تصاعدت حدة التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين خلال شهر سبتمبر الفائت، إثر إعلان الاتحاد الأوروبي عن التحقيق في دعم الصين للسيارات الكهربائية؛ لتقييم إذا ما كان ستُفرَض رسوم جمركية عقابية على واردات السيارات الكهربائية الصينية؛ ما أثار غضب الحكومة الصينية، وتنديدها بأن تؤدي تلك الخطوة إلى إشعال حرب تجارية بين الجانبَين.
ولا يقتصر الخلاف الأوروبي–الصيني على سوق السيارات فقط، بل يمتد إلى مختلف القطاعات؛ إذ ترتفع مخاوف الاتحاد الأوروبي من جراء اتساع العجز التجاري مع الصين، وتعرُّض شركات أوروبية في قطاعات حيوية للإفلاس بسبب سياسة الصين التجارية التي تُحوِّل شركاتها إلى مورد حصري، مع إزاحة الشركات المثيلة من الأسواق، فضلاً عن الدعم الصيني للاقتصاد الروسي بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادة الاعتماد الأوروبي على الصين؛ ما دفع الدول الأوروبية إلى تجديد استراتيجيتها نحو الصين لتقليل المخاطر من خلال الدفاع عن صناعتها، والسعي نحو وضع تعريفات جمركية على الصادرات الصينية.
دلالات استراتيجية
ارتفعت مخاوف الاتحاد الأوروبي من الصين بسبب ممارساتها التجارية التي يرى الاتحاد أنها تُشكل تهديداً للصناعات الأوروبية الأساسية، وهو ما دفعه إلى أن يتبنَّى نهجاً صارماً في التعامل معها. وبوجه عام، استدعت التوترات بين الصين والاتحاد الأوروبي عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1. اتهامات أوروبية بدعم الصين لسوق السيارات الكهربائية: أعلن الاتحاد الأوروبي، في سبتمبر الماضي، التحقيق بشأن حصول قطاع السيارات الكهربائية في الصين على دعم حكومي سخي يسمح بخفض الأسعار وإغراق الأسواق العالمية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرسخ لمنافسة غير عادلة؛ ما يدفع إلى ضرورة التحقيق لتقييم إذا ما كان ستُفرَض رسوم جمركية عقابية لحماية منتجي الاتحاد الأوروبي من واردات السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة؛ حيث تشير المفوضية الأوروبية إلى أن “أسعار السيارات الكهربائية الصينية المبيعة في أوروبا عادةً ما تكون أقل بنسبة 20% من العلامات التجارية المصنوعة في الاتحاد الأوروبي”. وتبلغ حصة الصين من السيارات الكهربائية المبيعة في أوروبا نحو 8%، مع توقعات بوصولها إلى 15% بحلول عام 2025.
ويغطي التحقيق الأوروبي، بحسب التقارير، السيارات التي تعمل بالبطاريات من الصين، وكذلك العلامات التجارية التي تُصنَّع في الصين، مثل “تسلا” و”رينو” و”بي إم دبليو”، كما يشمل أسعار المواد الخام والبطاريات والقروض التفضيلية وتوفير الأراضي الرخيصة.
2. انتقاد الصين السياسات الحمائية الأوروبية: تسلط دراسة الاتحاد الأوروبي فَرْضُ تعريفاتٍ جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، الضوء على الاتجاهات الحمائية المتزايدة في أوروبا، مع سعي الاتحاد إلى التنافس مع الصين والولايات المتحدة على التحولات الخضراء والرقمية، كما يهدد بِرَدِّ فعل مماثل من بكين ضد المركبات المستورَدة من الاتحاد الأوروبي؛ فقد انتقدت وزارة التجارة الصينية قرار الاتحاد الأوروبي، ووصفته بأنه "يُمثِّل عملاً حمائياً سافراً، من شأنه تعطيل وتشويه صناعة السيارات الكهربائية وسلسلة التوريد الصينية، والتأثير سلباً على العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي".
وفي هذا الصدد، أوضحت بكين أن الميزة التنافسية لمنتجاتها لم تَكُن بسبب الإعانات الحكومية، وأن المركبات الكهربائية الصينية التي تُصدَّر إلى أوروبا تُبَاع بالتجزئة بما يقارب ضعف الأسعار في السوق الصينية. وتشهد صادرات الصين من المركبات الكهربائية نمواً مطرداً؛ حيث إن سلسلة التوريد الصناعية الصينية شديدة التنافسية نتيجة المنافسة القوية في السوق المحلية؛ فقد بلغت صادرات السيارات من الصين، بحسب تقديرات مختلفة، نحو 361.6 ألف سيارة في شهر يونيو 2023، متفوقةً على اليابان التي صدَّرت 342 ألف مركبة خلال الشهر ذاته، ليصل إجمالي صادرات الصين من السيارات نحو 2.8 مليون سيارة منذ بداية العام الجاري حتى نهاية شهر يوليو الفائت، بزيادة 74% على أساس سنوي. ويتوقع بنك “يو بي إس” أن تتحكم السيارات الصينية في نحو 33% من السوق العالمية بحلول عام 2030، مقابل 17% في عام 2022، بدعم ارتفاع مبيعاتها من المركبات الكهربائية.
3. ارتفاع المزايا التنافسية لقطاع السيارات الصينية: استفاد قطاع السيارات في الصين من السياسة الصناعية الداعمة، والاستثمارات من جانب القطاع الخاص؛ فقد نجحت شركات صينية مثل “BYD” التي تركز على السيارات الكهربائية، في التفوق على نظيرتها الأجنبية، لتتحول إلى استهداف الأسواق الخارجية، واكتسبت بعض الشركات الصينية مكانة متصاعدة في سوق المركبات الكهربائية العالمية، مثل “بي واي دي” و”إكس بينج” و”نيو”، مع حقيقة أن الأولى أصبحت الأعلى مبيعاً حول العالم في السيارات الكهربائية، وبلغ الدعم الحكومي الصيني للسيارات الكهربائية والهجينة نحو 57 مليار دولار في الفترة من 2016 إلى 2022.
كما أنهت الصين في عام 2022 برنامجاً سخياً للدعم استمر 11 عاماً لشراء السيارات الكهربائية، لكن بعض السلطات المحلية واصلت تقديم المساعدات أو التخفيضات الضريبية؛ لجذب الاستثمارات ودعم المستهلكين. وفي هذا الصدد، تنخفض تكلفة إنتاج بعض السيارات؛ حيث تنخفض تكلفة سيارة “بي واي دي سيل” الصينية بنحو 15% عن طراز “موديل 3” من “تسلا” المُصنَّع في شنجهاي، وتعتبر أقل بنحو 35% من سيارة “فولكس فاجن اي دي 3” المُصنَّعة في ألمانيا.
ولا يعكس تراجع التكاليف بالضرورة الدعم الحكومي الصيني، لكنه يشير – وفقاً لبعض التقارير – إلى كفاءة التصنيع والإمدادات الكبيرة من المكونات الأساسية والمعرفة التكنولوجية، بفضل سيطرة الصين على سلاسل التوريد والمواد الخام، بالإضافة إلى استفادة المنتجين الصينيين في عام 2022 من أسعار بطاريات السيارات الكهربائية البالغة 130 دولاراً لكل كيلوواط/ساعة، مقابل السعر العالمي البالغ 151 دولاراً.
4. الضغط الأوروبي للوصول إلى المشتريات الحكومية الصينية: يهدف الاتحاد الأوروبي إلى دفع الصين نحو فتح سوق المشتريات العامة من خلال التهديد بإغلاق سوق المناقصات العامة المربحة في الاتحاد الأوروبي؛ حيث تُستبعَد الأجهزة الطبية من السوق بسبب سياسات شراء الصين التمييزية، وهو مصدر قلق طويل الأمد للصناعة الأوروبية. وتبحث لجنة المفوضية الأوروبية في إطلاق تحقيق بموجب أداة المشتريات الدولية الجديدة، التي تُمكِّنها من إغلاق شركات الدول التي تُميِّز ضد المشتريات العامة من الاتحاد، وتعهَّدت بروكسل باستخدام الأداة لأول مرة في عام 2023.
5. ارتدادات العجز التجاري المتفاقم بين الصين وأوروبا: تضاعف العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين ثلاث مرات تقريباً في خمس سنوات، ليصل نحو 400 مليار يورو بنهاية 2022، مدفوعاً بارتفاع الواردات بدلاً من انخفاض الصادرات؛ حيث ارتفعت قيمة واردات الاتحاد الأوروبي من الصين في يونيو 2021 عن سبتمبر 2022، بنسبة 30%، بينما ارتفعت قيمة صادراته بنسبة 18% فقط. ومن ثم، يرغب الاتحاد الأوروبي في تقليل اعتماده على الصين، بما يسهم في تقليل العجز التجاري الناجم عن القيود الصينية على الشركات الأوروبية.
بينما يرجع وزير الخارجية الصيني تفاقم العجز التجاري الثنائي إلى القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الصادرات؛ حيث حدَّت القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على تصدير المنتجات العالية التكنولوجيا إلى الصين في الأعوام السابقة بشكل مباشر، من قدرة الاتحاد على الاستفادة من إمكانات التصدير إلى بكين.
6. اتهام الصين بالمنافسة غير العادلة وتسييس مناخها التجاري: فعلى مدار السنوات الماضية تكررت الاتهامات الأوروبية للصين بممارسة سياسات احتكارية عبر إغراق السوق، والبيع بأقل من سعر التكلفة، وتقييد الصادرات الحيوية؛ فقد قيَّدت الصين مؤخراً تصدير الجاليوم والجرمانيوم، وهما من المعادن الحيوية لصنع رقائق أشباه الموصلات، كما تمنع بأسلوب غير رسمي صادرات الجرافيت إلى السويد، وهو معدن أساسي في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية؛ فمن خلال قَطْع هذه الإمدادات، تعرقل الصين شركة نورثفولت السويدية لصناعة البطاريات. وقبل أكثر من عام بقليل، تلقَّت صناعة السيارات الأوروبية ضربة موجعة، حينما قيَّدت الصين إمدادات المغنيسيوم، الذي تحتكره بكين. في غضون ذلك، حذَّرت صناعة السيارات الأوروبية من غلق وشيك بمصانع تصنيع السيارات في أوروبا.
كما تمارس الصين هيمنة كاملة على صناعة الألواح الشمسية في العالم. وفي هذا السياق، تتحرك الصين نحو تعزيز واستغلال وضعها رائداً عالمياً في صناعة الألواح الشمسية، عبر فرض قيود على صادراتها من المكونات الرئيسية في تلك التقنية. ومن الممكن أن يؤثر ذلك على صناعة الألواح الشمسية في كلٍّ من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم، يمثل الحد من اعتماد أوروبا المفرط على الصين في المواد الخام الرئيسية، أولوية واضحة لبروكسل؛ لأن الاتحاد الأوروبي يستورد نحو 98% من إمداداته من المعادن الأرضية النادرة من الصين.
7. زيادة مخاطر الامتثال وعدم تكافؤ الفرص: أصدرت الصين عدداً كبيراً من التشريعات التي تركز على الأمن القومي؛ ما أدى – بحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط – إلى تعميق حالة عدم اليقين وزيادة مخاطر الامتثال. ويشمل ذلك قانون مكافحة التجسس الذي يحظر نقل المعلومات المتعلقة بالأمن والمصالح الوطنية، دون تحديد لنطاقه، ويمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات على الشركات الأجنبية العاملة في الأعمال التجارية العادية.
8. إغلاق الاستثمارات في قطاع السكك الحديدية الصينية: دقَّت غرفة التجارة الأوروبية في الصين ناقوس الخطر بشأن القيود التي تفرضها بكين على الوصول إلى الأسواق، والحواجز التنظيمية في قطاع السكك الحديدية الصيني؛ حيث يُعَد القطاع مغلقاً فعلياً أمام صانعي القطارات ومُقدِّمي التكنولوجيا الأوروبيين؛ ما يحد من المنافسة الأجنبية.
9. دعم الصين للاقتصاد الروسي: تمر العلاقات الأوروبية الصينية بحالة من الترقب الحذِر بين الطرفين؛ حيث يرغب الاتحاد الأوروبي في تعديل موقفه تجاه الصين لتقليل الاعتماد الاقتصادي عليها، في ظل الشكوك المرتبطة بعلاقات بكين وموسكو فيما يخص الحرب في أوكرانيا، وهو ما يُعَد من أكثر الملفات التي يحتدُّ حولها الخلاف بين أوروبا والصين.
تداعيات محتملة
قد يؤول التحقيق الذي فتحه الاتحاد الأوروبي بشأن السياسات الصينية إلى فرض تعريفات جمركية جديدة، وتغيير جذري في سياسته التي تعتمد على مبادئ التجارة الحرة والأسواق المفتوحة؛ وذلك بغرض الحفاظ على المصلحة الاقتصادية للقارة. وقد أبدى بعض المسؤولين الأوروبيين تخوفهم من تأثر العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي؛ حيث يسهم رد فعل بكين على هذا التحقيق في الإضرار بالعلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وهو ما من شأنه أن يثير القلق من احتمال نشوب حرب تجارية. وتتمثل التداعيات الرئيسية للحرب التجارية بين الطرفين فيما يلي:
1. انتشار الركود في الأسواق الأوروبية: يمكن أن تسهم التعريفات الجمركية الجديدة التي قد يفرضها الاتحاد الأوروبي في ارتفاع أسعار السلع الصينية، فترتفع فاتورة واردات الاتحاد الأوروبي من الصين، في حين تتمكن الصين من التغلب على تلك المشكلة باللجوء إلى أسواق أخرى. ومن ثم فإن من المتوقع أن تدفع إجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه الصين نحو المزيد من الركود في الدول الأوروبية، خصوصاً في ظل مستويات التضخم المرتفعة، وسياسة التشديد النقدي التي ينفذها البنك المركزي الأوروبي.
2. التأثير سلباً على سوق السيارات الأوروبية: قد يؤدي استمرار أوروبا في تطبيق إجراءاتها الجديدة لمكافحة الدعم فيما يتعلق بواردات السيارات الكهربائية الصينية، إلى الإضرار بقطاع السيارات الكهربائية الأوروبي المتخلف عن نظيره في الصين؛ فلدى الصينيين بالفعل خطوط من السيارات الكهربائية الجاهزة للبيع. أما في أوروبا، فلا تزال العديد من شركات السيارات في مرحلة البدء، ومن ثم لا تستطيع منافسة المنتجات الصينية.
وستكون ألمانيا الدولة الأكثر تضرراً في الاتحاد الأوروبي في حالة حدوث نزاع تعريفي متبادل مع الصين؛ حيث تعد ألمانيا مصدراً صافياً للسيارات، وستُقيِّد الصين الوصول إلى سوقها؛ الأمر الذي سيضرب شركات صناعة السيارات الألمانية – بما في ذلك فولكس فاجن، وبي إم دبليو – حيث باعت مجتمعة 4.6 مليون سيارة في الصين خلال عام 2022، فيما تستورد ألمانيا ثلثي موادها النادرة المستخدمة في صناعات السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات من الصين، وهو أمر بالغ الأهمية؛ فإن عائدات الشركات الفرنسية والألمانية العاملة في الصين تعادل ما يقارب 7% من الناتج المحلي الإجمالي الألماني، ونحو 6% لفرنسا، ولن يساعد التحقيقُ الشركاتِ المصنعة الألمانية بشكل مباشر على تحسين وضعها عندما تتنافس مع الشركات المصنعة الصينية في دول ثالثة.
3. ارتفاع محتمل لمعدلات البطالة في الدول الأوروبية: يمثل قطاع السيارات بشكل مباشر أو غير مباشر ما يقرب من 14 مليون وظيفة أو 6.1% من القوى العاملة في الاتحاد الأوروبي. ويستخدم الاتحاد الأوروبي ضريبة الرسوم لحماية معدلات التوظيف في السوق الكهروضوئية الأوروبية. ومن ثم سيؤثر إيقاف المستوردين الصينيين خارج أوروبا سلباً على 98% من الوظائف التي يشغلها موظفو القطاع، فينتشر الضرر في الصناعة بقدر أكبر مما تدرسه لجنة مكافحة الإغراق.
4. تزايد العجز التجاري الأوروبي مع الصين: قد يضر التضييق على أنشطة الصين التجارية بمصالح الشركات الأوروبية في الصين؛ إذ إن قطع العلاقات مع أكبر مُصنِّع في العالم مهمة صعبة للغاية؛ حيث تمثل الصين أكثر من 30% من إنتاج التصنيع العالمي – أكثر من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا مجتمعةً – فبحسب بيانات يوروستات، جاءت الصين الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي في عام 2020، ثم ارتفع إجمالي حجم التجارة بين الجانبين بنسبة 23% في 2022 مقارنةً بعام 2021، ليصل إلى 856.3 مليار يورو (912.6 مليار دولار)، لتشكل التجارة مع الصين نحو 2.5% من إجمالي الناتج المحلي لمنطقة اليورو. وبلغت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين خلال عام 2022 نحو 240 مليار دولار؛ ما يجعلها ثالث سوق لأوروبا في الخارج، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ومن ثم، يسهم توقف الصادرات الأوروبية إلى الصين، في تضرر المُصدِّرين الأوروبيين وفقدانهم سوقاً استهلاكيةً كبيرةً، فيرتفع العجز التجاري الأوروبي مع الصين.
5. تهديد المكاسب الأوروبية من العولمة الاقتصادية: يُمثِّل الدفع المتزايد للتخلص من المخاطر المتمثلة في اعتماد أوروبا على الصين، تهديداً للمكاسب الأوروبية التي حققتها عقود من العولمة الاقتصادية، فلا يمكن كسر هيمنة الصين على إنتاج التقنيات الخضراء، ولن تؤدي محاولات التنويع إلا إلى انتكاسة جهود الاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ.
6. تأثيرات محدودة محتملة على الاقتصاد الصيني: من المرجح أن يكون التأثير الفوري لأي تعريفات أوروبية على الاقتصاد الصيني محدوداً؛ حيث تم بيع أكثر من 80% من سيارات الركاب المنتجة في الدولة الآسيوية محلياً في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، وبلغت قيمة صادرات الصين من السيارات الكهربائية إلى دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين 47% من إجمالي قيمة الصادرات في هذا القطاع العام الماضي، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، وانخفض هذا الرقم إلى 44% في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023.
وبحسب بيانات شركة أليانز تريد، فإن خسائر الصين من فرض الاتحاد الأوروبي زيادةً بمقدار نقطة مئوية واحدة في التعريفات الجمركية، لن تتعدى 8.4 مليار دولار، وهو ما يمثل نحو 0.2% فقط من الصادرات الصينية، مقارنةً بنحو 1.5% من واردات الاتحاد الأوروبي.
تحدٍّ أوروبي
مما سبق، توضح تداعيات القرار السابقة على الاتحاد الأوروبي، ترجيح ميزان القوة لصالح الصين، وخاصةً مع مكانتها المهمة في الاقتصاد العالمي، وكذلك الانقسام الأوروبي بشأن اتخاذ موقف موحد تجاه بكين. ومن ثم، قد يكون من الصعب على الدول الأوروبية فك ارتباطها أو تقليص الاعتماد المتبادل مع الصين، أو تصعيد الحرب التجارية ضدها. ويُعزَى ذلك إلى:
1. عدم وجود أدلة تُبرِّر التعريفات الجديدة: سيتعيَّن على لجنة المفوضية الأوروبية تحديد الإعانات الحكومية المباشرة التي تستهدف صناعة السيارات الكهربائية، ويتعيَّن عليها أيضاً أن تُثبِت أنها تتسبَّب في خطر إلحاق ضرر مادي بصانعي السيارات الأوروبيين؛ فلن تتمكَّن المفوضية الأوروبية من معاقبة الصين دون وجود إثباتات تُذكَر فقط لانخفاض تكاليف إنتاجها، خاصةً أن أسعار السيارات الصينية محلياً أقل مما هي عليه في أوروبا؛ لذلك ليست هناك أدلة على الإغراق، أو الدعم الذي يُشوِّه المنافسة بحسب ادعاءات أوروبا.
2. الصين شريك ضروري ومهم لأوروبا: ارتفع حجم التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي – بحسب وكالة شينخوا – خلال العشرين عاماً الماضية بنحو تسعة أضعاف، وتضاعفت استثمارات الاتحاد الأوروبي في الصين ثلاث مرات، ونَمَت استثمارات الصين في الاتحاد الأوروبي من صفر إلى 104.4 مليار دولار أمريكي، وبلغت التجارة الثنائية بين الصين والاتحاد الأوروبي مستوى قياسياً بلغ 856.3 مليار يورو في عام 2022؛ ما يمثل نمواً على أساس سنوي بنسبة 2.4%، فيما يتقاسم البلَدان مستقبلاً مشتركاً من التعاون المتبادَل النفع في مجالات يمكن أن يستفيد كلٌّ منهما بخبرة الآخر، خاصةً أن الاقتصاد الأوروبي يعاني من ارتفاع التضخم وضعف الطلب، وهنا يأتي دور السوق الصينية باعتبارها أكبر سوق استهلاكية، بينما تسعى الشركات الأوروبية إلى توسيع وجودها في السوق الرائدة في العالم.
3. نجاح المفاوضات الأوروبية–الصينية الأخيرة: نجح المفوض التجاري للاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس، خلال زيارته إلى الصين في الفترة من 23 إلى 26 سبتمبر الماضي، في التوصل إلى مجموعة من النتائج المربحة للجانبَين؛ حيث سلَّط الحوار الضوء على كيفية عمل الصين والكتلة التجارية الأوروبية لرأب الخلافات وتعزيز التعاون وسط انتعاش اقتصادي عالمي بطيء.
واتفق الجانبان على تعزيز التواصل والتنسيق بشأن سياسات الاقتصاد الكلي، والعمل معاً لمواجهة التحديات العالمية، مثل أزمة الغذاء والطاقة الدولية، وتعزيز النمو المستقر للاقتصاد العالمي، وتشكيل مجموعة عمل بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن المشروبات الكحولية، بالإضافة إلى إجراء حوار وتبادلات حول تنظيم مستحضرات التجميل، وإنشاء آلية اتصال لمراقبة الصادرات، كتلك المجموعة التي وافقت الولايات المتحدة والصين مؤخراً على تأسيسها، كما تعهَّدا بتحسين العلاقات في صناعاتهما المالية، وتسريع وصول المنتجات الزراعية في الاتحاد الأوروبي إلى الأسواق، وتعزيز التعاون بين السلطات التنظيمية للأوراق المالية والعقود الآجلة.
4. صعوبة فك الارتباط: تدفع العديد من التحليلات بصعوبة قيام أوروبا بفك ارتباطها بالصين بالكامل، والابتعاد عن السوق الصينية، وخاصةً مع الأهمية التي تحظى بها الصين بالنسبة إلى الشركة الأوروبية الرئيسية. ومن ثم، قد تلجأ أوروبا في اللحظة الراهنة إلى إعادة تقييم علاقاتها التجارية مع بكين؛ وذلك لحين صياغة سياسة صناعية أكثر تكاملاً في الاتحاد الأوروبي تستهدف تقليل التأثُّر بالسياسات الصينية، ودعم التنافسية للمنتجات الأوروبية المختلفة.
خلاصة القول أن الحرب التجارية المتصاعدة في الآونة الأخيرة بين الصين والدول الأوروبية، تعكس تباينات في المصالح بين الطرفَين في ظل اعتقاد أوروبا أن السياسات التجارية لبكين تُؤثِّر بالسلب على الصناعة الأوروبية، ناهيك عن الاعتقاد بأن الصين تغلق بعض القطاعات أمام الشركات الأوروبية. ومع ذلك، ربما يتم تحجيم هذه الخلافات، ليتوصَّل الطرفان إلى اتفاق على التهدئة والوصول إلى حل وسط، لا سيما أن المعطيات الراهنة تكشف عن صعوبة فك الارتباط التجاري والاقتصادي بينهما.