• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
إصدارات الأعضاء

من يريد الحرب في القفقاس...؟


تتسارع المفاوضات في جنوب القفقاس بوتيرة عالية بحثا عن حلول لهذه المنطقة المتوترة جدا والتي يتداخل في حل نزاعها وخاصة ما يدور حول ناغورني كاراباخ، مصالح دول عديدة ومتشابكة.

وبالرغم من اللقاءات العديدة بين قيادات ارمينيا واذربيجان خلال عام 2023، لم تتحقق أي نتائج ملموسة لحل العقدة القفقاسية وتحقيق السلام الدائم. ويبدو ان بناء الثقة بين الجانبين بالرغم من اطلاق أذربيجان سراح 32 عسكريًا أرمينيًا، مقابل جنديين أذربيجانيين، يحتاج على الاقل في المستقبل القريب الى تدابير اضافية ولكن التدخلات الاميركية والبريطانية الانغلوساكسونية من جهة وتركيا من جهة اخرى في منطقة كانت تعتبر حتى الامس القريب منطقة نفوذ روسية، تعرقل كل اسباب التقارب بين الجارين القفقاسيين اللذين عاشا بوئام وسلام وتآخي مثالي في دولة الاتحاد السوفياتي. ولم يكن ينقص المنطقة الا دخول بعض المستفزين من الاتحاد الاوروبي كشارل ميشيل وامثاله.  

تجاذب الغرب الانغلوساكسوني لاطراف النزاع الارمني والاذربيجاني وتدخله في كل شاردة وواردة وتحريضه على الفتنة، قوض السلام والأمن في المنطقة في فضاء كان امنا ومستقرا حتى الامس القريب، وقد اشارت حكومة اذربيجان إلى أنها تعتبر “زيارات ممثلين رفيعي المستوى من الولايات المتحدة إلى أذربيجان غير مناسبة".

لقد دخلت انقره على خط النزاع بتأشيرة أميركية بريطانية لفرض أحلامها القديمة الجديدة بالسيطرة على المنطقة وساعدت باكو بالتعاون مع اسرائيل على اجتياح ناغورني كاراباخ وتهجير سكانها. من جهة اخرى كانت نفس الظلال الاميركية البريطانية تحرك اداة اخرى اوصلتها عنوة الى الحكم في يريفان هي نيكول باشينيان رئيس الوزراء الارمني فاكتملت عدة الحرب الاميركية – الانغلوسكسونية في مواجهة روسيا، اذ استطاع الغرب الاطلسي اغراء تابعه باشينيان بجرّ ارمينيا الى صراع غير جاهزة له بالرغم من ان موسكو حاولت ابعاد الكأس المرة والحرب عن ارمينيا كما عن اذربيجان، لكن الخطة الانغلوساكسونية – التركية – الاسرائيلية نجحت باشراك الفريقين في مذبحة الحرب: من جهة رئيس اذربيجان الهام علييف ومن جهة اخرى رئيس الوزراء الارمني نيكول باشينيان كاتباع لنفس الجهة بجرهما الى الحرب التي كان ضحيتها الشعبين الارمني والاذربيجاني.

الملفت ان باشينيان الذي رفض صيغا روسية مقدمة من موسكو كانت في الكثير منها لصالح ارمينيا تساهم في المحافظة على قسم كبير من ناغورني كاراباخ، تنازل في 26 تشرين الاول في منتدى طريق الحرير في تبليسي عن كثير مما رفضه في موسكو. وقال نيكول باشينيان إن أرمينيا وأذربيجان يمكن أن توقعا اتفاقا سلام في الأشهر المقبلة واضاف: "نعمل الآن مع أذربيجان على مسودة اتفاق بشأن السلام وتسوية العلاقات".

واتفقت يريفان وباكو على الاعتراف المتبادل بسلامة أراضي كل منهما بمساحة 29.8 ألف كيلومتر مربع لارمينيا و86.6 ألف كيلومتر مربع لاذربيجان.

تدخلات الغرب الاطلسي السافرة ودخول المستشار الالماني اولاف شولتس والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون  تهدف فيما تهدف الى سحب منطقة جنوب القفقاس الى الحلف الغربي ووضعها تحت الاستعمار الانغلوساكسوني الجديد وربط الجمهوريات القفقاسية الثلاث جيورجيا-اذربيجان-ارمينيا بمحور حرب وتحدي تكون باكو عاصمته وتكون مهمته معاداة ومحاربة روسيا الجمهورية الشقيقة السابقة لهذه الدول واحداث التوترات في ايران المجاورة.

وهنا يطرح سؤال، لمصلحة من خلق محاور صراع ودمار في تلك المنطقة على مثال ما زرعه الغرب من حرب في اوكرانيا؟ وما الذي جناه الشعب الاوكراني من ذلك غير الموت والعذاب والدمار والهجرة!!!

هل هذا ما يريده الغرب الاستعماري العدواني للقفقاس؟!

المثير للدهشة والاستغراب ان رئيس وزراء ارمينيا التي تتهمه المعارضة الارمنية بالفساد وتكديس اموال ضخمة في حسابات خاصة في اميركا وسويسرا واوروبا فيما عقيلته تقضي ايامها برعاية اميركية في التسوق في افخم اسواق باريس وتورنتو وجنييف، رفض مقترحا روسيا بتسوية مرضية مع اذربيجان تعطي اذربيجان جزء من ناغورني كاراباخ على ان يحافظ على الجزء الاكبر منها لصالح ارمينيا من دون الدخول بحرب. الا انه دخل حربا خاسرة وهو يعرف انها كذلك، وقتل وجرح واوقع في الاسر عددا كبيرا من المواطنين الارمن في كاراباخ وخسر هذه المنطقة الجبلية الرائعة بكاملها. وبعدها قبل بكل شيء فرضه عليه الغرب الاستعماري الاطلسي وكأن مهمته الحقيقية كانت ايصال ارمينيا الى هذه الحالة لقاء 30 من فضة. نعم لقد وقّع نيكول باشينيان وفي اجتماع مع القادة الأوروبيين على إعلان يعترف بوحدة أراضي أذربيجان، بما في ذلك أراضي ناغورني كاراباخ فكيف يمكن فهم هذا الرجل؟!

أهو بالفعل يعمل لمصلحة بلاده ارمينيا ام ان مصالح اخرى تقوده؟؟!

لقد بذلت روسيا جهودا جبارة للحفاظ على الاستقرار في القفقاس وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مرارا بضرورة صيانة السلام والامن في تلك المنطقة واستعادة الحياة الطبيعية لسكان ناغورني كاراباخ. كما وانضمت ايران في الفترة الاخيرة الى مساعي ايجاد حلول بين الدولتين وجمعت الخصمين اللدودين في طهران في محادثات ومع ذلك في نفس يوم الاجتماع، أعلنت أذربيجان بدء مناورات عسكرية مشتركة مع حليفتها تركيا بالقرب من الحدود مع أرمينيا بعد أسابيع فقط من استيلاء باكو على كاراباخ.

وفي الاجتماع الذي عقد في العاصمة الإيرانية والذي ضم أيضًا وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، أشار المبعوثون إلى الدفع نحو السلام في القفقاس وإنهاء التحديات بمشاركة اللاعبين الإقليميين والجيران.

ووضعت صيغة طبيعية "3+3" اي دول المنطقة من دون تدخل خارجي جيورجيا-اذربيجان-ارمينيا مع الدول المحيطة روسيا – ايران – تركيا، لكن تبليسي وبايعاز خارجي من مرشدي نظامها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، رفضت هذا الاقتراح.

منذ أن توسطت موسكو في وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان عام 2020، كثف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تدخلهم في تلك المنطقة. وسيطرت على هذه المنطقة الآمنة سلسلة من المناورات العسكرية التي بالتأكيد لا تحتاجها شعوب القفقاس. فاطلقت مناورات تركية – اذربيجانية اطلق عليها اسم “مصطفى كمال أتاتورك 2023” شارك فيها 3000 جندي وأسلحة المدفعية والطيران. كما وكانت مناورات عسكرية مشتركة بين قوات ارمنية واميركية على الاراضي الارمنية.

فضد من هذه المناورات؟ أهي ضد ابناء شعب واحد عاش السراء والضراء معا الى ان حضر الغرب الاطلسي حاملا معه الحروب والقتل والتهجير؟! فاضافة الى الاف الضحايا والمعوقين والجرحى والتدمير خلفت نزاعات الغرب الاميركي أكثر من 100 الف لاجىء فروا من ناغورني كاراباخ.

الخوف الكبير هو من المستقبل غير الواعد الذي يحضره الغرب الاميركي المجرم لهذه المنطقة الوادعة الجميلة التي تحولت في اقل من عقدين الى مرتع للجريمة والقتل والحرب والعدوانية والموت بعد ان كانت رمزا للصداقة والوداعة والمحبة. هذه هي سياسة الاميركي العدواني التي يطبقها اينما حلّ أكان في فلسطين أو العراق أو سوريا أو الشرق الاوسط ام في اوكرانيا او في اميركا اللاتينية... والان يسعون بقوة الشر الى نقل هذه المهمات الشيطانية الى منطقة الجنوب القفقاسية، والسؤال المطروح حاليا هل سينجحون ام ان شعوب القفقاس ستفوت هذه الفرصة الجهنمية عليهم وتحافظ على منطقتها بهدوئها وجمالها واستقرارها؟