• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
تقدير موقف

على مدى الأشهر القليلة الماضية، أثارت التغييرات الموسعة في المؤسسة العسكرية الصينية تساؤلات عديدة حول قدرة الزعيم الصيني شي جين بينج على استئصال الفساد في القوات المسلحة وتحديث الجيش في البلاد؛ حيث تصاعدت حملة التطهير التي وصلت إلى حد إقالة وزير الدفاع، وعزل عشرات من كبار الشخصيات العسكرية الصينية – بشكل مفاجئ – من مناصبهم، وهو ما قد كشف عن وجود جملة من التحديات الهيكلية التي تواجه جيش التحرير الشعبي، والتي شجعت شي على اتخاذ مجموعة من التدابير، من شأنها استئصال تلك التحديات؛ وذلك تنفيذاً لوعوده التي أعلن عنها عند توليه السلطة عام 2013، وعلى رأسها محاربة الفساد، والدفع ببرنامج طموح لتحديث الجيش.

تحديات عميقة

ثمة أزمات متعددة تؤثر على أداء المؤسسة العسكرية الصينية، سواء داخلياً أو خارجياً، ويمكن تناول أبرزها على النحو التالي:

1- تصاعد شبهات الفساد داخل المؤسسة العسكرية: منذ توليه السلطة عام 2013، اتخذ شي مجموعة من السياسات والإجراءات التي من شأنها مواجهة ظاهرة الفساد في الجيش؛ وذلك على الرغم من أن البعض يعتقد أنه ربما يقوم أيضاً بإسقاط المعارضين السياسيين. واتساقاً مع حتمية محاربة الفساد، دأب شي مراراً وتكراراً على ربط الحملة ضد الفساد المستشري بمساعي تحسين الاستعداد القتالي للمؤسسة العسكرية.

وخلال يناير 2024، انتهى الاجتماع السنوي لمسؤولي مكافحة الفساد في بكين دون ذكر المسائل العسكرية علناً؛ حيث لم يتم تقديم أي تفسير لعملية إقالة الجنرالات الصينيين التي بدأت قبل أشهر، ويعتقد على نطاق واسع أنها تنطوي على تعاملات مشبوهة، وعلى رأسها الإطاحة بوزير الدفاع الجنرال لي شانج فو في أغسطس الماضي، وهو ما يبدو أكبر تغيير متعلق بالكسب غير المشروع في جيش التحرير الشعبي الصيني منذ سنوات؛ حيث أرجع العديد من الخبراء إقالته إلى أسباب متعلقة بتورطه في قضايا فساد.

هذا ولم يكتف شي بإقالة وزير الدفاع الصيني فحسب، بل وصلت التغييرات المفاجئة إلى كبار القيادات العسكرية الصينية خلال الأشهر الأخيرة؛ حيث استبعدت بكين تسعة ضباط رفيعي المستوى في جيش التحرير الشعبي من المجلس التشريعي الوطني، وجردت ثلاثة من كبار مسؤولي الدفاع من أدوارهم بصفتهم مستشارين حكوميين، ومن الذين تمت إقالتهم جنرالان كانا يقودان في السابق قوة الصواريخ الاستراتيجية الصينية، وقائد سابق للقوات الجوية، وأدميرال قاد القوات البحرية العاملة في بحر الصين الجنوبي، وهي نقطة جيوسياسية ساخنة؛ حيث تواجه الصين تهديدات بشكل متزايد من الولايات المتحدة وحلفائها، كما شارك بعض الضباط التسعة المعزولين في شراء الأسلحة، وهو مجال يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه عرضة للفساد.

2- تهديد كفاءة القوة الصاروخية الصينية: أشار تقرير لوكالة بلومبرج، نقلاً عن المخابرات الأمريكية، إلى أن الفساد العسكري في الصين موجود على نطاق واسع لدرجة أن "الصواريخ تم ملؤها بالماء بدلاً من الوقود، وأن العديد من الصوامع في غرب الصين بها أغطية لا تعمل بطريقة تسمح بإطلاق الصواريخ بشكل فعال"، وهو ما قد يفسر الدافع وراء الإطاحة بالعديد من كبار المسؤولين العسكريين بالقوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي المسؤولة عن ترسانة البلاد من الصواريخ التقليدية والاستراتيجية الأرضية، وإدارة تطوير المعدات التي تشتري الأسلحة وتختبرها، كما ذكرت بلومبرج أن المخابرات الأمريكية تعتقد أن حملة شي الأخيرة جاءت بعد أن أصبح من الواضح أن الفساد المستشري قد أضعف من جهود الاستعداد العسكري للصين.

ولعل ما يفسر اهتمام القيادة الصينية بسلاح الصواريخ أن هذا الجزء من الجيش بات يشرف الآن على أكبر ترسانة من الصواريخ الأرضية في العالم، ومن بينها مئات من صواريخ كروز التقليدية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، التي يقدر عددها الآن بنحو 300 و400 رأس حربي نووي، وفقاً لأحدث تقرير سنوي للبنتاجون عن القوات المسلحة الصينية، كما أن العديد منها مصمم لاستهداف السفن الأمريكية حال اندلاع حرب محتملة على تايوان؛ إذ سبق أن لعبت القوة الصاروخية دوراً رئيسياً في تدريبات الذخيرة الحية التي أجرتها الصين حول تايوان. ووفقاً للبنتاجون، فمن المتوقع أن تمتلك الصين ما يصل إلى 1500 رأس حربي بحلول عام 2035، وهو الموعد النهائي الذي حدده شي جين بينج "للتحديث الأساسي" لجيش التحرير الشعبي.

وعلى الرغم من عدم وجود أي مؤشر علني حتى الآن على إساءة استخدام الأموال من البرنامج الصاروخي الصيني؛ فإن مخططات الإنفاق العسكري الكبيرة كثيراً ما مكنت – بحسب بعض التقارير – من عمليات الاختلاس والعمولات وغيرها من الأنواع الأخرى للكسب غير المشروع. وبناءً على ذلك، استعان شي بأطراف خارجية من قوة الصواريخ الصينية بهدف تقويض شبكات المحسوبية داخل هذه المنظومة تحديداً، ولعل أبرزهم القائد الجديد لقوة الصواريخ الجنرال وانج هوبين، والمفوض السياسي الجديد للقوة الجنرال شو شيشينج.

3- اتهامات بالخيانة والتجسس لصالح واشنطن: لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقدرتها على التجسس على الصين؛ وذلك على الرغم من جهود الأخيرة في مجال التطهير الاستخباراتي؛ حيث سبق أن ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن بكين اقتلعت شبكة من العملاء الصينيين كانت تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية قبل عقد من الزمن. ومن جانبهم، يعتقد العديد من المسؤولين الأمريكيين أن الاستخبارات المضادة الصينية أنشأت أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لتعقب الجواسيس الأمريكيين المحتملين وغيرهم من المسؤولين الأجانب في بكين، لكن الولايات المتحدة أيضاً عززت جهودها الاستخباراتية، وضاعفت الإنفاق على الأنشطة الاستخباراتية في الصين منذ وصول بايدن إلى منصبه في عام 2021.

وبما أن الحكومة الصينية لم توضح رسمياً أسباب بعض التعديلات الوزارية والقيادية في الإدارة الصينية خلال الأشهر الماضية، تكهن البعض بأنه ربما تم الكشف عن أسرار عسكرية. وفي أكتوبر الماضي، صدر تقرير شامل عن تنظيم جيش التحرير الشعبي الصيني من قبل معهد دراسات الفضاء الجوي الصيني – وهو مركز أبحاث تابع للقوات الجوية الأمريكية – ما أثار الشكوك حول تسرب محتمل للمعلومات من داخل أوساط في الجيش الصيني. إضافة إلى ذلك، يعتقد بعض المحللين أن القوة الصاروخية الصينية تخضع لتدقيق خاص؛ لأن المعلومات الاستخباراتية الأمريكية المسربة والمنشورة رسمياً تكشف عن فهم شامل لهيكلها وقدراتها؛ ما يؤدي إلى مخاوف في بكين بشأن الجواسيس أو أصول المخابرات الأمريكية.

4- فجوة القدرات العسكرية مع واشنطن: على الرغم من أن الصين خطت خطوات كبيرة في تحديث جيشها، فإنها لا تزال تواجه فجوات في مجالات مثل الأسلحة العالية التقنية، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي مقارنة بالجيوش المتقدمة، مثل الولايات المتحدة. هذا وقد أشار تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة إلى أن "الفترة القصوى للخطر" التي يحاول فيها الجيش الصيني حصار تايوان أو بحر الصين الجنوبي، من المرجح أن تكون بين عامي 2026 و2028؛ لأن القدرات الصينية سوف تكون متقدمة بما فيه الكفاية بحلول ذلك الوقت، في حين أن الولايات المتحدة لن تكون لديها ردود جاهزة.

واللافت للنظر أن الصين تتباهى بامتلاكها أكبر جيش وبحرية على مستوى العالم، وثالث أضخم قوات جوية، وواحدة من أقوى ترساناتها من الصواريخ التقليدية، بما في ذلك بعض الصواريخ القادرة على ضرب القواعد الأمريكية في المحيط الهادئ. وفي الوقت ذاته، تشير أغلب التقديرات إلى أن جيش التحرير الشعبي لا يزال بعيداً عن الاستعداد للحرب مع الولايات المتحدة؛ فإذا أراد ضمان انتصاره في أي نزاع محتمل، وخاصة فيما يتعلق بتايوان، يتعين عليه أولاً التغلب على العديد من المشكلات القديمة، بما في ذلك هيكل القيادة المعقد، وعدم كفاية الخدمات اللوجستية، والافتقار إلى الخبرة القتالية؛ حيث إن بكين لم تخض حرباً منذ حرب فيتنام عام 1979، كما يتعين عليه أيضاً أن يواجه التحديات الجديدة، بما في ذلك الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، ودراسة القيود الأمريكية المفروضة على صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين، وندرة المجندين ذوي المهارات التكنولوجية.

5- محدودية الأصول العسكرية الخارجية: لقد ركزت استراتيجية الدفاع الصينية تاريخياً على الدفاع عن الأراضي الصينية الأقرب إلى الوطن، بيد أنه مع نمو قوتها العسكرية ومصالحها الخارجية، ركزت بكين على نشر الأصول العسكرية في أماكن أبعد في الخارج، بيد أنها أنشأت حتى الآن قاعدة عسكرية فعلية واحدة فقط في الخارج – في جيبوتي – وربما تعمل على إنشاء منشأة بحرية في كمبوديا، ولكن لا يزال هناك حدود حقيقية للمدى الذي قد تصل إليه الصين في استنساخ مثل هذه المنشآت العسكرية في الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين تفتقر إلى التحالفات العسكرية الرسمية، باستثناء حالة كوريا الشمالية، ومن غير المرجح أن تكتسب أي تحالفات عسكرية في المستقبل المنظور، وهو ما يفرض قيوداً كبيرة على قدرتها على إنشاء قوات عسكرية جادة خارج حدودها، ومن ثم تظل الصين في وضع تكتيكي غير مُؤاتً مقارنة بالولايات المتحدة، التي تحتفظ بشبكة مترامية الأطراف تتألف من مئات القواعد العسكرية في أكثر من 80 دولة حول العالم.

6- صعوبات التجنيد في الجيش الصيني: بالرغم من هدفه لاجتذاب المزيد من العناصر المقاتلة ذات القدرات التقنية المتميزة؛ فإن جيش التحرير الشعبي في واقع الأمر يكافح من أجل جذب العدد الكافي من المجندين ذوي المهارات التكنولوجية لتشغيل أسلحته الحديثة. وبالرغم من أن التعداد السكاني الوطني لعام 2020 أظهر أن نسبة أفراد جيش التحرير الشعبي الحاصلين على تعليم عالٍ ارتفعت إلى 57% مما يزيد قليلاً عن النصف في عام 2010، فإن ذلك كان أقل بكثير من هدف جيش التحرير الشعبي البالغ نحو 70%؛ وذلك في حين انخفضت في المقابل نسبة الحاصلين على شهادات الدراسات العليا.

فبالرغم من مبادرات الجيش لتوظيف المزيد من الخريجين، يختار العديد من أولئك الذين يتمتعون بالمهارات المطلوبة وظائف ذات أجور أعلى في القطاع الخاص وفي المجالات الصناعية المختلفة، أو قد يفضلون السفر إلى الخارج. وتفاقم وتيرة التحديث العسكري هذا التحدي؛ فقد أشارت الصحيفة الرسمية لجيش التحرير الشعبي في ديسمبر 2022، إلى أن البحرية الصينية لم يكن لديها العدد الكافي من الأفراد المدربين تدريباً كاملاً لتشغيل جميع سفنها الحربية الجديدة، وأطلقت على هذه الظاهرة اسم "المعدات التي تنتظر المواهب". وكان من نتيجة ما سبق، إجراء جيش التحرير الشعبي تعديلات جديدة منذ عام 2020؛ حيث بدأ في التجنيد مرتين في العام بدلاً من مرة واحدة فقط، محاولاً ضمان تدفق أكثر ثباتاً للقوات المدربة.

7- التنازع العسكري–المدني على هيكل القيادة: تأسس جيش التحرير الشعبي في عام 1927 تحت مسمى "الجيش الأحمر"، باعتباره الجناح المسلح للحزب الشيوعي الصيني، واستمر هذا الارتباط منذ ذلك الحين. ولأن قادة الحزب المدنيين لم يثقوا أبداً بالنخب العسكرية؛ فإن القرارات الرئيسية تتخذها دائماً لجان الحزب في جيش التحرير الشعبي، وكل منها يقوده ضابط سياسي (غالباً ما يسمى المفوض). يتمتع الضباط السياسيون من الناحية الفنية بسلطة متساوية للقادة، ولكن غالباً ما يكون لديهم نفوذ أكبر لأنهم يقودون لجان الحزب.

هذا مع الإشارة إلى أن معظم الوحدات الفردية (وكذلك السفن البحرية) لديها ضباط سياسيون، يراقبون الروح المعنوية ويشرفون على الترقيات، ولكن يمكنهم أيضاً التدخل في العمليات العسكرية والتحكم في القرارات الخاصة باستبدال القائد الذي يُقتل أو يُصاب؛ ما قد يتسبب في بعض أوجه التنازع على النفوذ بين السياسيين والعسكريين؛ الأمر الذي يتضاعف خطره في ساحات المعارك أو في حال مواجهة تهديد عسكري؛ وذلك مع فهم السياسيين المحدود للقضايا التشغيلية العسكرية المتخصصة.

ولكن بدلاً من معالجة هذا التداخل، حرص الرئيس "بينج" على إبقاء ودعم الغطاء السياسي لأنشطة الجيش، مع تأكيده الولاء السياسي للجيش واستمرار سيطرة الحزب عليه؛ وذلك بحسب النقاد؛ إذ لا يمكن للرئيس التخلي عن نظام المفوض، وهو يعلم جيداً أن أخطر التحديات المحتملة ستأتي من شخصيات عسكرية؛ وذلك بالرغم من آماله بشأن الجيش العالمي المؤثر.

8- ضغوطات سباق التسلح: في إطار تعقيدات سباق التسلح المتسارع بين القوى الكبرى، شهدت الصين تعزيزاً هائلاً لإمكانيات المؤسسة العسكرية خلال الأعوام الأخيرة، وهو ما يرجع جزئياً إلى ميزانيات الدفاع التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، وصلت إلى نحو 1.55 تريليون يوان؛ أي ما يعادل نحو 225 مليار دولار؛ وذلك وفقاً لمسودة تقرير الميزانية الصادر عن الاجتماع السنوي للمجلس، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، وهو ما يضيف المزيد من الضغوطات على الاقتصاد الصيني، الذي لا يزال يعاني من تبعات أزمة كورونا، وما لحقها من أزمات جيوسياسية وجيواقتصادية عميقة؛ وذلك في وقت تواجه فيه بكين مشاكل اقتصادية وتوترات متصاعدة مع الولايات المتحدة.

9- إحكام السيطرة على الوحدات العسكرية غير النظامية: ففي أواخر أكتوبر الماضي، أكدت وزارة الدفاع الصينية وجود حملة مستمرة لدمج وحدات القوات المسلحة الشعبية، أو ما تصفها بعض التقارير بالميليشيات، في الشركات المملوكة للدولة. ويقول بعض الخبراء إن هذه الحملة قد تسلط الضوء على جهود الصين للاستعداد لصراع محتمل بشأن تايوان، بينما يرى آخرون أن هناك صلة بين مخاوف السلطات الصينية بشأن الاضطرابات الاجتماعية مع ضعف الاقتصاد وبين الرغبة في فرض ضوابط أكثر صرامةً على المجتمع.

وخلال المؤتمر الصحفي الشهري للمتحدث باسم وزارة الدفاع "وو تشيان" في أكتوبر الماضي، أوضح أن وحدات القوات المسلحة الشعبية داخل الشركات المملوكة للدولة أصبحت أحد مكونات نظام الدفاع الوطني، وهي إدارة العمل المسلح للحزب داخل الشركات، فضلاً عن أنها ذراع التجنيد الحكومي داخل هذه الشركات.

10- الاعتماد على الموردين الأجانب: شكلت المحركات البحرية ومحركات الطائرات أكثر من 55% من واردات الصين من الأسلحة بين عامي 2017 و2022، وفقاً لمعهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، وكان ذلك مصدر قلق لجيش التحرير الشعبي حتى قبل الحرب في أوكرانيا؛ حيث يشكل ذلك مخاطر كبيرة في الحروب المستقبلية؛ إذ تستخدم العديد من سفن الجيش الصيني محركات أوكرانية أو فرنسية أو ألمانية مصنوعة بموجب ترخيص في الصين، وتستخدم العديد من الغواصات الصينية التي تعمل بالديزل والكهرباء محركات ألمانية أيضاً، في حين يُعتقد أن النماذج التي تعمل بالطاقة النووية تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الروسية.

وتزيد الحرب الأوكرانية هذه التحديات، مع تراجع كييف كمورد مستقبلي لبكين. وحتى إن كانت موسكو على استعداد لتقديم تكنولوجيا أكثر تقدماً؛ نظراً إلى اعتمادها المتزايد على الصين، فإن قدرتها على ذلك قد تضعف، وفي الوقت نفسه يتعرض الموردون الأوروبيون لضغوط أمريكية متزايدة لوقف توريد العناصر التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية. وقد أصبح ذلك واضحاً في العام الماضي عندما منعت ألمانيا تصدير محرك ألماني لغواصة صينية تم بيعها إلى تايلاند؛ ما كان سبباً في إلغاء الصفقة.

11- تضرر سمعة الصين كدولة مصدرة للأسلحة: كشفت بعض التقارير عن عيوب في المعدات الصينية المبيعة لدول مثل بنجلاديش وميانمار وباكستان ونيجيريا. وقد وجدت إحدى الدراسات الصينية للطائرات بدون طيار العسكرية في عام 2020 أن الطائرات المسيرة "غالباً ما تفشل في تلبية الاحتياجات القتالية الفعلية" بسبب أخطاء فنية.

وحتى إن اشتهر صانعو الأسلحة في جميع أنحاء العالم بتجاوز التكاليف والتأخير وعيوب الأسلحة، لكن الصين تواجه مشكلات إضافية؛ إذ كانت صناعتها الدفاعية مصممة على غرار صناعات الاتحاد السوفييتي، وهي لا تزال تحتفظ بالعديد من العيوب المماثلة، بما في ذلك البنية المجزأة للغاية التي وُلدت من الهوس بالسرية، مع تقسيمات صارمة بين وحدات البحث والإنتاج. وأيضاً فإن معاهد أبحاث الدفاع الصينية تتأثر بشدة بالتخطيط المركزي. ولا شك أن التنظيم المعقد والاحتكاك الداخلي الشديد يجعل المعاهد غير متوافقة مع الهدف الحديث المتمثل في تحقيق نتائج سريعة وعالية الجودة للمشروع.

تداعيات متباينة

قد تدفع التحديات السابقة إلى إحداث عدة تداعيات متباينة، يمكن تلخيصها على النحو الآتي:

1- إعاقة تطور القدرات العسكرية الصينية: فور وصوله إلى السلطة، أبدى شي جين بينج قلقه علناً بشأن تأثير الفساد على المهارات القتالية لجيش التحرير الشعبي؛ إذ صرح خلال حملته الكبيرة الأولى ضد الضباط عام 2014، بأنه "إذا كان الجيش فاسداً فلن يتمكن من القتال". أما من حيث احتمالية الحرب مع تايوان، فستلعب القوة الصاروخية دوراً كبيراً، سواء في شن الهجمات الصاروخية على الجزيرة أو في محاولة إبقاء واشنطن في مأزق، بيد أن وكالة بلومبرج قد أوضحت أن الفساد المنتشر في القوة الصاروخية والصناعات الدفاعية، قد يجعل من الصعب على "شي" أن يفكر في القيام بعمل عسكري كبير في السنوات المقبلة، ومن ثم سيتعطل تنفيذ المبادئ والتوجهات الصينية في هذا الصدد.

2- تكريس مبادئ الثقة على حساب الكفاءة: وصف المتحدث باسم وزارة الدفاع وو تشيان حملات الإقالات بين القيادات العسكرية بأنها أداة ترهيب تستخدم كمحاولة لضمان الولاء بين بقية الصفوف العسكرية في هيكل المؤسسة العسكرية الصينية؛ حيث يمكن أن يؤدي الافتقار إلى الرقابة والشفافية بسهولة إلى الفساد وسوء الإدارة. وفي الذكرى السنوية السادسة والتسعين لتأسيس جيش التحرير الشعبي، نشرت الصحيفة العسكرية الرسمية تعليقاً يدعو أفراد الجيش إلى الولاء والدعم والحماية والدفاع عن شي باعتباره "جوهر" الحزب الشيوعي.

ولعل أبرز مثال على ذلك، أنه يعد تعيين قادة جدد في قوة الصواريخ الصينية من أجزاء أخرى من الجيش خروجاً حاداً عن التقاليد العسكرية في الصين؛ فبينما يتمتع القائدان الجديدان لهذا الجناح العسكري بخلفيات بحرية وجوية، كان القائد السابق وأسلافه من داخل القوة الصاروخية، ومن ثم فإن هذا التغيير يعتبر أمراً شديد الخطورة؛ إذ تعد القوة الصاروخية هي الفرع الأكثر حساسية في جيش التحرير الشعبي الصيني، ومن ثم قد يكون لهذه الخطوة آثار سلبية – بالنسبة إلى بكين – على أي صراع محتمل بشأن تايوان؛ حيث إنه إذا لم يكن لدى شي ثقة بقادة القوة التي تعتبر مركزية للغاية في هذه الحرب، فإن ذلك سيؤثر بشدة على القرار بشأن الدخول في حرب في المقام الأول.

3- تشجيع الاستثمار في تطوير الجيش الصيني: في ضوء تزايد التهديدات المحيطة بالصين، يعتزم الرئيس الصيني تحديث أداء المؤسسة العسكرية، بما يسمح أن تصبح بلاده أكثر حزماً إزاء نزاعاتها الإقليمية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي؛ حيث تستثمر البحرية الصينية في الغواصات وحاملات الطائرات، في حين تقوم القوات الجوية بتطوير مقاتلات الشبح، كما يشكل خفض أعداد القوات المسلحة جزءاً من الإصلاحات التي طال انتظارها، بهدف التركيز على تطوير النوعية القتالية للجيش الصيني، ومن ثم زيادة احترافيته عالمياً.

هذا ويعتزم شي أيضاً إعادة رسم هيكل المنطقة العسكرية وإقامة هيكل قيادة عملياتية مشتركة، وهي خطوة أشار إليها الجيش الصيني سابقاً، وتهدف إلى المساعدة في التنسيق بين الأجزاء المختلفة لأنظمة الدفاع الصينية؛ إذ كانت بكين تتحرك بسرعة نحو تحديث معداتها العسكرية، لكن التكامل التشغيلي للأنظمة المعقدة والمتباينة عبر هيكل قيادة إقليمي كان ولا يزال يمثل تحدياً كبيراً لها.

4- تزايد حدة التنافس في تكنولوجيا التسلح مع الغرب: بطبيعة الحال، ستفرض الأزمات داخل الجيش الصيني، وخصوصاً فيما يتعلق بعمليات التسليح، إلى تحفيز التحركات المتسارعة من بكين لتطوير القدرات التسليحية والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تحديث الجيش الصيني، وهذا الأمر سيفضي إلى تزايد حدة التنافس حول تكنولوجيا التسلح مع الدول الغربية، وهو ما يعني أيضاً التوسع في فرض قيود على بعض التقنيات والتكنولوجيا الغربية التي يمكن أن تستفيد منها الصين.

5- تنامي الشكوك حول قدرة الجيش الصيني على غزو تايوان: بالرغم من تقدم الجيش الصيني في بعض القدرات، فإن هذا الجيش لا يزال يعاني من بعض التحديات والمشكلات في القوات والمعدات والخبرة وحتى هياكل القيادة اللازمة للثقة بالنصر في حال شن حرب على تايوان، فضلاً عن التحديات المستقاة من دروس الحرب الأوكرانية، وتحديات القيود الأمريكية على الصادرات العالية التقنية إلى الصين، وندرة المجندين المهرة تكنولوجياً؛ وذلك بجانب المشكلات اللوجستية، التي تثير الكثير من التساؤلات في الصين وأماكن أخرى حول إذا ما كان من الممكن أن يوفر جيش التحرير الشعبي الوقود والطعام والذخيرة والخدمات الطبية وغيرها من الدعم الحاسم الذي تحتاجه القوات للحفاظ على عملية الغزو التي قد تستمر لأسابيع، إن لم يكن لأشهر.

ختاماً، فإن التحديات التي تواجه المؤسسة العسكرية الصينية، وخاصة فيما يتعلق بتفشي الفساد وتراجع الكفاءة القتالية للجندي الصيني، من المرجح أن تبقى عقبات رئيسية في طريق مساعي التفوق العسكري الصيني عالمياً، وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ على وجه التحديد. ومن ناحية أخرى، لا يمكن إنكار الجهود التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج، من أجل مواجهة هذه التحديات، بل استئصالها من جذورها؛ وذلك في إطار خطته الطموحة لبناء جيش قوي ومتطور، قادر على تحقيق أهداف بلاده الخارجية، ولا سيما منحه الثقة بإمكانية بسط نفوذ بكين بالمنطقة، بل إعادة ضم تايوان إلى الأراضي الصينية من جديد.