• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
قراءات

عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاجتماع الأول لحكومته يوم 7 يونيو 2023، بعدما أدى في الثالث من الشهر نفسه اليمين الدستورية رئيساً للبلاد، وحضر حفل تنصيبه بالقصر الرئاسي بأنقرة 21 رئيس دولة و13 رئيس وزراء وعشرات من وزراء الخارجية وعدد من رؤساء المنظمات الدولية؛ ما يعكس الاهتمام الدولي بنتائج الانتخابات الرئاسية، وقد تعهد أردوغان في كلمته بأن يحقق رؤية “قرن تركيا” بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية، وأن “يجعل تركيا النجم الصاعد في الشرق الأوسط، عبر تبني سياسة خارجية تقوم على التقارب مع مختلف الدول، وخفض التضخم، وإعادة إعمار المناطق المنكوبة بالزلزال”، وهو ما ينذر بأن أنقرة ستستكمل نهج المصالحات الإقليمية، والتوسط في الأزمات الدولية، والتوازن في علاقاتها بالقوى الكبرى لتحقيق مصالحها الخارجية خلال المرحلة المقبلة.

توجهات رئيسية

أوضح أردوغان (69 عاماً)، في كلمته بعد التنصيب، أن “هدفنا هو إقامة حزام من الأمن والسلام من حولنا؛ من أوروبا إلى البحر الأسود، ومن القوقاز والشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا”، وهذا يضع مفهوم “الحزام الآمن” أو “المناطق الآمنة” محدداً للسياسة الخارجية الجديدة، وكان قد طرح لأول مرة خلال زيارته إلى أذربيجان في 3 يوليو 2021 وأكد أن “أنقرة تنشئ منطقة أمنية لحماية نفسها، وناجورنو كاراباخ أحد مكوناتها، وإذا فشلت تركيا في إنشاء مثل هذه المنطقة الأمنية القوية خارج حدودها، فلن يمنحونا السلام، ولن يتركوا هناك رفاهية داخل حدودنا”، وسينعكس هذا على مستقبل السياسة الخارجية التركية التي ستعتمد على “البرجماتية” لتحقيق أهدافها. وبوجه عام، يمكن القول إن سياسة تركيا ستكون مرتبطة بعدد من التوجهات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1. تعزيز التقارب العربي–التركي: أعلن أردوغان عزمه أداء “فريضة الحج” هذا العام التي ستتبعها جولة خليجية، وسيركز على تعزيز التعاون الاقتصادي وتنفيذ اتفاقيات الشراكة مع السعودية والإمارات التي تتجاوز 15 مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة، بما يعالج الأزمة الاقتصادية بتركيا، وربما توسع أنقرة قاعدتها العسكرية بقطر، كما ستبدأ إجراءات التطبيع مع سوريا بوساطة روسية رغم التحديات التي تقابلها، وستدعم أنقرة إجراء انتخابات ليبية جديدة مع الحفاظ على وجودها الاقتصادي والعسكري بطرابلس.

ومن المنتظر تطوُّر العلاقات بين أنقرة وبغداد مع الإعلان عن البدء بتدشين “خط التجارة الاستراتيجي” من البصرة جنوب العراق إلى تركيا، وهو ما سيُحدث طفرة اقتصادية بالمنطقة حال إتمامه، كما ستحل أنقرة “أزمة المياه” بالعراق عبر اتفاقيات محددة مع بغداد، وربما تطرح أنقرة وساطتها لحل الخلافات العالقة بين بغداد وأربيل، وربما يجدد أردوغان تدخلاته السياسية المرفوضة بالشأن الداخلي لبعض الدول العربية الصغيرة المتأزمة، مثل (تونس، ولبنان، واليمن) بشكل أقل حدةً عما سبق، كما ستدعم أنقرة كافة المبادرات الخليجية لحل الأزمات العربية في (السودان، وليبيا، واليمن).

2. استكمال مسار تطبيع العلاقات التركية–المصرية: بعث الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” برقية تهنئة إلى “أردوغان” غداة الإعلان عن فوزه، ثم أجرى اتصالاً هاتفيّاً به اتفقا خلاله على البدء الفوري في تبادل السفراء بين أنقرة والقاهرة الذين تم سحبهم قبل عشر سنوات، وربما تُعقَد جولات جديدة بين وزيرَي الخارجية لبحث الملفات العالقة بين أنقرة والقاهرة التي تأتي في مقدمتها الملف الليبي، وترسيم الحدود بين تركيا وحكومة طرابلس بمذكرة أمنية وقانونية في نوفمبر 2019، وهو ما اعترضت عليه القاهرة، فضلاً عن مطالبة تركيا بالانضمام إلى منتدى غاز شرق المتوسط، بخلاف الاعتراضات المصرية على القصف التركي المستمر بشمال سوريا والعراق. ومن المرجح قيام “أردوغان” بزيارة إلى القاهرة قبل نهاية العام الحالي.

3. تطوير العلاقات التركية–الإيرانية: تتقاطع مصالح إيران وتركيا في عدد من الملفات؛ منها (سوريا، والعراق، وأذربيجان وأرمينيا، وآسيا الوسطى، والقضية الفلسطينية)، فضلاً عن التنافس الديني الثقافي بينهما، ورغم تلك الخلافات فإن من المنتظر أن تستمر أنقرة وطهران في اتباع الحوار أداةً لحل خلافاتهما، كما حدث بالملف السوري؛ حيث تنضم الدولتان إلى “آلية الأستانة” مع روسيا للاتفاق على تقاسم النفوذ السياسي بتلك الأقاليم للحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية ومنع استغلال القوى الأخرى للخلافات بينهما لتبسط نفوذها بتلك الأقاليم الحيوية، كما من المنتظر أن يتكرر القصف التركي الإيراني لمعسكرات حزب العمال الكردستاني الكردي (ppk) وحزب “الحياة” الكردي الإيراني المعارض (بيجاك) بكردستان العراق، وهي أحزاب مصنفة إرهابيةً في أنقرة وطهران. ويرجح أيضاً أن تواصل الدولتان تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما؛ ففي عام 2022 تم التوقيع على 8 اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي والدفاعي بين الطرفين، وأعلنا عن عزمهما رفع التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار سنويّاً.

4. تنفيذ رؤية 2040 بآسيا الوسطى: حضر رؤساء دول آسيا الوسطى حفل تنصيب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية؛ حيث ترى هذه الدول في تركيا نموذجاً لدولة متقدمة يُحتذَى به في ظل الإطار المؤسسي الذي يجمعهم، وهو “منظمة الدول التركية” التي نشأت عام 2009 وتضم (تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان)، ودولتين مراقبتين هما تركمانستان والمجر.

ومن المتوقع أن يحرص “أردوغان” على تنفيذ (رؤية العالم التركية 2040) التي تضم 120 هدفاً طموحاً للتعاون بين دول المنظمة بمختلف المجالات، وكذلك “الاستراتيجية الخمسية” (2022–2026) لتسهيل التبادل الجمركي والتجاري بين تلك الدول، وتعمل تركيا على قيادتها لتعزيز مكانتها الإقليمية، لتصبح أنقرة “المعبر الجيوستراتيجي” لمصادر الطاقة والبضائع من تلك الدول الحبيسة إلى القارة الأوروبية من خلال عدة ممرات؛ منها: خط سكة حديد “باكو–تبليسي–قارص” للربط بين (أذربيجان وجورجيا وتركيا)، ومشروعا “ممر الغاز الجنوبي” و”خط الصداقة” بين تركيا وأذربيجان وتركمانستان، كما سيعمل “أردوغان” على تعزيز مكانة المنظمة وتحويلها إلى “اتحاد تركي” كما الاتحاد الأوروبي.

5. تمديد الوجود بجنوب آسيا: ترتبط تركيا بعلاقات متميزة مع باكستان والهند وأفغانستان في ظل حكم حركة “طالبان” التي أرسلت برقية تهنئة “لأردوغان” بعد فوزه، وخلال المرحلة المقبلة ستسعى أنقرة للحفاظ على تعاونها مع باكستان على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ومع الهند واحتواء الخلافات بينهما إثر الانحياز التركي إلى إسلام أباد في قضية كشمير، وستعمل أنقرة أيضاً على تعزيز تدخلها بالشأن الأفغاني، لا سيما بعد فوز شركات تركية بإدارة بعض القطاعات بمطار كابول، كما ستطرح أنقرة دورها في إعادة إعمار أفغانستان؛ ما يعزز مكانة أنقرة لدى واشنطن باعتبارها وكيلاً لها في كابول.

6. احتواء الفتور في العلاقات مع الصين: شهد العامان الماضيان فتوراً في العلاقات بين بكين وأنقرة إثر الانتقادات التركية المستمرة للانتهاكات الصينية بحق أقلية “الإيجور” المسلمة بتركستان شرق الصين، كما تشمل الخلافات بينهما التنافس التركي–الصيني لبسط النفوذ بآسيا الوسطى، وتنافس المصالح التركية والصينية بسوريا، وهو ما دفع بكين إلى عدم الترحيب بضم تركيا إلى عضوية منظمة “شنجهاي” رغم موافقتها على انضمام إيران، وربما تستمر هذه الملفات الخلافية، بيد أن أنقرة ستعمل على احتواء هذه الخلافات للاستفادة من الفرص الاقتصادية والاستثمارية التي تمنحها بكين، ولتحقيق مصالحهما المشتركة، ناهيك عن أن الحفاظ على علاقات جيدة مع بكين يمنح أنقرة ورقة جيدة للمساومة تستخدمها في إدارة علاقاتها مع الدول الغربية، وخاصةً واشنطن.

7. توظيف أنقرة قوتها الناعمة بالبلقان: نجح “أردوغان” بالعقد الأخير في تعزيز نفوذه بمنطقة البلقان (الجبل الأسود، وألبانيا، وكوسوفو، والبوسنة والهرسك، وكرواتيا، وصربيا، ومقدونيا الشمالية)، من خلال توظيف القوة الناعمة والميراث العثماني وإحيائه وترميم الأبنية والمساجد التاريخية الإسلامية، والاعتماد على الأقليات التركية بالمنطقة التي أصبح لها تمثيل بالأحزاب السياسية، وتشارك في الحكومات المتعددة ببلغاريا وألبانيا وكوسوفو، كما قامت أنقرة بإنشاء مدراس ومراكز تعليم اللغة التركية، ومن المتوقع أن تستمر تركيا في هذه السياسة، كما ستعززها عسكريّاً بعد إرسال كتيبة تركية من (500) جندي إلى كوسوفو بصفتها عضواً “بالناتو” لحفظ الأمن بها، إثر تجدد الأزمة العرقية هناك؛ ولذا فإن أنقرة ستعزز تعاونها مع دول المنطقة، وتطرح نفسها وسيطاً لحل الأزمة في كوسوفو وحل أزمة إعادة ترسيم الحدود بالبلقان التي تثار حاليّاً.

8. بدء التقارب التركي اليوناني: رغم تفاقم الخلافات بين أنقرة وأثينا خلال الفترة الماضية، فإن العام الحالي شهد تقارباً بينهما بعد مبادرة اليونان بإرسال مساعدات إنسانية إلى تركيا، ثم قام وزير خارجيتها بزيارة أنقرة، ودعا رئيس الوزراء اليوناني “كيرياكوس ميتسوتاكيس” أنقرة إلى التقارب مع أثينا وحل القضايا الخلافية بينهما، وهو ما أكده “أردوغان” في كلمته بعد الفوز حول التقارب مع كافة الدوائر الخارجية؛ ولذا فإنه من المتوقع استئناف المفاوضات الاستكشافية بين أنقرة وأثينا التي عُقد منها (62) جولة لحل تلك القضايا، وكذلك ربما تُعقَد جولة جديدة برعاية الأمم المتحدة حول توحيد الجزيرة القبرصية بمشاركة تركيا واليونان.

كما سيتم تعزيز التبادل الاقتصادي بين الدولتين، وبدء التنسيق الأمني بالحدود؛ لتأمين منع عبور اللاجئين من تركيا إلى اليونان، كما سيتم تخفيف الوجود العسكري التركي بشرق المتوسط، بيد أن تنوع الخلافات بين أنقرة وأثينا لا تنذر بأن تحل في المدى القريب؛ لأنها تشمل قضايا وأطرافاً آخرين؛ فعلى سبيل المثال، هناك اعتراض يوناني على مذكرة ترسيم الحدود بشرق المتوسط بين تركيا وليبيا، بالإضافة إلى الخلاف الجذري حول انقسام شبه جزيرة قبرص، والتنقيب التركي غير الشرعي عن الغاز الطبيعي أمام السواحل اليونانية القبرصية، والخلاف جول الجزر المتنازع عليها ببحر إيجه.

9. استمرار التعاون الاستراتيجي مع روسيا: حقق التعاون التركي الروسي خلال العقد الماضي طفرة غير مسبوقة، كُلِّلت مؤخراً بافتتاح محطة “أكويو” النووية التركية بتمويل روسي بلغ 20 مليار دولار، ورفضت أنقرة توقيع أي عقوبات على روسيا عقب الحرب الأوكرانية، واتفقتا على تعزيز التعاون التجاري بينهما واستخدام (الروبل الروسي) في دفع ثمن الغاز المُصدَّر إلى تركيا، كما من المقرر أن تتسلم أنقرة الدفعة الثانية من منظومة صواريخ (S–400) الروسية التي تعترض واشنطن عليها، كما حوَّل رجال الأعمال الروس معظم استثماراتهم إلى تركيا العام الماضي لتجنب العقوبات الغربية.

وهذا التقارب دفع موسكو إلى الموافقة على الوساطة التركية في اتفاق تصدير الحبوب بأغسطس 2022، وهي الوساطة التي ربما تتكرر، لا سيما بعد الاتصال الهاتفي بين “أردوغان” ونظيريه الروسي “فلاديمير بوتين” والأوكراني “فلاديمير زيلينسكي” يوم 7 يونيو 2023؛ لبحث تداعيات انهيار سد “كاخوفكا” بمدينة “خيرسون”؛ حيث تُعَد تركيا الوسيط المقبول والمناسب بين موسكو وكييف؛ نظراً إلى كونها عضواً “بالناتو”، ولها علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو، كما تتقاطع المصالح الاستراتيجية بين روسيا وتركيا في عدة ملفات عربية؛ منها (سوريا، وليبيا، وشرق المتوسط؛ حيث الدعم الروسي لليونان) فضلاً عن التنافس الإقليمي بينهما في آسيا الوسطى والبلقان؛ حيث الدعم الروسي لصربيا والأقليات الصربية بدول المنطقة، وهو ما ينذر باستمرار التعاون الاستراتيجي التركي الروسي المعتمد على التواصل الشخصي بين “بوتين” و “أردوغان” على وتيرته الحالية، ومعالجة القضايا الخلافية بينهما لمنع تضارب مصالحهما في عدة دول تشهد وجوداً عسكريّاً روسيّاً تركيّاً مستمرّاً.

10. معالجة الخلافات مع الغرب: قدم كافة قادة الدول الأوروبية التهنئة “لأردوغان”، ودعت ألمانيا وفرنسا إلى تعزيز التعاون بين تركيا والاتحاد، ومواجهة التحديات المشتركة بينهما، وبالطبع سيعمل “أردوغان” على معالجة الخلافات التي تصاعدت مع الدول الأوروبية؛ لمعالجة الأزمة الاقتصادية ببلاده، وكسب تأييدها لوساطته في الأزمة الأوكرانية.

كما من المتوقع موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو” قبل قمة الحلف المقبلة المقررة في يوليو 2023 بليتوانيا؛ وذلك بعد إقرار البرلمان السويدي “قانون مكافحة الإرهاب” الذي دخل حيز التنفيذ في مطلع يونيو الحالي، الذي يحذر من التعامل مع التنظيمات الإرهابية أو تمويلها كما طلبت أنقرة، وسيكون من السهل على “أردوغان” تمرير موافقة بلاده بالبرلمان؛ لأن تحالفه يملك أغلبية برلمانية تُمكِّنه من تمرير أي قانون تشريعي يريده، وإذا تم ذلك فإنه سيعزز مكانة أنقرة داخل الحلف، وأيضاً سيعزز مكانة “أردوغان” بين ناخبيه؛ حيث أصر على تنفيذ السويد وفنلندا ما طلبه كي يوافق على دخولهما “الناتو”، كما أن هذا سيحل واحداً من أهم الملفات الخلافية بين أنقرة وواشنطن، بيد أن أنقرة حتى اليوم لم تعلن صراحةً رغبتها في الموافقة على ضم السويد، وما زالت تطالبها بتسليم 130 مطلوباً أعضاء بتنظيمات إرهابية.

تحديات قائمة

عيَّن “أردوغان” وزيراً جديداً للخارجية التركية، هو رئيس المخابرات السابق لمدة 13 عاماً “هاكان فيدان” (55 عاماً)، وقد تعامل سرّاً مع كافة قضايا السياسة الخارجية المتعلقة بالأمن القومي، كالقضيتين السورية والروسية، ويحظى بترحيب غربي؛ لأنه أكمل دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بترحيب روسي؛ نظراً إلى علاقاته المتميزة بنظرائه في موسكو خلال السنوات السابقة، ورغم هذا فإن هناك عدداً من التحديات التي ستواجه “فيدان” في إدارة ملفات السياسة الخارجية التركية في المدى القصير خلال العام المقبل، وهي:

1. تطبيع العلاقات مع سوريا: شهد عام 2022 اختراقاً بالعلاقات التركية الروسية من خلال عقد اجتماع لوزراء خارجية الرباعي (روسيا، وتركيا، وإيران، وسوريا) وانضمام سوريا ‘اة “آلية الأستانة”، بيد أن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق يُعَد أكبر تحدٍّ يواجه العام الأول لحكم “أردوغان”، الذي رهن تطبيع العلاقات بمعالجة ثلاث قضايا؛ هي: (محاربة الإرهاب، وعودة اللاجئين، والمفاوضات بين دمشق والمعارضة)؛ حيث تشترط دمشق سحب كافة القوات العسكرية التركية من شمال سوريا، وكذلك وقف الدعم العسكري واللوجستي التركي للفصائل السورية المسلحة (الجيش السوري الحر) والتنظيمات الإرهابية الأخرى الموجودة بإدلب السورية الخاضعة للسيطرة التركية، وإعادة السيطرة على المعابر الحدودية إلى دمشق، وهذا كله ترفضه أنقرة؛ فقد أكد “أردوغان” بقاء قواته بسوريا، واستمرار عمليات مكافحة الإرهاب هناك، ويقصد به “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”. وهذه المشكلات سيكون من الصعب معالجتها بسهولة.

2. ترحيل اللاجئين السوريين: تعهد “أردوغان” بعد فوزه بترحيل مليون لاجئ سوري من أصل نحو 3.4 مليون لاجئ سوري موجودين بتركيا، وأبرم اتفاقاً مع قطر لتمويل بناء منازل في شمال سوريا لتسكينهم فيها بعد ذلك، وهي المنطقة التي تطلق عليها أنقرة “المنطقة الآمنة”، التي تمتد داخل سوريا بعمق 30 كم، تخضع لسيطرة تركيا بالكامل، وتسود فيها اللغة التركية في التدريس بالمدارس، وترفع العلم التركي، وتطالب أنقرة بترحيل اللاجئين إلى تلك المنطقة، واستمرار سيطرتها عليها، وهو ما ترفضه دمشق، كما أنه يتناقض مع مبادئ القانون الدولي؛ لأنه يعد “احتلالاً ممنهجاً” من تركيا لجزء كبير من المدن السورية، وفي المقابل يجب على “أردوغان” حل أزمة اللاجئين قبل إجراء الانتخابات المحلية بتركيا في منتصف 2024 لضمان كسب تأييد الناخبين له.

3. المخاوف الأوروبية من “شعبوية أردوغان”: تبنى “أردوغان” خطاباً شعبويّاً قوميّاً لتحقيق مصالحه وتعزيز نفوذه بالخارج، والترويج لنفسه على أنه “قائد” العالم الإسلامي والقوقازي والأوراسي، واكتساب تأييد إقليمي شعبي لوجود تركيا العسكري ونفوذها السياسي في عدة دول بأقاليم مختلفة (الشرق الأوسط – البلقان – آسيا الوسطى والقوقاز) وتوظيف القوميات التركية التي تنتشر بها لتحقيق أهدافه، بيد أن هذا النهج، الذي من المرجح أن يستمر فيه، قد أثار قلق ومخاوف بعض الدول الأوروبية؛ حيث دعا الزعيم اليميني الهولندي “خيرت فيلدرز” الأتراك الذين صوتوا “لأردوغان” إلى الرحيل عن بلاده، كما أبدت ألمانيا قلقها من تصويت الجالية التركية بها “لأردوغان”، ودعا الرئيس الفرنسي نظيره التركي إلى التعاون لمعالجة التحديات المشتركة، وهذا يمثل تحدياً “لأردوغان”؛ لأنه يجب أن يُعِيد رسم السياسة الخارجية لتركيا وفق المصالح الاستراتيجية لها دون الارتباط به باعتباره “زعيماً شعبويّاً”.

4. معالجة الخلافات بين أنقرة وواشنطن: رغم اتساع فجوة الخلافات بينهما، بادر الرئيس الأمريكي “جون بايدن”، إلى تهنئة نظيره التركي على إعادة انتخابه بصفتهما “حليفين بالناتو”، ولعل هذا يوضح أهمية موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الحلف بالنسبة إلى واشنطن؛ وهذا مقابل بيع أسطول طائرات (إف–16) الأمريكية بقيمة 20 مليار دولار إلى تركيا، وهو ما اعترضت عليه واشنطن من قبل، بعد شراء تركيا أنظمة (إس–400) للدفاع الجوي من روسيا.

وتتسع الخلافات بين أنقرة وواشنطن، ومنها الاتهامات التركية لواشنطن بتقديم الدعم الأمريكي للتنظيمات الكردية السورية “قسد” وعناصر وحدات “حماية الشعب الكردية” المصنفة إرهابيةً في تركيا، وقد شهدت الحملات الانتخابية توتراً بالعلاقات بين أنقرة وواشنطن، إثر اتهام وزير داخليته آنذاك “سليمان صويلو”، واشنطن بتمويل إنشاء دولة إرهابية على الحدود الجنوبية لتركيا، وتمويل انقلاب سياسي للإطاحة بالرئيس التركي، فضلاً عن الاعتراضات الأمريكية على التعاون الاستراتيجي بين موسكو وأنقرة، ورفض أنقرة فرض عقوبات على موسكو وطهران، وهو ما دفع واشنطن إلى فرض عقوبات على 3 أتراك مرتبطين بالتعامل معهما؛ ولذا فإن على “أردوغان” تخفيف حدة الخطاب السياسي له تجاه واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، والموافقة على انضمام السويد إلى “الناتو”؛ للتخفيف من حدة الخلافات معهما.

مما سبق نجد أن “أردوغان” عليه توظيف تمدد وتنوع دوائر السياسة الخارجية التركية داخليّاً؛ لمعالجة الأزمة الاقتصادية، واحتواء التوترات مع واشنطن، والمعضلة التي ستواجهه هي كيفية الحفاظ على التوازن بين علاقاته الاستراتيجية المتميزة مع روسيا وعضويته بالناتو، والتوازن بين الوجود العسكري، وتمدد النفوذ السياسي لأنقرة في ثلاثة أقاليم متوترة (الشرق الأوسط، وآسيا الوسطى والقوقاز، والبلقان)؛ ما يثير التنافس بين أنقرة وعدد من القوى الإقليمية والدولية.