تناقش إسلام أباد حالياً كيفية إحياء الاقتصاد القائم على الزراعة في باكستان. وعقب ما مرت به الدولة الواقعة في جنوب آسيا من أزمة اقتصادية طويلة الأمد، نتيجة عدم الاستقرار السياسي والفيضانات، فإنها تتطلع إلى إيجاد حلول مستدامة طويلة المدى لإعادة اقتصادها إلى الطريق الصحيح.
وعلى الرغم من أن 37.4% من القوى العاملة الباكستانية تعمل في القطاع الزراعي، فإن هذا القطاع لا يساهم إلا بـ22.9% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. ولحسن الحظ، تمتلك باكستان مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي يمكن استغلالها لزراعة المزيد من المحاصيل. وبالاستعانة بالتطورات الحديثة في مجال الزراعة، تستطيع باكستان تحقيق الأمن الغذائي المحلي، كما يمكنها المساهمة في إمدادات الغذاء على مستوى العالم.
ومع إطلاق “المبادرة الخضراء”، صرَّح رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بأن الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية ستعمل معاً لإطلاق ثورة زراعية ثانية في البلاد.
الثورة الخضراء
عقب الثورة الخضراء الأولى عام 1965، شهدت باكستان زيادة في إنتاج الحبوب وصلت إلى ثلاثة أضعافها بين عامي 1967 و1992. وقد كان هذا النمو الزراعي ناتجاً عن استخدام المعدات الحديثة مثل الجرارات.
ومن خلال تبني الأساليب العلمية الحديثة، يمكن للمبادرة الخضراء أن تجتذب استثمارات تقدر بما يتراوح بين 30 و50 مليار دولار أمريكي. وقد شارك القادة الباكستانيون المدنيون والعسكريون في إنشاء نظام معلومات الأراضي وإدارتها – مركز التميز (LIMS–CoE)، لاستصلاح 9 ملايين هكتار من الأراضي غير المزروعة في البلاد.
وبجانب الإدارة المبتكرة للأراضي التي يقدمها نظام معلومات الأراضي وإدارتها – مركز التميز، تقدم “المبادرة الخضراء” حلولاً شاملة للزراعة في باكستان. ووفقاً لبيان رسمي، تعمل الأنظمة الزراعية الحديثة على تحسين الإنتاج الزراعي من خلال التقنيات المبتكرة والممارسات الزراعية المستدامة والدقيقة التي تراعي الإمكانات الزراعية البيئية للأراضي. ولتحقيق هذا الهدف، يجب تزويد المزارعين بالبذور والمبيدات والأسمدة الجيدة، كما يجب أن يحصلوا على حصة عادلة من الأرباح.
وقد أطلق مؤخراً قائد الجيش الباكستاني اللواء عاصم منير، مشروع حقل خانيوال الزراعي النموذجي، وهو مشروع مستدام وضعه الجيش لصالح صغار المزارعين. وفي الأيام المقبلة ستقام مشاريع مشابهة في مختلف أنحاء باكستان.
ويُعَد إطار التحالف الأخضر بين الولايات المتحدة الأمريكية وباكستان من المبادرات التحويلية الأخرى التي تعالج التحديات البيئية الملحة، مثل إدارة المياه والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، كما تساعد منظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة، باكستان في تطوير قطاعها الزراعي من خلال العمل مع المزارعين والمجتمعات الريفية.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، فإن من المتوقع أن يتزايد الطلب العالمي على الغذاء بنسبة 60% بحلول عام 2050. إن الآثار المتفاقمة من جراء التغيرات المناخية واحتمالية وقوع أحداث مناخية كبرى وعدم القدرة على توقع مصير سلاسل التوريد العالمية، تجعل الأمن الغذائي مسألة أمن قومي لمعظم دول المنطقة.
فرص التعاون
يمكن أن تشكل مبادرة باكستان الخضراء فرصة جيدة للتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين إسلام أباد، وخاصةً مع المزايا العديدة التي تطرحها المبادرة؛ ففي العام الماضي، صرحت كريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي بأن أكثر من 141 مليوناً في العالم العربي يتعرضون لانعدام الأمن الغذائي. وحالياً تستورد دول الخليج سلعاً غذائية تصل قيمتها إلى نحو 40 مليار دولار أمريكي من مناطق متعددة. وفي الندوة الوطنية حول الزراعة والأمن الغذائي، أشار رئيس الوزراء الباكستاني “شريف” إلى استعداد دول مجلس التعاون الخليجي للاستثمار في مبادرة باكستان الخضراء. وفي الواقع، بدأت بالفعل الأعمال التحضيرية للمبادرة الجديدة. وقد عبَّرت بعض الدول الخليجية عن استعدادها لإقامة استثمارات ضخمة في قطاع الزراعة الباكستاني وتقديم أحدث الآلات لتعزيز الإنتاج.
وفي ظل آليات نظام معلومات الأراضي وإدارتها – مركز التميز، يمكن لباكستان أن توفر نحو 9 ملايين هكتار من الأراضي غير المزروعة – التي يسهل استصلاحها وتحويلها إلى أراضٍ زراعية – لاستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في قطاعَي الزراعة والثروة الحيوانية. وعلاوةً على ذلك، سوف تكون الاستثمارات أسهل في ظل وجود مجلس تسهيل الاستثمار الخاص (SIFC) الذي أنشأته باكستان مؤخراً.
وقد تعاونت باكستان بالفعل في القطاع الزراعي مع كل من الإمارات وقطر والبحرين والسعودية والصين. ومع ذلك، فإنه وفقاً لبيان مناخ الاستثمار في باكستان لعام 2023 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، طالب المستثمرون الأجانب بإجراء تحسينات على التسهيلات المقدمة للأعمال التجارية.
وسوف يتخلص مجلس تسهيل الاستثمار الخاص (SIFC) من الكثير من قيود الروتين البيروقراطية؛ ما يمكِّن المستثمرين الخليجيين من المشاركة بقدر أكبر في إعداد مزايا القيمة المضافة، مثل الصناعات الغذائية، والمواءمة بين تخزين الأغذية وسلاسل التوريد بشكل أفضل.
ووفقاً لتقرير صادر في ديسمبر عام 2022 عن التحالف العالمي لتحسين التغذية (GAIN)، فقد حقق المُصدِّرون الباكستانيون مبيعات تقدر بـ500.000 طن من الأرز لدول مجلس التعاون الخليجي، في حين كانت صادراتهم من القمح متواضعة. وفي عام 2021 صدَّرت باكستان خضراوات بقيمة 1.63 مليون دولار أمريكي فقط إلى الإمارات، على الرغم من أن باكستان هي أقرب مصدر للصادرات الغذائية، مثل القمح والأرز، إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
حتى في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، كانت باكستان تُصدِّر الإمدادات الغذائية إلى الرياض وأبوظبي، ولكن إسلام أباد وجدت أن من الصعب أن تحتل الصدارة في هذا القطاع بسبب افتقارها إلى القيم المضافة، مثل التعبئة والتغليف ووضع الملصقات، بالإضافة إلى عدم قدرتها على الامتثال للوائح الدولية لسلامة الغذاء التي تتطلبها دول الخليج.
متطلبات التطوير
خلاصة القول أن “المبادرة الخضراء” التي طرحتها الحكومة الباكستانية تعكس مساعي إسلام أباد لتعزيز مكانتها في سوق الإنتاج الزراعي، وتعظيم الاستفادة من الإمكانات المتاحة لديها، ومن ثم فإنه إذا استطاعت باكستان رفع إنتاجيتها الزراعية، وتمكنت من تطوير استراتيجياتها التسويقية فستكون قادرةً على تلبية الاحتياجات المحلية من الغذاء، بالإضافة إلى زيادة صادراتها.