• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
تقارير

"سي إن إن": كيف مكّن الغرب جنرالات السودان المتحاربين


نشرت شبكة "سي إن إن" تقريراً لإليزا ماكينتوش وجنيفر هانسلر بعنوان: "كيف مكّن الغرب جنرالات السودان المتحاربين"؛ وقد جاء التقرير على النحو التالي:

تفجّرت أعمال العنف التي اندلعت مؤخراً في السودان بشكل دراماتيكي مروّع بالتزامن مع تسارع الصراع بين اثنين من كبار الجنرالات في البلاد على السلطة.

ولكن بحسب العديد من التقارير، فقد كان الصدام في طور التكوين منذ وقت طويل، وبرز كنتيجة نهائية لما قام به المجتمع الدولي على مدى سنوات من إضفاء الشرعية على الخصمين العسكريين واعتبارهما فاعلين سياسيين، والتعويل عليهما في تحقيق انتقال ديمقراطي في تهاية الأمر بالبلاد، على الرغم من وجود العديد من الإشارات بأنه لم تكن لديهما النية للقيام بذلك.

والآن، فقد حفّز الرجلان اللذان بدآ حياتهما المهنية في ميادين القتل في دارفور -بالمنطقة الغربية من البلاد حيث اندلع هناك تمرد قبَلي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- قواتهما لمواحهة بعضهما البعض، ويبدو أنهما عازمان على تمزيق السودان. وقد حذّر الاتحاد الأفريقي من أن الاشتباكات بين الجانبين “يمكن أن تتصاعد وتتحول إلى صراع شامل”، مما سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل أوسع.

فالجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم العسكري للسودان وقائد الجيش، واللواء محمد حمدان دقلو (المشهور باسم حميدتي)، نائب البرهان ورئيس قوات الدعم السريع، كانا قد تقاسما السلطة منذ تنفيذهما انقلاب في البلاد في عام 2021، عندما طردوا المدنيين من الحكومة الانتقالية التي كان قد تم تشكيلها. وقد انهار هذا التحالف، الذي كان قد تم تشكيله على أساس الازدراء المتبادل لطموحات الشعب السوداني نحو الديمقراطية، وتحول الآن إلى ما يشبه الدخول في قتال حتى الموت.

وفي الأسابيع التي سبقت اندلاع الصراع بينهما، تلاعب الجنرالان بمصير اتفاق كان قد تم التوصل إليه بهدف تهدئة حدة الخلافات المتبقية بينهما – بما في ذلك إصلاح قطاع الأمن إلى حد كبير ودمج قوات الدعم السريع في الجيش – ونقل البلاد نحو ديمقراطية طال انتظارها يقودها المدنيون. حيث اجتمعوا مع وسطاء أجانب وتعهدوا بتسليم السلطة للمدنيين. وفي هذه الأثناء، شوهدت ناقلات الجند والدبابات في العاصمة الخرطوم تهرع إلى الشوارع لتحصين وتقوية كلا الجانبين.

وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية، والمتخصص في شؤون إفريقيا بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية حالياً، “حقيقة أن هذه القوات كانت مستعدة وعلى استعداد للانزلاق إلى هذا المستوى من العنف بسرعة لا ينبغي أن تكون مفاجأة لأي شخص”، مضيفاً أن القوى الأجنبية المشاركة في المفاوضات – الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك الأمم المتحدة، والحكومات الأفريقية والعربية – قامت بحسابات خاطئة وخطيرة عندما اعتقدوا أن لدى كلا الجنرالين الإرادة والرغبة للتوصل إلى اتفاق وشيك.

وقال هدسون، الذي كان قد شغل منصب رئيس المبعوثين الأمريكيين الذين تعاقبوا على السودان أثناء انفصال جنوب السودان والإبادة الجماعية في دارفور: “أولئك الذين كانوا يشاهدون هذه اللعبة من الخارج وبالتأكيد أولئك الذين لديهم أي سابق خبرة في التعامل والتفاوض مع القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع يعرفون جيداً أن هؤلاء الأشخاص لديهم تاريخ طويل للغاية في قول شيء ما وفعل شيء آخر”.

وقد زعم الجنرالات أنه لا خيار أمامهم سوى حمل السلاح ضد بعضهما الآخر، وأطلقوا العنان لقذائف المورتر والمدفعية التي أرسلوها لتمطر الخرطوم وشنوا معارك بالأسلحة النارية في الأحياء الغنية بوسط المدينة. ومع دخول الصراع في الأسبوع الثاني، وانتشاره في جميع أنحاء البلاد، تقوم الحكومات الأجنبية – بما في ذلك تلك التي شاركت في عملية السلام المحفوفة بالمخاطر – بسحب مواطنيها من هناك، بينما يظل العديد من السودانيين محاصرين في منازلهم دون كهرباء أو طعام أو ماء، في بحث يائس عن وسيلة للهروب. حيث قُتل أكثر من أربعمائة شخص وجُرح الآلاف في القتال حتى الآن.

وفي غضون ساعات فقط من بدء الهجمات في 15 أبريل، أجرى حميدتي مقابلة مع تليفزيون الجزيرة منتقداً بشدة رفيقه الذي تحول إلى عدو منذ ذلك الحين، وواصفاً برهان بأنه “مجرم” قد “دمّر السودان”، وهدده حتى بالاعتقال. وقبل أن يزعم أن قوات الدعم السريع كانت تنفذ “سيادة الشعب”، قال: “نحن نعلم أين تختبئ وسنصل إليك ونسلمك للعدالة، أو تموت مثل أي كلب آخر”.

ومن جهته، قال البرهان في مكالمة هاتفية مع شبكة سي إن إن بأن حميدتي قد “تمرد”، وأنه سيتم محاكمته في محكمة قانونية عندما يتم القبض عليه. وقال أيضاً، “هذه محاولة انقلاب وتمرد على الدولة”.

وأكد السجال بين الطرفين مدى ضآلة التقدم الذي تم إحرازه منذ عام 2019، عندما أدت انتفاضة شعبية إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير. وعلى مدى أربع سنوات، تم استبداله بقائدين عسكريين ارتقيا في الرتب في ظل حكمه الفاسد والوحشي الذي دام ثلاثين عاماً، وهما الآن في أتون قتال ضد بعضهما البعض على السيادة.

وقال أمجد فريد، المستشار السابق لرئيس الوزراء الذي تمت الإطاحة به عبد الله حمدوك، في تدوينة حديثة: “إنه قتال بين شريكين في جريمة واحدة، وهي انقلاب 25 أكتوبر 2021، على غنائم جريمتهم. وهذه حرب بين شرّين لا يُلقي أي منهما بالاً لمصلحة هذه البلاد”. وأضاف أن المجتمع الدولي ساعد في خلق الوضع الذي تتكشف معالمه حالياً في السودان، من خلال الاستمرار في الضغط من أجل تشكيل حكومة بأي ثمن – وإضفاء الشرعية على حميدتي والبرهان كفاعلين سياسيين حتى في الوقت الذي سعوا فيه إلى إفشال العملية وتجنب القيام بأي إصلاحات حقيقية.

وأضاف فريد: “وكما أن قيادة الجيش ليست صادقة في دعوتها لإجراء عملية إصلاح لقطاع الأمن، فإن حميدتي أيضاً ليس صادقاً في تصريحاته التي يدعم فيها الانتقال المدني والتحول الديمقراطي في السودان. حيث يستخدم حميدتي هذا الخطاب كوسيلة دعائية من أجل الحفاظ على نفوذه وقواته العسكرية واستخدامها في المستقبل.”

وقد بدأ حميدتي، الذي ينحدر من عشيرة الماهرية الرزيقات، البدو الذين يرعون الإبل في دارفور، مسيرته كقائد للجنجويد. وكان قد تم تشكيل هذه الميليشيا، المعروفة باسم “شياطين على ظهور الخيل”، من القبائل السودانية ذات الأغلبية العربية، وتم تجنيدها لمحاربة المتمردين الدارفوريين من غير العرب، والذين حملوا السلاح ضد الحكومة السودانية. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن تلك القوات متهمة بارتكاب أكثر الفظائع رُعباً التي ارتكبت في دارفور، بما في ذلك التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والاغتصاب الجماعي. وقد خلّف الصراع، الذي بدأ في عام 2003، الملايين من النازحين وأكثر من 300 ألف قتيل.

وفي مقابلة غالباً ما يُستشهد بها تم إجراؤها من الغابات في جنوب دارفور في عام 2008، قال حميدتي، وهو يرتدي عمامة قام بلفّ جزء منها حول وجهه بينما يرتدي زياً رسمياً، لمراسلة سي إن إن، نعمة الباقر، والتي كانت تعمل حينذاك مراسلة للقناة الرابعة البريطانية، أن البشير طلب منه شخصياً قيادة الحملة ضد التمرد. لكنه نفى أي تورط له في هجمات على المدنيين وقال إنه رفض أوامر الحكومة بالقيام بذلك. وعلى عكس دكتاتور السودان السابق، لم يواجه حميدتي أي اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية.

وقد أكسبته وحشيته في ساحة المعارك ولاء عمر البشير، الذي قيل إنه كان يُطلق عليه “حمايتي”. وفي مواجهة الاحتجاج الدولي على تصرفات الجنجويد في دارفور، أضفى البشير الطابع الرسمي عليهم في ‘طار ما أُطلق عليه “وحدات استخبارات الحدود”. وفي عام 2013، أنشأ البشير قوات الدعم السريع بمرسوم منه وعيّن حميدتي قائداً لها، معتمداً بشكل متزايد على المجموعة شبه العسكرية كحرسه الخاص.

وعندما خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين المنادين بالديمقراطية إلى شوارع الخرطوم في أوائل عام 2019، كلّف البشير قوات البرهان المسلحة وقوات حميدتي شبه العسكرية لسحق تلك الانتفاضة. لكنهما انتهزا الفرصة للانقلاب على البشير بدلاً من ذلك، ووحّدا قواهما للإطاحة به.

وبعد شهرين فقط من ذلك، عندما نظم المتظاهرون الشباب اعتصاماً سلمياً أمام مقر قيادة الجيش للمطالبة بانتقال سريع إلى الحكم المدني، شنّت قوات حميدتي حملة دموية عليهم؛ في مأساة خلّفت ما لا يقل عن 118 قتيلاً، حيث قيل إن قوات الدعم السريع أحرقت الخيام واغتصبت المتظاهرات وألقت بجثث الموتى في نهر النيل. وقال شهود عيان إن بعضهم كان يهتف: “كنتم تهتفون أن البلد كله دارفور. والآن جئنا بدارفور إليكم، إلى الخرطوم “.

ونفى حميدتي تورطه في أعمال العنف، ولم يتم تنفيذ العقوبات التي دعا إليها بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي والتي تستهدف مصالحه المالية. وفي وقت لاحق من ذلك الصيف، تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي كان يحكم السودان بالشراكة مع قيادات مدنية. وكان قد تم تعيين البرهان رئيسا للمجلس.

وتأكدت الحقيقة المشتركة المرتبطة بكلا الجنرالين من حيث الإفلات من العقاب، في أكتوبر 2021، عندما قاما بانقلاب واعتقلا حمدوك وحكومته. وقال جيفري فيلتمان، الذي كان أول مبعوث أمريكي خاص للقرن الأفريقي في ذلك الوقت، إن سلسلة الأحداث التي جرت آنذاك كانت بمثابة صدمة. فقبل خمس ساعات فقط، التقى هو وفريقه برئيس الوزراء حمدوك، وكذلك بحميدتي والبرهان، اللذين قالا إنهما سيوافقان على خطة لتجديد الشراكة المدنية العسكرية.

وقال فيلتمان في مقال رأي له نُشر مؤخراً في صحيفة واشنطن بوست: “أظهرت أعمالهم أنهم لم يكونوا أبداً ينوون التجاوب مع ذلك. ومنذ ذلك الحين، كرر التاريخ نفسه مراراً: فقد أظهرت قيادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بالتزامهما فقط بخرقها (الخطة) لاحقاً .”

ويظل السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان الاتفاق الإطاري لتشكيل حكومة مدنية الذي تم التوصل إليه في أوائل أبريل سيكون ذا مصداقية – سواء بالنسبة للحركات الاحتجاجية في السودان أو للشعب السوداني. ويرى فيلتمان أنه من الواضح أن المجتمع الدولي قد ارتكب خطأً في الثقة في أن البرهان وحميدتي مهتمان من الأساس بالإصلاح.

وقال: “لقد تجنبنا فرض عواقب صارمة على أعمال الإفلات من العقاب المتكررة، والتي كان من الممكن أن تفرض تغييراً في جميع الحسابات. وبدلاً من ذلك، قمنا على العكس باسترضاء واستيعاب أمراء الحرب. واعتبرنا أنفسنا براجماتيين، لكن الإدراك المتأخر للأمور يجعل مصطلح ‘التفكير الرغائبي’ وصفاً أكثر دقة لهذا الوضع”.

وقد أثار العنف توجيه أصابع الاتهام والتفتيش في الذات لدى واشنطن، حيث ألقى السناتور جيم ريش، أكبر جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، باللوم على إدارة بايدن لفشلها في محاسبة الجيش السوداني على تلك الانتهاكات.

وتعكس أحداث الأيام القليلة الماضية في السودان، تماماً مثلما حدث في عامي 2019 و 2021، نمطاً واضحاً للسلوك حيث يحاول أصحاب النفوذ حكم البلاد من خلال ممارسة العنف. وقد وقع المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الإقليمية للأسف، مرة أخرى، فريسة للجنرالين الموثوقين في المجلس العسكري، برهان وحميدتي، عندما قالا إنهما سيسلمان السلطة للمدنيين.

وكانت قوات الدعم السريع قد تنامت بسرعة في السنوات التي تلت الثورة السودانية لتصل إلى عشرات الآلاف الجنود، واتسع معها نفوذ حميدتي في الداخل والخارج. حيث نشر قواته للقتال في اليمن مع التحالف الذي تقوده السعودية. كما أنه راكم كميات هائلة من الثروة الشخصية له، واستولى على مناجم الذهب الرئيسية في دارفور، وعقد أيضاً شراكة مع الروس. وكما قال الخبير السوداني أليكس دي وال في عام 2019، فقد أصبح حميدتي يمثل وجه “السوق السياسي العنيف” في البلاد، حيث عمل على بناء قوة شبه عسكرية أقوى من الجيش.

وقال هدسون: “على مدى السنوات القليلة الماضية، شاهدنا حميدتي يحاول إعادة تعريف نفسه من خلال حملات العلاقات العامة التي أدارها، ومن خلال ملفه الشخصي الذي نشره على وسائل التواصل الاجتماعي.  فعلى الرغم من أن لديه كل هذا التاريخ الدموي … إلا إنه ليس لديه أي علامة على هذا النوع من السجل الدائم لتلك الأفعال،” مشيراً إلى أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تعاقبه هو وقوات الدعم السريع بعد القمع العنيف الذي ارتُكب في يونيو 2019.

وأضاف هدسون أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تعاقب البرهان أيضاً بعد الانقلاب الذي قاده. ولكن بدلاً من ذلك، تمكن الجنرال البرهان وحميدتي من الاستمرار في تصوير نفسيهما كشريكين للأحزاب المدنية السودانية ورسم صورة غير حقيقية عن أنفسهما كلاعبين سياسيين مرموقين.

وقال هدسون: لقد كانت هناك فرصتان لإخراج هذين الرجلين من المسرح السياسي. لكننا لم نفعل ذلك،”، موضحاً أن الخطأ الثالث كان التوصل إلى اتفاق إطار سياسي العام الماضي يمنحهم مكانة مساوية للمدنيين.

وأضاف: “ومن خلال عدم معاقبتهم، قمنا بإضفاء الشرعية عليهم بحكم الأمر الواقع وجعلناهم لاعبين سياسيين في حين لم يكن ينبغي أن يكونوا كذلك”.