• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
تقدير موقف

أبعاد تجدد صراع إقليم "ناجورنو كاراباخ"


بالرغم من مؤشرات التهدئة التي سادت العلاقات الأرمينية الأذربيجانية خلال الشهور الماضية، وخاصة مع استضافة واشنطن جولات من محادثات السلام بين الطرفين في الشهور الأخيرة، عادت حالة التوتر مجدداً، وتزايدت احتمالات الدخول في جولة جديدة من الصراع “المزمن” بين الدولتين عقب إعلان وزارة الدفاع في أذربيجان، في بيان لها يوم 19 سبتمبر الجاري، عن “بدء شن عملية عسكرية لنزع السلاح وتأمين انسحاب تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية من كاراباخ، إضافة إلى تحييد بنيتها التحتية العسكرية”، وهي العملية التي قوبلت بتنديد هائل من قبل أرمينيا التي طالبت المجتمع الدولي بالتدخل وإيقاف العملية العسكرية الأذربيجانية، كما رفضت يريفان اتهامات باكو لها بقيام القوات الأرمينية بفتح النار على مواقع قتالية أذربيجانية.

صحيح أن وزارة الدفاع في أذربيجان أعلنت، في بيان لها يوم 20 سبتمبر الجاري، عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في إقليم ناجورنو كاراباخ، بوساطة من قوات حفظ السلام الروسية، كما أكدت سلطات الإقليم الأرمينية أنها توافق على مقترح باتفاق الهدنة؛ إلا أن عامل الوقت سيثبت مدى نجاح هذا الاتفاق في استعادة الهدوء والبدء في مسار حقيقي للسلام بين أرمينيا وأذربيجان.

عملية عسكرية

تجددت الاشتباكات المسلحة في إقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان بعد إعلان وزارة الدفاع الأذربيجانية عن تنفيذ عملية عسكرية في الإقليم، وهي العملية التي جاءت بعد مناوشات وتوترات متواصلة بين الطرفين على مدار الأيام الماضية؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، يوم 2 سبتمبر الجاري، أن مواقع حدودية تابعة لها تعرضت لقصف بمدافع “هاون”، نفذته وحدات تابعة لجيش أرمينيا متمركزة في مدينة “باصارجيجر”. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن العملية العسكرية الأذربيجانية الحالية تعكس عدداً من الدلالات الجوهرية المتمثلة فيما يلي:

1- ربط باكو العملية بمكافحة الإرهاب: اللافت أن باكو حاولت إضفاء قدر من الشرعية على العملية العسكرية أمام المجتمع الدولي بالقول إن العملية تستهدف مكافحة الإرهاب في إقليم “ناجورنو كاراباخ”؛ حيث أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان، في بيان لها يوم 19 سبتمبر الجاري، عن “بدء شن عملية عسكرية لنزع السلاح وتأمين انسحاب تشكيلات القوات المسلحة الأرمينية من كاراباخ، إضافة إلى تحييد بنيتها التحتية العسكرية”. وأضاف البيان أن “هذه العملية تستهدف الأهداف العسكرية المشروعة فقط باستخدام أسلحة عالية الدقة وليس المدنيين”. وذكر البيان أيضاً أن وزارة الدفاع الأذربيجانية أطلقت “عمليات لمكافحة الإرهاب تستهدف القوات الأرمنية في المنطقة المتنازع عليها”.

هذا التوصيف للعملية بمكافحة الإرهاب اتصل بمقتل أربعة من أفراد الشرطة الأذربيجانية من جراء انفجار لغم أرضي ثانٍ بعد ساعات من مقتل شخصين إثر انفجار لغم أيضاً، واتهمت باكو “القوات الأرمينية غير القانونية” بزراعة هذه الألغام. وذكر بيان مشترك نقلته وكالة الأناضول يوم 19 سبتمبر الجاري، عن النيابة العامة ووزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة بأذربيجان، أن “لغماً انفجر في وقت سابق يوم 19 سبتمبر 2023، أثناء مرور شاحنة تابعة لوكالة طرق السيارات الحكومية في الطريق الواصل بين مناطق أحمدبيلي ـ فضولي ـ شوشة في محافظة خوجاوند وأسفر عن مقتل شخصين”، وأضاف البيان أن "سيارة للشرطة توجهت إلى مكان الانفجار، وأن لغماً آخر انفجر أثناء مرورها، وأن 4 من أفراد الشرطة استشهدوا نتيجة انفجار اللغم الذي زرعته القوات الأرمينية غير القانونية".

2- إدانة أذربيجان إجراء الانتخابات الرئاسية في الإقليم: جاءت العملية العسكرية الأذربيجانية بعد أيام من إجراء أرمينيا، في يوم 9 سبتمبر الجاري، انتخابات لاختيار رئيس لإقليم ناجورنو كاراباخ، وهي الانتخابات التي لم تعترف بها العديد من الدول، ومنها الولايات المتحدة وأذربيجان وتركيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لقد كانت هذه الانتخابات أحد المحفزات الرئيسية للعملية العسكرية الأذربيجانية في الإقليم، ولعل هذا ما دللت عليه الإحاطة التي قدمت للممثليات الدبلوماسية في أذربيجان، يوم 18 سبتمبر الجاري، التي أشارت إلى أن “أرمينيا والنظام الذي أقامته على الأراضي الخاضعة لسيادة أذربيجان، تواصلان الإضرار بعملية التطبيع، وترفضان جميع المقترحات الرامية إلى تخفيف التوتر”. وأكدت الإحاطة أن "أذربيجان تواجه خطوات استفزازية من الجانب الأرميني، وأن الانتخابات الرئاسية في إقليم ناجورنو كاراباخ هي إحدى تلك الخطوات الاستفزازية".

3- تمسك باكو بضرورة انسحاب قوات أرمينيا من الإقليم: تتمسك أذربيجان بانسحاب القوات الأرمينية من إقليم ناجورنو كاراباخ، وهو الأمر الذي قد يرجح احتمالية استمرار أذربيجان في هجومها العسكري لبعض الوقت لتكثيف الضغوط على يريفان؛ فالبيانات الرسمية الصادرة من باكو تؤكد أن أرمينيا تدعم قوات انفصالية في الإقليم المتنازع عليه، كما تشير باكو إلى وجود قوات أرمينية في الإقليم يتجاوز عددها 10 آلاف فرد، فضلاً عن امتلاكها معدات عسكرية منها مدفعية ثقيلة يتجاوز عددها 200، وأكثر من 100 دبابة.

4- فرض شروط أذربيجانية قبل الحوار مع سلطات الإقليم: طرحت سلطات إقليم ناجورنو كاراباخ خلال الساعات الماضية خيار التفاوض والحوار مع باكو، بيد أن الرئاسة الأذربيجانية ردت على تلك المطالب بقولها إنها مستعدة للقاء أرمن الإقليم، لكنها أضافت في بيان: "لوقف إجراءات مكافحة الإرهاب، يجب على الجماعات المسلحة الأرمنية غير الشرعية أن ترفع الراية البيضاء، وتسليم جميع الأسلحة، ويجب حل النظام غير القانوني من تلقاء نفسه. وبخلاف ذلك فإن إجراءات مكافحة الإرهاب ستستمر حتى النهاية".

5- رفض أرمينيا مبررات العملية العسكرية الأذربيجانية: بالرغم من المبررات التي ساقتها باكو لتبرير عمليتها العسكرية في إقليم ناجورنو كاراباخ، فإن أرمينيا رفضت هذه المبررات، ونددت بالهجوم الأذربيجاني، واعتبرت أن هدف باكو من العملية “التطهير العرقي” ضد الأرمن الموجودين في إقليم ناجورنو كاراباخ. وقالت وزارة الخارجية الأرمينية في بيان: "شنت أذربيجان عدواناً جديداً واسع النطاق على شعب كاراباخ، في سعي منها لاستكمال سياسة التطهير العرقي".

ورفضت وزارة الخارجية الأرمينية المزاعم القائلة بوجود الجيش الأرمني في ناجورنو كاراباخ، وقالت في بيان إن “مساعدة أرمينيا لناجورنو كاراباخ ذات طبيعة إنسانية، وقد تأكدت الحاجة إليها بشكل أكبر من خلال الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحصار غير القانوني لممر لاتشين”. وكتبت وزارة الدفاع الأرمينية على موقع إكس تنفي مزاعم أذربيجان بأن القوات الأرمينية فتحت النار على مواقع قتالية أذربيجانية. علاوة على ذلك، ذكرت وكالة الأنباء الأرمينية أن جيش ناجورنو كاراباخ، الذي لا يشكل جزءاً من القوات المسلحة الأرمينية، “يُظهر” مقاومة حازمة "لمحاولات الجيش الأذربيجاني التقدم".

6- تبادل الهجمات بين باكو والجماعات المحسوبة على أرمينيا: شهدت الساعات التي تلت انطلاق العملية العسكرية الأذربيجانية تبادل الهجمات المسلحة بين باكو والمجموعات المسلحة المحسوبة على أرمينيا؛ ففيما ذكرت وكالة الأبناء الأرمينية أن الهجوم الأذربيجاني على الإقليم أفضى إلى مقتل نحو 27 شخصاً، كما تجاوز عدد الجرحى 200 شخص، أفادت وكالة الأنباء الأذربيجانية، يوم 19 سبتمبر الجاري، بأن “الجماعة المسلحة الأرمينية غير الشرعية الناشطة في الأراضي الأذربيجانية الموجودة تحت مسؤولية قوات حفظ السلام الروسية مؤقتاً، قصفت مواقع الجيش الأذربيجاني باستخدام قاذفات الهاون في اتجاه محافظة أخدام”. وأضافت الوكالة، نقلاً عن المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع، أن "وحدات الجيش الأذربيجاني ردت بالمثل على الجانب الأرميني".

7- التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار: ففي يوم 20 سبتمبر الجاري، أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان، في بيان لها نشره موقع سكاي نيوز عربية، عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في إقليم ناجورنو كاراباخ، بوساطة من قوات حفظ السلام الروسية، كما أكدت سلطات الإقليم الأرمينية، أنها توافق على مقترح باتفاق الهدنة. وأكدت وزارة الدفاع الأذربيجانية موافقة قوات الأرمن في المنطقة الجبلية، على “إلقاء أسلحتها والتخلي عن المواقع القتالية والمواقع العسكرية ونزع سلاحها بالكامل”، مشيرةً إلى الشروع في عملية تسليم جميع الأسلحة والمعدات الثقيلة إلى جيش أذربيجان.

مسار التصعيد

بالرغم من التهدئة المؤقتة للاشتباكات المسلحة بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في 20 سبتمبر 2022، يظل استمرار التصعيد واحتمالية تجدد الاشتباكات وتوسع حدود الصراع مرتبطاً بعدد من العوامل والمحددات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- استمرار تمسك أذربيجان بأهداف العملية العسكرية: طرحت باكو مجموعة من الأهداف للعملية العسكرية تتلخص بصورة رئيسية في استعادة ما تطلق عليه “النظام الدستوري لجمهورية أذربيجان”، وسحب القوات الأرمينية من إقليم ناجورنو كاراباخ، وإيقاف يريفان دعمها لما تسميه أذربيجان القوات الانفصالية هناك، وإنهاء العمليات الإرهابية في الإقليم، وإنهاء أي خطوات لإضفاء الشرعية – على غرار الانتخابات التي جرت يوم 9 سبتمبر الجاري – على السلطات المدعومة من أرمينيا في الإقليم.

2- حدود قدرة واشنطن على إقناع الطرفين بالتفاوض: فخلال الشهور الماضية ألقت الولايات المتحدة بثقلها في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، واستضافت الطرفين في عدد من جولات التفاوض والتهدئة بينهما. وهذه الجولات جاءت في ظل مساعي يريفان لدعم علاقاتها بواشنطن وتجنب الاعتماد الكلي على روسيا. وبالرغم من ذلك الدور الأمريكي، فإن تجدد الصراع في إقليم ناجورنو كاراباخ يثير تساؤلات حول مدى فاعلية سياسة واشنطن. وستكشف الأيام القادمة عن حدود فاعلية دور واشنطن في الصراع، وقدرتها على إقناع الطرفين على الرجوع إلى طاولة المفاوضات، وخاصة أن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” اكتفى بإصدار بيان، يوم 19 سبتمبر الجاري، قال فيه “إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء الأعمال العسكرية التي تقوم بها أذربيجان في إقليم ناجورنو كاراباخ، وتدعو باكو إلى وقفها على الفور”، وأضاف: "هذه التصرفات تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في ناجورنو كاراباخ وتقوض احتمالات السلام".

3- مدى فاعلية الضغوط الدولية لتحجيم الصراع: عقب انطلاق العملية العسكرية لباكو، توالت ردود الأفعال الدولية التي تطالب بإيقاف التصعيد المسلح؛ فعلى سبيل المثال، أفاد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، في بيان له يوم 19 سبتمبر الجاري، بأن “الاتحاد الأوروبي يدين التصعيد العسكري الأخير في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها”، وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يطالب “بالوقف الفوري للأعمال العدائية، وأن توقف أذربيجان الأنشطة العسكرية الحالية”، كما أدان رئيس البرلمان الأوروبي “شارل ميشال” التصعيد الأخير، وطالب أذربيجان بوقف الأعمال العسكرية "للسماح بإجراء حوار حقيقي بين باكو والأرمن في ناجورنو كاراباخ".

كما أدان الرئيس الفرنسي التصعيد العسكري في الإقليم وطالب أذربيجان بإيقاف الهجوم. وفي سياق متصل، طالبت الحكومة الألمانية أذربيجان بوقف عمليتها العسكرية في الإقليم. وقال المستشار الألماني أولاف شولتس في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن “أذربيجان وأرمينيا الآن في وضع حرج للغاية؛ ولهذا السبب فإن المؤكد تماماً بالنسبة إلينا هو أنه يجب الإنهاء الفوري لأعمال الحرب هذه”. وبطبيعة الحال، كلما تزايدت الضغوط الدولية على طرفي الصراع، وخاصة أذربيجان، فإن فرص تحجيم الاشتباكات المسلحة قد تتزايد.

4- تأثير حسابات تركيا على مسار التصعيد: تظل تركيا طرفاً مهماً في مشهد الصراع القائم في إقليم ناجورنو كاراباخ، وخاصةً مع دعمها الاستراتيجي لأذربيجان، وتبنيها الرواية الأذربيجانية للأحداث؛ فقد أعلنت وزارة الدفاع في أذربيجان، في بيان لها يوم 19 سبتمبر الجاري، أن وزير دفاع تركيا “يشار جولمر” أبلغ نظيره الأذري “ذاكر حسنوف” بدعم أنقرة لباكو في عمليتها العسكرية في إقليم “كاراباخ”. وبحسب البيان، فقد جرت محادثات هاتفية بين وزيري دفاع أذربيجان وتركيا؛ حيث أطلع وزير الدفاع نظيره التركي على إجراءات العملية العسكرية في منطقة كاراباخ بأذربيجان، مُضيفاً أن “وزير الدفاع التركي أكد أن تركيا اليوم، كما هو الحال دائماً، تدعم أذربيجان”. هذا الدعم التركي قد يعطي باكو إشارة حول إمكانية الاستمرار في عمليتها العسكرية، وخاصة أن أنقرة قد تزود باكو بالأسلحة التي تحتاج إليها في حال توسع نطاق الصراع.

5- طبيعة الاشتباك بين روسيا وتطورات الصراع: على مدار عقود كانت روسيا داعماً رئيسياً لأرمينيا، وكانت لها حضور رئيسي في مسار الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، ولكن مع ذلك جاءت الحرب الأوكرانية لتفرض شكوكاً حول فاعلية الدور الروسي في الصراع، حتى إن يريفان باتت أكثر اقتناعاً بأن موسكو لم يعد من الممكن المراهنة على دورها بشكل حصري؛ فقد أشارت تقارير مؤخراً إلى أن أرمينيا أصبحت غاضبة من “تخاذل” موسكو في دعم موقفها في أزمتها مع أذربيجان. هذا الغضب تمت ترجمته في عدة خطوات قد يكون أهمها تقارب أرمينيا مع واشنطن، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات الأمريكية في أرمينيا خلال الفترة من 11 إلى 20 سبتمبر الجاري.

لقد دفعت خطوات التقارب بين أرمينيا وواشنطن، بحسب موقع سي إن إن، إلى تصاعد استياء موسكو التي اعتبرت التدريبات العسكرية الأخيرة الأحدث في سلسلة مما اعتبرته وزارة الخارجية الروسية “إجراءات غير ودية” اتخذتها حليفتها التقليدية؛ حيث أرسلت أرمينيا أيضاً مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا للمرة الأولى، ومن المزمع أن يصدق برلمانها على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؛ ما يعني أنها ستكون ملزمة باعتقال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، كما صرح الرئيس الأرميني “نيكول باشينيان” بأن بلاده "بدأت تتذوق الثمار المُرة لـلخطأ الاستراتيجي المتمثل في منح روسيا المسؤولية شبه الحصرية عن الدفاع عن بلاده".

صحيح أن المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف” صرح بعد انطلاق العملية العسكرية الأذربيجانية، في 19 سبتمبر الجاري، بأن موسكو “القلقة” من “التصعيد المباغت” للوضع في كاراباخ، تسعى جاهدة لإعادة يريفان وباكو إلى طاولة المفاوضات وتجنب الخسائر البشرية، بيد أن توتر العلاقات مؤخراً بين أرمينيا وأذربيجان قد يكون له تأثير على مسار الأحداث، فحتى الوقت الراهن نجحت موسكو في التوسط في اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن مع ذلك يظل هذا الاتفاق محفوف بعدد من التحديات.

6- تقديم أرمينيا تنازلات لأذربيجان: يتوقف استمرار الصراع المسلح الراهن، في جانب منه، على تقديم أرمينيا تنازلات لأذربيجان، وربما تكون هذه التنازلات مرتبطة بالاعتراف النهائي بسيادة أذربيجان على إقليم ناجورنو كاراباخ والتوصل إلى اتفاق نهائي في هذا الشأن. ويبدو هنا أن أذربيجان تراهن على التصريحات المتواترة من جانب رئيس الوزراء الأرميني  “باشينيان” بصعوبة سيطرة أرمينيا على إقليم ناجورنو كاراباخ؛ فعلى سبيل المثال، صرح “باشينيان”  في 17 أبريل 2023 أمام البرلمان الأرميني، بأن يريفان لا يمكن أن تحقق السلام إلا باقتصار طموحاتها التوسعية على حدود جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفييتية السابقة، وهو ما يعد بمنزلة إشارة مباشرة إلى قبول أرمينيا التخلي عن طموحاتها التوسعية في “ناجورنو كاراباخ”، وعن رغبة حكومته في إنهاء الاعتماد على الأداة العسكرية لإنهاء الصراع الممتد الطويل الأمد مع أذربيجان حول المنطقة.

وفي سياق متصل، ربما يكون على أرمينيا إقناع السلطات المحسوبة عليها في ناجورنو كاراباخ بالموافقة على مطالب أذربيجان وخططها المختلفة، التي كان آخرها خطة إعادة فتح الطرق المؤدية بين أذربيجان وأرمينيا؛ حيث نفى “حكمت حاجيف” مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف”، توصل باكو إلى اتفاق مع إقليم “ناجورنو كاراباخ” لإعادة فتح الطرق المؤدية إلى أذربيجان وأرمينيا. وقال “حاجيف” في رسالة نُشرت على منصة إكس، في 9 سبتمبر الجاري، إن باكو عرضت إعادة فتح الطرق، لكن ما سماه “النظام غير الشرعي” في كاراباخ رفض العرض الأذربيجاني.

وفي هذا الصدد، أكد “حاجيف” أن أذربيجان ستحافظ على سيطرة “الحدود والجمارك” على ممر لاتشين الذي يربط “كاراباخ” بأرمينيا، مشيراً إلى أن الطريق إلى أذربيجان سيُفتح أمام شحنات المساعدات لأول مرة منذ عام 1988. وكانت وكالة الأنباء الأرمينية الرسمية ذكرت أن مسؤولي “كاراباخ” استجابوا لمطالب باكو بإعادة فتح الطريق المغلق منذ فترة طويلة إلى أذربيجان مقابل رفع الحصار عن ممر لاتشين.

خلاصة القول أن تجدد الصراع في إقليم ناجورنو كاراباخ يكشف عن إخفاق جولات المفاوضات التي جرت بين أرمينيا وأذربيجان خلال الشهور الماضية، ومواصلة الطرفين تبني خطوات من شأنها أن تضفي تعقيدات على احتمالية التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هذا الصراع المزمن؛ فأرمينيا تتمسك بدعم السلطات الموجودة في إقليم ناجورنو كاراباخ؛ وذلك على نحو ما ظهر من دعمها إجراء انتخابات رئاسية هناك، ولكن باكو من جهتها ترى أنها صاحبة السيادة على الإقليم، ويتعين على أرمينيا أن تنسحب بصورة كاملة منه وتتوقف عن مساندة أي مجموعات هناك.