا لا مع روسيا ولا اصدقائها. وبالتالي، فإن حزب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري ليسا المطلوبين بالنسبة للنظام العادل الديمقراطي والشفاف لشعبه، ولعلاقة طيبة مع شعوب المنطقة؛ ولكن لدينا خيار بين السيئ والاسوأ.
د. محمد نور الدين:
الانتخابات التي ستجري في تركيا في 14 أيار الجاري انتخابات مزدوجة رئاسية ونيابية؛ ونظرًا لأن النظام الجديد في تركيا الذي أُقر عام 2017 ـ أي النظام الرئاسي ـ همش صلاحيات البرلمان من تشكيل الحكومة الى إقرار الموازنة الى التعيينات الى اخره، وبالتالي فالأنظار ستتجه الى الانتخابات الرئاسية أكثر من النيابية على الأقل على صعيد الخارجي، ولكن لا يمكن الفصل بين التحولات التي جرت في تركيا والسياسات الخارجية التركية؛ وبالتالي فتأثير الانتخابات المتوقعة على الداخل التركي لا تقل أهمية عن تأثير الانتخابات على السياسة الخارجية التركية.
تنظر المعارضة الى هذه الانتخابات على أنها مصيرية، ومحاولة لتصحيح الخلل الذي حصل في حقبة حزب العدالة والتنمية، لاسيما في السنوات ال 12 الأخيرة، كما ترى المعارضة أن حقبة اردوغان تميزت بالآتي: همشت إلى اقصى قدر ممكن النزعة العلمانية في الدولة والمجتمع في الكثير من الممارسات، وسعت الى تعزيز البعد الديني في الدولة والمجتمع. كما ترى أن اردوغان عزز الاستقطاب الطائفي والعرقي من خلال خطاب استعدى الفئات غير السنية، وغير التركية، والمقصود هنا تحديدًا العلويين والاكراد. والأهم والأخطر في نظر المعارضة أن اردوغان نجح في تغيير النظام الذي ساد منذ العام 1923 تقريبًا حتى الآن، وهو نظام يعتمد البرلمان كمصدر للسلطات، والحكومة مصدر تنفيذ السياسات وليس رئاسية الجمهورية. وترى أيضًا أن اردوغان اختصر الدولة في حزب العدالة والتنمية، وحوّل الدولة إلى دولة لحزب العدالة والتنمية، وليس للدولة والمواطنين. وترى المعارضة أنها في حال فازت في الانتخابات ستكون فرصة لتصحيح هذا الخلل واستعادة الإنجازات العلمانية وإقرار العلمنة كمبدأ أساسي في الدولة والمجتمع، ومنع انجرار البلاد إلى أن تكون دولة إسلامية، أو مجرد احدى الدول الإسلامية.
كانت تركيا قبل حزب العدالة والتنمية تتعاطى مع الدول المجاورة من دولة الى دولة، وعندما حصل خلاف بين تركيا وسوريا حول وجود عبدالله اوجلان في سوريا وانتهى الأمر بإخراجه من سوريا، وتم توقيع اتفاق اضنة، وأصبحت العلاقات السياسية والامنية ممتازة جدًا، بينما في عهد اردوغان، وعند أول طلقة في سوريا عام 2011 رفع الصوت عاليًا ولاحقًا سحب سفيره، ومن بعدها أولى اردوغان العامل الأيديولوجي أولوية في سياسته الخارجية.
وترى المعارضة أنها إذا وصلت إلى السلطة فإنها ستعيد تصحيح الخلل في السياسة الخارجية، وتعيد الاعتبار للعلمنة في السياسة الخارجية والوقوف على الحياد، والتعامل مع الدول العربية من حكومة لأخرى، وليس من منطلق دولة لديها مشروع للهيمنة.
المعارضة هي أكثر تنوعًا لكن ترشّح احمد داوود اوغلو وعلى بابجان على لوائح حزب الشعب الجمهوري وعدم ترشحهم كأحزاب مستقلة ناتج عن فخ نصبه اردوغان للمعارضة عندما قام بتعديل قانون الانتخاب في البرلمان وفرض نسبة 7 % كحد أدنى، وفرض آلية معينة لانتخاب النواب ضمن الأحزاب؛ وبالتالي كلما ترشحت الأحزاب بصورة مستقلة تكاسروا، لهذا السبب اقتصرت المعارضة على مستوى الترشيح الرسمي على حزبين. والسلطة تتهم المعارضة بأنه ليس لديها مشروع خارجي واضح، وأنها ستفتح البلاد لحلف شمال الأطلسي، وقد تقوم بصفقة مع الاكراد في تركيا يعطيهم الحكم الذاتي.
الأستاذ حسن عبدو:
تُعرّف تركيا أحيانًا في القواميس بأنها الدولة الممزقة، لأنها تقوم على فلسفة غير حاسمة تجاه الكتل الغربية، وهناك من يؤيد ويدفع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وينظر إلى تركيا على أنها جزء من الغرب، وهناك جزء من تركيا ينظر إلى تركيا على أنها دولة الشرق، وهي الدولة المركز في المنطقة، وقادت الامة الإسلامية لقرون طويلة؛ وبالتالي لا بد من التمسك بالهوية الإسلامية، وليس الهوية الغربية.
واليوم هناك ثلاثة قوى أساسية في الشرق الأوسط هي: تركيا وإيران وإسرائيل؛ قال فريد زكريا مرة ردًا عن سؤال عن دول الخليج، قال: "هذه قبائل لها اعلام وليست دولًا"، صحيح أن الخليج هو مركز تفاعلات النظام العربي، ومن المفيد النظر إلى التحولات التي جرت على هذا النظام، بمعنى أن تحطيم دول المركز واحتواءها أعطى دول الهامش والأطراف فرصة أداء دور المركز بطريقة عبثية، وأعتقد أن الحالة الفوضوية في النظام العربي والفراغ الموجود هو الذي يدفع النظم الإقليمية والدولية إلى التدخل في هذه المنطقة، والتدخل سيكون سمة سائدة في المرحلة المقبلة ما لم يكن هناك انتاج قوى مركزية قادرة على ملئ الفراغ.
بالإشارة الى التحالف السداسي فهم يتحدثون عن طرح جيد على الصعيد الإقليمي والداخلي، فهناك رؤية تتعلق بمجلس رئاسي جماعي بديلًا عن حالة الاستفراد التي خلقها اردوغان من خلال النظام الرئاسي، وعلى الصعيد الإقليمي هناك طرح مهم جدًا في ما يتعلق بمنظمة السلم والامن التي تضم القوى الإقليمية الأساسية إيران والدول العربية الفاعلة لحل القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية السورية وكذلك العراقية والقضايا الأخرى.
المشكلة التي تواجهنا في قراءة قوى المعارضة هو غياب المشروع الخارجي، أي على صعيد السياسة الخارجية فهي غير واضحة تمامًا ولا مؤشرات حول شكل العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي؛ صحيح أن التحالف السداسي يسعى إلى إنهاء الخلاف على الأراضي السورية، ولديه وجهة نظر في ما يتعلق بالإرهابيين خاصة في شمال غرب سوريا في منطقة ادلب، وهو يريد انهاء هذه الحالة، لكن لا رؤية واضحة للسياسة الخارجية لدى هذا التحالف.
اردوغان لديه كتلة تصويتية ليست سهلة، ودامت لعقدين من الزمن، وهي محسومة الى جانبه، ولكنه يواجه تحديات حقيقية برزت بعد الزلزال المدمر الذي يمس ما يقارب 13 مليون نسمة، وهي كتلة ناخبة كبيرة، وهو يميل الى البعد العاطفي لكن التباطؤ في حل مشاكل أزمة الزلزال ورقة لصالح التحالف السداسي؛ واردوغان يعول على اقناع ناخبيه في مشروعه الدفاعي والقضائي، وفي مجال التعليم والاقتصاد، ولكن هناك مأخذ يأخذها الشعب التركي في ما يتعلق بالتباطؤ الاقتصادي التركي الذي حصل في السنوات الأخيرة، وبالتالي تقديري أننا أمام انتخابات حاسمة بين رؤيتين. وخروج المنطقة من الإقليمية الى التأثير في الساحة الدولية يتطلب نظامًا إقليميًا يلغي فكرة الحرب والصراع في المنطقة ويتفرغ للتنمية، ومن هنا ما سمي بالإقليمية الجديدة، ولا شك أننا أمام منطقة حوض حضاري واحد عاشت الوحدة سابقًا بقيادة عربية وغير عربية، وقادرة على أن تستعيد ذاتها على الرغم من كل ما يحدث فيها من انشقاقات وانقسامات، وبالتالي يمكن أن نكون كتلة واحدة.
د. بسام أبو عبدالله:
الانتخابات التركية ليست عوامل خارجية وإقليمية فقط؛ بل هناك عوامل داخلية تؤدي دورها من تراجع الاقتصاد إلى تضخم البطالة، وأزمة اللاجئين وجيل الشباب، وهناك عوامل إقليمية ستأخذها تركيا في الاعتبار أيًا كان في السلطة، ومنها سقوط مشروع ما يسمى الربيع العربي وارتداداته، وبالتالي تركيا بدأت أصلًا بتغيير سياساتها منذ أكثر من عام بتقييمات امنية عسكرية، حتى السياسة الخارجية بدأت تتغير العلاقات مع دول الخليج ومصر، وبدء المحادثات مع سوريا.
دوليًا هناك تحولات كبيرة في النظام الدولي، من دور الصين في المصالحة الإيرانية السعودية، فالحرب الأوكرانية ودور روسيا الصاعد، والهند البرازيل، إنه عالم متعدد الأقطاب؛ وبالتالي فإن تركيا ستأخذ هذه التحولات الجيوسياسية في الاعتبار. وهناك أيضًا تقارب عربي مع سوريا، وبدء وضع مسار حل وهذا مهم جدًا، وهناك أيضًا محور مقاومة أثبت وجوده بدءًا من اليمن باتجاه سوريا إلى جنوب لبنان وغزة، وهو محور قائم له مبدؤه ولا يختلف عن العلاقة الطيبة وحسن الجوار مع تركيا. كما أنه هناك اتجاه واضح جدًا لتعدد مسارات العلاقات بين تركيا والقوى الصاعدة في العالم، وهذه القوى البازغة الأساسية منها من هم حلفاء سوريا، فهناك تحولات في السياسة الخارجية التركية يجب أن ندرسها بغض النظر عن عواطفنا، والطريف أن جزءًا من الذين انخرطوا في مشروع ضد سوريا والاقليم هم الآن في المعارضة، وهذا أمر يجب أن نلتفت اليه.
في مرحلة اردوغان بدأ التوازن، أو تنويع الخيارات كما هو حاصل مع السعودية وغيرها من الدول، تركيا دولة هامة جدًا جيوسياسيا ولكنها ممزقة الهوية، وهناك اتجاه اوراسي في تركيا أصبح أكثر قوة، ويتوسع في الأوساط النخبوية والعسكرية والامنية وداخل الكثير من الأحزاب السياسية.
لدينا خيار اردوغان وحزبه العدالة والتنمية مع تكتل اليمين القومي "حزب الحركة القومية" مع بعض أحزاب اليسار والأحزاب الدينية الكردية الصغيرة، وهناك خيار المعارضة التركية وهي حزب الشعب الجمهوري، وهناك جزء من القوميين وقيادات حزب العدالة والتنمية السابقة مثل احمد داوود اوغلو وعلي بابجان الذين كانوا جزءًا أساسيًا من محرضي المشروع ضد سوريا وانقلبوا واصبحوا معارضة، وهناك قوى موجودة هي حركة فتح الله غولن الذراع السرية الأساسية العميلة لأميركا داخل تركيا، حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي أخذ وفقًا للمعلومات تعهدًا بأن يحصل حكمًا ذاتيًا داخل تركيا.
نحن الآن أمام سيناريوهين: إما فوز اردوغان مع حزبه وتكتله، أو فوز المعارضة ممثلة بكمال كريشدار اوغلو، لأن المرشحين الأخرين السيد سنان ومحرم انجاز قد يأخذان جزءًا من الأصوات، ولكن لا أفق لهما في الفوز في هذه الانتخابات. وإذا فازت المعارضة فهي تكتل من اتجاهات أيديولوجية عديدة لا يجمعها جامع، والمعارضة آتية لهدفين كبيرين: حكم ذاتي كردي، وتطبيق حكم ذاتي كردي في تركيا يعني أنه سيُطبق في سوريا والعكس صحيح، والهدف الثاني هو إطلاق سراح جماعة فتح الله غولن وإعادة الاعتبار إليهم.
الموقف السوري لم يعلن تأييده لأي طرف، ولكن المطالب السورية تتركز حول الانسحاب التركي وتطبيع العلاقات، وحل مسألة اللاجئين، وإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا إلى سابق عهدها. وفي حال فازت المعارضة فإن تأثير روسيا وإيران والصين عليها سيكون أقل بكثير من الغرب لأنه لديها ميول غربية بشكل عام. ولا أرى مصلحة في المعارضة التركية لأنها اطلسية وكل الوعود التي تتحدث عنها قد لا تستطيع تنفيذها، لان تأثير واشنطن والغرب سيكون أكبر، وهذا سيضعف العامل الروسي والإيراني والصيني أكثر على أي حكومة مقبلة، بالإضافة الى عدم مركزية القرار. وفي حال فوز اردوغان فسيكون هناك تغيير سياسي حتمي لمواكبة الوعود لروسيا والتحولات التي تجري في المنطقة، وضمن التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية تركيا لا يوجد لديها معبر جغرافي سوى شمال جنوب، وفي حال بقيت في ادلب فهي لن تستفيد من المعبر وعلاقاتها بدول الخليج واقتصاد وإعادة اعمار في سوريا، لذلك فتركيا مضطرة للانسحاب.