يائير نتنياهو هو الابن البكر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو شخصية صاعدة في الفضاء الإعلامي الإسرائيلي. فهذا المدافع المعلن عن التفوق الهوياتي اليهودي محبوب لدى المعسكر الاستيطاني في إسرائيل. هنا بورتريه لهذا الـ“مؤثر” إسرائيلي.
هل أحببتم بنتسيون نتنياهو، الجد والمؤرخ المنخرط في الصهيونية اليمينية الأكثر تطرفاً، والمعجب الصريح بموسوليني في عشرينيات القرن الماضي؟ لقد كان بالفعل في ذلك الوقت متهجّماً شرساً على المسلمين، أولئك “البرابرة” كما كان يصفهم. وقد جعل منه الكاتب الأمريكي جوشوا كوهين، الشخصية الرئيسية الدنيئة والمضحكة في رواية نال عليها جائزة بوليتزر في الولايات المتحدة " آل نتنياهو”، وهل عشقتم الابن، بنيامين، صاحب الرقم القياسي على رأس الحكومة الإسرائيلية، المدافع عن “إسرائيل الكبرى” والذي يواجه اليوم ليس أقلّ من ثلاث متابعات قضائية ومئات الآلاف من المعارضين في الشوارع الذين يطلقون صيحات الاستهجان على اسمه؟ سوف تولعون إذا بيائير، الثالث على اسم السلالة، وهو الابن البكر لبنيامين نتنياهو، والمدافع المعلن عن التفوق اليهودي، والملقّب هنا وهناك بـ “يائير المَخْبُول”. لكن بعضهم يرى فيه النجم الصاعد للسياسة الإسرائيلية.
“صديقي، عليك أن تكون لطيفًا جدًا معي”
نحن في صيف 2015. يخرج يائير وصديقه كوبي من نادي تعرّي في تل أبيب. يفكر الرفيقان في الذهاب إلى “العاهرات”. يقترح كوبي مكانًا لكن يائير يرفض دفع أجرة التاكسي. يصرّ كوبي لأن صديقه مدين له بالكثير من المال. ولكن من المعروف أن يائير، مثل والدته، يعتبر أن كل شيء مستحق له، فينفجر في وجه رفيقه قائلا: “صديقي، عليك أن تكون لطيفًا جدًا معي. لقد رتّب والدي لوالدك صفقة بقيمة 20 مليار دولار. لا تتباكى إذاً على 400 شيكل [100 يورو] أدين بها لك، يا ابن العاهرة”.
المشكلة هي أن كوبي هو نجل الملياردير أوري ميمون، المستثمر الإسرائيلي الرئيسي في استغلال حقول الغاز المكتشفة آنذاك في البحر المتوسط. والمشكلة الأخرى هي أنه تمّ تسجيل المشاجرة. من قام بذلك؟ لعلّه السائق. فبعد ثلاث سنوات، قامت قناة تلفزيونية إسرائيلية ببثّه. وكانت التبعات مزعجة بعض الشيء بالنسبة للابن كما للأب نتنياهو، الذي تحدث عن “مجرّد شابّين كانا يمزحان”. لكن سرعان ما تم نسيانهم، ومنذ ذلك الحين، شهد يائير تفاقم عدد محبّيه في دوائر التفوق اليهودي في إسرائيل بشكل مطرد. ويتجاوز اليوم عدد متابعيه على تويتر 170 ألف، كما يُعدّ البودكاست الخاص به تحت عنوان “عرض يائير نتنياهو” (The Yaïr Netanyahu Show) برنامجاً لا بدّ من مشاهدته بالنسبة لهذا التيار. كذلك، يُنشّط يائير برنامجاً مساء كل يوم جمعة على إذاعة “غاليه إسرائيل”، المتواجدة في مستوطنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتفوّه فيها بكلام عنصري قد يحلم رجل مثل إيريك زمّور (اليمين المتطرّف الفرنسي) أن يكون قادراً على التفوه بمثله دون عقاب.
ما الذي يغري مستمعيه؟ أوّلاً، خطابه الصريح. فمثل ترامب، يمزج يائير نتنياهو بين الاستفزازات والأخبار المزيفة بلغة مباشرة ودون قيود.. أسبوع تلو الآخر، يتغوط على أهدافه المفضلة: العرب، الإسلام، المثقفون والفنانون التقدميون، وببساطة كل من يتجرّأ على التعبير على أدنى انتقاد تجاه والده.
أمل أن “يموت جميع اليساريين بالكوفيد”
أشارت وكالة أسوشيتد برس (AP)، في يوليو/تموز 2020، إلى أنه في شهرٍ واحد، دعا نتنياهو الابن إلى طرد “الأقليات” (أي الفلسطينيين) من تل أبيب، وتبنى نظرية المؤامرة القائلة بأن باراك أوباما ولد في كينيا، وسأل صحفية إسرائيلية لا تعجبه عما إذا كانت قد نامت مع أحدهم للحصول على وظيفتها، ووصف الشرطة التي تحقق في شبهات فساد والده بـ“الغيستابو” و “الستاسي”. ويعرّف صحفي إسرائيلي من جريدة “هآرتس” عقيدته كما يلي:
إنه يقدّم إجابة بسيطة لكل مشكلة: المهاجرون؟ نطردهم. الإرهابيون؟ نصعقهم بالكهرباء. الإرهاب؟ نستأصله. إيران؟ نقصفها. المحكمة العليا؟ نعيدها للشعب. يقول وزير دفاع إن التشريع الذي يريدون تمريره يهدد أمن البلاد؟ نطرده!.
قائمة الأفعال النزقة وكمية “نظريات المؤامرة والسخافات والأكاذيب” التي ذكرها هذا الرجل البالغ 31 عاما على مدى السنوات العشر الماضية، مذهلة. ففي 2019، اتهم مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق في بلاده، بالرغبة في “تدمير إسرائيل”. وفي 2020، ندّد بالمتظاهرين المناهضين لوالده، متهما إياهم بكونهم “مموّلين بأموال أوروبية، من قبل سوروس، وإبستاين المتحرش الجنسي بالأطفال وايهود باراك”2. وفي العام نفسه، عومل كضيف نجم في ألمانيا من قبل حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD)، وهو حزب يميني متطرف يضم نازيين جدد. وفي 2021، أعلن أنه “يأمل أن يموت كل اليساريين بالكوفيد”.
“لكل شخص الحق في التعبير عن رأيه”
منذ أن فاز والده مرة أخرى في الانتخابات التشريعية في إسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وبعد فترة وجيزة من تنصيب حكومة أدمجت بشكل مهيب اليمين المتطرف الاستعماري، يبدو أن “المَخْبُول” قد صار، أكثر من أي وقت مضى، متحرّراً من أي قيد - كما يفعل أيضًا، بالتوازي، جزء من الرأي العام الإسرائيلي الذي يدعم تحالف اليمين المتطرف والأحزاب الدينية. كأن صعودهم إلى السلطة قد أطلق العنان لأشد الانبعاثات الكريهة الرائحة والميولات الأكثر دناءة إلى الوحشية في المجتمع الإسرائيلي. ومع تشكيل الحكومة الجديدة، قال يائير في مقابلة إن المدعين العامين والشرطة الذين يحققون مع والده “خونة”، مضيفًا أن القانون في إسرائيل “يعاقب على الخيانة بالإعدام”3. وقد تناسى بشكل عابر أن هذا القانون الإسرائيلي صالح فقط للخيانة العظمى “في زمن الحرب”. وقد علّق الأب: “بالرغم من أن لكل شخص الحق في إبداء رأيه، إلا أنني لا أتفق مع هذا الكلام”.
في 18 مارس/آذار 2023، قارن يائير- مشجبا المسيرات المتزايدة في إسرائيل ضد مشروع القانون الذي يخضع المحكمة العليا إلى السلطة التنفيذية، والذي ينوي نتنياهو تمريره - المتظاهرين بـ“كتائب العاصفة” التي أنشأها هتلر في ألمانيا. كما اتهم على تويتر وزارة الخارجية الأمريكية الحالية بـ“الوقوف وراء الاحتجاجات للإطاحة بنتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق مع الإيرانيين”. مصدره؟ موقع “بريتبارت نيوز” (Breitbart News) التابع للـ “يمين البديل” الأمريكي. ومن وراء هذه المؤامرة؟ المموّل جورج سوروس بالطبع. هذه الهجمات على رجل الأعمال اليهودي والإشارات إلى النازيين لوصف خصومه ليست مجرد انحرافات. كما هو الحال مع ترامب، فإن قلب المعاني بشكل منهجي أمر أساسي لدى يائير. هكذا هو الحال مع الاتهام بـ“النازية” أو “الكابو”4 أو SS (قوات الأمن الخاصة النازية) أو SA (كتيبة العاصفة)، وما إلى ذلك مما يتم استعماله عشوائيا لوصف أي خصم، أو بالأحرى قصد تجريده من الأهلية على التعبير.
في 2020 على سبيل المثال، ساوى نتنياهو الثالث، الذي يمقت أي فكرة جماعية، الكيبوتسات بـ“ألمانيا النازية”. فعندما تكره الناس، تصفهم بالنازيين، تلك هي القاعدة. وفي 2017، نعت “ذي ديلي ستورمر” (The Daily Stormer)، موقع النازيين الجدد الأمريكيين، يائير نتنياهو بالـ“أخ المطلق”. والوصفة معروفة: كلما كان الأمر فجًّا، كلما كان ناجعاً. لهذا، كان بإمكان يائير أن يغرّد أيضا في مارس/آذار الماضي عن المتظاهرين ضدّ والده، قائلاً بأنهم “ليسوا متظاهرين. ولا أناركيين. إنهم إرهابيون”. نازي، إرهابي، كلها نفس الأشياء. كلّها تؤدي إلى تشويه سمعة الخصم.
“جدي لنفسك زوجا عربيا وحِلِّي عنا”
من سيفاجأ إذن بأن نتنياهو الثالث متعوّد على قاعات المحاكمة؟ كثيرا ما تتم مقاضاته بتهمة التشهير، وهو كثيرا ما يتهجم على خصومه. ينطلق هذا المستعمِل المفرط للطرق الإجرائية، من فرضية أنه يفوز في جميع الأحوال. فإذا فاز، تتحقق العدالة. وإذا خسر، فذلك دليل على أن الدولة العميقة فاسدة. مثال من بين عدّة: وصفته ستاف شافير، النائب العمالية السابقة التي تحوّلت إلى مدافعة عن البيئة، بـ“العنصري” و“المتحرش”. فرفع دعوى قضائية ضدها بتهمة التشهير. وقد زعم خلال المحاكمة أنها كانت هي نفسها مرتبطة بـ “الشاذ جنسيا المتحرش بالأطفال إبستاين”، وأنهى كلامه اللاذع بالقول: “جدي لنفسك زوجًا عربيًا، اعتنقي الإسلام وحِلّي عنا”5. لقد خسر المحاكمة بالطبع. لكنه فاز بين ذويه.
في إسرائيل، البلد الذي أظهرت فيه استطلاعات الرأي بانتظام أن السكان اليهود يؤيدون دونالد ترامب بنسبة 70٪ أو حتى 75٪، هذه المواقف لا تثير الصدمة بقدر ما تقنع. لذلك، في يناير/كانون الثاني 2023، شارك نتنياهو الابن بدعوة من الرئيس “غير الليبرالي” فيكتور أوربان، في مؤتمر في بودابست، حيث شرح أن “انتقاد جورج سوروس ليس معادياً للسامية”. كان ذلك أمام جمهور من الشخصيات المجرية التي جعلت من الوصي على العرش، ميكلوش هورتي- حاكم المجر من 1920 إلى 1944 الذي وضع قوانين معادية لليهود حتى قبل أن تتبناها ألمانيا النازية - مثلهم التاريخي الأعلى. كما يحافظ يائير نتنياهو، الذي أصبح “مؤثرًا” ناجحًا، على أفضل العلاقات مع الممثلين البارزين لـ “اليمين البديل”، الاسم الجديد لليمين المتطرف الهوياتي الغربي.
“اختبار حدود ما يمكن أن يقبله الرأي العام”
هل لديه طموحات سياسية؟ الجواب غير واضح. يائير طموح، بالطبع. لكن عن كون هذا الطموح سياسيّاً، فذلك أقل وضوحا. المؤكد هو أنه عاش دائمًا في جو من الحماية، كالأمير. كان في الرابعة من عمره فقط عندما تولى والده بنيامين رئاسة الحكومة لأول مرة، قبل أن يحكم البلاد فيما بعد لمدة 14 عامًا. بين الأم سارة، التي أظهرت أيما إظهار أنها تنظر إلى خدمة الدولة على أنها وضع الدولة في خدمتها، وأب يهتف له مؤيدوه بـاسم “بيبي ملك إسرائيل”، لا تحتاج إلى أن تكون طبيباً نفسانياً ماهراً لتتخيل لماذا يتصرف دائمًا نتنياهو الثالث مثل هؤلاء الأطفال-الملوك الذين يشعرون بالقوة المطلقة ولا يقبلون أي قيود. وهو ليس الوحيد، إذ هكذا ينظر لأنفسهم أيضًا هؤلاء المستوطنون الإيديولوجيون المتعصّبون، الذين يقترفون مكائد المذابح (البوغروم) ضد الفلسطينيين، بنفس الشعور بالإفلات من العقاب المشروع.
ومع ذلك، فإن تأثير يائير الحقيقي على والده غير واضح. يعتقد العديد من المراقبين الإسرائيليين أن بنيامين نتنياهو ممسك بزمام الأمور، وأنه يستخدم ابنه “لاختبار حدود ما يمكن أن يقبله الرأي العام”6. لكن الكاتب بن كاسبيت، الذي نشر سيرة لبنيامين نتنياهو، يعتقد أن زوجته وابنه هما اللذان “يحدّدان النغمة تماماً”، وأنهما أكثر مستشاري القائد نفوذاً. يُقال مثلاً إنه عندما قام الجندي إيلور عزاريا، في 2016، بقتل شاب فلسطيني جريح بدم بارد، وقد تم تصوير الحادثة، كان من الصعب على الجيش عدم معاقبته، وقد وافق نتنياهو على ذلك في البداية. ولكن بعد ساعات قليلة، انقلب موقفه رأسا على عقب. ويُزعم أن يائير قد جعله يطّلع على “آلاف ردود الأفعال الغاضبة” للشباب الإسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد هرع بعدها رئيس الحكومة للقاء والدي الجندي المسجون في منزلهما. أما نير حيفتز، المستشار السابق لنتنياهو الأب، الذي أصبح “شاهد دولة” في المحاكمات الجارية (أي متعاون مع النيابة مقابل التخلي عن التهم الموجهة إليه)، فهو يعتقد أن يائير يلعب دورًا مهمًا جدًا في قرارات والده السياسية. وهو يجزم أن نتنياهو الأب قد أجّل رحلته إلى الهند في 2017 لأن ابنه عبّر بعنف عن غضبه لعدم دعوته ضمن الوفد الإسرائيلي.
كما يرى بعض المراقبين في إسرائيل أن نفوذ يائير بدأ يفرض نفسه على حزب الليكود، أكبر حزب في البلاد، كبديل محتمل لوالده، عندما واجه هذا الأخير صعوبات في أربع انتخابات تشريعية متتالية أجريت منذ أبريل/نيسان 2019. “نود أن نكون قادرين على تجاهل نتنياهو الابن، كما لو كان هذا الطفل الصعب مجرد إحراج لوالده. لكن الحقيقة هي أن نفوذه الكبير بات جليًّا الآن”. هذا ما قاله رافيف دروكر، محقق تلفزيوني إسرائيلي محترم (ومكروه من قبل نتنياهو)، في مطلع عام 2020.
لكن يائير يعاني من إعاقة، إذ يبدو أن سلطة الأب آخذة في التراجع. ليس فقط لأن اليمين المتطرف يحتجزه كرهينة. لكن لأن صورة نتنياهو تبدو وكأنها تتآكل ببطء. ففي 10 أبريل/نيسان، عقد الأخير مؤتمراً صحفيًّا. وردًّا على سؤال حول دور نجله أجاب رئيس الوزراء: “يائير ليس له تأثير. إنه شخص مستقل له آراؤه الخاصة”.
هرع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إلى الإذاعة ليصرّح: “نتنياهو غير مسؤول. كدنا نظن أننا نسمع يائير نتنياهو”. ولم يكن ذلك التصريح إطراءً. أما أفيغدور ليبرمان، الذي كان وزير دفاعه، فقد كان له هذا التعليق على الإذاعة العسكرية “غالي تساهال”: “نتنياهو لم يعد يتخذ أي قرارات. إنه ينفّذ أوامر ابنه فقط“7. سواء كان ذلك صحيحاً أم لا – أو بينهما -، فذلك لا يُنبئ بخير لا للأب ولا للابن.