بعد نجاح الرئيس الأمريكي السابق؛ دونالد ترامب، في استغلال المناظرات الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية لعامي 2016 و2020، لاستهداف منافسيه الديمقراطيين بقوة، وتحقيق تقدم عليهم في بعضها، بعد انتقاد تاريخهم ومواقفهم السياسية؛ فإن موقفه خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري للفوز ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة صعب، في وقت لا يتمتع فيه بتأييد واسع داخله، مع توقعات بتوجيه اتهامات جنائية قد تدفع خصومه إلى استغلالها خلال المناظرات بما سيضعه تحت ضغط كبير رغم تقدمه في استطلاعات الرأي. ففي استطلاع رأي “مورننج كونسلت Morning consult” الذي يدور حول الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، الذي أجري خلال الفترة من 5 إلى 7 مايو 2023 على 3574 ناخباً رئيسياً محتملاً للحزب الجمهوري؛ تقدم الرئيس السابق على منافسه الأبرز داخل الحزب؛ حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتس – الذي لم يطلق حملته الرئاسية بعد – بـ41 نقطة؛ حيث حصل ترامب على المركز الأول بنسبة 60% من الناخبين الجمهوريين المحتملين، فيما حصل “ديسانتس” على 19%.
أسباب الرفض
يرجع تخوف دونالد ترامب من خوض مناظرات انتخابية أمام منافسيه داخل الحزب الجمهوري، إلى عدة أسباب؛ يتمثل أبرزها فيما يلي:
1. تغيير دعم القاعدة الانتخابية لـ”ترامب”: أدى تغير التحديات الداخلية، واهتمامات الناخبين، خاصة مع ارتفاع مستويات التضخم، وارتفاع الأسعار، إلى تحول في اهتمامات القاعدة الانتخابية لـ”ترامب”، ومن ثم دعمها له في الوقت الحالي. ويرتبط دعمها له بكرههم فقط للنظام الحالي، كما أنه على دراية بوجود مقاومة شعبية مضادة له، ومقاومة أخرى من السياسيين إيماناً منهم بأن وصوله من جديد إلى البيت الأبيض يعني تكرار تجربة الولاية السابقة له، وما تسببت فيه من انقسامات داخل المجتمع الأمريكي، ولكن بكفاءة أكبر هذه المرة.
2. رفض عدد كبير من زعماء الجمهوريين لـ”ترامب”: نجح “ترامب” خلال وجوده في البيت الأبيض في إحكام قبضته على الحزب الجمهوري من خلال تعيينه رونا مكدانيل رئيسةً للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، ولكن الآن، هناك عدد ليس بالقليل من زعماء الحزب الجمهوري لا يدعمون فكرة ترشح ترامب لولاية رئاسية ثانية مرشحاً عن الحزب؛ حيث يرون أن وجوده قد يضعف فرص الحزب في الفوز بالانتخابات القادمة، ويفسرون ذلك بالمشكلات التي أثارها ترامب منذ وجوده في البيت الأبيض حتى الآن، بما في ذلك زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، والسيناتور الجمهوري بيل كاسيدي الذي يرى أن وجود “ترامب” على رأس الحزب الجمهوري "سيفقد الحزب مكانته مستقبلاً".
3. تقدم دونالد ترامب في العمر: يختلف الوضع الآن بالمقارنة بالانتخابات الرئاسية التي خاضها ترامب خلال عام 2016، حينما كان عمره حينذاك نحو 70 عاماً؛ حيث يبلغ الآن نحو 76 عاماً، وسيكون 77 عاماً في يونيو القادم، وهو أمر سيمثل نقطة ضعفه لترامب أمام منافسيه الآخرين داخل الحزب الجمهوري الذين سيصغرونه سناً، وعلى رأسهم رون ديسانتيس الذي يبلغ من العمر 44 عاماً، وهي نقطة لن تكون إيجابية لصالح ترامب، الذي لن يكون قادراً خلال الانتخابات الجارية، إذا فاز بالانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، على انتقاد جو بايدن بسبب عمره؛ إذ إن الوضع لا يختلف كثيراً بينهما. ومن المحتمل أن يؤثر هذا العامل على مستوى نشاط كلٍّ منهما خلال المناظرات أو الحملات الانتخابية الرئاسية التي ستحتاج إلى حركة كبيرة.
4. تجنب الانتقادات الموجهة من المنافسين: إن ظهور “ترامب” في المناظرات الانتخابية الأولية داخل الحزب ستجعله عرضة لتلقي عدة انتقادات من جانب منافسيه خلال المناظرات، بما في ذلك هزيمته أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن في انتخابات عام 2020 بالتصويت الشعبي وتصويت الهيئة الانتخابية؛ الأمر الذي قد يدفعه إلى التصرف بنهج غير محمود استناداً إلى “الأنا المضطربة” لترامب، بما سيجعله عرضة لانتقادات على نطاق أوسع، وهو أمر يرغب ترامب في تجنبه في الوقت الراهن، وسط حساسية وضعه في الوقت الراهن بالمقارنة بعام 2016، حينما كانت أفكار ترامب هي العنصر الجاذب للجمهور الأمريكي.
5. متانة شعبية “ترامب” مقارنة بالآخرين: ربما من الأمور التي تجعل ترامب عازفاً عن الدخول في المناظرات الأولى قبيل الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، هو موقعه القوي بالمقارنة بالمرشحين الآخرين؛ فعلى الرغم من المشكلات العالقة مع ترامب، بما في ذلك قضية الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير وتحريض مؤيديه على الهجوم، والتشكيك في العملية الانتخابية منذ نوفمبر 2020، أو تعمد إخفاء وثائق سرية تخص البيت الأبيض في منزله في مار إيه لاجو بفلوريدا، أو قضية دفعه أموالاً لإسكات أحد نجوم الأفلام الإباحية لإخفاء مسألة وجود علاقة جمعتهما، فإن شهرة ترامب بالمقارنة بالمرشحين الآخرين، فضلاً عن ترديده لأفكاره طوال الفترة الماضية، وتواصله المستمر مع الجمهور من خلال منصته، وعدم ابتعاده عن الأضواء حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، تجعله في مركز أكثر قوة بالمقارنة ببقية المرشحين، وبغير حاجة للظهور في تلك المناظرات مع هؤلاء المرشحين لكسب استعطاف أعضاء الحزب والمصوتين في الانتخابات التمهيدية، بل إن ظهور ترامب في مناظرة مع مختلف المرشحين، سيجلب لهم مشاهدات أكبر وشهرة أعلى، لكنه في المقابل قادر في وقت المناظرات على أن يظهر في بث مباشر على أي منصة إعلامية أو إلكترونية وسينجح في جذب المشاهدات أيضاً.
6. تركيز “ترامب” على قضايا أوسع: من المحتمل أن يكون أحد الأسباب الكامنة وراء عدم ميل “ترامب” إلى حضور المناظرات الخاصة بالانتخابات التمهيدية داخل الحزب، هو عدم رغبته في إهدار طاقته في قضايا فرعية لا يرى أنها ذات فائدة له في الوقت الراهن، وأنه يرغب في التركيز بقدر أعلى على الرئيس الحالي جو بايدن، وإخفاقات الإدارة الديمقراطية، خاصةً قضايا الاقتصاد والهجرة، وتخويف المواطنين المحافظين من الأفكار التي يسعى الديمقراطيون إلى نشرها في المدارس ذات الصلة بالهوية الجنسية وحقوق المثليين، فضلاً عن رغبته في النأي بنفسه عن مسألة الصراع والاقتتال بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي للوصول إلى السلطة، ولكن تصوير نفسه على أنه يصارع “الأوليجاركية الحاكمة”، خاصةً أنه لم يعلن عن فكرة دعمه المرشح الفائز بالانتخابات التمهيدية للحزب إذا لم يكن هو الفائز، بما يعني أنه قد يرشح نفسه، حتى لو لم يكن فائزاً، وهو ما سيؤدي إلى خسارة الحزب الجمهوري بطاقات تصويتية عديدة ستذهب وراء ترامب لو ترشح مستقلاً.
وختاماً، يمكن القول إن “ترامب” إذا استمر في استخدام النغمة التي استخدمها في عقب انتخابات عام 2020، والتي تركز على سرقة وتزوير الانتخابات، فإن ذلك سيكون ذات عواقب غير محمودة عليه داخل الحزب الجمهوري وخارجه؛ حيث سيكون على “ترامب” العمل من أجل جذب فئات مختلفة داخل الحزب الجمهوري وخارجه من المستقلين؛ لذلك سيكون لزاماً عليه استخدام رسائل مختلفة بدلاً من التشكيك في نزاهة المؤسسات الأمريكية. وبالرغم من أن هناك حجة قوية وراء امتناعه عن الظهور في المناظرات الانتخابية، فإن ذلك قد يُظهره في موضع الشخص الضعيف غير القادر على الرد على الانتقادات، وهو ما قد يؤثر على شعبيته التي بنيت بشكل كبير بسبب ظهوره المكثف، ورده على مختلف الانتقادات التي يواجهها من خصومه.