معركة (طوفان الأقصى) التي انطلقت في السابع من تشرين الاول 2023 تختلف كثيرا عن المعارك الخمس السابقة، التي خاضتها غزة مع العدو الصهيوني وذلك لأنها لم تكن معركة (ردة فعل) على جرائم العدو الصهيوني، انما معركة تم التخطيط لها في اليوم والساعة والدقيقة، على طريق تحرير كامل الارض الفلسطينية المحتلة وفي هذا يقول "محمد ضيف " قائد الأركان في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والمخطط للمعركة (أن اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض)، داعيا الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48 للانضمام إلى هذه الحرب بكل ما يملكون من أسلحة نارية وأسلحة بيضاء!
اذن هذه هي المرة الاولى التي تقود فيها المقاومة الفلسطينية بغزة معركة تحرير شاملة، وحتما تكون قد اعدت نفسها لمثل هذه (المعركة)، ليس في البعد العسكري فقط انما في البعد الاعلامي والسياسي والاقتصادي والجماهيري.
في موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، نشر سعيد ماركوس تينوريو، وهو مؤرخ ومتخصص في العلاقات الدولية، مقالا مما جاء فيه: (معركة "طوفان الأقصى" هي المواجهة التي كان لا بد منها ضد العدو، وجاءت في وقتها المناسب، وهي الرد الذي كان لا بد منه بعد 76 عاماً من الاحتلال. الحرب على غزة هي وضع لا مخرج للكيان الصهيوني منه. لقد كانت ضربة حاسمة، وجرحاً لن يلتئم ولن تستطيع حتى الإمبريالية انقاذ إسرائيل).
النص اعلاه وبعد مضي (257) يوما على المعركة وفشل جميع محاولات العدو في تغيير معادلة المعركة لصالحه، يؤكد انها معركة وجود.
الذين وجهوا الانتقاد الى (محاور المقاومة) المشاركة في معركة (طوفان الاقصى) قليلون، وليس لهم تأثير مباشر، على سياق المعركة ولا على المقاومة، مما يوكد ان معركة "طوفان الاقصى" ممثلة لجميع ابناء الامة وأنها جاءت في ظرف تاريخي قد اكتملت فيه الاستعدادات لخوض غمارها.
يقول السيد حسن نصر الله في الشهر الثالث من عام 2023 بلقاء جمعه مع نخبة من الكتاب والمحللين السياسيين في بيروت (اود ان اخبركم باننا قد أكملنا الاستعدادات لخوض المنازلة الكبرى مع العدو الصهيوني) وأكمل (وإذا ارادت امريكا ان تتدخل فـ (اهله وسهله!).
هذا يعني ان معركة (طوفان الاقصى) كانت التحضيرات جاهزة لها، ليس في غزة لوحدها انما بجميع المحاور الأخرى.
في اليوم الثاني لمعركة (طوفان الاقصى) التي انطلقت في السابع من تشرين عام 2023، دخل حزب الله لبنان معركة (الاسناد) لغزة، وفي جميع البيانات التي تعقب العمليات التي يقوم بها داخل الارض المحتلة يؤكد (دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة)، بمعنى ان (معركة غزة) هي (الاصل) في جوهر الحرب، وان الواجب الشرعي للمقاومة يقضي بهذا الاسناد انتصارا لإرادة الامة، في استعادة الكرامة وتحرير الارض والمقدسات وعودة الشعب الفلسطيني الى ارضه.
هناك سؤال يتم تداوله من قبل (المعارضة) في لبنان؛ -اسرائيل لم تهاجمنا فلماذا نهاجمها ونكون طرفا في حرب بعيدة عن اراضينا ونعرض بلدنا (لبنان) للخطر؟
خاضت (غزة) خمس معارك مع العدو الصهيوني قبل معركة (طوفان الاقصى) ولم يشترك حزب الله لبنان بهذه المعارك الخمس، رغم تفاعله مع المعارك واسنادها اعلاميا.
هذا الامر ايضا ينطبق على (أنصار الله) الحوثيين في اليمن، حيث لم يشاركوا في معارك غزة السابقة لكنهم كانوا يتابعون الاحداث ويخرجون بتظاهرات دعم واسناد.
المقاومة بالعراق لم تشترك ايضا بمعارك غزة السابقة، فيما اعلامها وتصريحات قياداتها داعمة لتلك المعارك ومساندة. هذا الامر يتمدد على كل محاور المقاومة.
ما يلفت النظر ان فصائل المقاومة جميعها اتفقت للمشاركة العسكرية في معركة (طوفان الاقصى)، ولديها علم بان هناك من سوف يحرجها في سؤال بشأن (المشاركة) باعتبار انها ليست حربا مباشرة مع دول المقاومة انما في داخل الارض المحتلة.
والسؤال الاخر: ماذا لو انفرد الجيش الاسرائيلي بغزة؟
لا شك ان المقاومة بغزة اعدت نفسها لكل الاحتمالات فسبق ان خاضت خمس معارك مع العدو الصهيوني وبإمكانيات اقل على كافة الصعد، واعطت الكثير من الشهداء وتحملت القتل والهدم والدمار.
وسواء كانت معركة (طوفان الاقصى) تمت بالتنسيق مع بقية محاور المقاومة او (اجتهدت) بها (حماس) فإنها (معركة فاصلة) وان الانخراط بها توجبه قيم الامة التي نؤمن بها جميعا والتي واحدة من اولوياتها (نصرة الشعب الفلسطيني) وإذا كنا قد تحدثنا عن (استعدادات) المقاومة لخوض غمار المعركة، فهل ان الظرف التاريخي سواء بالمنطقة او العالم يصب لصالح (معركة طوفان الاقصى) او بالضد منها؟
التاريخ يعلمنا ان اي حدث تاريخي، لا يكتب له النجاح إذا لم تكن الظروف لصالحه. الجواب على ذلك تؤكده الوقائع التي اعقبت معركة طوفان الاقصى حيث الدعم الدولي سواء في ادانة جرائم الاحتلال او بالاحتجاجات والمظاهرات الداعمة من اقصى الارض الى اقصاه، لتجد اسرائيل نفسها (وحيدة) مدانة من اهل الارض جميعا، ولم تبق لها سوى امريكا التي تراوح في أرجلها وهي تتلقى الادانات والاعتراضات من كل مكان بما في ذلك في الداخل الاميركي.
ربما لم يتصور كثيرون مثل هذه المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية، بما في ذلك الصهاينة الذين كانت ردود مسؤوليهم عليها (متخبطة) وصولا الى (الشتيمة) والوعيد.
معركة (طوفان الاقصى) التي اتفق طرفاها (المقاومة والكيان الصهيوني) على تسميتها بمعركة (الوجود) طال امدها لتكون الاطول في كل الحروب التي خاضتها اسرائيل، ولم يعد بإمكان الاخيرة ايقافها وفق مقاساتها، فإنهاء الحرب بالنسبة لإسرائيل يعني (الغاء) السردية الاسرائيلية التي عنوانها (اسرائيل القوية عسكريا وسياسيا واقتصاديا والقادرة ان تلوي رقبة القرارات الدولية كيفما تشاء وتهوى مدعومة بعمق استراتيجي امريكي غربي وشركات كبرى عالمية).
الان ليس لإسرائيل سوى قبول التفاوض الذي طالما حاولت ان تقفز عليه مستخدمة كل اوراقها الداخلية والخارجية، ومستنفرة البعيد والقريب من الاصدقاء فوجدت نفسها اخيرا في محيط ضيق يفضي الى التفاوض ويقود الى المستقبل المجهول.
علينا ان نذكّر بأمر مهم، ان الولايات المتحدة طالما حاولت ومازالت تحاول في ان تفصل (لبنان والعراق وسوريا واليمن) عن (المشاركة) في معركة طوفان الاقصى وارسلت المزيد من المبعوثين لدول المقاومة، فاصطدموا بعبارة (لا تفاوض حتى تنتهي معركة "طوفان الاقصى" ويعلن عن وقف إطلاق النار!)، ترى لماذا تصر محاور المقاومة جميعها على ان (لا تترك غزة تقاتل لوحدها)؟
مبادئ وقيم عمل المقاومة لم تتشكل عبر سنوات قليلة، انما هي اعوام من الحروب والمواجهات والتضحيات والصبر والمواكبة والعمل الدؤوب سواء في الجانب العسكري او الاقتصادي او السياسي او القيمي على مدى عمر المواجهة مع العدو الصهيوني منذ عام 1943 (عام الاحتلال) وحتى يومنا هذا فانتج عقيدة راسخة ومبادئ سامية ومواثيق رصينة، تؤمن بالآية الكريمة :(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وبالوحدة قال سبحانه: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
السؤال الذي يتبادر الى الذهن فيما إذا تم وقف إطلاق النار في غزة وجرى التفاوض حتما فان الكيان الصهيوني مازالت مراجله تغلي اتجاه (حزب الله لبنان) لأنه يرى فيه سببا بهزيمته، وسيحاول ان يزج بكل ما يمتلك من قوة صوب حدوده الشمالية، فهل ستترك فصائل المقاومة لبنان يتفرد بها العدو الصهيوني؟
من الناحية العسكرية فإن حزب الله اعد نفسه للمعركة مع العدو الصهيوني بمفرده بما يملك من العدة التي تؤهله لخوض المعركة طويلة الامد، وقد شهد بحقه العدو والصديق بانه بأقل الامكانيات طرد الجيش الصهيوني عن ارض لبنان فكيف وأصبح يمتلك ترسانة من الاسلحة والعتاد والتدريب والتأهيل.
يقول سعيد ماركوس تينوريو، في موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، وهو يتحدث عن قدرة "إسرائيل" على مواجهة حزب الله وشنّ حرب على لبنان (إنّ الهجوم على لبنان سيتسبب في كارثة لوجود "إسرائيل"، التي أثبتت بالفعل عجزها عن شن حرب واسعة النطاق ضد عدو أقوى من حماس، يتمتع بقدرة عسكرية كبيرة، ومقاتلين مسلمين ومسيحيين مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل قضية تقوم على العدالة ومكافحة الظلم).
لكن رغم هذا فان محاور المقاومة الاخرى لن تترك حزب الله يقاتل لوحده حيث أكد وزير الخارجية الايراني بالنيابة باقري كني أنه إذا كان للصهاينة عقل فلن يلقوا بأنفسهم من حفرة غزة إلى بئر لبنان، وقال: لبنان سيكون جحيماً بلا عودة للصهاينة.
يقول نائب الامين العام لحزب الله لبنان الشيخ نعيم قاسم (قاعدة العمل عند حزب الله أن الأولوية هي مقاومة إسرائيل لإزالتها من الوجود)، اذن (الصهاينة) يعلمون ان (استراتيجية) المقاومة ازالتهم من (الوجود) وليس فقط، المرابطة عند حدود الارض المحتلة للدفاع عن النفس انما هي (معركة وجود) وحتما (اسرائيل) تقدر ذلك خاصة وان العديد من مفكريها باتوا يعودون الى ادبياتهم القديمة التي تؤكد قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدين في ذلك بـ"التاريخ اليهودي" الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة.!
اذن من يفكر ان بهاجم اي طرف لمحور المقاومة عليه ان يفكر بأمرين الأول:
انخراط بقية المحاور بالقتال بالضد منه، والثاني انضمام محاور اخرى للان لم تدخل.
يقول الرئيس الفرنسي ماكرون معلقا على احتمالية نشوب حرب بين اسرائيل ولبنان (نبذل جهودا مضاعفة لتجنب انفجار إقليمي، وخصوصا في لبنان)، بمعنى عندما تشتعل الحرب بين لبنان واسرائيل ستشتعل (المنطقة)! ترى ماذا تعني (المنطقة) في مفهومهم؟ وكيف إذا انتخى السيد حسن نصر الله، جماهير الامة -برمزيته المعروفة مرددا الآية (قاتلوهم حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدين كله لِلَّهِ)؟