• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

ما فرص نجاح مشروع الممر الأوسط لربط الصين بأوروبا؟


شهدت الآونة الأخيرة تصاعد الحديث عن مشروع الممر الأوسط الذي يمتد من الصين إلى أوروبا؛ وذلك في خضم التداعيات الحادة التي تُخلِّفها الحرب الأوكرانية. ويعتبر الممر الأوسط – الذي يعرف أيضاً باسم ممر الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا – طريقاً تجارياً يمتد من الصين إلى كازاخستان قبل أن يصل إلى ميناءي بحر قزوين الكازاخستاني والتركماني، ثم يمر بوصلة بحرية تربطه بالموانئ الأذربيجانية، ليمر بعدها عبر جنوب القوقاز؛ عبر جورجيا، قبل أن يصل إلى تركيا ثم الاتحاد الأوروبي. وتَعتبِر الصين والبلدان الإقليمية الواقعة في حوضَي بحر قزوين والبحر الأسود، الممرَّ الأوسط شبكةً لوجستيةً تكميليةً لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

أبعاد محفزة

ثمة أبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية تدفع نحو التسريع من وتيرة تنفيذ هذا الممر في أقرب وقت ممكن. ويمكن إيجاز هذه الأبعاد على النحو التالي:

1استمرار الحرب الروسية–الأوكرانية: بعد اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية في فبراير 2022، أثَّرت العقوبات الغربية المُوقَّعة ضد روسيا على مختلف المجالات، وخاصةً المتعلقة بالتجارة الدولية، لا سيما الخدمات اللوجستية والمعاملات المصرفية والإجراءات الجمركية، وهو ما تسبب في تقويض موقع الممر الشمالي على خريطة التجارة العالمية، باعتباره الممر الرئيسي الذي يربط بين الشرق والغرب، ويمتد عبر الأراضي الروسية والبيلاروسية؛ إذ انخفضت شحنات الصين والاتحاد الأوروبي على طول هذا الممر بنسبة 40% منذ نشوب الحرب، ومن ثم تسبب هذا الوضع في زيادة جاذبية مبادرة الممر الأوسط عبر بحر قزوين؛ لأنه يتجاوز الدول الواقعة تحت طائلة العقوبات الغربية، خاصةً مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثاني، وعدم وجود نهاية مرئية لها في الأفق.

2تمسك بكين بتفعيل مبادرة الحزام والطريق: بالنسبة إلى الصين، يعتبر الاتحاد الأوروبي سوقاً تصديرية رئيسية؛ لذلك تسعى بشتى الطرق إلى أن توفر المزيد من الروابط معه؛ وذلك في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ إذ تهدف بكين من خلالها إلى ربط البلاد بأوروبا من خلال شبكة مترامية الأطراف من مسارات القطارات التي تتقاطع مع منطقة آسيا الوسطى.

كما أن قمة الصين وآسيا الوسطى التي ستُعقد في مايو 2023، تشير أيضاً إلى العلاقات المتنامية بينهما؛ حيث ستحتل السكك الحديدية، بلا شك، مكانة عالية على جدول الأعمال. وكجزء من مبادرة الحزام والطريق، تم إطلاق ثلاثة ممرات نقل بين الصين وأوروبا؛ تسمى: الممر الشرقي، والممر الأوسط، والممر الغربي، ومن ثم يعد الممر الأوسط أحد المشروعات الرئيسية لإعادة إنشاء طريق الحرير القديم.

بالإضافة إلى ذلك، هناك اهتمام صيني متصاعد بمنطقة آسيا الوسطى؛ حيث تعتبر بكين جميع طرق التجارة الجديدة عبر أوراسيا مفيدة على نطاق واسع؛ لذلك فهي تسعى إلى التمتع بنفوذ أكبر في هذه المنطقة، التي تتنافس فيها مع موسكو منذ فترة طويلة. وبالرغم من أن الصين تقدر اشتراكها حالياً مع روسيا في شراكة “بلا حدود”، فإنها تضع في حسبانها أن طول عمر تلك الشراكة غير مضمون، خاصةً أن استخدام الممر الشمالي بات صعباً نتيجة استمرار العقوبات الغربية المفروضة ضد روسيا.

3مساعي تركيا لتعزيز مكانتها الاستراتيجية العالمية: في الطرف الأوروبي من الممر الأوسط، تقع تركيا؛ الدولة التي تضاهي مصالحها في الممر – إن لم تكن تفوق – مصلحة الصين؛ حيث اعتبرت أنقرة الممر وسيلة ليس لبناء علاقات اقتصادية أقوى مع آسيا الوسطى فقط، بل لتحسين موقعها الاستراتيجي أيضاً، مستفيدة من جذورها اللغوية المشتركة مع البلدان الناطقة بالتركية في المنطقة، ومنحها منفذاً تجارياً بديلاً وجذاباً لتلك المنافذ الموجودة في إيران أو روسيا.

هذا وقد جعلت تركيا الممر الأوسط محور سياستها الخارجية في آسيا الوسطى بين عامي 2013 و2015؛ حيث وقعت اتفاقيات مع أذربيجان والصين وجورجيا وكازاخستان لتحسين ربط الممر بأوروبا.

وبالرغم من أن أصول المبادرة التركية تعود إلى عام 2009، بيد أن أنقرة قد واجهت في البداية صعوبة في إقناع دول آسيا الوسطى بتطوير طرق النقل على طول الممر الأوسط. ويرجع ذلك – في الغالب – إلى الاعتماد غير المتكافئ لهذه الدول على روسيا؛ لذلك فإن العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014 زادت اهتمام دول آسيا الوسطى بتنويع علاقاتها الخارجية بعيداً عن موسكو، وخاصةً مع أنقرة.

4ثقل حجم التجارة الأوروبية مع الصين: منذ عام 2011، برزت الصين واحداً من أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، بل أكبر مصدر لوارداته، ومن ثم يتمتع الجانبان بشراكة تجارية قوية يصعب التخلي عنها بسهولة، وخاصةً بعد أن اقترب حجم التبادل التجاري بينهما من مستوى التريليون دولار خلال عام 2022، مقارنةً بنحو 869 مليار دولار في عام 2021، بفضل عودة الأنشطة الاقتصادية إلى طبيعتها في فترة ما بعد جائحة كورونا؛ وذلك نتيجةً للاعتماد الأوروبي المتزايد على الواردات الصينية وارتفاع مستويات الأسعار العالمية، خاصةً أن دول التكتل تعتمد على الصين بشكل أساسي في توريد أكثر من 20 منتجاً، خاصةً أشباه الموصلات ومجموعة من المعادن النادرة.

ومن ثم إذا كان هذا الممر هو السبيل لاستمرار حركة التجارة البينية بعيداً عن موسكو وحلفائها، فسيدفع الجانبان نحو إزالة كافة العوائق التي تحول دون تنفيذه؛ لضمان تسهيل عمليات التبادل التجاري بينهما.

5ترحيب دول منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بالمشروع: نظراً إلى حالة عدم اليقين الجيوسياسي الناجمة عن الحرب الأوكرانية، سعت بلدان آسيا الوسطى والقوقاز إلى البحث عن طريق تجاري بري بديل للنفاذ إلى الأسواق العالمية بعيداً عن روسيا؛ فعلى مدار عام 2022، تعاونت أذربيجان وجورجيا وكازاخستان، على وجه الخصوص؛ وذلك بجانب الصين وتركيا؛ حيث عقدت الدول الخمس سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات الوزارية لتحسين خطوط السكك الحديدية عبر الحدود بينها، واتخذت خلالها خطوات عديدة من شأنها التحول السريع لطرق التجارة من الممر الشمالي إلى الممر الأوسط، ومنها إعلان باكو خرائط الطريق من أجل القضاء على الاختناقات، وتطوير خطة (2022 – 2027) التي وقعها وزراء الخارجية والنقل في كازاخستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا في نوفمبر 2022، والتي تحتوي على تدابير لتطوير طريق التجارة الدولية عبر قزوين (TITR) كجزء لا يتجزأ من الممر الأوسط.

6الأهمية الاستراتيجية للممر: جغرافياً، يعد هذا الممر هو أقصر طريق بين غرب الصين وأوروبا؛ إذ يعتبر أقصر بمقدار 2000 كم من الممر الشمالي، كما يستفيد الممر الأوسط من الظروف المناخية المواتية، ويقصر وقت السفر بمقدار 15 يوماً مقارنةً بالطرق البحرية، خاصةً في ظل الظروف الطقس الشديدة البرودة بممر الشمال؛ لذلك يفضل استخدام الممر الأوسط بدلاً من الممر الشمالي، خاصةً أنه يمكن أن يصل أيضاً إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط عبر الموانئ التركية.

علاوة على ذلك، فإن إنشاء الممر الأوسط يمثل فرصة لدول جنوب القوقاز للانتعاش الاقتصادي وتنويع العلاقات التجارية؛ إذ ستتمتع هذه الدول بعلاقات تجارية أفضل مع أوروبا؛ بسبب شبكة الطرق المتزايدة. وفي المقابل، يعد الممر مفيداً أيضاً للاتحاد الأوروبي؛ لأن الدول التي تقع في طريق الممر الأوسط ستكون مصدرة ومستوردة له، خاصةً أن التكتل يسعى إلى زيادة حجم وارداته من الغاز الطبيعي من هذه المنطقة، في ضوء خطته للبحث عن أسواق بديلة للسوق الروسية.

7دعم بعض الدول الغربية للمشروع: من الناحيتين الجيوسياسية والجيواقتصادية على السواء، يعتبر الاتحاد الأوروبي وبعض دول حلف شمال الأطلسي، الممر الأوسط بديلاً استراتيجياً من أجل الوصول إلى دول القوقاز وآسيا الوسطى؛ لدعم الاستقلال الجيوسياسي لها عن روسيا.

لذلك يخطط الاتحاد الأوروبي لاستثمار ما يصل إلى مليارَي يورو من خطته لتوسيع شبكة النقل عبر أوروبا (TEN–T) إلى دول الشراكة الشرقية، التي تشمل أذربيجان وجورجيا، كما أنه في الأشهر التي أعقبت الحرب في أوكرانيا، أعاد التكتل تنشيط سياساته تجاه منطقة البحر الأسود، وشارك بنشاط في آسيا الوسطى من خلال زيارات رفيعة المستوى، وتعهد بتقديم الدعم الاقتصادي والسياسي لها، مشيراً إلى عدم رغبة بروكسل في التعاون التجاري مع الصين عبر روسيا، وأنه سيضغط خلال الفترة المقبلة من أجل توسيع نشاطه التجاري عبر الممر الأوسط.

معوقات محتملة

بالرغم من الفرص السابقة، فإن هناك مجموعة من العوائق المحتملة قد تحول دون جعل الممر منافساً مناسباً لممر الشمال، ويأتي على رأسها معاناة مسار الممر من التعقيدات الروتينية وعدم الاستقرار الأمني الناجم عن النزاعات الحدودية، لا سيما مدى اتساق الممر مع المصالح الروسية، ويمكن تلخيص هذه المعوقات كالتالي:

1تعقُّد الإجراءات الجمركية وطول زمن الرحلة: نظراً إلى أن الممر الأوسط يمر عبر عدة دول، فإن التأخيرات على الحدود بسبب الجمارك وتحصيل الرسوم الجمركية وعدم وجود بنية تحتية لاستيعاب حجم البضائع التي يتم تداولها عبر الطريق الشمالي، كلها معوقات دفعت ممثلي دول أذربيجان وجورجيا وكازاخستان وتركيا والصين إلى الالتقاء على مدار السنوات الماضية لمعالجتها، لكنهم لم يصوغوا خارطة طريق لمعالجتها حتى شهر نوفمبر الماضي. ولكن لسوء حظهم، فإن من المتوقع أن يستغرق تنفيذ خارطة الطريق خمس سنوات على الأقل.

وبالمقارنة، يعد الممر الشمالي أيضاً أكثر تنافسيةً في تشغيله الفعلي من الممر الأوسط؛ حيث يحتوي على أنشطة تجارية أكبر، وظروف تقنية أفضل، ويشتمل على عدد أقل من البلدان. علاوةً على ذلك، يعد الممر الأوسط طريقاً أكثر تعقيداً؛ إذ يتطلب محاور نقل بحري للبضائع لعبور بحر قزوين والبحر الأسود؛ الأمر الذي سيؤدي – بلا شك – إلى زيادة التكاليف وإطالة أوقات تسليم هذه البضائع، حتى تتم معالجة هذه التعقيدات.

2حالات عدم الاستقرار الأمني بالمنطقة: هناك قضية أخرى تتعلق باحتمالية نشوب صراع مدني ودولي على طول الممر الأوسط؛ فمثلاً في يناير 2022، شهدت كازاخستان ثلاثة أسابيع من الاضطرابات التي تطلبت تدخل القوات الروسية لاحتوائها، كما شهدت قيرغيزستان فترات مماثلة من الاضطرابات في عامي 2010 و2020. وفي سبتمبر 2022، أسفرت الاشتباكات المسلحة بين أذربيجان وأرمينيا عن منع وصول الأولى إلى إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازَع عليه، وهو ما قد أثر تلقائياً على انسياب حركة التجارة عبر الحدود بينهما.

3مدى اتساق الممر مع المصالح الروسية: بالرغم من أن الممر الأوسط يعد بديلاً أفضل للصين والغرب حتى يتم تفادي العقوبات المفروضة على موسكو، فإن الممر أصبح أكثر جاذبيةً لروسيا نفسها لتوجيه تجارتها إلى العالم الخارجي؛ إذ غيَّرت الحرب بشكل كبير منظور موسكو فيما يتعلق بالممر الأوسط؛ حيث يوفر تطوير البنية التحتية على طول الممر فرصاً لوجستية جديدة لها، خاصةً أنها باتت تنظر إلى تركيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان كأسواق مهمة للوصول إلى بقية الأسواق الدولية.

ومع ذلك، لا تزال هناك توقعات بأن تستمر روسيا والصين وإيران في تطبيق تكتيكات القوة الناعمة والمنطقة الرمادية للتأثير على التوافق السياسي بالمنطقة لصالحها على حساب المصالح الغربية؛ فعلى الرغم من الضعف الحالي لروسيا، واعتمادها المتزايد على الصين، سيتعين على الأخيرة أن تقيس بعناية كيفية استجابة موسكو لتطوير طريق يلتف حولها من الجنوب، خاصةً أنه يقع في منطقة تمتلك فيها موسكو أربع قواعد عسكرية، ومن ثم إذا لم تتسق التوجهات الصينية والغربية مع المصالح الروسية هناك، فإنه مما لا شك فيه أن يقطع الكرملين الطريق عليها؛ وذلك على الصعيدين السياسي والاقتصادي، من خلال استخدام تدابير أكثر راديكالية إذا لزم الأمر؛ حيث إن سلوك روسيا يظل غير متوقع؛ ما يبقي الصين في حالة من القلق.

4تأرجح العلاقات بين الصين والدول الغربية: بالرغم من دعم بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، وكذلك المسؤولون الأوروبيون، على غرار رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ضرورة مواصلة الحوار والانفتاح على الصين، فإن ما يميز العلاقات الغربية الصينية في اللحظة الراهنة أنها باتت أكثر تعقيداً وتأرجحاً؛ إذ إن ثمة أطرافاً غربية تدفع نحو المزيد من التصعيد تجاه بكين، والصدام معها. ولا يمكن إغفال أن هذا التأرجح في التوجهات الغربية تجاه العلاقات مع الصين سيكون له تأثير على المشروعات المشتركة بين الطرفين، بما في ذلك مشروع الممر الأوسط.

خلاصة القول: على الرغم من أنه سيكون من غير الواقعي اقتراح أن الممر الأوسط سيحل تماماً محل الممر الشمالي على المدى القريب أو المتوسط، فإن الهيكل الجيوسياسي والاقتصادي والأمني ​​سريع التغير في العالم عامةً وفي منطقة أوراسيا خاصةً؛ الأمر الذي يجعل السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن يستمر الممر الأوسط في التطور كمنطقة اقتصادية، مع زيادة الاهتمام والدعم من الاتحاد الأوروبي تجاهه، خاصةً أنه يرى إمكانية زيادة مرونة سلاسل التوريد وإمدادات الطاقة من هذه المنطقة.