بعد اغتيال الرجل الثاني في حركة حماس في بيروت يوم الثلاثاء، أكد أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطاب له أن حزبه مستعد لـ"قتال بلا حدود" أو "قواعد" إذا أرادت الدولة العبرية الحرب.
وعد نصر الله مساء الأربعاء 3 كانون الثاني/يناير، بأن "جريمة الأمس لن تمر دون عقاب"، في إشارة إلى اغتيال الرجل الثاني في حماس في بيروت في غارة نسبت إلى إسرائيل من دون الكشف عن تفاصيلها. واعداً أن الجريمة لن تمر من دون عقاب ومن دون أن يكشف عن طبيعة الرد.
اتخذ هذا الخطاب الذي كان مقررًا لتكريم الجنرال الإيراني قاسم سليماني في الذكرى الرابعة لاغتياله بعدًا جديدًا بعد اغتيال صالح العاروري يوم الثلاثاء في ضربة في ضاحية بيروت الجنوبية أثارت المخاوف من أن تمتد حرب حماس وإسرائيل إلى المنطقة كلها. ونقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول لبناني كبير أن الطائرات المقاتلة الإسرائيلية أطلقت صواريخ موجهة على مكاتب الحركة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، ما أسفر عن مقتل ستة آخرين من أعضاء حماس. وهذا هو الهجوم الإسرائيلي الأول على بيروت منذ حرب العام 2006. وهناك خشية لدى البعض من أن يؤدي اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي حماس إلى تغيير الوضع. واكتفى السيد حسن نصر الله في كلمته التي بثها التلفزيون مباشرة بالتهديد: "إذا فكّر العدو بشن حرب على لبنان، فإن قتالنا سيكون بلا حدود، وبلا قواعد".
وفي هذه الأثناء يتصاعد التوتر. ودعا إيمانويل ماكرون إسرائيل إلى "تجنّب أي موقف تصعيدي، خاصة في لبنان". وندّد رئيس الوزراء اللبناني المستقيل نجيب ميقاتي بالجريمة الإسرائيلية التي تهدف إلى "جرّ لبنان إلى مرحلة جديدة من المواجهة" مع إسرائيل التي من جانبها لم تعلن أو تنف مسؤوليتها عن الهجوم. وقال مارك مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي ريجيف في مقابلة إن ما حدث ليس "هجوماً على الدولة اللبنانية".
وفي ضاحية بيروت، في اليوم التالي للهجوم، كان التجار مشغولين باستعادة بعض النظام في متاجرهم، وكنس الزجاج المكسور الذي تناثر على الأرض. في الواقع، انفجرت بعض النوافذ تحت تأثير الانفجار. ويقول السكان إنهم لم يكونوا على علم بموقع مكتب حماس. وقال أحد المتفرجين المتجمعين حول المنطقة، وقد تركزت أعينهم على الفجوة الكبيرة التي خلفها الهجوم في الطابق الثاني من المبنى: "من المحتمل أن يكون عميل هو من أعطى الموقع". وفي الضاحية، ينتظر السكان ردًا كبيرًا. "فقد خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك" يستنكر محمود (48 عاماً)، أحد سكان الحي. وأضاف: “لقد تغيرت القواعد الآن، ويجب أن يكون الرد في ذروة التصعيد. لقد ضربوا قلب بيروت، وعلينا الآن أن نضرب قلب تل أبيب”، مؤكداً لـ “ميديا بارت” ثقته الكاملة بخيارات السيد حسن نصر الله.
يقول الأستاذ في جامعة لوزان، والمتخصص في شؤون حزب الله جوزيف ضاهر: الهجوم هو بشكل واضح جزء من الضغوط التي تمارسها إسرائيل من أجل التنفيذ الصارم للقرار 1701 الذي ينص على انسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، أي 30 كيلومتراً من الحدود. وأوضحت إسرائيل أن مطالبها سيتم تنفيذها بالدبلوماسية أو بالقوة على حد تعبير وزير الخارجية إيلي كوهين. كثفت إسرائيل هجماتها على الجبهة اللبنانية منذ انتهاء الهدنة غير الرسمية مع حزب الله مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي. واغتيال الرجل الثاني في حماس سيشكل جزءًا من هذه الاستراتيجية: زيادة المخاطر من خلال الاستفادة من نافذة الشرعية التي أتاحها الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل. ويعتقد جوزيف ضاهر أن “إسرائيل تستغل الحرب كفرصة لتحقيق أهداف أخرى”.
تحفظ حزب الله تحفظًا معينًا في ردوده على الرغم من تزايد عدد القتلى في صفوفه، أكثر من مئة، ونحو عشرين مدنياً، والدمار في جنوب البلاد كبير. وفي الجانب الإسرائيلي، قُتل ما لا يقل عن خمسة مدنيين وتسعة جنود في الاشتباكات بحسب أرقام الجيش. ويدرك حزب الله أنه بالكاد يستطيع تحمل حرب لا تحظى بشعبية كبيرة لدى شريحة من السكان المعارضين له في لبنان الذي ركع بالفعل على ركبتيه بسبب الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي اندلعت منذ العام 2019.
ويضيف جوزيف ضاهر: "كما أن إيران لا تريد المخاطرة بالقدرات العسكرية والنفوذ السياسي لميليشياتها التي تعتبرها جوهرة التاج. تبقى المعادلة جوهريًا من دون تغيير بالنسبة لحزب الله: فهو يريد الحفاظ على مكانته كجبهة ضغط دون الرغبة في إثارة تصعيد حقيقي سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة له سياسيًا وعسكريًا".
ويقول الباحث كريم المفتي يتجذر موقف إسرائيل المتطرف في الخوف من 7 تشرين الأول/أكتوبر اللبناني الذي سيأتي هذه المرة من حزب الله، وهو أقوى بكثير من حماس. وبينما تفكر إسرائيل بالفعل في مرحلة ما بعد غزة، فإن المسألة الوجودية المتمثلة في عودة عشرات الآلاف من النازحين إلى الحدود الشمالية ـ ولا يمكن تصورها ما دام التهديد من حزب الله يلوح في الأفق، ـ أصبحت ملحة.
وتحاول فرنسا بشكل خاص أداء دور الوسيط بين العدوين اللدودين في ما يتعلق بكيفية تطبيق القرار الرقم 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2006. ويقول كريم المفتي: "لقد قوبل هذا النهج بالرفض على نطاق واسع داخل حزب الله. والحقيقة أن حزب الله قد كرر أنه لن يقبل بأي مفاوضات ما دامت الحرب في غزة مشتعلة.
يبدو أن حزب الله يعتبر تصعيد العنف على الجانب الإسرائيلي بمثابة خدعة في الوقت الحالي، كما يوضح كريم المفتي. "حزب الله يدرك جيداً أن الجيش الإسرائيلي المنتشر بأعداد كبيرة في غزة لا يملك القدرات العسكرية الكافية لتخصيصها للجبهة الشمالية. علاوة على ذلك، فإن الدعم الأميركي في حالة انتشار الصراع في لبنان ليس مضموناً على الإطلاق"..
ولكن إلى متى يمكن الحفاظ على التوازن؟، الأيام القليلة المقبلة قد تكون حاسمة.