قالت تقارير إسرائيلية إنه لن يكون مفر أمام البنوك الإسرائيلية إلا إغلاق حسابات المستوطنين، الذين فرضت عليهم الإدارة الأميركية عقوبات، بسبب جرائم ارتكبوها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، فيما قالت التقارير ذاتها، استنادا لتصريحات أميركية، إن القرار الذي شمل 4 مستوطنين قبل أقل من أسبوعين، قد يكون بداية قائمة سوداء بيد الإدارة الأميركية، فبنوك إسرائيلية كبيرة كانت قد تورطت قبل 10 سنوات بخروقات اقتصادية كلفتها غرامات ضخمة بلغ مقدارها 1.34 مليار دولار، دفعتها للسلطات الأميركية، وهي لن تغامر مجدداً.
على صعيد كلفة الحرب ضد قطاع غزة، فقد عدّلت وزارة المالية الإسرائيلية تقديراتها بشأن العجز في الموازنة العامة، الذي سيرتفع أكثر حتى العام 2027، ليصل بنسبة إجمالية إلى 20% خلال السنوات الخمس، 2023- 2027.
في خضم هذا خفضت شركة تدريج عالمية مكانة إسرائيل الاقتصادية، ما سيكبدها فوائد أعلى على ديونها، ويخفض ثقة المستثمرين بالاقتصاد الإسرائيلي.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أصدر مرسوما بالموافقة على فرض عقوبات على أربعة مستوطنين، وهم: يانون ليفي، وديفيد حاي حسداي، وشالوم زيخرمان، وعينان طنجيل، عقب هجماتهم على الفلسطينيين. والجهة الأميركية التي تراقب أملاك السكان الأجانب في وزارة المالية الأميركية تراقب هذه الأوامر، وتنشر الأسماء وتفاصيل العقوبات التي فرضت عليهم.
وكان بنك ليئومي أول من امتثل للأمر، وقرر تجميد حساب المستوطن يانون ليفي. وقد أثار ذلك رد فعل حادّاً وفوريّاً من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وأعضاء حزبه، خصوصاً الوزيرة أوريت ستروك، وعضو الكنيست تسفي سوكوت، حتى أن سموتريتش توجه إلى مراقب البنوك في بنك إسرائيل المركزي، وطالبه بإلغاء تجميد الحساب، بحجة أنه لا يوجد أي مبرر لتجميده، وأنه لا أساس في القانون يمكن أن يحرم المواطن الإسرائيلي من الوصول إلى أمواله.
وعندما أوضح المختصون للوزير أن هذه الأموال ليست تحت سيطرة الجهاز البنكي الإسرائيلي، وأن النظام المصرفي الإسرائيلي ملزم بالامتثال للقواعد الأميركية، قال سموتريتش إنه ينوي القيام بإجراءات بصفته وزير مالية. ولاحقا أعلن بنك البريد الرسمي، تجميد حساب يعود لأحد المستوطنين الأربعة.
وقال المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن سموتريتش سيلقي عبء القضية على رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، لأنه ليست لديه أي علاقات مع الإدارة الأميركية، إذ يُعد سموتريتش في واشنطن شخصية سياسية متطرفة وضارة. وقال الوزير خلال اجتماع لكتلة الصهيونية الدينية في الكنيست إن "الخطوة الأميركية تعد انتهاكا خطيرا لسيادة إسرائيل. وإن واجب ولاء البنوك هو قبل كل شيء لعملائها الإسرائيليين".
وتابع بيرتس: "لا يخفى على أحد أن الإدارة الأميركية تكره بشدة سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين تعتبرهما جهات متطرفة تزيد من مستوى التوتر في المنطقة. وتتذكر الإدارة جيداً مقولة سموتريتش ’أعتقد أنه ينبغي محو حوارة’، ورسالة بن غفير للمستوطنين ’سارعوا إلى التلال.. واستوطنوا فيها’".
تقديرات إسرائيلية بمعاقبة مستوطنين آخرين
تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن قرار فرض عقوبات على 4 مستوطنين هو مجرد بداية لفرض عقوبات على عدد أكبر لاحقا. وتستند هذه التقديرات إلى تصريحات متحدثين أميركان حول "احتمال توسيع العقوبات لتشمل ليس فقط المستوطنين الأربعة". فقد قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في إشارة لجرائم المستوطنين: "هذا يجب أن يتوقف. هذا غير مقبول. وهذا خطر على السلام والأمن، بالتأكيد في الضفة الغربية، ولكن أيضاً على الشعب الفلسطيني بأكمله".
وقالت صحيفة "كالكاليست" إن الرسالة التي نقلها جون كيربي في المؤتمر الصحافي هي أنه في أعقاب تصاعد الهجمات ضد الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أصبحت لدى الولايات المتحدة الآن أداة جديدة للضغط على إسرائيل لإنهاء العنف، حتى لو كان في هذه المرحلة أربعة أشخاص فقط متضمنين في القائمة السوداء. وبهذه الروح أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر أن هذه رسالة ليست للحكومة الإسرائيلية فحسب، بل أيضا للأشخاص المتورطين في أعمال العنف، بأن الولايات المتحدة تراقب من بعيد وستتخذ الإجراءات اللازمة. وشدد على أنه "من المستحيل أن نستنتج أن هذه هي نهاية الأمر، وأنها ستنتهي عند هؤلاء الأربعة".
ونقلت "كالكاليست" عن مسؤولين أميركان قولهم إن "الولايات المتحدة تعارض استمرار الأعمال التي تقوض الاستقرار في الضفة الغربية وآفاق السلام والأمن، لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. وبحسب الإعلان الرسمي، تشمل هذه الإجراءات هجمات يشنها مستوطنون إسرائيليون ضد الفلسطينيين، وهجمات يشنها فلسطينيون ضد الإسرائيليين".
وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها: "لا يوجد أي مبرر لعنف العناصر المتطرفة ضد المواطنين، بغض النظر عن أصلهم القومي وانتمائهم العرقي أو الديني". وأضافت: "لذلك تتخذ الولايات المتحدة خطوات جديدة للتصدي للأعمال التي تقوض السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية".
ورطة سابقة للبنوك في الولايات المتحدة
وكانت ثلاثة من أكبر البنوك الإسرائيلية قد تورطت مع سلطات الولايات المتحدة الأميركية في العام 2014، وتكبدت غرامات فرضت عليها لاحقا؛ وهي بنك هبوعليم أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك ليئومي، ثاني البنوك الإسرائيلية، وبنك مزراحي طفاحوت، الذي يُعد واحدا من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية.
تورطت هذه البنوك بعد تطبيقها تعديلا لقانون الضرائب الإسرائيلي، الذي تم إقراره في العام 2003، بمبادرة وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو؛ وكان ساريا مدةَ خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 عشرَ سنوات أخرى. ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج مدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج، وما شابه.
وكان هدف المُشرّع المُعلن هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل، في سنوات هجرتهم الأولى، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون في إسرائيل "دفيئة" للتهرب من دفع الضرائب وكان من بينهم مستثمرون أميركان كبار.
وتفجرت القضية أمام السلطات الأميركية في نهايات العام 2014، حينما تبين للسلطات الأميركية أن بنك ليئومي وبنوكاً إسرائيلية أخرى، قد تسترت على متهربي ضرائب أميركان، بين العامين 2002 و2010، وجميعهم من الأميركان اليهود، بفعل القانون إياه.
وتكبدت البنوك الثلاثة المذكورة غرامة إجمالية مجتمعة، مليار و340 مليون دولار، إذ تكبد بنك هبوعليم الغرامة الأضخم، بمقدار 875 مليون دولار، بعد أن اعترف بإخفاء أموال لـ 5500 مواطن أميركي بقيمة إجمالية وصلت إلى 7.6 مليار دولار. وتم تغريم بنك ليئومي بـ 270 مليون دولار، كحل وسط، مثل هبوعليم، فيما تكبد بنك مزراحي طفاحوت غرامة بـ 195 مليون دولار.
كلفة الحرب ستلاحق إسرائيل حتى 2027
أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية تعديل تقديراتها بشأن العجز في الموازنة العامة، للأعوام 2025 إلى 2027، بمعدل يزيد عن 3% من حجم الناتج العام سنويا، وهذا يعني زيادة سنوية بنسبة 2% عن العجز الذي كان مخططاً لهذه السنوات، عدا العجز الإجمالي المتوقع للعام الماضي 2023 والحالي 2024 معا، وهو بنسبة 11%. وهذا يعني أن العجز الإجمالي في الموازنة العامة في السنوات الخمس، من 2023 إلى 2027، سيصل إلى 20% من حجم الناتج العام، وهو ما يعني بموجب حجم الناتج العام الحالي، ما يقارب 400 مليار شيكل، أي حوالي 110 مليارات دولار.
ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس في صحيفة "ذي ماركر"، إن هذه التقديرات المتقلبة باستمرار إلى الأعلى، تعني أن حجم انعكاسات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي لا يزال غير واضح حتى الآن.
ويضيف بيرتس أن "هذا ليس بسبب الحرب فحسب، بل أيضا بسبب سياسة الميزانية المُسرفة وغير المسؤولة. كما أن البيئة الدولية مهمة أيضاً، لأن إسرائيل ذات اقتصاد منفتح وصغير الحجم، وتصدّر ربع إنتاجها. وتشير التوقعات إلى نمو معتدل للغاية في أوروبا، وتراجع النمو في الولايات المتحدة، وهما شريكانا التجاريان الرئيستان. لذلك من المتوقع أن يتم تحديث توقعات وزارة المالية الإسرائيلية في ما يتعلق بمستقبل العجز، وليس من الواضح في أي اتجاه".
وبحسب بيرتس "فإن عجزا سنويا بنسبة 3% يعد متوازناً، أي أنه لا يزيد الديْن العام ولا ينقصه. وترجع القفزة في العجز إلى زيادة النفقات وانخفاض الإيرادات الضريبية. لذا فإن المعنى الحقيقي لمخطط السنوات الثلاث المقبلة، المقدم في وثيقة الوزارة المالية، هو أن الديْن سيستمر في الارتفاع في السنوات الثلاث المقبلة، ولن يبدأ في الانخفاض إلا في العام 2027، أي في غضون أربع سنوات تقريباً من الآن".
وبموجب تقرير وزارة المالية، فإن جزءا من القفزة في العجز يعود إلى زيادة الديون التي يجب سدادها كل عام. إذ من المتوقع أن ترتفع مدفوعات الفوائد بنحو 7 مليارات إلى 13 مليار شيكل في السنوات الثلاث المقبلة، ويعود ذلك إلى زيادة حجم العجز والديْن نتيجة لخطة السنوات الثلاث. وجاء في تقرير الوزارة أن "الحرب وعواقبها طويلة المدى سبب أن بيئة أسعار الفائدة هي الأعلى منذ أكثر من عقد من الزمن". وقال بيرتس إن هذه هي الحلقة المفرغة: قفزة العجز تزيد الديْن الذي بدوره يزيد العجز في الموازنة العامة.
وتابع بيرتس: إن الزيادة في حجم الفوائد المدفوعة سنوياً ستقلل من نطاق الميزانية المتاحة لصرفها على الشؤون المدنية. وهذا يعني المزيد من الديون، والمزيد من مدفوعات الديون، وبالتالي ميزانيات أقل لأجهزة الصحة والتعليم والرفاه وغيرها. في حال طالت الحرب أكثر أو توسعت، فإن التقديرات ستتقلب، وبضمنها زيادة مدفوعات الديون والفوائد.
وكان بنك إسرائيل المركزي قد أصدر في كانون الثاني الماضي تقديرات أقل تفاؤلا، من تلك التي صدرت عن وزارة المالية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي، إذ يرى البنك أن العجز في العام 2025 المقبل سيكون 3.8% من حجم الناتج العام، بفارق 6 مليارات شيكل عن تقديرات وزارة المالية.
وبالرغم من هذا، فإن البنك يتوقع ارتفاعاً كبيراً في النمو الاقتصادي في العام المقبل 2025، يتجاوز 5%، وكما يبدو في خلفية هذه التقديرات أنه بعد انتهاء الحرب فإن الجمهور سينطلق في موجة استهلاك فردية وعائلية كبيرة، بعد فترة تراجع الاستهلاك الذي تشهده أشهر الحرب المستمرة.
تخفيض تدريج الاقتصاد الإسرائيلي
أعلنت الشركة العالمية "موديز" لتدريج متانة اقتصادات الدول أمام الاعتمادات الدولية، يوم الجمعة التاسع من شباط الجاري، تخفيض تدريج إسرائيل بدرجة واحدة، من A1 إلى A2، مع تقديرات مستقبلية سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، ورأى المحللون أنها مقدمة لتخفيض آخر سيليه، فيما ظهرت تخوفات من أن قرار "موديز" سيجر وراءه قرارا مشابها من شركتي التدريج العالميتين الأخريين، "ستاندرد أند فور"، و"فيتش".
وأجمعت التحليلات الاقتصادية الإسرائيلية على أن هذا القرار، غير المفاجئ، على ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية، هو نتاج سياسة الحكومة الاقتصادية، مع توجيه اتهام مباشر لشخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يعد نفسه "السيد اقتصاد".
واستخف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالقرار، مدعياً أن دوافعه سياسية، و"أن الاقتصاد الإسرائيلي قوي"، وكذا فعل أيضا نتنياهو الذي رد على القرار بقوله إن الاقتصاد الإسرائيلي متين، وإن القرار نابع من كون إسرائيل في حالة حرب.
وحسب التقديرات، فإن الانعكاس المباشر لهذا القرار سيكون ارتفاع الفوائد على الديون الإسرائيلية في العالم، ما سينتقص من ميزانية الدولة العامة، وأيضا سيردع مستثمرين كثراً من الدخول للاقتصاد الإسرائيلي على ضوء التقديرات السلبية لمستقبله.