على الرغم من أن المرسوم الأخير الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد يكون له تداعيات على سياسة حركة "فتح"، وهيبة "السلطة الفلسطينية" في أعين الناس، والتشدد في الضفة الغربية، إلا أن هناك ما يبرر قدراً من الشك حول أهميته.
في إعلان مفاجئ في العاشر من آب/أغسطس، أقال الرئيس محمود عباس غالبية المحافظين في “السلطة الفلسطينية”، وأفادت بعض التقارير أن الكثيرين منهم لم يكونوا على دراية بقرار إقالتهم إلا من خلال مصادر إعلامية. ولم يتم تعيين أحد محلهم، بل شُكلت لجنة رئاسية لتوصية المرشحين المناسبين للرئيس عباس.
وتنقسم “السلطة الفلسطينية” إدارياً إلى ست عشرة محافظة، تتوزع خمس منها في قطاع غزة وإحدى عشرة في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس). إلا أن القرار الجديد عزل جميع محافظي غزة الأربعة الفاعلين (المنصب الخامس شاغر منذ وفاة آخر محافظ في عام 2020)، بينما لم يتبقَ في الضفة الغربية سوى محافظي القدس ورام الله وسلفيت.
ووفقاً للقرار الرئاسي رقم 22 (2003)، يُعتبر المحافظ في «السلطة الفلسطينية» “الممثل الشخصي للرئيس” و”أعلى سلطة في محافظته”، ويتمتع بصلاحيات واسعة فيما يتعلق بالشؤون المدنية والأمنية، من بينها صلاحية ممارسة الاحتجاز الوقائي للأفراد. ويدير مكتب الرئيس كافة الأمور المتعلقة بالمحافظين، مما يجعل شاغلي هذا المنصب من أقوى المسؤولين في الجهاز الإداري “للسلطة الفلسطينية”. كما ويتم اختيار معظم المحافظين من شاغلي المناصب العليا في حركة “فتح” والأجهزة الأمنية، مما يرفع سقف السلطة في المنصب ويجعله مركزاً سياسياً وإدارياً.
وصدر المرسوم الجديد في ظل تفاقم حالة عدم الاستقرار في الضفة الغربية بسبب الاحتكاكات المتزايدة مع إسرائيل والسخط المحلي من “السلطة الفلسطينية”، مما جعل المحافظين أهدافاً متكررة للغضب العام. فعلى سبيل المثال، تعرّض مكتب محافظ جنين لإطلاق النار فعلياً في الآونة الأخيرة عندما حاولت “السلطة الفلسطينية” اعتقال نشطاء في أعقاب توغل عسكري إسرائيلي إلى المنطقة. وفي الخليل، تعرض المحافظ لانتقادات بعد أن قتلت قوات “السلطة الفلسطينية” الناشط نزار بنات في عام 2021، ومؤخراً لفشله في إنهاء الاشتباكات المسلحة بين العشائر.
التداعيات
لا يزال الدافع وراء الإعلان غير واضح حالياً، كما أن نص المرسوم لا يقدم أي سبب. ولكن أياً كانت الغاية من القرار، فقد تترتب عليه أربعة تأثيرات ملحوظة.
أولاً، من المرجح أن يستخدم مسؤولو “السلطة الفلسطينية” القرار لتهدئة المخاوف الدبلوماسية الدولية بشأن قبضتهم على السلطة. فمنذ بعض الوقت، يعرب المحاورون الإقليميون والدوليون عن مخاوفهم البالغة بشأن سوء الحكم والركود السياسي في “السلطة الفلسطينية”.
كما أن المناصب الشاغرة الجديدة والمدة الطويلة التي ستستغرقها اللجنة لملئها ستفتح ساحة أخرى من المنافسة بين كبار مسؤولي حركة “فتح”، الأمر الذي قد يصرفهم عن المسؤوليات الأخرى أثناء تنافسهم على المناصب المهمة. ونظراً لأهمية الولاء الشخصي في التعيينات للمناصب الرفيعة في “السلطة الفلسطينية”، سيستفيد عباس سياسياً من هذه المنافسة – ولو أن بعض المحافظين المخلوعين قد أنشأوا قاعدة داعمة لهم في أوساط الناشطين المحليين من حركة “فتح”، مما قد يؤدي إلى إثارة التوترات داخل الحركة.
وما يبقى أقل تأكيداً هو تأثير القرار على الدعم الشعبي “للسلطة الفلسطينية” التي تتراجع شعبيتها باطراد. ولذلك يحتمل أن يكون القرار قد صدر لتوليد شعور بالتغيير في “السلطة الفلسطينية” بهدف التصدي لصورتها المتصلّبة. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك، إلّا أنه من غير المرجح أن يترك هذا النهج تأثيراً دائماً على الوضع المحلي “للسلطة الفلسطينية” في غياب إصلاحات أكثر أهمية.
قد يكون للمرسوم أهمية أيضاً بالنسبة إلى قبضة “السلطة الفلسطينية” في شمال الضفة الغربية، ولا سيما نابلس وجنين. ففي الأشهر الأخيرة، اشتبك محافظا هاتين المنطقتين مراراً وتكراراً مع جماعات متشددة ناشئة حديثاً مثل “عرين الأسد” و”لواء جنين”، وأدت بعض المواجهات إلى اندلاع أعمال عنف في جنين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سترى هذه الجماعات خطوة عباس كغصن زيتون أم كفراغ سياسي وأمني يجب استغلاله؟
في الوقت الراهن، يكتنف القرار الغموض الذي عادةً ما تتصف به “السلطة الفلسطينية”، مما يجعل من الصعب التكهن بغاية القرار وتأثيره المحتمل. ولعبّاس سجلّ حافل في استخدام الإعلانات المحلية المؤثرة لإعطاء شعور بالحركة من دون إحداث تغيير حقيقي (على سبيل المثال، إعلانه عن إلغاء انتخابات عام 2021). وبالتالي، في حين يتعين على الحكومة الامريكية أن تراقب عن كثب تأثير القرار على السياسات العليا لحركة “فتح” والوضع العام “للسلطة الفلسطينية” والجماعات المسلحة في الضفة الغربية، فقد يكون من السابق لأوانه اتخاذ موقف بشأن الإجراء في الوقت الحالي… وفي الواقع، هناك ما يبرر بعض الشكوك حول أهميته إلى أن تثبت الأحداث عكس ذلك.