• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
أبحاث

ملف الصحراء: المقاربة المغربية وأبعاد الموقف الإسرائيلي


مع تطور العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية مؤخرًا، التي شكلت نقلة نوعية في التاريخ العربي المعاصر؛ برزت تساؤلات عدة عن ماهية وفاعلية هذه العلاقات، وإن كانت فعلًا ستؤدي إلى تعزيز مصالح الدول التي ارتبطت مع إسرائيل بعلاقات مباشرة، أو أنها ستقف إلى حد مُعين، مكررةً حالة السلام البارد، مع كل من مصر والأردن. هذه العلاقات تُعدّ اختبارًا حقيقيًّا للمقاربة الجديدة التي ارتأت بعض الدول العربية اتخاذها لإيجاد أرضية مشتركة لتعزيز مصالحها مع تل أبيب، إلى جانب البحث عن طرق مغايرة للتعامل مع القضية الفلسطينية لضمان مستقبل زاهر لدولة فلسطين المستقلة. الحالة الإسرائيلية-المغربية تُعد مُثيرة للاهتمام، وذلك بالنظر إلى مكانتها لدى اليهود، ومسار العلاقات بين البلدين إلى الآن.

ومع تداول الصحافة العربية والإسرائيلية والأمريكية مسألة المطالب المغربية من إسرائيل للاعتراف بسيادة الرباط على الصحراء، إلى جانب وجود بعض الخطوات التي تُبشر بقيام تل أبيب بذلك، فإن هذه الورقة تسعى إلى تسليط الضوء على خلفية الصراع، وذلك لفهم السلوك المغربي حيال هذه القضية بالإسقاط على تحركاتها الخارجية، مع التركيز على طبيعة العلاقات المغربية-الإسرائيلية، ومآلات الاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المغربية على الصحراء.

أولًا: خلفية الصراع

يعود الصراع على الصحراء المغربية إلى انسحاب القوات الإسبانية المحتلة عام 1975؛ حيث سارع المغرب لضم الأراضي إليه وسيطر على ما يقارب من %80 من الإقليم، وفي المقابل توجهت بعض الدول المجاورة، مدفوعة بمصالح واعتبارات جيوسياسية واستراتيجية، لدعم جبهة البوليساريو؛ وهي جماعة عسكرية تأسست لمقاومة الاحتلال الإسباني للصحراء في ذلك الوقت. وتطالب الجبهة الآن بالاعتراف بالإقليم الصحراوي كدولة مستقلة، تحت اسم “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وقد شكلت حكومة خاصة بها لذلك.

وعلى أثر هذا التطور؛ دخلت كل من الرباط والبوليساريو في حرب على مدى عقدين ضد بعض، انتهت في عام 1991؛ حيث اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، وتنظيم استفتاء لتحديد ما إذا كانت المنطقة ستنال استقلالها أو ستُضمّ إلى المغرب، كما تم إنشاء قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، وهي “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)”.

ويتمسك المغرب بالإقليم الصحراوي كجزء لا يتجزأ من أراضيه وينظر للقضية على أنها قضية وحدة وطنية مغربية وليست قضية تصفية استعمار، كما تحاول أن تروج لها جبهة البوليساريو. ورغبة منها في إنهاء النزاع من خلال الحلول السياسية، طرحت الرباط مبادرة “الحكم الذاتي الموسع” للصحراء في عام 2007، مع الاحتفاظ برموز السيادة المغربية؛ وهو مقترح تدعمه الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية، ومنها مؤخرًا القوة المستعمرة السابقة – إسبانيا، إلا أن البوليساريو ترفض هذا المقترح وتتمسك بالاستقلال التام للإقليم.

ثانيًا: الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء

تمكنت الرباط من تحقيق اختراقات مهمة في ملف قضية الصحراء خلال السنوات الماضية؛ حيث اتخذ الملك موقفًا حاسمًا طالب فيه شركاء المغرب التقليديين والجدد بموقف واضح من سيادة المغرب على صحرائه، مؤكدًا أنه على أساس هذه المواقف ستدير الرباط علاقاتها الخارجية، ففي خطاب له، قال الملك محمد السادس إن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وإنها المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات” مطالبًا الدول “بأن توضح مواقفها، بشكل لا يقبل التأويل.

ولا شك بأن اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة لدونالد ترامب بالسيادة المغربية على الإقليم الصحراوي في ديسمبر 2020 وتثبيته من قبل الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن عزز من موقف الرباط؛ نظرًا لثقل واشنطن في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبالتالي يزيد من فرص المغرب في تبني الأمم المتحدة مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به، والاعتراض على أي مبادرات أخرى تطرحها البوليساريو. كما أن اختيار مدينة الداخلة في الإقليم الصحراوي كموقع للقنصلية الأمريكية له دلالات عدة؛ حيث تعدّ الداخلة من ضمن خطط المشاريع التنموية الضخمة للمغرب، وبعض الدول في المنطقة التي تسعى للاستثمار فيها، وهو ما يعزز طرح المغرب لإيجاد حل سياسي في إطار المبادرة المغربية.

وانعكاسًا لفاعلية الدبلوماسية المغربية تجاه قضية الصحراء، تواترت الاعترافات الأفريقية والعربية بالسيادة المغربية على الإقليم الصحراوي؛ حيث يوجد تمثيل دبلوماسي لما يقارب من 29 دولة في مدينتَي العيون والداخلة، في المقابل سحبت دول أخرى اعترافها بـ “الجمهورية الصحراوية”، وهو ما يضفي شرعية دولية أكثر على مطالب المغرب في هذا الملف.

كما حرص المغرب على رفع سقف التكلفة للدول التي تتعاون مع البوليساريو بشكل غير مسبوق، معولًا على مكتسباته الدولية الأخيرة، وأبرزها الاعتراف الأمريكي الذي خلق توازنات جيوسياسية جديدة في هذا الملف. على سبيل المثال؛ لم تدعم إسبانيا مقترح الحكم الذاتي للمغرب على الإقليم الصحراوي إلا في مارس 2022بعد أن دخلت في أزمة سياسية مع الرباط على أثر استقبال مدريد إبراهيم غالي، رئيس جبهة البوليساريو لتلقي العلاج من كوفيد-19، في عام 2021؛ حيث ردت الرباط على ذلك بسحب سفيرتها من مدريد، وقلصت العلاقات إلى أدنى مستوى، بل واستخدم المغرب ورقة الهجرة؛ حيث خفف الإجراءات الأمنية على جزيرة سبتة (التي تتمتع بحكم ذاتي، وتقع تحت السيادة الإسبانية ويطالب بها المغرب)، فتدفق ما يقارب عشرة آلاف شخص إليها خلال ساعات فقط، ضمن موجة هجرة غير مسبوقة، جعلت الجيش الإسباني في حالة استنفار. ولإنهاء الأزمة الدبلوماسية بين البلدين؛ نظرًا لعمق العلاقات الثنائية في مختلف الجوانب الاقتصادية والأمنية، اتخذت مدريد موقفًا تاريخيًّا بالدعم الصريح لمبادرة الحكم الذاتي للمغرب، مؤكدة أنها “الأكثر جدية وواقعية وصدقية من أجل تسوية الخلاف”، وهو تغير جذري عن السياسة التي انتهجتها بالسابق المنفتحة على رؤية البوليساريو في حل النزاع.

ثالثًا: الفرص الاستثمارية الواعدة للصحراء المغربية

بالإضافة إلى جانب رمزية الاعترافات السياسية بالسيادة المغربية على الصحراء، فإن البعد الاقتصادي كان محركًا قويًّا أيضًا للسلوك المغربي الخارجي، فالإقليم الصحراوي يطرح فرصًا استثمارية ضخمة وواعدة، وتحديدًا في المجالات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة وقطاع المعادن؛ نظرًا لموقعه الاستراتيجي المميز وتمتّعه بالموارد الطبيعية. ومن هنا جاءت تحركات المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي لتعزز من مقاربتها الرامية لإثبات سيادتها وتعزيز مصالحها الاقتصادية الوطنية.

تبنت المملكة نهج الانفتاح الاقتصادي مع الدول الأفريقية وسياسة “اليد الممدودة”؛ حيث تمثّل ذلك من خلال عودة الرباط إلى الاتحاد الأفريقي بعد انسحاب استمر 33 عامًا، على خلفية قبول المنظمة عضوية “الجمهورية الصحراوية” كعضو مستقل في عام 1984. ومع وجود الرؤية الجديدة للمغرب في التعامل مع ملفاته الخارجية لتعزيز المصالح المغربية على أكمل وجه، جاءت عشرات الزيارات التي قام بها الملك محمد السادس إلى دول القارة الأفريقية على مدى السنوات الماضية، وقّعت خلالها الرباط العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، في إطار الاستراتيجية التي أعلنها الملك، القائمة على بناء مستقبل تنموي مشترك بين دول غرب أفريقيا، وتعزيز التعاون في ظل شراكة (رابح-رابح). ويبدو أن تلك المقاربة أثبتت فاعليتها؛ حيث ساهمت في تحييد بعض مواقف الدول الأفريقية من قضية الصحراء، والتركيز على مشاريعها التنموية بالشراكة مع المغرب في ظل تزايد مخاطر التنظيمات الإرهابية.

ومن هذا المنطلق؛ أصبحت مدينة الداخلة وجهة للاستثمارات الأمريكية فور إعلان تأسيس القنصلية الأمريكية فيها، وشهدت زخمًا من المستثمرين الأمريكيين، وتحديدًا في مجالات الطاقة المتجددة في المنطقة، وهو مجال يسعى المغرب فيه لتقليل اعتماده على الواردات وزيادة إنتاجه في الطاقة المتجددة. وتشير أرقام وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة المغربية إلى أن المغرب يستورد حوالي 90% من احتياجاته من الطاقة، ويركز جهوده على زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، وهذه الجهود تؤتي ثمارها، فاعتبارًا من عام 2020، شكّلت الطاقة المتجددة حوالي 37% من الطاقة الإنتاجية للبلاد، وتسعى الحكومة لتحقيق هدف الوصول إلى 52% من إجمالي الطاقة الإنتاجية في عام 2030. وبالعودة إلى أهمية أمريكا في الحسابات الدولية؛ جاءت مسألة إقامة العلاقات مع إسرائيل تحت رعاية واشنطن، التي كانت من ضمن الحسابات المغربية في تعاملها مع قضية الصحراء.

رابعًا: طبيعة العلاقات المغربية-الإسرائيلية

إن العلاقات التي تجمع بين المغرب وإسرائيل لها خصوصيتها، بالنظر إلى بعض العوامل التي لا يمكن استبعادها عند توصيف العلاقات بين البلدين. وعلى الرغم من أن بداية العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين الرباط وتل أبيب جاءت مع توقيع الإعلان المشترك برعاية واشنطن في ديسمبر 2020؛ بالتوازي مع الاتفاقيات الإبراهيمية التي وقعتها بعض الدول العربية، فإن حالة المغرب كانت فريدة من نوعها مقارنة بالدول الأخرى، وذلك بحكم التجربة المغربية-الإسرائيلية في فتح مكاتب للاتصال المتبادل في البلدين في التسعينيات، التي تم غلقها على أثر الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000، فضلًا عن مسألة العامل اليهودي الذي مثّل أحد أهم محركات العلاقات بين البلدين مؤخرًا.

وعلى عكس الدول العربية الأخرى التي هاجر منها اليهود إلى إسرائيل بعد عام 1948، وإلى بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لم تنقطع صلة اليهود المغاربة بالمغرب، فقد احتفظوا بمكانتهم وتقديرهم لدى العاهل والمجتمع المغربي على حد سواء. هذا الرابط كان السبب الرئيسي لأن تكون المغرب حاضنة لأكبر طائفة يهودية في شمال أفريقيا؛ حيث وصل عدد اليهود الذين يعيشون فيها في عام 2022 إلى نحو ثلاثة آلاف نسمة. هذا ويقدّر عدد اليهود في إسرائيل، الذين تعود أصولهم إلى المغرب، بحوالي 700 ألف نسمة. ومن أجل تبيان طبيعية العلاقات بين البلدين؛ فإن ثمة محركات تعتمد عليها الرباط وتل أبيب لتسيير مصالحهما، فإلى جانب المحرك السياسي لهذه العلاقات والمرتبط بواشنطن؛ توجد محركات أخرى تستدعي منا تفكيكها لفهم أهم الجوانب التي أدت إلى إنجاح العلاقات الثنائية إلى وقتنا الحالي، والتي تشمل الجوانب: الدينية، والاقتصادية، والعسكرية.

المحرك الديني

من الناحية الدينية؛ ظلت المغرب محتفظة بقيمتها المعنوية والروحانية لليهود، فإلى يومنا هذا يحج اليهود إلى المغرب لإحياء طقوس ما يُسمى “الهيلولة” التي يعود أصل تسميتها إلى “الهاليلو يا” الواردة في مزامير داوود، ما يعني تسبيح الله والاحتفاء بالعطاء، ويكون توقيتها في يوم “3 طبيبت” حسب السنة القمرية اليهودية. يقوم اليهود في هذه الطقوس على مدى 7 أيام بزيارة أضرحة الحاخامات ويذبحون الأضاحي في مختلف المدن المغربية كمراكش، وفاس، وأغادير، والرباط، والصويرة وغيرها. وثمة مزارات مشهورة في المغرب، على سبيل المثال لا الحصر، ضريح الحاخام “حاييم بينتو” الموجود في مدينة الصويرة، الذي يحج إليه آلاف اليهود من إسرائيل ودول العالم.هذا الأمر يُدل على الارتباط المتجذر بين المغرب، وكينونة اليهود، سواء المغاربة أو غيرهم، ليكونوا حلقة وصل فريدة في العلاقات بين البلدين.

وفي ضوء المكانة الدينية الفريدة التي حظي بها المغرب لدى اليهود؛ اتبعت الرباط مبدأ الحرص على احترام مكانة الديانات، بالإضافة إلى مختلف الإثنيات، على اعتبار أنهما عاملان قويان في تطور البلد وإثراء مسيرته التنموية. هذا المبدأ كان جليًّا في التحديث الأخير للدستور المغربي في عام 2011؛ الذي أقرّ بأنه إلى جانب إسلامية المغرب، فإنه غني بروافده الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. ويُعد هذا الإقرار دليلًا على قناعة المغاربة بأسسهم التاريخية القائمة على احترام جميع مكوناته المختلفة، والذي يُعدّ عاملًا أساسيًّا للحفاظ على تماسكهم ووحدة وطنهم.

وبالإضافة إلى هذا التطور الدستوري المهم؛ جاء إقرار العاهل المغربي الملك محمد السادس في يوليو 2022 بتشكيل هيئات تنظيمية لليهود المغاربة منها: المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية، ولجنة اليهود المغاربة بالخارج، ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية، وذلك ليكون ترجمةً للمقاربة المغربية لحماية وتعزيز موروث روافدهم المختلفة التي لعبت أدورًا مهمة عبر التاريخ المغربي.

المحرك الاقتصادي

وبالإسقاط على الوجود التاريخي لليهود في المغرب، الذي تمثَّل الجانب المهم منه في شغلهم وظائف في مجالات المال والمبادلات التجارية بمختلف أنواعها، سواء البحرية، أو في القطاع الفلاحي، كان هناك تأثير إيجابي في سير العلاقات المغربية-الإسرائيلية من الناحية الاقتصادية بعد عام 2020، فقد وقّع البَلَدان في فبراير 2022 اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي خلال الزيارة التي قامت بها وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي للمغرب. ووصل حجم الصادرات والواردات بين المغرب وإسرائيل منذ بداية عام 2023 إلى شهر مايو إلى حوالي 180 مليون دولار أمريكي، بزيادة ما يقرب من 160% عن عام 2020. وهو ما يبشّر بأن حجم التبدلات سيتجاوز الـ 200 مليون دولار مع نهاية العام.

وتبدو أهمية الاعتراف الإسرائيلي بالصحراء المغربية في التقاء المصالح بين الطرفين، فاحتياجات المغرب التنموية وطموحات الشركات الإسرائيلية بالتوسع في دول غرب ووسط أفريقيا من خلال البوابة المغربية، وتحديدًا مع تلك الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية معها، تجعل هذه الخطوة مصلحة مشتركة وملموسة بين الطرفين.

وتمتلك إسرائيل أكثر من 100 شركة لتكنولوجيا الطاقة، وفقًا لأرقام “Startup National Central”، وتسعى للتوسع خارج الأسواق المحلية؛ حيث إن تطبيق التقنيات الإسرائيلية في هذا المجال من شأنه أن يعزز القدرة التنافسية للمغرب، ويخفض التكاليف، ويزيد الإنتاج والاستهلاك والتصدير، تحديدًا إلى أوروبا.  ويبدو أن بوادر التعاون في هذا المجال بدأت بالفعل، ففي عام 2022 استحوذت شركة الطاقة الإسرائيلية” Marom Energy” على 30% من أسهم شركة الطاقة المتجددة المغربية “Gaia Energy”، التي تعمل في عدد من البلدان الأفريقية بالشراكة مع مؤسسة التمويل الدولية، البنك الدولي، ما من شأنه أن يحفز الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم مدفوعًا بالرغبة في توسيع الاستثمارات في الطاقة المتجددة المغربية التي تمتلك إمكانيات ضخمة، نظرًا للمساحة والظروف المناخية المناسبة.

المحرك العسكري

الجانب العسكري كان له نصيب أيضًا في علاقات البلدين؛ وذلك مع الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس للمغرب في نوفمبر 2021 والتي التقى فيها بالمفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية (FAR) الجنرال الفاروق بلخير؛ حيث تم توقيع مذكرة تفاهم أمنية مشتركة بين البلدين في تلك الزيارة. واستتبع بعد ذلك زيارات المسؤولين العسكريين الآخرين كرئيس الأركان السابق آفيف كوخافي للمغرب في يوليو 2022، وصولًا إلى إعلان بيان القوات المسلحة الملكية المغربية بأن الرباط وتل أبيب اتفقا على توسيع تعاونهما العسكري ليشمل الاستعلام والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، وذلك بعد اجتماع لجنة التعاون المغربي-الإسرائيلي في مجال الدفاع في الرباط برئاسة الفاروق بلخير من الجانب المغربي، ودرور شالوم، مدير مكتب الشؤون السياسية العسكرية بوزارة الدفاع الإسرائيلية. وتثبيتًا لهذه العلاقات؛ جاءت “مناورات الأسد الأفريقي العسكرية” التي كانت في المغرب في يونيو 2023 وشاركت فيها إسرائيل لأول مرة، ما يُدل على أن مسار العلاقات بين البلدين يسير بشكل تصاعدي لخدمة المصالح الثنائية بشكل متوازٍ.

خامسًا: مآلات الاعتراف الإسرائيلي بالصحراء المغربية

إن إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية المباشرة بين المغرب وإسرائيل في عام 2020، الذي ضمَّ في مواده قضية الصحراء، أكد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربيتها؛ وذلك بحكم أن واشنطن كانت طرفًا رئيسيًّا موقعًا على الإعلان، ما يعني أن تطبيع العلاقات بين البلدين جاء نظير اعتراف واشنطن بالأحقية المغربية على الصحراء. هذا إلى جانب المواد الأخرى التي وردت في الإعلان وأكدت تعزيز مصالح الرباط وتل أبيب على جميع المستويات.

وإذا ما تم اعتبار أن إسرائيل ستتخذ الخطوات الصحيحة تجاه الاعتراف بالحق المغربي في الصحراء، فإن ثمة مآلات ستكون لهذا الأمر على الصعيدين المحلي والدولي على حد سواء.

محليًّا؛ على الرغم من أن الاعتراف الإسرائيلي لن يؤثر عمليًّا في حيثيات الصراع على الصحراء، فإن من شأن ذلك أن يكون له وقعٌ إيجابي على المغاربة؛ بالنظر إلى حساسية هذه القضية وتجذّرها في أذهانهم. وبحكم أن المواطن المغربي يُعد ركيزة أساسية في إنجاح صيرورة العلاقات مع إسرائيل، فإن خطوة الاعتراف بالصحراء سيكون لها انعكاس إيجابي في تعزيز العلاقات البينية بين الدولتين. بالإضافة إلى ذلك؛ فمن شأن هذا الاعتراف أن يعمل على تمتين مكانة اليهود المغاربة في بلدهم، وذلك بحكم أن الدولة التي قامت بهذا الاعتراف تمثل اليهود، الأمر الذي سيضفي على فكرة المساهمة اليهودية عبر روافدها في مسيرة المملكة المغربية وحقوقها التاريخية.

أما على الصعيد الدولي؛ فإن اعتراف تل أبيب سيمثّل نموذجًا للالتزام الإسرائيلي بمبدأ تعزيز المصالح مع الدول التي قامت بتطبيع علاقاتها معها مؤخرًا، خاصة بالإسقاط على الصورة السائدة عن إسرائيل التي تتمثل في ضبابية اتخاذ المواقف الحاسمة بسبب الاختلافات الداخلية المتجذرة في الائتلافات الحكومية، والتي غالبًا ما تنعكس على سلوك إسرائيل الخارجي. مثال على ذلك؛ تضارب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الحكومة السابقة حول الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء، مثل تصريحات وزيرة الأمن الداخلي السابقة إليلت شاكيد، ووزير العدل السابق، جدعون ساعر، بأن بلادهما تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وفي المقابل التصريحات المناقضة لهما من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية التي قالت بأن “خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء هي تطور إيجابي”.

وعليه، فإن الاعتراف الإسرائيلي بالحق المغربي من شأنه أن يقلب هذه الصورة النمطية المتّخذة عن تل أبيب، التي تتمحور في أسلوب المماطلة وعدم اتخاذ أي خطوات عملية على أرض الواقع على خلفية الاختلافات الداخلية. فالصراع المؤسساتي الموجود في إسرائيل ما بين المدرسة القديمة، المتمثلة في بعض مؤسسات الدولة كالخارجية، مقابل اليمين الإسرائيلي المسيطر على المشهد السياسي، لابد أن يُحسم بالطريقة التي تخدم التطلعات الإسرائيلية لفتح صفحة جديدة قائمة على الثقة المتبادلة وتعزيز المصالح مع الدول التي ارتأت بأن تتخذ خطوات تاريخية غير مسبوقة في سبيل إقامة العلاقات معها. وثمة بوادر من الممكن أن يتم البناء عليها في سبيل هذا الاتجاه، كالدعوة التي وجهها رئيس الكنيست، أمير أوحانا، إلى حكومة بلاده بضرورة الاعتراف بالسيادة المغربية تماشيًا مع توجهات الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الجانب الأمريكي، فإن الاعتراف الإسرائيلي من شأنه أن يقوّي موقف واشنطن في مقارباتها الرامية إلى إقناع الدول العربية بأهمية وفاعلية إقامة العلاقات مع تل أبيب. كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تُعيد التأثير الأمريكي على الدول العربية في قضاياها؛ خاصة مع الحديث عن تراجعه في الفترة الماضية مع التوجه الأمريكي إلى الشرق لمجابهة تنامي الدور الصيني. ومن طرف آخر، فإن هذه الخطوة ستؤدي بلا أدنى شك إلى زيادة متانة القناعة الأمريكية بتعهدات إسرائيل والتزامها بتعزيز المصالح المتبادلة مع الدول التي ارتبطت بعلاقات مباشرة معها مؤخرًا.

وما من شك أن الاعتراف بمغربية الصحراء سيثير حفيظة بعض الدول المختلفة مع الرباط في هذه القضية، والمختلفة أيضًا مع مقاربة بعض الدول العربية لإقامة العلاقات مع إسرائيل، ما يعني أن هذا الاعتراف لن يضر بالمصالح الإسرائيلية بقدر ما أنه سيخدم مسألة التقارب المغربي-الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن ثمة جماعات سَتُثار حفيظتها أيضًا، كجماعة البوليساريو، التي ترتبط بعلاقات مع إيران، بحسب الرواية المغربية التي جاءت على لسان عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، الذي قال في أكتوبر 2022 “إن إيران بصدد الانتقال من تدريب مقاتلي البوليساريو إلى تسليحهم هذه المرة عبر شحنة من الطائرات المسيرة”، وهذا يعني أن خطوة الاعتراف تخدم التطلعات الإسرائيلية في مواجهة الحضور الإيراني في مختلف الدول حول العالم، بحكم أنها تعتبر طهران العدو الأول الذي يُهددها وجوديًّا، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق وكلائها.

الخاتمة

إن تعزيز المصالح المتبادلة، واحترام الثوابت السياسية، يُعدان المحركَيْن الرئيسيّين في تنامي العلاقات وديمومتها بين الدول. هذا الأمر مرتبط بقضية الصحراء بالنسبة إلى المملكة المغربية، فما جاء من تأكيد على لسان العاهل المغربي يُدل على أن الرباط لن تتخلى عن اعتبار هذه القضية أساسًا في إدارة علاقاتها مع مختلف دول العالم. وإسرائيل لن تكون شاذة عن هذه القاعدة، فما ينطبق على غيرها سينطبق عليها. وبحكم حداثة العلاقة معها، وفي ظل خصوصيتها بالنظر إلى المكانة الإسرائيلية في الذهنية العربية، فإن من مصلحة تل أبيب أن تأخذ في الحسبان ثوابت الرباط، وأن تعترف بحقها السيادي على الصحراء، وذلك لإنجاح تجربتها في علاقاتها مع الدول العربية، التي من شأنها أن تغير الصورة النمطية عن إسرائيل.

إن الالتزام الإسرائيلي في الاعتراف بالحق المغربي على الصحراء من شأنه أن يقوي مبدأ الثقة بتل أبيب، وذلك بحكم أنه سيمثل مؤشرًا إلى تماشي إسرائيل مع مصالح دول المنطقة بالشكل الذي سيعزز من وحدة هذه الدول مع الحفاظ على أمنها واستقرارها. هذا الأمر سيكون دافعًا لفتح قنوات جديدة للتفاهم العربي-الإسرائيلي الذي سيخلق طرقًا جديدة ومغايرة، لتؤسس من خلالها مقاربات جديدة للتعامل مع قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ التي هي بأمسّ الحاجة لغربلة جذرية في طريق التعامل معها بالشكل الذي يضمن المصالح الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء.