في حديثه في مؤتمر استضافته اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) في 5 حزيران/ يونيو صرح وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكين أن إدارة بايدن ملتزمة بالوساطة في العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين إسرائيل والسعودية بحجة أن "الولايات المتحدة لديها مصلحة أمنية وطنية حقيقية في تعزيز التطبيع بين إسرائيل والسعودية ... نعتقد أنه يمكننا، بل يجب علينا بالفعل أن نؤدي دورًا أساسيًا في دفعه إلى الأمام".
بلينكين مخطئ. فالولايات المتحدة لديها القليل لتكسبه، وقد تتكبد تكاليف كبيرة في محاولة التوسط في تطبيع إسرائيل والسعودية.
جاء تصريح بلينكين عقب زيارة مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان إلى السعودية الأسبوع الماضي لمناقشة القضية مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وهناك تقارير تفيد بأن إدارة بايدن تضغط من أجل التطبيع بين إسرائيل والسعودية بحلول نهاية العام 2023 قبل الدخول في عام انتخابي مثير للجدل. مقابل التطبيع مع إسرائيل تضغط السعودية على إدارة بايدن من أجل المزيد من الالتزامات الأمنية الرسمية، فضلاً عن المساعدة في تطوير برنامجها النووي المدني - أي القدرة على تخصيب اليورانيوم بشكل مستقل.
هذه الشائعات عن تطبيع محتمل بين إسرائيل والسعودية ليست جديدة، ولا جهود من قبل الحكومة الإسرائيلية وإدارة بايدن لمحاولة إدخال السعودية في حظيرة ما يسمى بـ "اتفاقيات إبراهام" - سلسلة الاتفاقات الدبلوماسية الموقعة بموجب إدارة ترامب التي تضمنت التطبيع الرسمي للعلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين (وتم توسيعها لاحقًا لتشمل المغرب والسودان). وأعربت إدارة بايدن مرارًا وتكرارًا عن رغبتها في توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، وتظهر استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية أن السعودية لا تزال الدولة العربية الأكثر أهمية التي يرغبون في تطبيع العلاقات معها. وركز بايدن نفسه في زيارته المزدوجة لإسرائيل والسعودية في العام 2022 على هذه القضية. لكن لدى إدارة بايدن أشياء عكس الاتجاه.
لا يوجد حافز استراتيجي للولايات المتحدة لمنح تنازلات سياسية و / أو زيادة الالتزامات الأمنية للسعودية لتطبيع العلاقات رسميًا مع إسرائيل. نمت العلاقات الإسرائيلية السعودية غير الرسمية بشكل كبير خلال العقدين الماضيين. وتقاربت مصالح السعودية وإسرائيل الاستراتيجية بشكل متزايد، خاصة عقب الانتفاضات العربية والمخاوف المشتركة المتزايدة بشأن الحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن. وأدت المصالح الإستراتيجية المشتركة للنخب السياسية داخل هذه البلدان إلى مستويات جديدة دراماتيكية من التعاون تحت رعاية ما يشار إليه بـ "التطبيع الضمني".
لا تتطلب السعودية حافزًا لتطبيع العلاقات رسميًا مع إسرائيل. على الرغم من أن إسرائيل والسعودية لا تحافظان رسميًا على علاقات دبلوماسية، إلا أن هذا لم يمنعهما من العمل معًا لتحقيق أهداف استراتيجية مشتركة كان من مصلحتهما الإستراتيجية القيام بذلك.
في هذه الحالة، وعلى الرغم من ذلك، تسعى السعودية إلى الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات سياسية وزيادة الالتزامات الأمنية للرياض مقابل تطبيع العلاقات رسميًا مع دولة تتوافق معها بالفعل بشكل استراتيجي. هذا جزء من استراتيجية اعتمدها محمد بن سلمان تقوم على استغلال مخاوف واشنطن المتزايدة من أن الولايات المتحدة تفقد نفوذها في الشرق الأوسط، لاسيما مع قيام جهات فاعلة أخرى مثل الصين بتوسيع وجودها الإقليمي.
هذا على الرغم من حقيقة أن السعودية لا تزال تنتهج سياسات تتعارض بشكل مباشر مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها، فمن المرجح أن يؤدي الرضوخ المتهور للمطالب السعودية إلى تشجيع سياسات الرياض الداخلية والخارجية القمعية والعدوانية، لاسيما أن البلاد تتخذ في الوقت الحالي منعطفًا شديدًا نحو شكل صريح من القومية المفرطة. ويأمل محمد بن سلمان بأكبر عدد ممكن من التنازلات، مع العلم أن المسؤولين في واشنطن يائسون لتحقيق انتصارات متصورة في المنطقة.
وبدلاً من تعزيز المصالح الأميركية، فإن مثل هذه الالتزامات الأمنية المتزايدة للسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل من شأنها أن تعزز دعم الولايات المتحدة للمصادر الأساسية لعدم الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط. كما ذكرت في مكان آخر، تضفي اتفاقات أبراهام الطابع الرسمي على نظام سياسي واقتصادي وأمني قسري مصمم للحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة.
الاتفاقات آلية من أعلى إلى أسفل مصممة لتعزيز مصالح النخب السياسية الإقليمية، والولايات المتحدة. كما التطبيع السابق بين إسرائيل والدول العربية الأخرى متجذر بتعزيز مصالح النخب السياسية داخل هذه البلدان، وجميعها مُنحت تنازلات سياسية كبيرة للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام من دون أي نقاش جاد حول ما إذا كانت هذه المقايضات في مصلحة الولايات المتحدة.
برز إطار عمل اتفاقيات أبراهام بسرعة كإطار جديد لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومع ذلك، وكما تُظهر الحالة السعودية، يجب على واشنطن ألا تدفع تكاليف التطبيع والتضحية بمصالحنا في هذه العملية. يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم مصالحها الاستراتيجية بشكل أساسي في الشرق الأوسط وإعادة توجيه سياساتها الإقليمية نحو الأهداف التي تعزز مصالح الشعب الأميركي.