• اخر تحديث : 2024-04-30 13:50

سرعت المخاطر والتحديات الاقتصادية العالمية وتداعياتها من وتيرة التململ من هيمنة الدولار، واتجاه العديد من الدول إلى بحث إجراءات واتفاقات تبادلية تقلل من سطوته، فيما شبهه البعض بالثورة ضد الدولار الأمريكي، والتي يعول على أن تقودها الصين أو مجموعة البريكس.

ويعد التسارع في ذلك الاتجاه مدفوعا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما سببته من آثار اقتصادية، فضلا عن توسع الولايات المتحدة وحلفائها فى فرض العقوبات الاقتصادية. يرتبط بذلك أيضا ما تتحمله الدول النامية والأسواق الناشئة من حساسية اقتصاداتها لتغيرات سعر الفائدة الأمريكي ما كبدها خسائر متزايدة في الفترة الأخيرة.

المؤشرات في اتجاه التمرد على الدولار كثيرة، منها حرص البنوك المركزية خاصة في الاقتصادات الناشئة والدول النامية على شراء الذهب كاحتياطي استراتيجي على حساب الدولار، حيث تشير التقديرات إلى أن البنوك المركزية أصبحت تشكل أكثر من ثلث الطلب العالمي الشهري على الذهب، وتشتريه بمعدلات لم يسبق أن تحققت منذ خمسينيات القرن الماضي. ومنها كذلك إبرام العديد من اتفاقات التبادل التجاري التي تعتمد العملات الوطنية بدلا من تسوية المعاملات عن طريق الدولار الأمريكي.

ومؤخرا أثارت تصريحات الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا أثناء زيارته للصين، والتي انتقد فيها هيمنة الدولار، العديد من التكهنات حول نية وقدرة مجموعة البريكس على تحدى الدولار الأمريكي. فقد صرح دا سيلفا، بلغة مشحونة، بأنه يتساءل مساء كل يوم ما الذي يجعل الدول تعتمد الدولار كعملة تبادل تجارية! وكانت الصين والبرازيل، قد اتفقتا على اعتماد عملتيهما في المعاملات التجارية البينية، بعد أن كانت تتم عن طريق الدولار كعملة وسيطة، حيث تعد الصين الشريك التجاري الرئيسي للبرازيل، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما العام الماضي نحو 150مليار دولار.

ولم تعد اتفاقات من هذا النوع فريدة في الآونة الأخيرة، فوفقا للتقديرات، أبرمت الصين اتفاقات شبيهة مع العديد من الدول، وتسعى كذلك إلى التوسع فيما يطلق عليها لبترويوان على غرار البترودولار، والمقصود به تسوية التعاملات النفطية باستخدام اليوان الصيني.

وليست التحركات الصينية في هذا السياق منفردة، وإن كانت الصين مركز الثقل الاقتصادي فيها. فمنذ عدة أشهر، صدرت تصريحات، منسوبة للرئيس الروسي بوتين، وهي ذات مدلول سياسي بطبيعة الحال، تشير إلى توجه نية دول تجمع البريكس الذي يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، نحو استخدام عملة احتياط موحدة مبنية على سلة عملات الدول الأعضاء، ومدعومة بغطاء من الذهب أو معدن نفيس. وصرح وزير الخارجية الروسي مطلع العام بأن الفكرة سوف تناقش فى القمة القادمة لمجموعة البريكس في جنوب أفريقيا في شهر أغسطس القادم.

ورغم زخم التناولات الإعلامية لمسألة التمرد على الدولار، ما زال التيار الرئيسي في التحليلات الاقتصادية يرى أن الأمر ليس بهذه السهولة، وتكتنفه العديد من الصعوبات، فالمساعي ليست جديدة، والصعوبات ما زالت قائمة، والبديل الجاهز غير متوافر. فالدولار لا تدعمه القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية فقط، وإنما قدر غير قليل من الثقة في المؤسسات الأمريكية وشفافية عملها واستقرار قواعدها. ويتشكك البعض كذلك في الرغبة الفعلية للصين في أن يحل اليوان محل الدولار، على الأقل في المدى القريب، بسبب حجم المصالح المتبادلة بين البلدين، وطبيعة عمل اقتصاد كل منهما والتي بنيت عليها سنوات من الاعتماد المتبادل.

ولكن الاستغراق في تفاصيل المشهد، أحيانا ما يغيب الصورة الكلية، فأيا ما كانت حدود القدرة الحالية على كسر احتكار الدولار من قبل الصين أو دول البريكس، فإن تواتر التحديات الرمزية واتساع دائرتها، يعكس تزايد المكانة الاقتصادية لتلك القوى، ويؤشر كذلك على احتمالات أكبر لتحديها القواعد التي ظلت متوائمة معها حتى وقت قريب.

فاليوم أصبح الحضور الاقتصادي والمعنوي لهذه القوى أكثر وضوحا، وتقدر حصتها الإجمالية من الناتج المحلى العالمي 31.5٪ بزيادة طفيفة عن نسبة مجموعة السبع الصناعية، في اتجاه لتحرك مركز الثقل الاقتصادي في العالم لصالحها. أضف إلى ذلك تنامى وضع الصين كمانح دولي، بل كبديل أيديولوجي في مجال التنمية تحت مسمى توافق بكين الذي يصيغه البعض كمنافس لتوافق واشنطن.

فقبل عدة سنوات، كانت تلك القوى الصاعدة تطمح فقط في الحصول على قوة تصويتية وتمثيل مناسب في المؤسسات المالية الدولية بما يعكس حجمها من الاقتصاد العالمي، وأصبحت اليوم أكثر تعبيرا عن رغبتها في قواعد تمثل ثقلها وتلبى مصالحها، وقد تصبح نواة لمثل هذا التمرد!