استبشر كثيرون ان المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان قد خططت للفرار من (البيت) الاميركي الذي حشرت نفسها فيه على مدى سبعة عقود.
هذا (الاستبشار) لم يأت جزافا انما قامت المملكة بخطوات واضحة وجلية بالضد من القرارات الاميركية بدأً منذ ان اقامت (قمم جدة الثلاث) ومنذ ان تمردت على الطلب الاميركي برفع معدل تصدير النفط فيما اعقبتها بسلسلة من الخطوات التي جميعها مخالفة للتوجهات الاميركية مثل عودة العلاقة مع سوريا واعادة سوريا الى الجامعة العربية وعودة العلاقة مع إيران والانفتاح على الصين وروسيا والمطالبة بالانضمام الى (بريكس)! والوقوف بالمنتصف في الحرب الاميركية الاوكرانية وعقد مؤتمر للسلام بشأن الحرب الاوكرانية الروسية دون دعوة روسيا وغيرها.
السعودية قبل ذلك قد شرعت بسلسلة من الاجراءات على مستوى الداخل بعد ان انتقدت مرحلة (الفكر الوهابي) ومنحت شعبها حرية أكثر في قيادة السيارة للمرأة وفي تغيير اسم (وزارة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) الى (وزارة الترفيه) فيما اصبحت محافظة جدة عنوانا للمسارح والمراقص والغناء والانتاج التلفزيوني وفتحت نافذة (ام بي سي) على مصراعيها من الاعمال الفنية الفاضحة وغير ذلك. كما هي المرة الاولى التي يتم فيها الاذن لشيعة المملكة ان يقيموا طقوسهم بشكل علني.
خروج المملكة العربية السعودية من العباءة الاميركية ترك شكوكا كثيرة لدى اوساط المثقفين والمتابعين للشأن الخليجي حيث لم يصدق أحد ان حكام المملكة يمتلكون هذه (الجرأة) للتمرد على القرار الاميركي وهم اللذين اوقفوا مالهم وسياساتهم في خدمة امريكا وكانوا سببا مباشرا في اطالة عمرها والتغلب على خصومها، فقد اكدت ولي العهد ان الفكر الوهابي كان قد دعم الغرب كثيرا في مشروعهم وحروبهم، بل ان السعودية كانت وراء تخلف الامة عبر صنع الازمات لها والوقوف امام حركات التحرر وامام الاحزاب المتطلعة للحرية والخلاص من الظلم والاستعمار، ناهيك عن حرفها المشروع الاسلامي .
كانت حادثة (مذبحة خاشقجي) وما صاحبها من اعلام اميركي بالضد من ولي العهد ثم حادثة (الاستهزاء) التي عبر عنها الرئيس الاميركي (ترامب) من الملك (سلمان) وعدم نصرة امريكا للملكة في حربها مع اليمن قد أظهرت ان المملكة ترغب ان تثأر لكرامتها فانتفضت على الارادة الاميركية فقامت بالقرارات اعلاه.
لم يكن في حساب امريكا ان السعودية ستجرأ على اتخاذ مثل هذه القرارات ضدها وقد الفتها (طيعة) كالعجينة وحمت مصالحها بما يفوق حماية مصالحها الذاتية لذا وجدت امريكا انها بحاجة الى مراجعة قراراتها وحضورها بمنطقة الشرق الأوسط وأنها اخطأت في ان تترك (صديقتها اسرائيل) في حال من (الفوضى) وفي الطريق الى (التلاشي) وكذلك ان تترك لخصومها (إيران -الصين-روسيا) ان تفترس (الثروات الخليجية) في وقت يصطرع العالم فيه على (الطاقة) بسبب الحرب الاوكرانية الروسية.
يعض الكتاب الاوربيين يرون ان عودة امريكا الى المنطقة وارسالها قطعات بحرية الى مضيق هرمز سببه (حماية اسرائيل) اولا واشعار دول الخليج ان (امريكا حاضرة) ثانيا.
المسؤولون الاميركان زاروا السعودية لمرات وسواء استقبلوا بـ (حفاوة) او (ببرورد) فانهم واصلوا جهودهم ولقاءاتهم التي لم تظهر بالإعلام الا (نتفا) لكن ما تسرب منها محصور في معادلة (التطبيع مع اسرائيل = مجموعة امتيازات للمملكة)! وربما تحسس الشيخ حمد بن جاسم ال ثاني رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق هذا الامر فغرد اليوم (ان الغرب ينسى دول الخليج ولا يتعامل معها بندية ولا اساس المصالح المشتركة ولا يتذكرها الا عندما تكون له حاجة ماسة).
كان البعض يراهن على ان السعودية مضت بخطوات ثابتة بالهروب من (الحضن الاميركي) وأنها تعمل على ان تكون محورا بالمنطقة مستغلة الفراغ الذي خلفته امريكا وأنها تمتلك ادوات هذا (الموقف) من مال وثروة بشرية واقتصادية وموقع جغرافي ومكانة دينية وسياسية.
القرارات الاخيرة للمملكة اوقفت جميع محركات التفكير حيث فجأة المملكة العربية السعودية تبلغ وزارة الخارجية السورية عن إيقاف فتح السفارة السعودية في دمشق وأنه غير مرحب بالسفارة السورية في الرياض والأردن.
كما سبق ان عُلم بان السعودية قد أرجأت افتتاح سفارتها في طهران!! وان قرارا اميركيا بدأ العمل على تنفيذه يقضي بإغلاق جميع المعابر البرية بين سوريا والعراق، بالتعاون بين “قسد”، او ما يعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، والقوات الاميركية المتواجدة على طرفي الحدود العراقية السورية- خصوصا في منطقة “البوكمال”- وتلك المنتشرة والمتمركزة داخل الاراضي السورية، وزعماء العشائر على طرفي الحدود. كما كان قرار دعوة رعاياها الى مغادرة لبنان امرا (غريبا) فليس هنالك ما يدعو لذلك.
هناك من يرى ان السعودية ذاهبة الى (التطبيع) كنوع من الصفقة بين (نتنياهو) الذي يرى لا محيص سوى التطبيع مع السعودية ينقذه وبين بايدن الذي يطمح بدعم يهودي للديمقراطي بالانتخابات الاميركية المقبلة، فيما يبقى السؤال: وماذا تستفيد السعودية من هذه (الصفقة)؟
مهما كانت (الامتيازات) التي اوعد فيها الاميركان السعودية بالطلب السعودي للتعاون العسكري مع الولايات المتحدة والوصول إلى أنظمة الأسلحة الأميركية المتطورة، فضلا عن الحصول على دعم أميركي لبرنامج نووي سعودي يتضمن تخصيب اليورانيوم لأغراض (سلمية) وحل (ازمة اليمن) وحل القضية الفلسطينية وفق مبدأ حل الدولتين لكنها تبقى مجرد (اوهام) لان هذه المطالب لا ترضى عنها اسرائيل جملة وتفصيلا، وستركس السعودية قدمها في (وحل التطبيع) ويفقدها جميع المكانات التي تميزها عن دول المنطقة.
ترى ما الاوراق التي تمتلكها امريكا لتمسك بياقة حكام السعودية وتعيدهم للحجز؟ وهل تقع قضية اعادة النزاع على حقل الدرة النفطي بين الكويت وإيران والسعودية وقضية ترسيم الحدود بين الكويت والعراق من جديد ضمن دلالات اعادة خلق الازمات من قبل امريكا بالمنطقة وبدعم سعودي؟