مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية تتحدّث عن عدم قدرة “إسرائيل" على تحقيق هدفها من الحرب على غزة، المتمثّل بـ"إبادة حركة حماس"، ويحاول "الجيش" الإسرائيلي بدلاً من ذلك "تدمير غزة"، موضحةً أنّه "من الصعب استخلاص أي نتيجة معقولة أخرى"، وذلك نظراً إلى الإحصائيات المروّعة التي تظهر يومياً من الأراضي الفلسطينية المحاصرة. في ما يلي النص مترجماً للعربية:
أول مبدأ في الحروب وأهمها بالنسبة إلى قادة الحملات العسكرية عبر التاريخ، هو تحديد "الهدف" السياسي بوضوح أمام الجنرالات والجنود، حتى يعرف الجميع ما يسعون إلى تحقيقه.
من سوء حظ "الجيش" الإسرائيلي، أنّه يفتقر إلى هذه البديهة في حربه على الفلسطينيين في غزة. فالهدف ليس واضحاً وكذلك إمكانية تحقيقه. وشعار القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة يواجه استحالةً، وبتعبير أدقّ، إنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يمضي في تعنّته الخطير نحو تحقيق هزيمة من بين فكي أوهام النصر.
عندما تحدّث الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الإسرائيليين خلال زيارة قصيرة بعد 12 يوماً من هجمات الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، قال إنّه و"العديد من الأميركيين" يفهمون "صدمة إسرائيل وألمها وغضبها". ثم أضاف محذّراً، "يجب تحقيق العدالة، لكنني أحذّر من هذا، بينما تشعرون بهذا الغضب، لا تستهلكوه، كما فعلنا حين كنا غاضبين في الولايات المتحدة بعد أحداث أيلول/سبتمبر الشهيرة حيث ارتكبنا أخطاء أيضاً".
مع ذلك، يبدو أنّ تحذير بايدن تجاهله نتنياهو بالكامل، ووجّه "جيش" الاحتلال نحو تدمير غزة وقتل سكانها وجعلها مكاناً لا يصلح للعيش، ومن الصعب استخلاص أي استنتاج آخر. حتى الآن، استُشهد أكثر من 22,000 مدني وجرح ما يصل إلى 50,000، وفقاً لإعلان وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. وقد نزح أكثر من مليوني شخص، وأصبح عشرات الآلاف بلا مأوى، ودُمّر العديد من المستشفيات والمدارس. ومما لا شك فيه أنّ مستوى التوحش الإسرائيلي الذي تعرّض له سكان غزة، سيعزّز التفاف الجمهور الفلسطيني حول المقاومة المتعاظمة في ميادين مواجهة "جيش" الاحتلال لا العكس، فيما يتمنى نتنياهو القضاء على حركة حماس.
اعتقد الإسرائيليون أنّ "الجيش" الإسرائيلي سيضرب حركة حماس بقوة وبسرعة، وينقذ الأسرى ويزعم أنّ المهمة أُنجزت. قد يتساءلون متى ستنتهي الحرب أخيراً، حتى نتنياهو يبدو غير قادر على تحديد موعد لانتهاء الصراع.
كذلك تدفع "إسرائيل" ثمناً باهظاً في عدوانها الإجرامي على غزة، إذ تعترف "تل أبيب" بمقتل ما يقرب من 700 من مجنّديها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو رقم أكبر من عدد الجنود الإنكليز الذين قتلوا خلال 8 سنوات من الحرب على العراق. كذلك، تُقدَّر التكلفة المالية للعدوان الإسرائيلي بنحو 50 مليار دولار.
التاريخ مليء بأمثلة على الحروب التي خسرت فيها القوة المهيمنة واضطرت إلى الانسحاب من الحرب في حالة يرثى لها، كما في الحرب المدعومة من حلف شمال الأطلسي في أفغانستان خلال العقدين الماضيين، حين لم يتمكن أكبر تحالف عسكري في التاريخ من تحقيق نصر واضح، وكذلك كانت النتائج في الحرب الكارثية على العراق.
يواجه الاحتلال الإسرائيلي الآن خطراً حقيقياً يتمثّل في خسارة عدوانه العسكري على غزة، ولم يصل إلى الحد الأدنى من تحقيق أي من أهداف حربه. كل ما فعلته "تل أبيب" حتى اللحظة هو التدمير وقتل الأبرياء، بدلاً من السعي للأمن الاستراتيجي.
هذه ليست وجهة نظر من الخارج فحسب، بل وجهة نظر إيهود باراك، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق، وكان أيضاً قائداً لنتنياهو عندما خدما معاً في قوات الاحتلال الخاصة.
في مقال لاذع في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، رأى باراك أنّه بدلاً من أن تكون حماس تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، تشكّل قيادة نتنياهو الخطر الأكبر على كيان الاحتلال، ويرجع هذا أساساً إلى رفضه التام لحل الدولتين لأزمة الصراع.
كذلك، دعا باراك إلى إجراء انتخابات مبكرة وقال صراحة، إنّه على الرغم من جهود الجنود، وبعد 15 أسبوعاً من القتال، إنّ حماس لم تهزم وعودة الأسرى صارت غامضة، وكتب: "لا يمكن للجيش الإسرائيلي تحسين احتمال الفوز عندما لا يكون هناك هدف سياسي محدد. وفي غياب هدف واقعي، سينتهي بنا المطاف إلى الغرق في مستنقع غزة، والقتال في وقت واحد في لبنان والضفة الغربية، ما يؤدي إلى تأكّل الدعم الأميركي وتعريض "اتفاقيات أبراهام" للخطر، وهذا النوع من السلوك يجرّ أمن إسرائيل إلى الهاوية".
لا شك في أنّ الحرب هي أكثر المساعي البشرية التي لا يمكن التنبؤ بها والأكثر خطورة، وهذا هو السبب في أنّ معظم القادة العسكريين العقلاء يميلون إلى تجنّبها بأي ثمن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّه بمجرد بدء الحروب يكون من الصعب جداً إنهاؤها.
تتصاعد الحرب على الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية، وتهدّد بالتوسع إلى حريق يشمل كل الأقاليم، وهذا احتمال حقيقي للغاية من زيادة الهجمات من اليمن والعراق ولبنان.
منظّر الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتس، يقول: "كل شيء في الحرب بسيط للغاية. لكن أبسط الأشياء قد تكون أصعبها". هذه الكلمات يمكن أن تطارد بسهولة قادة الاحتلال الإسرائيلي الذين يعتقدون أنّ تدمير المقاومة الفلسطينية المستحيل هو الطريق إلى النصر.