اتفقت وزيرة المواصلات الإسرائيلية، ميري ريغف، مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على ميزانية البنى التحتية المخصصة لتوسيع الشوارع والطرق الرئيسة في إسرائيل والتي بلغت حوالي 13.4 مليار شيكل، من ضمنها حوالي 25% من الموازنة سيتم صرفها في شوارع الضفة الغربية لتعزيز واستدامة المشروع الاستيطاني. هذا التقرير يستعرض البنية التحتية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وطبيعة المشاريع القادمة لتوسيع شوارع المستوطنين.
في 29 كانون الأول 2022، تولت ميري ريغف (الليكود) وزارة المواصلات، لكنها لم تكن المرة الأولى. قبل ذلك، تولت ريغف وزارة المواصلات في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة (حزيران 2020- كانون الأول 2021)، وفي أثناء هذه الولاية قدمت ريغف خطة شاملة لتطوير البنى التحتية في الضفة الغربية ووضعت الخطة أمام رؤساء المجالس الاستيطانية ورئيس الإدارة المدنية في حينها، وقالت: "اليوم هو يوم مشوق بالنسبة للمستوطنات ولدولة إسرائيل التي تقوم بالبناء في جميع أنحاء الوطن... أنا فخورة بتقديم أول خطة شمولية للمواصلات في الضفة الغربية". من جانبه، قال رئيس مجلس المستوطنات في حينها، ديفيد الحياني: "من المثير أن نرى، بعد 53 عامًا من الاستيطان، المخطط العام للنقل في يهودا والسامرة ووادي الأردن... لو تم تنفيذ هذه الخطة قبل 10 سنوات، لكان من شأنها أن تؤدي إلى زيادة عدد المستوطنين في يهودا والسامرة ليصلوا اليوم إلى حوالي مليون إسرائيلي".
ولا بد من القول، قبل استعراض بنود الخطة الشاملة، بأن وضع خطة خمسية (خمس سنوات)، أو خطة شاملة (تخطيط على مستوى كل الضفة الغربية وليس على مستوى شارع وحيد)، يواجه العديد من التحديات بالنسبة لإسرائيل.
ثمة ثلاثة تناقضات أساسية تقع في صميم تخطيط الشوارع في الضفة الغربية:
1. تمويل إسرائيلي واستخدام فلسطيني:
إسرائيل تتعامل مع الضفة الغربية (حوالي 5400 كم مربع) كمنطقة واحدة بدون الأخذ بعين الاعتبار وجود مناطق حكم ذاتي فلسطينية، وإن كان التخطيط الإسرائيلي يتعلق فقط بالمناطق "ج". وحسب ريغف، مساحة الضفة الغربية تشكل ربع دولة إسرائيل. إن وضع بنية تحتية شاملة للشوارع والطرق الالتفافية عليها أن تتعامل مع تناقض أساسي لا يغيب عن بال المخطط الإسرائيلي: من جهة، حجم البنية التحتية في الضفة الغربية، وطبيعة الشوارع الكبرى، صلابتها وسنوات خدمتها، صيانتها الدورية، وحجم الاستثمار المالي فيها يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن استخدام هذه البنية التحتية سيكون من قبل الإسرائيليين (15% من سكان الضفة الغربية) والفلسطينيين (85% من سكان الضفة الغربية). لكن من جهة ثانية، فإن تمويل هذه البنية التحتية يأتي من قبل الإسرائيليين وحسب.
2. التخطيط الحضري مقابل التخطيط الأمني:
على خلاف البنية التحتية داخل إسرائيل، فإن البنية التحتية في الضفة الغربية تأخذ بعين الاعتبار القضايا الأمنية المرتبطة بأمن المستوطنين. بينما أن إسرائيل تعتبر ناجحة إلى حد ما في تحصين وحماية المستوطنة (والتي لها حدود معلومة وبوابة يشرف عليها عناصر أمن)، إلا أن إسرائيل ترى أن هناك عيوباً أمنية، وفجوات حقيقية، في حماية الطرق الالتفافية التي تمتد داخل الضفة الغربية وتعتبر مكان تماس والتقاء يومي ما بين المستوطنين والفلسطينيين. إن وضع خطة شاملة لا يجب أن يأخذ بالحسبان فقط الأمور التقنية المتعلقة بالتخطيط الحضري والعمراني، وإنما أيضا الجوانب الأمنية بحيث أن مسار الشارع، التفافاته وانحناءاته، مواقع الجبال والوديان المحاذية لمساره، ومواقع القرى والمدن الفلسطينية القريبة تؤخذ بعين الاعتبار، لوضع بنية تحتية أمنة للمستوطنين. أحد أهم الأمثلة التي تنتصب أمام صانعي السياسات والمخططين الإسرائيليين هو منطقة حوارة (ما بين نابلس ورام الله) ومنطقة العروب- بيت أمر (ما بين بيت لحم والخليل). في هاتين المنطقتين، يضطر الإسرائيليون إلى العبور من شوارع تمر من داخل قرى أو مخيمات فلسطينية، الأمر الذي يرفع تكلفة حمايتها (كتائب جيش، بنية تحتية تكنولوجيا، كاميرات، حواجز، نقاط اسعاف أولي، القرب من المستشفيات... الخ).
3. المستوطنات كمركز (center) أم طرف (periphery)
تناقض آخر تحاول السلطات الإسرائيلية تجاوزه ويقع في صميم تخطيط شبكة الطرق العصرية في الضفة الغربية، يتعلق فيما إذا كان المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية عبارة عن طرف (محيط) يتم إلحاقه بمركز المدن الحضرية في إسرائيل داخل الخط الأخضر، أم أن المستوطنات بحد ذاتها يجب أن تكون مركزا آخر بالنسبة للحياة المدنية في إسرائيل. اختيار أحد هذين الخيارين سيكون له تبعات هامة وبعيدة المدى على شكل التخطيط، وشبكة الطرق، والغايات من توسيعها. مثلا، يمكن الادعاء بأن عقيدة إسرائيل في تخطيط الشوارع داخل الضفة الغربية توحي بأن المستوطنات هي مناطق طرفية (peripheral)، وليست مراكز حضرية جديدة بعد. وعليه، نرى أن معظم التركيز الإسرائيلي في السنوات السابقة، خصوصا بعد فترة أوسلو، كان في تطوير البنى التحتية على مستويين: الأول، تطوير شارع أساسي يعبر الضفة الغربية طولا، وربما الشارع الأهم هو شارع 60 الشهير، الذي يبدأ من بئر السبع جنوبا وينتهي عند الناصرة شمالا، ويقص الضفة الغربية طولا بحيث أنه يفصل المناطق السكنية الفلسطينية عن المستوطنات الإسرائيلية، لكنه يمر من داخل مخيم العروب ومفرق حوارة. المستوى الثاني، هو ربط هذا الشارع الطولي (أي شارع 60)، بشوارع عرضية تربطه بالعمق الإسرائيلي، وخصوصا مع شارع 6 داخل إسرائيل. هذا النوع من التخطيط يوحي بأن إسرائيل تتعامل مع المشروع الاستيطاني داخل الضفة الغربية باعتباره الحديقة الخلفية لإسرائيل، وليس كمركز حضري بحيث أنه تم التخطيط لشبكة الشوارع الحالية من أجل "ربط المستوطنات بإسرائيل: وليس من أجل "ربط إسرائيل بالمستوطنات".
انطلاقا من هذه التناقضات، فإن الخطة الشاملة التي وضعتها ريغف في العام 2020، تشمل، من بين أمور أخرى، توسيع شارع 60، بما في ذلك شق طريق للالتفاف عن حوارة وبيت أمر- العروب. تطوير وتوسيع الطريق السريع 55 (الذي يربط شارع 60 مع شارع 6 ويمر بمحاذاة مستوطنة أريئيل)؛ طريق قلنديا (الذي قد يربط شارع 60 مع شارع 443 بالقرب من عطاروت ويوفر على المستوطنين عشرات الدقائق في أثناء السفر إلى داخل إسرائيل)، وطريق 375 (الذي يربط ما بين طريق 60 مع الداخل الإسرائيلي بالقرب من مفترق الخضر ويمر من منطقة حوسان) من هداسا إلى مفرق حوسان، وغيرها.
حكومة نتنياهو السادسة: ثنائية سموتريتش- ريغف
قبل أن تتولى ريغف وزارة المواصلات في العام 2020، سبقها في المنصب سموتريتش نفسه. لكن، وبسبب أنها كانت حكومة انتقالية تلك التي شارك فيها سموتريتش كوزير مواصلات (حزيران 2019 -أيار 2020)، فإنه لم يستطع أن يقوم بالكثير من أجل حياة المستوطنين في الضفة الغربية. لكن اليوم، يعود سموتريتش على رأس وزارة أكثر نفوذا، وهي وزارة المالية، في حكومة تبدو مستقرة حتى الآن ولا يمكن وصفها بأنها مجرد حكومة انتقالية. من هنا، ورد في الاتفاقيات الائتلافية للحكومة الحالية، خصوصا الاتفاقيات مع حزبي الصهيونية الدينية- تكوما (برئاسة سموتريتش) وعوتسما يهوديت (برئاسة بن غفير)، عدة بنود تتعلق بتنفيذ مخططات متوسطة المدى، وشاملة، لتغيير طبيعة البنية التحتية والشوارع في الضفة الغربية لتعزيز مشروع الاستيطان.
وبعد أن صادق سموتريتش كوزير مالية على تخصيص ميزانيات هائلة لصالح شوارع الضفة الغربية، من المتوقع أن تقوم وزارة المواصلات ريغف بتحويل مبلغ يقارب 3.5 مليار شيكل لصالح أعمال البنية التحتية الشاملة لخدمة المستوطنات. من أهم المشاريع المشار إليها في الاتفاق الجديد الذي ظهرت معالمه في نيسان 2023، هو توسيع شارع 60 من مدخل حزما وحتى شمال الصفة الغربية، بحيث يتحول الشارع الذي يعتبر الشريان الأساس لربط المستوطنات في الضفة إلى شارع سريع على أن يضم كل اتجاه 3 مسالك، واحد منها سيتم تخصيصه للمواصلات العامة. ومع أن مسلك المواصلات معد أساسا لخدمة المستوطنين وحافلاتهم والتي تعاني من أزمات خانقة خصوصا في ساعات الذروة الفلسطينية (الأعياد الفلسطينية، أو ساعات بدء وانتهاء الدوام الفلسطيني)، إلا أنه قد يخدم أيضا المواصلات العامة الفلسطينية (في حال صدق هذا التوقع الذي يبدو أكثر أرجحية، ستكون له تبعات اقتصادية مهمة على قطاع المواصلات الفلسطيني من حيث سرعة الخطوط الرابطة ما بين المدن الفلسطينية، وتكلفة الراكب، والقوانين الإسرائيلية التي ستفرض بشكل أوسع على الفلسطينيين).
المفاجأة الأخرى في بنود صرف ميزانية المواصلات الجديدة، هي التصليحات الضخمة التي تقوم بها الإدارة المدنية عند حاجز قلنديا العسكري، والتي عادة ما يتم الترويج لها على أنها استجابة إلى "مظالم" الفلسطينيين الذين يعانون يوميا بسبب أزمات حاجز قلنديا. بحسب بنود الاتفاق، فإن مجلس مستوطنات بنيامين (منطقة رام الله وجنوب نابلس) هو الذي دفع إلى هذه التصليحات والتي من شأنها أن تخصص مبلغ 300 مليون شيكل لإعادة هندسة طريق 45 (الرابط ما بين مستوطنة كوخاف يعكوف شرقي كفر عقب ومستوطنة عطاروت، مرورا بنفق تحت حاجز قلنديا). هذا الشارع من شأنه أن يختصر الطريق بين مستوطنات رام الله وجنوب نابلس وشارع 443 (المقام ما بين عطاروت وموديعين) والذي يعتبر خط مرور أساسياً وسريعاً بالنسبة للمستوطنين. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تشمل الميزانية 150 مليون شيكل لصالح طريق مستوطنة ألفي منشيه، وسيتم تخصيص 200 مليون شيكل في طريق 5066 والذي سيلتف على قرية الفندق الفلسطينية لتجنب الاحتكاك مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى حوالي 366 مليون شيكل لتوسيع طريق الوصول إلى بيت إيل، وهي المستوطنة التي درس فيها سموتريتش.
على ما يبدو، ستوفر البنية التحتية في الضفة الغربية، في حال تم صرف هذه الميزانيات حسب المخطط له، أكبر أداة على نظام الأبارتهايد والذي سيبدو أكثر وضوحا من خلال هندسة الشوارع والبنى التحتية. والسبب لذلك، هو أن البنى التحتية الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تقوم فقط على مبدأ فصل المواصلات الإسرائيلية عن الفلسطينية (العديد من الطرق الجديدة تلتف حول القرى العربية لتتجنبها، وهذا ما سيتم تنفيذه على الأقل عند حوارة ومخيم العروب)؛ بل إنها تقوم على مبدأ آخر مهم، قلما تم الانتباه إليه، وكان الباحث الإسرائيلي أريئيل هاندل قد أشار اليه في مقال أكاديمي من العام 2009 عندما قال بأن الضفة الغربية هي مثال على "جغرافيا الكوارث"؛ فالزمن الذي يحتاج إليه الفلسطيني لقطع مسافة داخل الضفة الغربية هو أضعاف الزمن الذي يحتاج إليه الإسرائيلي لقطع نفس المسافة. وقد جلب مثالا من فترة العام 2008-2009، عندما وجد أن المسافة التي يقطعها المستوطن ما بين مستوطنة إيتمار ومستوطنة أريئيل (17 كم) تحتاج إلى 11 دقيقة لدى المستوطنين الذين يتمكنون من السفر بسرعة 90 كم على شوارع سريعة وعصرية، في حين أن المسافة للمرور من قرية بيت فوريك إلى بلدة سلفيت (19 كم)، وهي بالمناسبة تقريبا نفس الطريق ما بين إيتمار وأريئيل، كانت تحتاج من الفلسطيني إلى حوالي 3 ساعات في حينها. ولا شك في أن لهذه المسافات، والسرعات، والأوقات المقطوعة، تبعات مهولة على الاقتصاد الفلسطيني، وعلى الصحة النفسية للمجتمع الفلسطيني تحديدا. من هنا، فإن العوامل التي تدخل في تحديد الاقتصاد الفلسطيني، والصحة النفسية للفلسطينيين، يبدو أنها ليست غائبة عن صناع القرار الإسرائيليين، بل هي موجودة في التقارير التي وضعوها أمامهم، على ما يبدو، في أثناء وضع الخطط الشاملة للبنى التحتية في الضفة الغربية.