لم تمر فترة طويلة بين مطالبة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في الخامس من أبريل الفائت (2023) بالتوقف عن استهداف الكثبان الرملية في غزة وإزالة الرؤوس، في إشارة إلى استهداف قادة الفصائل الفلسطينية، وبين استهدف إسرائيل لعدد من قادة الصفوف الأولى في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، صباح التاسع من مايو الجاري (2023)، فيما اعتبر عودة إلى سياسة الاغتيالات السياسية، رغم ما تثيره تلك الرؤية من إشكاليات، وتجاوز عن مسار ممتد من التطورات التي تشهد استهدافاً متنوع الأشكال لقيادات المقاومة الفلسطينية.
بدورها، أثارت عملية "السهم الواقي"، كما أطلقت عليها إسرائيل، العديد من التساؤلات حول الأهداف النهائية، وما تمثله في سلسلة التحركات والسياسات التصعيدية التي قامت بها تل أبيب في الفترة الأخيرة على صعيد الوضع السياسي الداخلي في تل أبيب، وخاصة التعديلات القضائية وما تثيره من تعقيدات داخلية.
ومن جانب آخر، أثارت العملية الإسرائيلية تساؤلات حول الأهداف النهائية من عملية تستهدف قادة حركة الجهاد الإسلامي فقط، وخاصة على صعيد تأثير تلك العملية على العلاقات بين الجهاد الإسلامي وحماس، وعلى فرص التهدئة والتصعيد بعد أن أدت إلى استشهاد خمسة عشر فلسطينياً، بالإضافة إلى عدد من الجرحى.
ويرتبط الجدل فيما يخص العلاقات بين الجهاد وحماس بتاريخ قريب قامت فيه إسرائيل، في سياق سياسي مختلف في التفاصيل ومتشابه في السياق، في أغسطس من عام 2022، باستهداف الجهاد بشكل منفرد في عملية أطلقت عليها إسرائيل اسم الفجر الساطع أو بزوغ الفجر، وأطلقت عليها الجهاد اسم معركة وحدة الساحات، بكل ما يحمله اسم مماثل من معنى، وما يطرحه من رسائل على صعيد الداخل الفلسطيني. وفي حين أعادت وحدة الساحات 2022 إلى الواجهة عملية استهداف إسرائيل لحركة الجهاد الإسلامي، واغتيال القيادي في سرايا القدس بهاء أبو العطا في نوفمبر 2019، فإن عملية استهداف قادة الجهاد في 2023 تعيد إلى الواجهة معركة وحدة الساحات، ومعها حديث يؤكد على أن المعركة الدائرة هي معركة ممتدة ضمن وحدة الساحات، وأن الفصائل متحدة في المواجهة.
وتقود سياسات التصعيد الإسرائيلية التي امتدت من المسجد الأقصى في رمضان الفائت (2023)، إلى جنين ومخيمها، ومن نابلس وعرين الأسود، إلى غزة و"السهم الواقي"، ومن الأوضاع الداخلية في إسرائيل، إلى استهداف الجهاد، إلى إحداث ترابط يصعب تجاوزه بين السهم الواقي- 2023، وحارس الأسوار أو السور الواقي- 2021، وبين وحدة الساحات- 2022 وسيف القدس- 2021، الاسم الفلسطيني لحرب غزة الرابعة، ومعها تساؤلات أكثر عن المشهد الحالي، وكيف تتشابك الملفات، وإلى أين تتجه الأوضاع في مشهد محمل بالكثير من العوامل الضرورية للحرب، والقليل من الرشادة السياسية اللازمة لتجنبها.
وفي هذا السياق، يتم تناول أبرز الجدالات التي يطرحها المشهد الحالي على صعيد الربط بين الداخل الإسرائيلي والتصعيد في جبهة غزة، وحقيقة عودة أو توقف سياسات الاغتيالات، واستهداف حماس بين محدودية المعركة وتوسعها، وما تطرحه من فرص بداية حرب مفتوحة جديدة في القطاع.
المشهد الإسرائيلي وحدود التصعيد في غزة
لم يغب مشهد المظاهرات المعارضة للتعديلات القضائية في إسرائيل- الإصلاحات وفقاً للحكومة والانقلاب وفقاً للمعارضة- عن مشهد قصف المنازل في غزة فجر التاسع من مايو الجاري (2023). وشهدت الفترة السابقة على استهداف قادة الجهاد الإسلامي ربطاً متزايداً، وخاصة على الساحة الفلسطينية، بين الأصوات الغاضبة في الداخل الإسرائيلي، واحتمال سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إيجاد مخرج للأزمة الداخلية التي أثارتها قضية التعديلات القضائية، وغيرها من التحديات السياسية، عبر استهداف الفلسطينيين من أجل تشتيت الانتباه، وتركيز الاهتمام الجماهيري على مصادر أخرى للتهديد غير قضايا الداخل الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن حل أزمة نتنياهو عبر التصعيد في الساحة الفلسطينية تظل سياسة محدودة التأثير، قياساً بقيمة قضية التعديلات القضائية، وتأثيراتها السياسية والقانونية الممتدة على واقع وصورة إسرائيل، فإن التطورات التي شهدتها العلاقات داخل حكومة نتنياهو، وخاصة بين نتنياهو وبين غفير، وتراجع تأييد نتنياهو في استطلاعات الرأي العام، ساهمت في الدفع نحو التصعيد في غزة بحثاً عن درجة من التماسك والتأييد داخل الحكومة وخارجها وهو الأمر الذي ظهر سريعاً في تأييد بن غفير، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يائير لبيد والمعارض لحكومة نتنياهو وخطط التعديلات القضائية، وغيرهم للهجمات ضد غزة، بوصفها، من وجهة نظر إسرائيلية، هجمات تتم تحت شعار جامع هو حماية أمن إسرائيل ومحاربة الإرهاب.
وفي هذا السياق، مرت العلاقات بين نتنياهو وبن غفير بفترة قصيرة من القطيعة التي بدأت بالخلاف حول استبعاد الأخير من المداولات الأمنية التي عقدت في الثاني من مايو الجاري لمناقشة القتال بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بعد إطلاق صواريخ من قطاع غزة رداً على وفاة خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، في الثاني من مايو الجاري بعد 87 يوماً من إضرابه عن الطعام اعتراضاً على الاعتقال الإداري.
وانتقد بن غفير وحزبه، القوة اليهودية "عوتسما يهوديت"، رد الحكومة على إطلاق الصواريخ من غزة. وقاطع بن غفير الاجتماع الأسبوعي الذي عقد صباح السابع من مايو الجاري للحكومة بعد إعادة إسرائيل ثلاثة من جثامين الفلسطينيين المتهم أصحابها بتبادل إطلاق النار مع الجنود الإسرائيليين في الضفة الغربية، بالإضافة إلى الإفراج عن النائب الأردني عماد العدوان الذي اتهم بمحاولة تهريب أسلحة إلى داخل الضفة الغربية، وطالب بن غفير بتحول الحكومة إلى "سياسات يمينية تماماً"، استجابة للتفويض الذي حصلت عليه في الانتخابات.
وبالوصول إلى الثامن من مايو الجاري، وقبل ساعات من اغتيال قادة الجهاد، تم الحديث عن انقطاع التواصل بين الطرفين، وخاصة بعد مطالبة بن غفير بالسماح له بتنفيذ عملية أمنية في الضفة الغربية، وإلغاء قرار تجميد قانون الإصلاح القضائي الذي أعلنه نتنياهو قبل عيد الفصح اليهودي من أجل تجنب حالة الغضب التي تلت إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت بعد اعتراضه على التعديلات القضائية. واعتبر حديث الليكود عن إمكانية قيام بن غفير بمغادرة الحكومة في حال معارضته لسياساتها، وتهديد بن غفير بترك الحكومة، محاولة إحداث توازن للمواقف بين الطرفين حيث يدرك نتنياهو أن بن غفير لن ينسحب من الحكومة، وأن خطابه المعارض له في بعض النقاط من شأنه تحسين صورته، في حين يحاول بن غفير الاستفادة من الوجود في الحكومة من أجل تحقيق مكاسب يمينية غير مسبوقة.
وكما تم حل الخلاف بين نتنياهو وبن غفير حول تأجيل التعديلات القضائية في مارس الماضي من خلال الموافقة على إقامة الحرس الوطني برئاسة بن غفير، فإن الخلاف الأخير تم تجاوزه عبر استهداف قادة الجناح العسكري للجهاد في غزة. وأعلن حزب بن غفير إنهاء مقاطعة اجتماعات الحكومة بعد هجمات غزة، واعتبر بيان الحزب أن تغير الموقف جاء بعد تبني الحكومة لموقفه و"التحول من الاحتواء إلى الهجوم"، واغتيال قادة الجهاد، وأن الحزب يأمل باستمرار "تنفيذ سياسة الاغتيالات بمرور الوقت".
وبهذا، تعيد تشكيلة حكومة نتنياهو حل خلافاتها عبر التصعيد في الساحة الفلسطينية، والذي تم الإشارة له في بعض الكتابات بعد الهجمات الأخيرة بوصفه عامل التوحد، أو "الصمغ" الذي يربط الحكومة والمعارضة. وفي حين يتم استخدام سلاح التصعيد بوصفه عامل توحيد ضد كل معارض، إلا إنه عامل تهديد للأمن الذي يفترض حمايته باعتبار أن استهداف غزة بصفة عامة، وقادة المقاومة بصفة خاصة، بالإضافة لعدد الضحايا من المدنيين، وغيرها من الاعتبارات، من شأنها تفجير الأوضاع سواء بشكل مباشر، كما حدث من الفصائل سابقاً، أو عبر فترة انتظار وترقب تسيطر على الأوضاع كما حدث بعد اغتيالات فجر التاسع من مايو، وخاصة مع عودة الهجمات الإسرائيلية في العاشر من مايو عبر استهداف خان يونس واغتيال المزيد من المدنيين في إحياء لذكرى سيف القدس التي قادها نتنياهو قبل مغادرة منصبه بعدها، وكأن المعركة مستمرة.
سياسة الاغتيالات بين التوقف والعودة
في حين اعتبرت عملية استهداف قادة الجهاد في مايو الجاري عودة إلى سياسة الاغتيالات، فإن تلك الرؤية تعتمد على تصور مفاده إيقاف سياسة اغتيال قادة الفصائل منذ عام 2008، والتهديد الإسرائيلي بالعودة إلى تلك السياسة كلما تعقدت الأوضاع، كما حدث في مرحلة حرب غزة الرابعة، مايو 2021، وما شهدته إسرائيل تالياً من عمليات فلسطينية فردية تم الربط بينها وبين شخصيات فلسطينية مختلفة من بينها يحيي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. وكذلك صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وممثل الحركة في الضفة الغربية، والذي تم الربط بينه عبر تحليلات إسرائيلية أمنية مختلفة وبين التصعيد في الضفة الغربية والقدس في العام الجاري (2023)، والحديث عن محاولته إطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة.
ويساعد الحديث عن فترة انقطاع داخل سياسة استهداف قادة الفصائل الفلسطينية في زيادة أسهم الحكومة الإسرائيلية القائمة بصفة عامة، وبن غفير بصفة خاصة في ظل مطالبته بالعودة إلى سياسة اغتيال قادة التنظيمات الفلسطينية منذ فبراير الماضي، وحديثه الأخير عن "إزالة الرؤوس". كما يؤكد الحديث عن إعادة سياسة الاغتيالات، وليس استمرارها، على مكانة بن غفير ضمن الحكومة، وعدم القدرة على تجاوزه، وتحقيق مطالبه في النهاية، وبعد بعض الضغوط والتهديدات العلنية، كما حدث بعد إقالة غالانت.
وفي مقابل الحديث عن استعادة سياسة الاغتيالات يبرز الواقع استمرار عمليات الاستهداف، وإن كانت العمليات المعلنة محدودة، فإن طبيعة تلك السياسة، وما تتطلبه من سرية حتى التنفيذ تعني وجود محاولات أخرى لا يتم الإعلان عنها إلا في حالة تحقيق أهدافها. وبرزت عمليات الاستهداف في وضع محمد الضيف، قائد هيئة أركان كتائب عز الدين- الجناح العسكري لحركة حماس، على قائمة إسرائيل في حروبها في غزة بما فيها بنك أهداف حرب غزة الرابعة، وكذلك التحريض بشكل واضح في مرحلة ما بعد حرب غزة الرابعة ضد السنوار والعاروري.
ولم يقتصر استهداف قادة الفصائل على التهديد والتحريض، حيث تم فعلياً اغتيال عدد من قادة حركة الجهاد الإسلامي في معركة وحدة الساحات في أغسطس 2022، في مشهد قريب من اغتيالات مايو 2023. واغتالت إسرائيل في وحدة الساحات كل من تيسير الجعبري، قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، وخالد منصور، عضو المجلس العسكري لسرايا القدس وقائد المنطقة الجنوبية، والمطلوب الأول في حركة الجهاد والثاني في قطاع غزة بعد الضيف. كما قامت إسرائيل في 23 أكتوبر الماضي باغتيال تامر الكيلاني، القيادي في مجموعة عرين الأسود في نابلس، واغتالت بعده وديع الحوح أحد أبرز قادة عرين الأسود في نابلس أيضاً، ثم فاروق سلامة أحد قادة كتيبة جنين ومؤسسيها. وبعيداً عن اغتيالات ما بعد حرب غزة الرابعة، قامت إسرائيل بعمليات اغتيال سابقة خلال السنوات بما فيها اغتيال سعيد صيام، عضو المكتب السياسي في حركة حماس، ووزير الداخلية في حكومة حماس ونائب المجلس التشريعي الفلسطيني، في 15 يناير 2009.
من جانب آخر، تمثل وفاة خضر عدنان جزءاً أساسياً من أسباب التصعيد الحالية في ظل تصنيف ما تعرض له من قبل الداخل الفلسطيني، ليس فقط الفصائل أو حركة الجهاد التي ينتمي لها، ولكن من قبل السلطة الفلسطينية أيضاً، والتي رأت جميعها أن ما حدث في حالة عدنان هو عملية اغتيال مقصود. ومثلت سياسة إسرائيل في التعامل مع إضراب عدنان عن الطعام سياسة فارقة في التعامل مع إضرابات الأسرى عن الطعام، وهي السياسة التي كان من شأنها تفعيل قواعد الاشتباك التي أعلنها زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، خلال إضراب هشام أبو هواش، وتحديداً في يناير 2022 حين ساءت حالة أبو هواش الصحية، وجاء حديث النخالة ليربط بين وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية والرد من غزة. وبالتالي، يعد السلوك الإسرائيلي في التعامل مع خضر من وجهة نظر فلسطينية بمثابة اغتيال للقادة، ومبرر لتفعيل قواعد الاشتباك وإطلاق الصواريخ من غزة. وفي هذا السياق، ترى بعض الكتابات والآراء، بما فيها الإسرائيلية، أن التعامل مع عدنان هو الذي حول قضية تكتيكية كان يمكن إدارتها دون خسائر ضخمة، إلى مواجهة استراتيجية من شأنها التصعيد على ساحة قطاع غزة، وربما ما هو أبعد في حالة دخول الساحة اللبنانية على ساحة المواجهة كما حدث في رمضان الماضي.
إسرائيل واستهداف الجهاد: جدل وحدة المقاومة
لم تكن عملية "السهم الواقي" هي الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل حركة الجهاد الإسلامي بشكل منفرد، حيث استهدفت حركة الجهاد في نوفمبر 2019، وأغسطس 2022. وجمع بين العمليات السابقة، عدم مشاركة حماس في الرد على الهجمات الإسرائيلية التي أكدت بدورها على استهداف حركة الجهاد الإسلامي فقط، بالإضافة إلى ما أثارته تلك العمليات من نقد وسلبيات فيما يتعلق بدور حماس، وعلاقتها بالجهاد. وفي حين تم انتقاد حماس بشكل علني في 2019، وخاصة مع اغتيال قيادة بوزن بهاء أبو العطا في الجهاد، فإن موقف الحركة في معركة وحدة الساحات تجاوز النقد الداخلي إلى الترحيب والاحتفاء الإسرائيلي الذي اعتبر أن تحييد حماس أحد الإنجازات المهمة للمعركة، بما يؤثر على تعامل الحركة مع الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد قادة الجهاد.
بدورها أسفرت عملية الاستهداف الإسرائيلية في التاسع من مايو في مدينة غزة ورفح عن اغتيال كل من جهاد الغنام أمين سر المجلس العسكري في سرايا القدس، والذي اعتبرته إسرائيل أحد أعضاء الجهاد الأعلى رتبة. وكذلك خليل البهتيني عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، والذي حملته البيانات الإسرائيلية المسئولية عن إطلاق الصواريخ في شهر أبريل. بالإضافة إلى طارق عز الدين أحد قادة العمل العسكري بسرايا القدي في الضفة الغربية، وأحد الأسرى المحررين في صفقة جلعاد شاليط أو وفاء الأحرار، والمبعد من الضفة الغربية إلى غزة.
وأصبح البهتيني قائد المنطقة الشمالية خلفاً للجعبري الذي اغتيل بدوره في معركة وحدة الساحات، ولكن في حين اقتصرت وحدة الساحات على التصعيد المقيد مع الجهاد كما أراد يائير لبيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، رغم أنها لم تساعد في إبعاد نتنياهو عن السلطة في الانتخابات التي عقدت في الأول من نوفمبر 2022، إلا أن الوضع الحالي ورغم التشابه في رغبة إسرائيل في توظيفه سياسياً، يختلف في الكثير من التفاصيل عن واقع وحدة الساحات 2022، بما يجعل النسخة المستمرة أو المحدثة من وحدة الساحات 2023 مختلفة في الجوهر وفرص التطور عن سابقتها. وفي حين ساهمت وحدة الساحات الأولى في إبراز تعقد المشهد الفصائلي المقاوم في غزة، تساهم إسرائيل بشكل غير مقصود في استدعاء وحدة المقاومة الفلسطينية إلى الواجهة، مع وعد حماس في بيانها بعد الهجمات الإسرائيلية برد "حازم من قوى المقاومة موحدة". وتدعم الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع مختلفة في غزة في العاشر من مايو التوجه نحو رد جماعي للفصائل، بغض النظر عن استهداف البنية التحتية للجهاد من عدمه في ظل الخسائر ضمن المدنيين وغيرها من العوامل التي ترجح الحرب الفصائلية المفتوحة.
وتشمل تلك العوامل على الصعيد الفلسطيني سياق التصعيد الإسرائيلي الممتد خاصة منذ شهر رمضان الماضي وعدم رد الفصائل بما تراه طريقة مناسبة على السياسات الإسرائيلية التصعيدية في القدس والمسجد الأقصى، إلى جانب تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء في التعامل مع إضراب الأسرى في حالة خضر عدنان، والتحديات التي يمثلها السلوك الإسرائيلي على وضع الأسرى حال تحوله إلى سياسة ثابتة في التعامل مع الإضرابات، إلى جانب خبرة معركة وحدة الساحات 2022، وتأثيراتها السلبية على فكرة وحدة المقاومة الفلسطينية. كما يضيف من تلك العوامل دخول أطراف إقليمية مختلفة على المشهد سواء على الساحة اللبنانية أو الإيرانية، بما يطرح فكرة الرد في إطار محور القدس وصعوبة بقاء حماس خارج المواجهة.
وعلى الصعيد الإسرائيلي كان الاستباق هو العنوان الأبرز عبر الاستجابة لمطالبات الداخل بتوجيه ضربات إضافية ضد قطاع غزة دون انتظار رد الجهاد أو الفصائل، وخاصة بعد مرور أكثر من 24 ساعة على الهجمات الإسرائيلية دون رد. ومن شأن الرد، كما حدث في القصف الإسرائيلي على خانيونس، دفع الفصائل إلى الرد من القطاع بصورة جماعية من شأنها تغذية الخطاب الإسرائيلي اليميني المطالب بالمزيد من الدماء في غزة.
بدوره يعقد هذا السلوك الإسرائيلي فرص التهدئة خاصة وأن عوامل الرد الجماعي الفلسطيني قائمة، ومن شأن السلوك الإسرائيلي دفع الفصائل نحو المواجهة المفتوحة على كل الاحتمالات. وتتوقف التطورات على رد فعل الفصائل المنتظر، وإلى أي مدى سوف تتعامل الفصائل، وخاصة حماس، مع اللحظة وهل سيتم التعامل معها بوصفها معركة الجهاد المحدودة، أم معركة غزة والفصائل المفتوحة، كما ترجح التطورات.