على مدار الثلاثين عاما السابقة راج استخدام هذا المصطلح حل الدولتين ودولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش جنبا الى جنب مع "إسرائيل" على لسان رؤساء أمريكان وأوروبيين وساسة عرب.
الحقيقة والواقع أثبت أن هذا الطرح لم يكن سوى أكثر من ابر بنج مخدرة وفي اطار عملية خداع ممنهجة يطلقها الأمريكان ويرددها الببغاوات الأوروبيين وغيرهم لامتصاص أي نقمة أو تفريغ أي هبة فلسطينية من مضمونها، لكن الهدف الأسمى هو اعطاء كل الوقت للكيان الصهيوني لاستكمال وانفاذ مخططهم التدميري بقضم معظم أراضي الضفة الغربية وتهويد القدس والوصول الى النقطة التي لا يبقى أرض للتفاوض عليها والتمهيد لإعلان دولة المستوطنات كحقيقة راسخة على أرض الضفة والقدس، في العقل الصهيو-أمريكي تصفية القضية الفلسطينية من اي مضمون سياسي وتحويلها الى تجمع بشري يحتاج الى ادارات محلية وروابط قرى تحت المنظومة الادارية والأمنية الاسرائيلية هو فقط المتاح ومن لم يتماشى ويقبل باب الهجرة مفتوح وقد يمنح تسهيلات، فاليوم حكومة اليمين الليكودي المتحالفة مع عتاة المتشددين من الاحزاب الصهيونية الحرديم هي المنتج المثالي لتحقيق هذه الرؤية الاستراتيجية.
على الدوام عمل التحالف الصهيو-امريكي على إبقاء حالة التشرذم والانقسام الفلسطيني على حاله بل دعمه وتمكينه وصولا للحظة التي تتآكل معها الروح الوطنية وتحويل السلطة الفلسطينية الى وحدة وظيفية "الأمن مقابل المقاصة"، والسماح لأبو مازن بالسفر والتنقل والقاء خطابه المطول والذي يشخص المسألة الفلسطينية بكل أبعادها السنوي في الجمعية العامة ولكنهم في ذات للسياق يضعوا فيتو على المصالحة التي تجمع المقاومة والسياسة، وغزة معزولة عن العالم وشن عدوانات متكررة واستنزاف مستمر وحصار مطبق.
"طوفان الأقصى" ٧ أكتوبر وبعد اعلان الحرب من قبل الكيان الصهيوني وحليفته امريكا ودعم مطلق من الحلف الخماسي المانيا وايطاليا وبريطانيا وفرنسا على قطاع غزة، كانت رسالة غزة المقاومة لهؤلاء المجتمعين ان الحصار والموت والتجويع وتدنيس المقدس والقتل الممنهج في الضفة وغزة لم ولن يفت في عضض الشعب الحي والمقاومة الأمينة المؤتمنة والتي يلمز بأنها ليست أكثر من أداة أو ذراع لمحور، والحقيقة الساطعة أن قضية فلسطين بقدسيتها وعدالتها وأهميتها ومكانتها من جعل المحور يتمحور ويتطور ويتمدد.
فكان الضوء الأخضر والدعم اللامحدود من قبل أمريكا وحلفائه للكيان بفعل ما يشاء وإطلاق يده في غزة فرأينا حجم المجازر والتدمير الذي لم تشهده البشرية من قبل.
كل الوقت لم يحقق المأفون نتنياهو أي من أهدافه المعلنة، وحينما وصلوا أنه عجز وفشل بل سيق لمحكمة العدل الدولية كمجرم حرب ومتهم بارتكاب مجازر مروعة "ابادة جماعية" لحجم المصائب التي انجزها، وبعدما تعالت أصوات المنظمات الأممية والحقوقية وعمت المظاهرات والاحتجاجات كافة المدن العالمية المنددة بحجم الكوارث والمجازر الغير مسبوقة في التاريخ البشري ضد شعب أعزل.
استدارت الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها بايدن وأركان حكومته صحافيين ومسؤولين سابقين كتوماس فريدمان ومارتن اندك ودنيس رووس بالطواف على المدن العالمية والعربية وإعادة طرح المعزوفة دولة فلسطينية الجديد تحديد سماتها منزوعة السلاح أو استحداث نمط جديد يتلاءم مع متطلبات أمن الكيان الصهيوني، بعيدة كل البعد عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير شكل حكمه وسيادته وتقرير مصيره.
في هذا السياق لابد من الإشارة الى النقاط التالية:
المنطقة اليوم ليست المنطقة ولا العالم هو العالم - وأن بدا الأمر على ما هو- الذي كانت تسود فيه العصا الغليظة الأمريكية ويد اسرائيل المطلقة في الشرق الأوسط تبطش كما تشاء وتجد الغطاء والدعم، اليوم العالم على صفيح ساخن وأمريكا اليوم التربص بها قائم والمنازلة الكبرى بينها والصين وتحالفات مع كل طرف قادمة لا محالة وما الحرب الروسية الأوكرانية، وطوفان الاقصى وما تبعهما من أحداث سواء في البحر الأحمر والبحر العربي من استهداف لحركة الملاحة البحرية وما يجري في لبنان وسوريا والعراق إلا مقدمات لمثل هذه الأوضاع كل هذا لا يعطيها الصلاحية لتقرر ما تشاء وكيف تشاء.
وعليه أي عرض يقوم على تجريم المقاومة الفلسطينية واظهارها انها السبب وراء ما حصل لغزة من دمار شامل، وعنصر توتر وازعاج للمنطقة وتهديد للكيان الصهيوني والمنطقة، ليس فقط يجافي الحقيقة بل يتصارع معها وينفي حق الشعوب المحتلة في المقاومة والتحرر، وهذا يؤكد ان منطق الخداع والنفاق والكذب وبيع الوهم والسراب وتعقيد المسائل وادامة الصراع للوصول الى تصفية القضية وتجريدها من أهم الاوراق الذي بذلت عقود لامتلاكه ألا وهو عنصر القوة، هكذا خيار قد سحب من التداول والى غير رجعة وما سطرته المقاومة في كل مواقعها من أعمال مذهلة ولا زالت يبرهن أنه الطريق الأقوم والأفضل.
"طوفان الاقصى" رسالة لكل من يعنيه الأمر ان انجاز المقاومة في غزة وساحات أخرى يؤهل بفتح الباب على مصراعيه انه آن الآوان لحل عادل مشرف ينصف الشعب الفلسطيني في تأسيس دولة على أساس قرار التقسيم الأممي ١٨١ لعام ١٩٤٧م الذى نص على تأسيس دولتين والذى بموجبه قامت دولة الكيان، تحفظ له كرامته وسيادته وأمنه ومتاحا لكل فلسطيني الأرض ولا أحد في الدنيا يملي عليها شروط ولا خرائط ولا نماذج بغية ضمان أمن الكيان الصهيوني، وهذا يتحقق من خلال السرعة وعدم التسويف في ترميم البيت الفلسطيني الداخلي والتوافق على أن الظروف الاقليمية والدولية اليوم تستوعب بل وترى أن مفتاح السلام والحرب من فلسطين، لذا التعامل مع هكذا مستجدات يصبح بحكم الفريضة الشرعية والضرورة الوطنية، وهذا يستدعي الاقرار بان كل المراهنات على الشرعية الدولية في السابق عبارة عن خداع وسراب، وأن مغادرة الكفاح المسلح كان خطأ، وتثبيت قاعدة انه مهما بلغت درجة الخصومة السياسية فالتخوين والشيطنة والإقصاء والهيمنة والاقتتال مفردات ليس فقط المطلوب شطبها وإلغائها بل الندم كل الندم على فعلها، وتكريس قاعدة الشعب الواحد والهدف الواحد والمصير المشترك والعدو واحد نحيا جميعا ونموت جميعا والحرص كل الحرص من الوقوع في شرك المناكفات في هذا الظرف الحساس والدقيق الذي يتعرض الشعب والقضية الى إبادة وما لاءات نتنياهو وخطته ورؤيته وحكومته الا خير شاهد، بل تعزيز كل ما من شأنه رأب الصدع ووقف كل أشكال التعاون مع المحتل، نقاط القوة اليوم تتمثل في التصدع داخل كيان العدو وتعقيد لم يسبق له مثيل نعم في إجماع على الحرب وهذا مرده عقدة الخوف لديهم، وما تشدد نتنياهو في استمرار الحرب الا ليقينه ان التحولات بدأت لذا سارع الى عقد الكنيست ليرفض الاعتراف بأي طريقة قيام دولة فلسطينية لأنه يعرف يقينا ان حصول هكذا طرح قد انتهى دور اسرائيل الوظيفي؟!، ويريد استمرار النهج السابق المفاوضات المباشرة ولا يحق لأحد التدخل لكسب ثلاثين عاما قادمة؟.
تبدد السردية والمظلومية التي عاش الصهاينة ينعمون بها على مدار عقود بأنهم ضحية، اليوم سيقوا لمحكمة العدل الدولية كمجرمي حرب ومرتكبي مجاز ابادة جماعية.
نفاق منظومة الدول الكبرى التي تدعي أنها تمثل الشرعية الدولية وتبنيها الإبادة الجماعية فضحها ودعمها المطلق للصهاينة في حربهم على غزة، امام شعوبها وما المظاهرات والاحتجاجات إلا أكبر دليل. معزوفة أمريكيا والغرب والحديث الأمريكي الأوروبي عن دولة فلسطينية يجب أن يلتقط ويفعل ويلزمهم في إطار جدول زمني وخطة ملزمة بدل من استمرار مسلسل الخداع وبيع السراب.
إن التوافق الفلسطيني -الفلسطيني هو كلمة السر وهو ما سيوظف هذا الاجماع العربي والإسلامي للوقوف بجانبه وليس على الحياد ويجعل حتى لمبادرته العربية والتي أقرتها القمة الاسلامية العربية قيمة وتترجم على الأرض.
الشعب الفلسطيني أقلع ولن يتراجع والمقاومة الممتدة لقرن بأشكال مختلفة والتي لم تتوقف ليست تنظيم بل هي كالتيار الكهربائي يسري في عروق أبنائه الذين يتوقون للحرية والكرامة ومعهم أبناء أمتهم الذين وقفوا معهم ولا زالوا وما خذلوهم بل كانوا سندا وعونا والأحداث برهنت والوقائع تشهد والتاريخ يسجل والمقاومة مستمرة.
لا بد من الانتباه والحذر بأن العالم الظالم اليوم مجمع على الالتفاف على انجازات طوفان الأقصى والصمود الأسطوري والمقاومة المظفرة وتفريغها من مضمونها ووحدة الساحات من أصلها والعودة بالقضية والمنطقة الى حالة التيه والتشرذم وابقاء الكيان قويا فتيا ودمجه في المنطقة وقفزا عن فلسطين قضيتا وشعبا.
وحدة الشعب الفلسطيني ومعه الاجماع العربي الإسلامي والشرفاء في هذا العالم ما سيجبر كل الطغاة على التراجع والاقرار بأن فلسطين لن تشطب عن الخارطة ولن تكون سلعة تباع وتشترى في البزار السياسي بعد اليوم، وتحويل الوهم الى حقيقة وتجسيد قيام الدولة الفلسطينية السيدة والحرة وتكون القدس عاصمة فلسطين والعاصمة الرمزية لكل الامة الاسلامية اليوم عاد متاح وقابل للتحقق بفضل الله اولا ثم بعظمة التضحيات الجسام والصمود والعطاء الذي قل نظيره في هذا العالم.