نظرًا إلى طبيعة التطورات المتسارعة، وفي محاولة لاستشراف مسارات التحولات الجارية في المنطقة والعالم على ضوء طوفاني الأقصى والوعد الصادق، وتداعياتهما الإستراتيجيّة سياسيًّا واقتصاديًا واعلاميًا وثقافيًا واجتماعيًا.... نظمت الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين حلقة نقاش تتناول المتغيرات المتصلة بالبعد العسكري بعنوان:
"الأبعاد الاستراتيجية لتدخل دول محور المقاومة وحركاتها عسكريًا نصرةً لغزة، وتأثيراته"
وذلك ضمن عناوين أساسية هي:
ـ أي أدوار جديدة أرستها عمليتا طوفان الأقصى والوعد الصادق على المستوى الأمني العسكري الإستراتيجي؟
ـ أي معادلات استراتيجية أمنية ـ عسكرية أسّس لها طوفان الأقصى والوعد الصادق في مواجهة المشروع الصهيو أميركي في المنطقة والعالم؟
ـ هل حقق تدخل محور المقاومة عسكريًا التوازن الاستراتيجي في مناهضة المشروع الصهيو أميركي في فلسطين؟
ـ ما مصير عقيدة الكيان الغاصب الأمنية العسكرية على ضوء طوفاني الأقصى والوعد الصادق؟
ـ كيف يمكن لإستراتيجية التدخل أن تتكيف مع ما يمكن أن تؤول إليه ترتيبات ما بعد الحرب، والتحديات التي ستفرضها، وسبل المواجهة؟
أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
الزمان |
نهار الاثنين 1\7\2024 الحادية عشرة صباحًا بتوقيت بيروت لغاية الواحدة والربع ظهرًا. |
المكان |
مكتب الرابطة: لبنان- بيروت - حي معوض – فوق مبنى قناة العهد الفضائية ـ بناية الروضة 3 – ط 1 |
المشاركون السادة |
|
1 |
ـ عضو الرابطة العميد المتقاعد الياس فرحات. |
2 |
ـ عضو الرابطة العميد الركن المتقاعد د. أمين حطيط |
3 |
عضو الرابطة العميد الركن المتقاعد بهاء حلال |
4 |
عضو الرابطة العميد المتقاعد شارل أبي نادر |
5 |
ـ عضو الرابطة الأستاذ علي حيدر |
6 |
أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط. |
ثانيًا: مجريات اللقاء
بداية رحّبت أمينة سر الرّابطة د. وفاء حطيط بالمشاركين؛ ثم تولى العميد الأستاذ الياس فرحات إدارة النقاش بتقديم مداخلة تمهيدية، أعقبها نقاش أوراق العمل المقدّمة إلى الحلقة.
المداخلات:
العميد المتقاعد الأستاذ الياس فرحات
إن طوفان الأقصى عملية لم تأت من فراغ كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ بل هي نتيجة احتلال وظلم وتراكمات لفترة 75 عامًا؛ فالتاريخ لم يبدأ في 7 اكتوبر كما تقول السياسة ووسائل الإعلام في الغرب. وليس بعيدًا في الماضي مسيرات العودة في غزة عام 2018 التي شهدت سقوط أكثر من 150 شهيدًا، وإصابة المئات بجراح. فضلًا عن حروب غزة: 2007 ـ 2012 ـ 2014 ـ 2021 التي دمرت وقتلت في القطاع المحاصر منذ العام 2007. وبالتالي لم يكن أمام المقاومة إلا رمي قنبلة في المناخ العربي والإسلامي الآسن لقلب الأوضاع واعادة القضية الفلسطينية الى واجهة الاحداث.
باختصار مارست قيادة حماس أذكى أنواع الخداع الاستراتيجي، فقد جعلت العدو يسترخي، ويصاب بأمراض الروتين والإهمال وعدم الاكتراث، ثم سددت ضربتها القوية فجر 7 اكتوبر بمجموعات من المقاومين لا يحمل أي منهم هاتفًا جوالًا، بل ساروا وفق الخطة.
أما عملية الوعد الصادق فهي عملية طال انتظارها منذ أن كثرت التحرشات الاسرائيلية بمستشاري الحرس الثوري الإسلامي في سوريا. فتطاولت على أماكن سكنهم مرات عديدة وقتلت عددًا من خيرة القادة الذين ساعدوا المقاومة في لبنان، وساعدوا الجيش العربي السوري في حربه مع تنظيم القاعدة في بلاد الشام جبهة النصرة ومع داعش. كانت إيران تهدد وتتوعد وتحبس أنفاسها. وعندما بلغ الأمر مستوى قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وهي في القانون الدولي أرض إيرانية كان لابد من الرد، ومن إيران مباشرة؛ فكانت عملية الوعد الصادق التي أطلقت إيران من أراضيها 110 صواريخ بالستية و36 صاروخ جو اي كروز و185 مسيرة. شهد العالم في تلك الليلة انحباسًا وتوترًا غير مسبوق انتظارًا لأول عملية قصف بمثل هذه الأسلحة من أراضي الدولة إلى الهدف: أي اسرائيل. استنفرت الولايات المتحدة للدفاع عنها، وتولى قائد القيادة الوسطى انشاء مقر قيادة الية للدفاع الجوي يضم صواريخ الدفاع الجوي الأميركية من القواعد والسفن الحربية والبريطانية، والقواعد الموجودة في قبرص، والفرنسية والألمانية والأردن، وقيل في ما بعد من السعودية. طبعًا قد يتكرر الهجوم لكن من الصعب أن يتكرر مثل هذا الدفاع.
وفي جبهات الإسناد التي لم يتوقعها العدو، وفاجأته وفاجأت العالم فقد خلقت جبهة لبنان إرباكًا للعدو، وحشدًا للقوات في الشمال، ونزوح نحو مئة ألف تحولوا إلى مشكلة ضاغطة. ولدينا جبهة اليمن التي أغلقت ميناء ايلات، وقريبًا تغلق موانئ المتوسط العدوة بعد توسيع الملاحقة. وقد تضرر الاقتصاد العالمي مع المسافات الطويلة التي أُجبرت السفن على اجتيازها عبر رأس الرجاء الصالح. وباتت الملاحة في بحر العرب وباب المندب والبحر الأحمر تحت سيطرة اليمن. وهو ما استتبع عملية حارس الازدهار التي أطلقها وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن وفشلت، كما استتبعت القصف الاميركي البريطاني لأهداف في اليمن، ومع ذلك لم يتوقف نشاط القوات البحرية اليمنية.
وأختم بالإشارة إلى نقطتين:
ـ موضوع تهجير أهل غزة لايزال مطروحًا وعقد العدو الإسرائيلي مؤخرًا مؤتمرًا خصصه لمناقشة الاستيطان في غزة.
ـ لايزال التوازن العسكري الاستراتيجي مختل لصالح إسرائيل؛ ولكن محور المقاومة بدوله وحركاته أرسى معادلة الردع المتبادل، وضرب في الوقت نفسه منظومة العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
ورقة عمل العميد الركن المتقاعد د. أمين حطيط:
طوفان الأقصى: اجهاض أوهام إسرائيل وتثبيت حقائق المقاومة.
قامت إسرائيل علي منطق القوة التي لا تستند الى حق ، و ايقنت بان وجودها مرتبط بالقوة التي تملكها و التي تؤمن لها الردع و الدفاع و القدرة على تحقيق ما يلزم حاجاتها الوجودية و التوسعية ليس في حدود ما منحه لها القرار ١٨١ من ٥٥٪ من ارض فلسطين بل يمتد الى ما تسميه " ارضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل " و لأهمية القوة في وجود الكيان هذا و استمراره قيل ان "إسرائيل جيش أنشأت له الدولة " ،"الدولة" التي تعلم علم اليقين بان وجودها يكون في خطر اذ اهتزت معادلة " القوة و تفوق إسرائيل الاستراتيجي "على العرب مجتمعين او على الأقل على من يرى منهم في إسرائيل عدوا و يواجهه بالعداوة .
و عملا بقاعدة التفوق هذه عملت إسرائيل على خطين خط امتلاك القوة و خط حجب او تهميش قوة العدو ، و على الخط الاول تمكنت من امتلاك منظومة تصنيع عسكري هام يؤمن لها القسم الكبير من احتياجاتها العسكرية و عقدت الاتفاقيات و التفاهمات مع دول الغرب التي كانت في البدء فرنسا و بريطانيا بشكل خاص ثم تقدمت اميركا لتحتل موقع المتعهد والمصدر الاول للسلاح و الذخيرة لإسرائيل اسلحة تجنبها القلق خوفا من نقص او نفاد الذخيرة و تدمير السلاح ، فالولايات المتحدة الاميركية تكفلت بتعويض إسرائيل أي مصروف تستهلكه من السلاح والذخيرة و تمدها باخر و اهم ما انتجته المصانع الأمريكية حتى باتت إسرائيل كما هو متداول اول من يجرب فعليا السلاح و الذخيرة الأمريكية مهما كانت خطره .
بالإضافة الي ما تقدم وبمساهمة او مؤازرة فرنسية امتلكت إسرائيل السلاح النووي ووصل مخزونها من الرؤوس النووية الى حد اقله ١٠٠ رأس وفي تقديرات أخرى يقال انها ٢٠٠ رأس لا يعلن عنها بل تعتمد إسرائيل بشأنها سياسة "الغموض البناء " بحيث انها تتخذ موقف الصمت حيال الامر فلا تنفي (حتى لا تريح العدو) ولا تؤكد حتى لا تتعرض للملاحقة الدولية تحت عنوان انتهاك القرار الدولي بمنع انتشار السلاح النووي خارج دائرة الدول الخمس الاعضاء في مجلس الأمن يضاف إليهم الهند وباكستان.
و على صعيد اخر عملت إسرائيل على رفض التعامل مع العرب عامة و دول الطوق خاصة (لبنان و سورية و الأردن و مصر ) كطرف عدو واحد يقابلها و رفضت تشكل الجبهة العربية الواحدة في مواجهتها و اصرت على التعامل معهم كل بمفرده و في خصوصيته ، سلوك بدأ يوم تم التفاوض على الهدنة بعد حرب الانقاذ و استمر بعد ذلك ، هذه الهدنة التي عقدت في رودس في العام ١٩٤٩ تنفيذا لقرار من مجلس الأمن صدر تحت الفصل السابع ووضع حدا لحرب منع تقسيم فلسطين شاركت بها ٦ دول عربية فشلت في منع التقسيم و أخفقت في منع سيطرة اليهود على نصف ما منحه قرار التقسيم للدولة الفلسطينية و أخفقت في منع تهجير الفلسطينيين الذين تحولوا الى لاجئين في دول المحيط و صدر القرار ١٩٤ لإعادتهم او تعويضهم بما يرتضون به ولم ينفذ .
رات إسرائيل في الهدنة فرصة لالتقاط الانفاس تكسبها الوقت لتثبيت ما بات في يدها وتمكنها من الإعداد لحرب اخرى تضم فيها ارضا جديدة عملا بقولهم " حدود إسرائيل هي حيث يصل جيشها “. نعم انصرفت وبرعاية فرنسية بريطانية الى تطوير قدراتها العسكرية بعد ان دمجت العصابات الإرهابية (بشكل خاص الهاغانا والشيترن) التي خاضت ما تسميه حرب الاستقلال وارتكبت فيها المجازر للإبادة او التهجير. هذه العصابات نظمت فيما يسمى " جيش الدفاع الإسرائيلي " الذي اعتمد عقيدة قتالية صاغها على أساس استراتيجية هجومية واعتبار الدفاع عملا عارضا مؤقتا يجب الخروج منه بسرعة ولذلك تضمنت عقيدتهم القتالية بشكل خاص مبادئ منها:
وفي الممارسة في الميدان حققت إسرائيل منفردة او مع الحلفاء انتصارات او إنجازات في حروب ثلاث حرب السويس ١٩٥٦ مع فرنسا وبريطانيا، حرب ١٩٦٧ او ما تسميه حرب الايام الستة التي استكملت فيها احتلال كامل فلسطين التاريخية بالإضافة الي الجولان السوري وسيناء المصرية. وفي العام ١٩٧٣ بادرت سورية ومصر الى حرب تحرير ارضهما المحتلة وحقق كل من الجيش المصري والعربي السوري اعجازا عسكريا على جبهته وانهارت الدفاعات الإسرائيلية بعد ان اجتاز الجيش المصري خط بارليف على قناة السويس والجيش العربي السوري اخترق خط ايالون في الجولان، لكن اسرائيل وعملا بقاعدة الدفاع حال مؤقت عملت على احتواء الهجوم العربي ثم قامت بهجوم معاكس افضى الي حرمان سورية ومصر من جزء هام من انجازاتهما بسبب نجاحها في فصل الجبهتين بعد تثبيت الجبهة المصرية واستفراد الجبهة السورية. ووصفت هذه الحرب بانها اخر الحروب التقليدية بين العرب وإسرائيل خاصة بعد ان خرجت مصر من الصراع بعقدها اتفاق سلام مع إسرائيل في كامب دافيد الاميركية.
وفي العام ١٩٨٢و بعد اكتمال تطبيق اتفاقية كامب دافيد شنت إسرائيل حربا على لبنان ضد منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها كافة حيث تمكنت في غضون شهرين من اخراج المنظمة بكامل مقاتليها من لبنان في اب ١٩٨٢ التاريخ الذي اعتبرته إسرائيل بانه بداية عهد جديد في مسارها الوجودي، حيث أقفلت أبواب الخطر من الجيوش التقليدية ثم من المنظمات غير التقليدية وبدأت بعد ذلك في مسار الاندماج في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية متأكدة بان القوة التي تمتلكها تمكنها من انجاز ذلك وما المسالة الا مسالة وقت فقط.
لم تهنأ اسرائيل كثيرا بظنها و إنجازاتها و توقعها للمستقبل ، حيث انها واجهت في لبنان ومن لبنانيين مقاومة فاجأتها ، مقاومة تعددت مشاربها الفكرية و العقائدية و توحدت على هدف التحرير فنار سلاحها تتقاطع على العدو هدفا واحدا لها و تمكنت هذه المقاومة التي تعددت تسمياتها بين وطنية و إسلامية من طرد إسرائيل في غضون ٣ سنوات من معظم الأراضي المحتلة بدءا ببيروت و انكفأ جيش الاحتلال الى شريط حدودي اتخذه في الجنوب اللبناني حزاما امنيا لإسرائيل استعمل فيه لبنانيين انتظموا طوعا او كرها في مجموعة عسكرية أوكلت امرتها الى ضابط لبناني متقاعد ارتبط بإسرائيل ،
تابعت المقاومة مقارعتها للعدو مع تعقد المهمة إثر تحصنه في المواقع الاستراتيجية في الجنوب، وهنا سجل تمايز في المواقف بين فصائل المقاومة ففي حين برز ت المقاومة الإسلامية التي يمارسها ويقودها حزب الله الفريق المتقدم نجد تراجعا من قبل فصائل يسارية وان استمرت بشكل محدود في الميدان،
و تمكنت المقاومة الإسلامية بعد اتفاق الطائف و انطلاقا من العام ١٩٩٠ من تسديد ضربات موجعة للعدو في مراكز احتلاله في الجنوب و ابتدعت أساليب قتال لم يكن يألفها او يتوقعها ، فبعد أسلوب "القنابل البشرية " المتمثل بالعمليات الاستشهادية التي افتتحها الشهيد احمد قصير في ١١\١١\١٩٨٢ ، كانت الكمائن في عمق الارض المحتلة والاغارات و القصف القصير و المتوسط المدى ، عمليات ارهقت العدو و جعلته يئن من الثمن الباهظ للاحتلال الذي انهاه في العام ٢٠٠٠ بفعل المقاومة التي لم يستطع احتوائها و لم يستطع التفلت من خطرها ارغم انه نفذ حربين عليها في ١٩٩٣ و العام ١٩٩٦ . وكان انسحابه في أيار ٢٠٠٠ بمثابة اعلان اول هزيمة له وانتصار للمقاومة وتسفيه لمقولة " الجيش الذي لا يقهر.
شكل العام ٢٠٠٠ نقطة تحول في الصراع فبعد ان كانت القاعدة " إسرائيل تقتحم تلتهم ثم تهضم ثم تستعد لاقتحام جديد" اثبتت المقاومة الإسلامية في لبنان ان إسرائيل يمكنها ان تقتحم و قد تتمكن من ان تلتهم لكنها تجبر على التراجع لأنها لن تستطيع ان تهضم ما التهمت و هذا الامر شكل طعنة نجلاء في صلب عقيدة الدولة التي بنيت على أساس ان قوتها تفعل ما تشاء فكان اندحارها في العام ٢٠٠٠ هزيمة استراتيجية كبرى وواقع لم تستطع تقبله او التسليم به لذلك انصرفت في اليوم التالي لانسحابها الي الاعداد لحرب الثأر و إعادة الحياة لمقولة الجيش الذي لا يقهر و صاحب القوة القادرة علي فعل ما يشاء".
لكن سعي إسرائيل لم ينجح مرة ثانية وتكررت هزيمتها في العام ٢٠٠٦ علي يد المقاومة الإسلامية التي تطورت قدراتها واعدت نفسها لصد الغدر الإسرائيلي وبهذه الهزيمة الإسرائيلية تشكل مسار هزائم من محطتين محطة الهزيمة في الدفاع عن مواقع الاحتلال في الجنوب ومحطة الهزيمة في الهجوم لاحتلال الجنوب مجددا وتأكد بذلك بناء مشهد جديد في الصراع مع إسرائيل يمكن ذكر اهم خطوطه العريضة كالتالي:
في ظل هذا المشهد نفذت عملية طوفان الأقصى التي اطلقتها في ٧ تشرين اول \ أكتوبر ٢٠٢٣ حركة حماس و الجهاد الإسلامي وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى من غزة ضد مواقع الجيش الإسرائيلي في غلاف غزة ، حيث بدأت حركة حماس العملية بهجوم نفذه ١٢٠٠ مقاتل ثم تبعتهم قوى من الجهاد الإسلامي و فصائل المقاومة الأخرى و استمرت ٦ ساعات دخل فيها المهاجمون الي المراكز العسكرية ووضعوا اليد على كنوز من المعلومات الاستخبارية و جاءت النتائج بشكل يفوق المتوقع و يتجاوز أي تصور حيث ان المنظومة الدفاعية الإسرائيلية في مواجهة غزة انهارت من غير قتال خلال مدة لا تتجاوز الست ساعات ، و حققت المقاومة نصرا اسطوريا ندر ان سجل مثيلا له في اطار الحروب اللامتناظرة .تمثل باقتحام المواقع العسكرية الإسرائيلي و اسر او قتل من فيها ما أدى لي انهيار كبير للفرقة المناط بها الدفاع عن غلاف غزة و هروب المستوطنين من الغلاف.
ابتغت المقاومة الفلسطينية من عملية طوفان الأقصى تحقيق عدة اهداف هامة على راسها: حماية الأقصى ومنع تهويده وتحرير الاسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية اما الهدف الاستراتيجي الأهم فهو قطع الطريق على تصفية القضية الفلسطينية ودمج إسرائيل بالمنطقة.
أحدثت عملية طوفان الأقصى حالا من الصدمة والذهول في معسكر العدو وحلفائه وادخلتهم في حال من الهذيان وانعدام التوازن، كون هذا الهجوم هو الاول من نوعه الذي يقتحم ارض فلسطين المحتلة ١٩٤٨ بهذا الحجم وهذا التأثير والفعالية ويحقق أهدافه اذ شكل للمقاومة الفلسطينية نصرا استراتيجيا تاما قائما بذاته وكشفت حقائق ووقائع تتصل بالعدو كانت تذكر على سبيل التحليل والاستنتاج وتبتت باليقين والمشاهدة الحسية منها على سبيل لمثال:
اما الرد الإسرائيلي فقد تأخر لساعات بعد العملية وتمثل بإعلان الحرب على قطاع غزة حرب حددت لها ٣ اهداف أساسية: أولها تحرير الاسرى الإسرائيليين وهم بالمئات، والثاني تفكيك المقاومة الفلسطينية في غزة وسحق حماس كليا، والثالث احداث تغيير ديمغرافي في قطاع غزة بما يضمن امن المستوطنات في غلافها ويمنع تكرار الهجوم مجددا وهو هدف يرمي ضمنيا كما اتضح الى افراغ شمال غزة من سكانه وتهجير معظم سكان القطاع الي خارجه.
كان من المتوقع ان تنهي إسرائيل حربها في غضون ٣ اشهر في حد اقصى خاصة و انها وفقا لعقيدتها القتالية المعدلة تعد نفسها لحرب لا تتجاوز هذه المدة ( انتقلت من الحرب الخاطفة حرب الايام الي الحرب السريعة حرب الأسابيع او حتى الاكتفاء بالمعركة بين الحروب او الايام القتالية ،) لكن عاملين حالا دون توقف الحرب ضمن هذه القيود الاول العجز عن تحقيق أي انجاز عسكري او استراتيجي حيث أبدت المقاومة و الشعب الفلسطيني في غزة بسالة و شجاعة و صلابة منقطعة النظير كان وقف النار في هذه الوضع إقرار بالهزيمة ،و الثاني خشية مسؤولين في المستويين السياسي و العسكري من وقف الحرب دون نصر و ملاحقتهم بعد ذلك بمسؤوليتهم عن التقصير الذي أدى الى هزيمة ٧ أكتوبر .
هذا الفشل والخوف مترافقا مع طبيعة وحشية إجرامية جعل إسرائيل في قطاع غزة تمارس القتل بدل القتال والتدمير من اجل التهجير والتجويع وحرمان القطاع من أدنى متطلبات المعيشة من ماء وقد قطعت ومن أغذية وقد منعت ومستشفيات وقد دمرت وارتكب الجيش الصهيوني في قطاع غزة من المجازر ما لا يحصى حتى بلغ عدد الشهداء حتى الشهر التاسع رقما يقارب ٣٩٠٠٠ والجرحى ناهزوا ال ٩٠ الفا والعدد الى ارتفاع طالما الحرب لم تتوقف والمجازر مستمرة.
لقد خططت المقاومة الفلسطينية في غزة لحرب دفاع طويلة النفس اخذة بعين الاعتبار واقع الحصار الذي يتعرض له القطاع منذ ١٧ عاما ووحشية العدو و حجم قدراته التدميرية و خططه لاجتثاث اهل القطاع من ارضهم و عملت المقاومة بقاعدة "نصر او شهادة" و لم تدخل في خياراتها التسليم و الاستلام او الفرار، بل واجهت العدو في الميدان و فاجأته بأساليب قتال جديدة و بالأسلحة التي أعدتها لهذا اليوم ومارست بوجه العدو المراوغة التي اذهلته ما جعله بين اليوم و الاخر يئن من "الحدث الأمني الصعب" الذي يتكرر و هي عبارة ابتدعها العدو و اكثر من استعمالها دلالة على مقتلة مهمة توقعها به المقاومة و اهم ما صنعت المقاومة هنا انه حرمت العدو من تسجيل أي نجاز و منعته من الاستقرار في اي مكان دخل اليه ما حمله علي الحركة الزئبقية و العودة الي المكان الذي كان يزعم تطهيره ثم إعادة العمل ببنك اهداف سبق و استنفد معالجته
اما المفاجأة الكبرى التي صدمت إسرائيل و معسكرها و رعاتها في هذه المواجهة فكانت في امرين واحد متعلق بالمقاومة و الشعب في قطاع غزة و اخر متصل بسلوك المقاومة خارجها ، فعلى صعيد القطاع أبدت المقاومة و بيئتها صلابة و تباثا منع الجيش الإسرائيلي رغم إطالة مدة الحرب التي قاربت ال ٩ اشهر منعته من تحقيق أي انجاز اما خارج القطاع فقد تشكل مسرح عمليات استراتيجي موحد للمقاومة تتوزع جبهاته بين رئيسية في قطاع غزة و جبهات اسناد في كل من لبنان و اليمن و العراق و يستمر موقع ايران و سورية الطليعي في محور المقاومة الذي يشغل هذا المسرح .
اما دوليا فقد حدث ما لم يكن ممكنا في السابق او حتى متوقعا اذ بدأ الرأي العالم العالمي يتحول الى نصرة القضية الفلسطينية وسجلت المظاهرات في مدن الغرب الكبرى وفي الجامعات خاصة الأمريكية مطالبة بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه ومنددة بالعدو المغتصب إسرائيل واجرامها.
ورقة عمل العميد المتقاعد الأستاذ شارل ابي نادر:
تأثيرات تدخل محور المقاومة العسكري على الصراع مع العدو وحلفائه
اولًا: المسار العسكري الذي اتخذته المواجهة في غزة وعلى باقي جبهات الاسناد:
1. المواجهة في غزة:
رغم الخسائر الضخمة في ارواح المدنيين والعدد الكبير من المصابين ، ورغم الدمار غير المسبوق الذي اصاب كل مفاصل الحياة في غزة ، استطاعت المقاومة الفلسطينية ان تهزم العدو عسكريا لناحية تكبيده خسائر ضخمة في ارواح ضباطه وجنوده ولناحية تدمير عدد كبير جدا من آلياته ومن ترسانته العسكرية ، ولناحية افقاده نسبة كبيرة من مخزونه في الذخائر بمختلف نماذجها وانواعها وخاصة في ذخائر سلاح الجو لديه ، والاهم في انجازات المقاومة الفلسطينية انها منعته من تحقيق اي من اهدافه الرئيسة التي وضعها لحربه على القطاع ، والتي هي تحرير الاسرى بالقوة ، انهاء بنية المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس ، وفرض منظومة سياسية لإدارة القطاع بعيدة عن توجهات المقاومة ، وفي الوقت الذي كان العدو يعتبر انه سوف ينفذ مهمته خلال وقت معقول وتحت عنوان ما يسمى في عقيدته العسكرية تاريخيا : الحرب الخاطفة ، مر على هذه الحرب حتى الان تسعة اشهر وما زالت مستمرة دون افق عسكري لمعركته ، مع ما يعانيه من استنزاف قاتل في جهوده وقدراته العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، بالإضافة الى ما خسره على الصعيد الدولي ، حيث في هذا المجال يعاني جديا ولن يستطع - مهما ساعدته اميركا - الدفاع ضد نفسه امام ما إتُهِم به من ارتكابات وجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة والتطهير العرقي .
2. جبهة الاسناد اللبنانية:
انخرط حزب الله في اسناد غزة استنادا لاستراتيجية مدروسة ومخططة ، قامت على ربط مستوى تدخله بمسار التطورات الميدانية في القطاع ، وبمدى تجاوز العدو لقواعد الاشتباك المحددة بجغرافيا مقيدة وبعدم استهداف المدنيين ، وحيث حملت مشاركته عناوين إشغال العدو وتبديد جهوده واضعافها خدمة لمعركة دفاع المقاومة الفلسطينية ، حملت ايضا عنوان اسناد غزة والشعب الفلسطيني بكل الامكانيات المناسبة ، دون ان ينجر الى مواجهة واسعة في التوقيت الذي يختاره العدو ، حيث بقي متحكما بخطوط مستوى الاشتباك كما اراده منذ بداية انخراطه دعما لغزة ، مع نجاحه في فرض معادلات قوة جديدة ، من جهة على جيش العدو لناحية ما ادخله في الاشتباك من اسلحة نوعية كانت صادمة ، ومن جهة اخرى على بنيته السياسية والاجتماعية انطلاقا من ما حققه من تحكم وسيطرة على منظومة الحياة في شمال الكيان .
3. جبهة الاسناد اليمنية
انخرط اليمنيون في معركة اسناد غزة والشعب الفلسطيني عبر مناورة مزدوجة ، اولا من خلال الضغط المباشر على خطوط النقل البحري وعلى السفن التجارية المرتبطة مباشرة بمرافئ الكيان ، مع ما تفرع منها من اشتباك مع السفن الحربية الغربية التي حاولت منعهم من تنفيذ هذه المناورة ، وثانيا من خلال مناورة استهداف صاروخي ومسيّر لمواقع عسكرية داخل الكيان وخاصة في جنوب فلسطين المحتلة ، وتحديدا في ايلات (ام الرشراش )، وامتدادا مؤخرا الى استهداف مواقع عسكرية بحرية على موانئ العدو في البحر المتوسط وخاصة في حيفا ، ضمن مناورة عمليات مشتركة مع المقاومة العراقية .
4. جبهة الاسناد العراقية
انخرطت المقاومة العراقية اسنادا لغزة وللشعب الفلسطيني ايضا في مناورة مزدوجة، بدأتها باستهداف القواعد الجوية الاميركية بين العراق وسوريا، بهدف تنفيذ نقاط ضغط على الاميركيين كداعمين اساسيين للحرب المدمرة التي شنها العدو الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومن ثم تطورت هذه المناورة لاحقا، لتصبح محصورة فقط باستهداف مواقع عسكرية واستراتيجية داخل الكيان المحتل بالصواريخ وبالمسيرات، مع تنفيذ عدد من العمليات المشتركة مع الوحدات اليمنية ضمن مسار الاستهداف الصاروخي والمسير لأهداف داخل الكيان.
ثانيًا: التأثيرات التي فرضها تدخل محور المقاومة
1. على معركة العدو في عدوانه على غزة
لا شك ان جبهات الاسناد المذكورة، ساهمت بشكل كبير وواضح في تشتيت جهود العدو بنسبة غير بسيطة، لناحية العديد الذي اضطر الى توزيع عدد كبير من وحداته لمواجهة هذه الجبهات، وخاصة على جبهته الشمالية، والتي استنزفت جانب غير بسيط من قدرات الدفاع الجوي لديه، بالإضافة لعدد كبير من الوحدات البرية والجوية والبحرية، والتي كان يمكن ان تضاعف من قدراته في هجومه على غزة، وبالتالي كانت ساهمت بشكل كبير في منحه تفوقا عسكريا وميدانيا معينا في معركته على القطاع، لو تسنى له وضعها بتصرف جبهته الجنوبية.
2. على بنية وعقيدة جيش العدو
من الناحية العسكرية، فرضت تأثيرات تدخل جبهات الاسناد على العدو تغييرا جوهريا في عقيدة جيشه القتالية، إذ اصبحت بأغلب بنودها غير صالحة:
- فالتفوق الجوي لم يعد محققا كما كان ، وهذا الامر انكشف على جبهته الشمالية حيث اصبحت طلعاته التقليدية المدمرة نادرة وحذرة ، على عكس ما كانت عليه سابقا ، بالإضافة الى تخفيض مناورته الجوية بالمسيرات الى الحد الادنى ، بعد ان اسقط له عدد كبير من مسيرات الهرمز 450 و900 ، و التي كانت تشكل ذراعا حاسما في المراقبة والرصد وفي الاستهداف.
- لناحية بند اعتبار المدرعات سلاح الصدم ، فقد اصبح من الماضي ، واصبحت مدرعاته تشكل ما يشبه الطعم لاستهداف جنوده ، في غزة او على جبهته الشمالية ، وعلى الاخيرة ، اضطر لإخفاء العدد الاكبر من مدرعاته ودباباته واخراجها من البنية الدفاعية الحدودية ، بعد ان كانت تاريخيا تشكل عصب معركته الدفاعية والهجومية.
- لناحية بند المعركة الخاطفة او الحرب الخاطفة ، فقد غاب بالكامل هذه البند بعد ان لم طالت حربه لأكثر من تسعة اشهر مع استمرار النزف في خسائره ، بالعديد وبالعتاد وبالجهوزية العملانية والميدانية.
وكل ذلك سوف يرتب على العدو اجراء تغييرات اساسية على بنية وعقيدة جيشه، وربما عليه ان يعيد النظر بجداول العديد والتجهيز وبتنظيم الفرق وبتدريب الوحدات البرية الى ما هنالك من تغييرات بنيوية فرضتها عليه هذه الحرب.
بمطلق الاحوال، يمكن القول بعد التخبط الذي عاناه ولم يزل جيش العدو نتيجة تدخل أطراف محور المقاومة في هذه الحرب ضده مباشرة، ان المستوطنين فقدوا الثقة بهذا الجيش، وهذه نقطة اساسية، سيكون لها تأثير استراتيجي بعيد، حيث على هذه الثقة بنى الكيان فلسفة وجوده، اذ لا امكانية للثبات على الاحتلال دون جيش قوي وقادر ومسيطر ودون ثقة بهذا الجيش، وهنا سوف تتغير معادلات اساسية في امكانية استمرار الكيان.
3. على الصراع الاوسع بين العدو بين محور المقاومة
عمليا، لقد كسر تدخل جبهات الاسناد حاجز الخوف من ان العدو قوي ويملك الجيش الذي لا يقهر، وقد تكون هذه نقطة اساسية مفصلية في الصراع، حيث خلق هذا التدخل جرأة قد تمتد إلى دول وأطراف أكثر، ونموذج نجاح وصمود غزة المحاصرة، من المفترض ان يفتح الباب على إقدام أطراف اخرى على مواجهة العدو وعلى مقاومته والانخراط مباشرة ضد مشاريعه، وليس دفاعا فقط بل هجوما ايضا.
فدور اليمنيين في الضغط الاستراتيجي في البحر كان صادما لكل حلفاء العدو ، واهمية الاسلحة البحرية والصاروخية والجوية ( مسيرات ) التي استطاعوا المناورة الناجحة بها ، كانت كبيرة ولافتة لدرجة ، يمكن ان تشكل لاحقا نقطة تأثير ضخمة عند اية مواجهة اوسع بين المحور وبين القوى الغربية بقيادة واشنطن ، وخاصة في المنطقة البحرية الاكثر سخونة اليوم ، بين البحر العربي وباب المندب والبحر الاحمر وصولا الى البحر المتوسط ، مع ما اثبتوه من قدرة على مواجهة الوحدات الاميركية والبريطانية البحرية والجوية ، والتأقلم الناجح ضد مناورة الاستهداف الجوي والصاروخي الغربية ، وتجاوزها رغم توسيع القوى الغربية لها ، جغرافيا ونوعيا .
من ناحية اخرى، لقد كانت مشاركة حزب الله في الاشتباك ضد العدو مميزة واستثنائية، وبالرغم من ان مناورته كانت مقيدة نوعا ما في الجغرافيا وفي طبيعة الاهداف، ولكن مرحلة انخراطه في الاشتباك مع وحدات العدو، تعتبر مرحلة اساسية من مراحل اية مواجهة واسعة، وخاصة ان الاسلحة التي كشف عنها في المواجهة باستعمالها فعليا ضد مواقع واليات وتجمعات وجنود العدو، حتما سيكون لها دور اساسي عند المواجهة الواسعة، دفاعا او هجوما. وهنا يمكن التفصيل من خلال التطرق الى مسيّرات الرصد والمراقبة والقاذفة الانقضاضية، بالإضافة للصواريخ الموجهة الماس وللصواريخ المدمرة الدقيقة: بركان وفلق 1 وفلق 2.
ايضا، يمكن القول ان التدخل اعطى الفرصة الميدانية للتجارب الحية الضرورية والاساسية لتطوير الاسلحة النوعية من صواريخ ومسيرات، ومنظومات دفاع جوي، فالمرحلة الاولى من التدخل في طوفان الاقصى من قبل جبهات الاسناد والتي هي عمليا الاطراف الاساسية من محور المقاومة، تختلف عن المرحلة الحالية، حيث مناورة أطراف المحور في المرحلة الحالية، تطورت واصبحت أكثر فعالية، ووصلت لمستوى اعلى، والسبب هو استفادة وحدات المحور الجوية والصاروخية من تجارب الانخراط.
من جهة اخرى ، كان لعملية الوعد الصادق ( الرد الايراني على الكيان بالصواريخ والمسيرات ) تأثير كبير في تطوير مناورة اطراف المحور الصاروخية والمسيرة ، كون هذه العملية ، مع انها كانت خاطفة تقريبا في التوقيت ( عدة ساعات )، ولكنها كشفت مروحة واسعة من الثغرات العملية لمنظومات الدفاع الجوي للعدو الاسرائيلي وللأميركيين ايضا ، وهذه النقطة الاخيرة ، قد تكون فرصة نادرة ، سعت اليها دائما ايران ، كون الاشتباك محقق اصلا بينها وبين الاميركيين في منطقة الخليج ومضيق هرمز وخليج عمان ، واكثر من واقعة اشتباك موضعي بين منظومات الدفاع الجوي الايرانية ومسيرات اميركية حصلت في تلك المنطقة ، كما وان الاشتباك المباشر الذي حصل على خلفية اغتيال الاميركيين للواء الشهيد قاسم سليماني قائد فيلق القدس والرد الصاروخي والمسير الايراني على قواعد اميركية ومنها قاعدة عين الاسد ، كانت احدى وقائع هذا الاشتباك .
ثالثًا: التغييرات الاستراتيجية التي انتجتها عمليتي " طوفان الاقصى" و " وعد صادق"
الاخير، في الواقع، وبعد ان فشل تدخل حلفاء العدو عسكريا واستراتيجيا في خلق الفارق المؤثر لمصلحة فان الامر قد ازال “التابو" او المحرمات التي كانت سائدة، بأن تدخل القوى الكبرى وخاصة الأميركيين، يكون عادة حاسما ويفصل المعركة لمصلحة من يتدخلون معه، وهذا لم يحصل، حيث ظهرت اسرائيل وبالرغم من وجود استفادتها من هذا الدعم الواسع من قبل قوى كبرى، ضعيفة لدرجة ان امكانية ازالتها وانهاء احتلالها قريبة التحقق وممكنة جدا.
من جهة اخرى، فان فشل التدخل الاميركي لصالح اسرائيل، والذي لم يجلب الانتصار للأخير، بعد ان امتدت الحرب تسعة أشهر دون افق، كان له تأثيرات ابعد من الحرب على غزة، وخاصة في نظرة وموقف الدول التي طبّعت او على الطريق للتطبيع مع الكيان المحتل، والتي من المفترض ان تصبح مترددة في الانخراط في المشروع الاميركي في المنطقة، وذلك بعد ان اكتشفت هذه الدول عدم نجاعة الدعم الأميركي في اية مواجهة اقليمية.
ايضا، بعد ان انفضح العجز الاميركي في السيطرة على جبهات اسناد غزة، بالرغم من الجهود الضخمة التي وضعوها، عسكريا وماليا وديبلوماسيا وسياسيا، فُتح الباب أكثر على ضعف موقع وموقف واشنطن في الصراعات الدولية، بمواجهة الصين من جهة وبمواجهة روسيا من جهة، بشكل أصبح حلفاء واشنطن وخاصة من انخرطوا مؤخرا في تحالفات مع الاميركيين، يشكّون بقدرة واشنطن على تحقيق الانتصار لهم في اية مواجهة بمستوى دولي.
ورقة عمل العميد الركن المتقاعد الأستاذ بهاء حلّال:
الابعاد الاستراتيجية لطوفان الاقصى
اسس طوفان الاقصى لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع العدو ومع مشروع الهيمنة الاميركية في المنطقة وفي العالم وأحدث تحولا استراتيجيا مفصليا في ادارة هذا الصراع حيث شكل انتكاسة بارزة وغير مسبوقة للقوة الاسرائيلية التي فقدت ارجحيتها وتفوقها وأشر الى بدء انعطافة حادة حولت اسرائيل من قوة هيمنة اقليمية حاسمة الى قوة تتضاءل سطوتها وريادتها وقدرتها المطلقة على الانخراط في معارك وفي مواجهات كبرى بمستوى عال من اليقين المسبق بالنصر.
والاهم ان ما جرى اخرج فكرة سقوط اسرائيل وزوال اسرائيل من حيز الامكان الى حيز الفعل وحولها من مجرد فكرة ايمانية اعتقادية غيبية ومن مجرد تقدير او سيناريو محتمل الى حتمية تاريخية والى حقيقة واقعية بدت معه امكانية تحرير فلسطين لأول مرة أقرب من اي وقت مضى؛ وهنا نستطيع نفسر حقيقة مصدر الهلع الذي سيطر على قادة الكيان وعلى رعاتهم الدوليين كما رأينا لناحية رسوخ هذا الفهم. وهذا الاعتقاد في وعي خصوم اسرائيل واعدائها وفي وعي اصدقاء اسرائيل وحلفائها والاهم بالنسبة لهم أكثر هو رسوخ هذ الفهم والاعتقاد في وعي جمهورها ونخبتها ومستوطنيها.
لقد اريد لطوفان الاقصى ان يدشن مسارا جديدا يعكس مرحلة متقدمة من مراحل تطور عمليات المقاومة وان يجسد التحول بالمستجد على عقيدتها القتالية لناحية الانتقال من مرحلة المشاكسة والمشاغبة والاشتباك والاستنزاف الى مرحلة التحرير ولناحية عدم الاكتفاء بالرد الدفاعي والجاهزية والتوثب والنزوع نحو تبني المبادرة الهجومية وذلك ربطا بما كانت المقاومة الفلسطينية راكمته من انجازات وانتصارات ومن اسباب القوة والقدرة والتجربة والجرأة ( وهنا تكمن الاهمية )، وانها اصبحت جزءً عضويا من محور قوي لا يمكن تجاهله او تجاوزه بأي حال من الأحوال.
وربطا بان متغيرات الصراع الدولي باتت تؤثر اليوم على اولويات الولايات المتحدة وعلى هوامش قدرتها على المبادرة والفعل في الشرق الأوسط، وان الاخرين منشغلين بأزماتهم فالأمريكيون منهمكين بالحرب الأوكرانية، وفي مواجهة التحدي الصيني على الساحة الدولية والاسرائيلي كان مشغولا بتصاعد ازمته الداخلية على نحو غير مسبوق ؛ فهذه الاعتبارات وسواها شكلت مجتمعة بيئة القرار، وشكلت الخلفية التي تبلورت على ضوئها عملية طوفان الأقصى، ونرى ان نتائجها وخلافا لكل الحروب حسمت باكرا ومنذ اللحظات الاولى وبالتعبير الاسرائيلي الحرب حسمت في الضربة الافتتاحية وان ما تخشاه اسرائيل ان تنهي الحرب وما زالت هي الخاسرة.
ان معضلة العدو في ان رده على ما جرى مهما كان صاخبا ودمويا كما شاهدنا لن يبدل بنتيجة الحرب فهو لن يغير صورة الضعف التي بدت عليها تل ابيب ، ولن يحسن صورة انكسارها ، ولن يلجم تداعيات انكفائها على المكانة والدور الاقليميين لتل ابيب وعلى صورة ردعها المتأكل في وعي اعدائها، وان كل ما فعله ويفعله اليوم من اعمال ثأرية انتقامية من قتل ،وتجزير، وتوحش، وتغول، واعدام لمظاهر الحياة في مسعى منه الى استعادة شيء من هيبته وصورة اقتداره التي تهشمت على يد المقاومة وفي مسعى منه لتقويض النصر التي انجزته المقاومة او بالأقل منعها من ان تستثمر من هذا النصر سواء في غزة او في الضفة الغربية وان كل ما فعله ويفعله اليوم يندرج في سياق تدفيع الفلسطينيين ثمن انتصارهم ورفع كلفة هذا الانتصار التي حققته المقاومة وان كل ما سوق له من سرديات دعشنة المقاومة وشيطنتها، كانت للإيحاء بانها ليست الا مجموعة من المجموعات التكفيرية لتوفير مشروعية لعدوانه ، سقط العدو بالضربة القاضية امام هول المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين من نساء وشيوخ واطفال، سقط العدو امام الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، وامام صلابة المقاومين وايمانهم بعدالة قضيتهم ونبل اهدافها .
لقد كان لهذه الحرب تداعيات كثيرة على الوعي، مارست اعلى مستويات استنهاض الوعي المقاوم العربي الاسلامي الانساني بالمقابل استدخلت الهزيمة الى الوعي الاسرائيلي، وتكفلت بمعركة انتاج الصورة، واعادت انتاج صورة العربي عن نفسه، وهذه خلاف الصورة التي جرى تنميطها خلال عقود من تاريخ الصراع؛ واعادت انتاج صورة الاسرائيلي عن نفسه فأكتشف حدود قوته وحدود قدرته على الفعل والتنفيذ.
وكان لها ايضا تداعيات كارثية على المنظومة الامنية الاسرائيلية، فاليوم تعترف اسرائيل بكل وضوح بفشل المنظومة الامنية الاسرائيلية بكاملها ، فشل أمني ، ودفاعي ، واستخباري وعلى كل صعيد، والأخطر وهو ما يُتداول في مراكز الدراسات الاسرائيلية : فشل مفهومي ونعني به انهيار التصور، وانهيار المرجعيات ذات المفاهيمية الحاكمة التي تبلورت خلال ال 30 عام التي مرت : مفهوم ادارة الصراع ، مفهوم الجولات القتالية، مفهوم المعركة بين الحروب ، مفهوم معارك جز العشب، فاليوم سقط العدو في غزة وكأنه في غابة ( حسب تعبير قادته) ، مفهوم الجدار الامني على قاعدة جدار جيد جيران جيدون حسب تعبيرهم، حيث كان يؤمن العدو بأن الجدار يمنع الاحتكاك بالفلسطيني. والاهم هو فشل المقاربة الاسرائيلية لمستوى وشكل وطبيعة التهديد التي تمثله حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وقد كانت اسرائيل تعتقد ان الاستراتيجية الافضل للتعامل مع حماس هي استراتيجية الاحتواء بما يتمثل بمثل شعبي (العصا والجزرة) التي توازن بين 3 اضلاع:
- الردع
- ومنع التصعيد او التسبب به.
- تحييد القطاع من خلال سلة الاغراءات والمحفزات التي تأخذ وجه البعد الانساني في مسعى اسرائيلي الى تقليص وتخفيض المواجهة مع حماس قدر الامكان لأسباب تطول؛ ومنها : تعميق الانقسام الفلسطيني بين حماس والسلطة الفلسطينية ومنها ايضا : غياب البديل فبنظرهم السلطة الفلسطينية فاقدة للقدرة وللشرعية والمكانة في غزة وان مصر غير مستعدة لإدارة شؤون القطاع وان البديل قد يكون اكثر تطرفا ، وانه في حال انهيار حماس وحسب رأيهم ستتحول غزة الى صومال جديدة تنهشها الفوضى الامنية، والمهم هنا ان الفشل المفهومي هو الذي حال دون قدرة اسرائيل على تنبؤ وتوقع المفاجأة الاستراتيجية التي حصلت وازمة اسرائيل اليوم ان الفشل انسحب الى خياراتها الحربية : فشل مفهوم اعدام الحياة ( القتل والتدمير والمجازر وهو ما دأبت عليه اسرائيل) في لي ذراع المقاومة والتأثير على سلوكها الميداني والعسكري وفي تفريغ القطاع من سكانه وكاد هذا الخيار ان يتحول الى عبوة استراتيجية لناحية احراج بعض الانظمة العربية الحليفة لواشنطن وفشل الخيار البري في تحقيق اي هدف من الاهداف التي جعلها الاسرائيلي عنوانا للحرب ولذا لجأ الى خيارات الاغتيالات التي يعتبرها نصرا صافيا وانه قد يعيد لإسرائيل من خلالها صورة الاقتدار وصورة النصر ، اليوم كل الكلام عن اغتيالات كبيرة لردع كل محور المقاومة ولضرب البنية التحتية العميقة بما يفقدها القدرة على ادارة استراتيجية للمعركة في كل ساحات المواجهة وتوليد شعور بمطاردة قيادة حماس تحديدا بما يجعلها اكثر قابلية لتقديم تنازلات جدية في قضية المعتقلين لديها وهنا التقدير الاسرائيلي انه كل ما خسرت هذه القيادة من امنها الذاتي ستصبح اكثر قابلية لتقديم تنازلات تتصل بقضية المعتقلين واليوم وبعد مرور كل هذه المدة على الحرب: الاسرائيلي بعد الاستعصاء السياسي والاستعصاء الميداني، دفع باتجاهين متلازمين:
الاتجاه الاول: اتجاه تغيير شكل الحرب (اي الانسحاب من التماس المباشر مع المقاومة والتخل الجراحي وفق تعبيرهم للقيام بعمليات خاصة وعمليات اغتيال) وهي عمليا الانتقال من العمليات الاشد كثافة على صعيد النيران الى العمليات الاقل كثافة بالنيران ويتصف هذا النوع من القتال بالقتال المركز والخاص، وهذا التحول له اسباب اخرى ايضا منها اقتصادية ومنها عسكرية وسياسية ايضا وقد يأخذ منا وقتا طويلا لتفصيلها،
الاتجاه الثاني: الاتجاه بإعادة تفعيل الهدن (وليس وقف إطلاق نار دائم) من اجل تبادل الاسرى (تخفيف عبئ على العدو من مجتمعه لناحية الاسرى واراحة جيشه المنهك والمستهلك ولن ننسى موضع المحاكم الدولية وقرارتها وما سيستتبع ذلك من قرارات وعملية تشكيل الرأي العام الدولي وما حصل في الجامعات في اوروبا واميركا خير دليل؛ ولا شك ان ورقة الاسرى تحولت في يد حماس الى ورقة ضغط اساسية تؤرق المجتمع الاسرائيلي وتجعله خاضعا، وهذه الورقة ستكون ورقة ضغط اساسية بعد الحرب في نقاش اليوم التالي.
ما حققه طوفان الاقصى ايضا هو ثبات استراتيجي للمقاومة حيث وخلال كل المفاوضات على وقف النار والتبادل كان الموضوع يدور حول ما يلي:
اولا: البقاء المؤثر في المعادلة
ثانيا: الحفاظ على منجز 7 تشرين الاول
ثالثا: إطلاق الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية
رابعا: ايجاد الية لإيواء النازحين وبلورة سياقات لأجل اعادة الاعمار
وعلى ضوء هذا التشدد في موقف حماس فأن اي قبول اسرائيلي لشروط حماس هو حتمًا سيتحول الاتفاق الى طوفان اقصى جديد لكن سياسي وهكذا فشلت اسرائيل من اخراج حماس من معادلة ما بعد الحرب،
الحرب اليوم لم تنتهي بعد لكن طوفان الاقصى افضى الى نتائج ومفاعيل بالغة الاهمية تكتيكيًا وسياسيًا وعسكريًا واستراتيجيًا والحفاظ عليها هو بمثابة انجاز يضاهي منجز 7 تشرين اول:
ـ اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على اجندة الاهتمام الدولي رغم الدفع الاميركي لمسار التطبيع لتصفية هذه القضية
ـ تقويض المساعي الاسرائيلية والاميركية لاستمالة المزاج العربي واعادة توجيهه باتجاه اعداء اخرين
ـ استنهاض الوعي المقاوم
ـ تأكيد منطق المقاومة واقتدارها وتثبيته كخيار في سبيل مواجهة خيارات التنسيق الامني والحلول الاستسلامية
ـ موضعة الداخل الفلسطيني في قلب معادلة الصراع وادخاله كعنصر حاسم في هذه المعادلة
والاهم اننا معنيون بالاستثمار في التحول الذي استجد على المزاج العالمي: شعوبًا ونخبًا ومؤسسات على ما بدى بالانزياح السلبي في الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل، وتصاعد ما يسمى موجة معاداة السامية في العالم وذلك لضرب المشروعية الاسرائيلية الخارجية ولتعزيز سردية المقاومة فيما يتصل بحقيقة الصراع وجوهر الصراع.
فنحن معنيون ايضا بالحفاظ اكثر من اي وقت مضى على وحدة الساحات وتعزيز تكافلها وتضامنها واليات عملها واشتغالها بما يحول دون مخططات العدو الى فصل مساراتها وتقويض تماسكها وعزل بعضها عن بعض كما يحاول اليوم ونحن معنيون ايضا بإدامة الاشتباك مع الاسرائيلي وتوسيع مساحات هذا الاشتباك بما يفضي الى تقويض نظرية ان اسرائيل هي البيت الامن لليهود والى تآكل شعور المستوطنين بالأمن الشخصي وانعدام ثقتهم بقدرة جيشهم على توفير الامن لهم ومعنيون ايضا بتسييل المنجزات الميدانية التي تحققت خلال الطوفان الى معادلات ردع جديدة معززة والى مكاسب تهيء الظروف المناسبة لإطلاق قطار تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر.
مداخلة الأستاذ علي حيدر:
سيناريوهات الحرب على الجبهة الشمالية
هناك انقسام حاد جدا بين المستوى العسكري والمستوى السياسي في الكيان الصهيوني لدرجة أن كل أسباب التمرد قائمة، ولكن التمرد العسكري في إسرائيل امر غير مألوف؛ وعمليًا الكلام عن انقلاب عسكري ضرب من الخيال. ومن المعروف تاريخيًا أن إسرائيل لم تقدم على حرب لم يوافق عليها الجيش، وبالتالي يستطيع الجيش أن يكبح المستوى السياسي.
إن كل عوامل وقف الحرب في غزة موجودة: الخسائر، وعدم تحقيق الأهداف، وموقف المؤسسة العسكرية، والموقف الأميركي، وجبهات الاسناد المفتوحة، والوضع الاقتصادي، وأحيانًا عامل واحد من هذه العوامل يمكنه إيقاف الحرب ومع ذلك هناك اصرار على استمرارها؛ فإسرائيل ما بعد طوفان الأقصى وحرب الأشهر الـ 9 مختلفة عن السابق؛ فكل أسباب الانفجار موجودة، ومع ذلك وصل الكيان الى حل وسط سماه المرحلة الثالثة، أي الجمع بين أمرين: الاستمرار في الحرب ووقفها. فالجيش الإسرائيلي يحتاج الى عدد لا يستهان به من الفرق العسكرية في غزة، وفي المرحلة الثالثة حتى، وهذا الامر قد يكون ضغط من الجيش. لذا هناك مرحلة ثالثة حسم أمرها، وسيكون هناك نقل للقوات من غزة الى شمال فلسطين. وإذا نظرنا الى دوافع الحرب الظرفية على الجبهة الشمالية نجد أن أسباب الحرب موجودة، وفي الوقت نفسه إذا نظرنا الى القيود بمعزل عن الدوافع نجد أن الحرب لن تقع ابدًا. وهنا ثمة أسئلة كثيرة تُطرح:
ـ هل يقدم الإسرائيلي على عمل عسكري؟: هذه مخاطره كبيرة قد تحقق له شيئًا؟، لكن في المقابل تنضوي قصة التسوية على الغام.
ـ ماذا لو فشل الرهان على المسار السياسي مجدداً؟: في هذه الحالة، أمام قيادة العدو مروحة من الخيارات البديلة: حرب واسعة وشاملة، أو ضغوط جوية نوعية غير مسبوقة، أو عملية برية محدودة.
السيناريو المطروح لدى الجيش الإسرائيلي لا للحرب؛ بل عملية محدودة خطرة، لأن الرهان فيها هو أن حزب الله لا يريد حربًا.
في تقديري ان الإسرائيلي سيذهب الى عملية برية في شمال فلسطين، وخيار الحل عند الإسرائيلي أن يتدرج من الأسفل الى الأعلى. وبحسب المحلل آلون بن ديفيد في معاريف، فإن الجيش غير قادر حالياً على تحقيق إنجاز جوهري مقابل حزب الله، وتغيير الواقع بشكل دراماتيكي في الشمال. وفي أحسن السيناريوات، أيّ معركة في الشمال ستنتهي باتفاق سيئ وثمن مؤلم. أما السيناريو الأرجح، فهو أن "أيّ معركة ستخوضها إسرائيل مع حزب الله ستورّطها في حرب استنزاف متواصلة ستشلّ الحياة في أغلب أنحاء الدولة ومن دون قدرة على الحسم. والمشترك بين السيناريوين أن كليهما عقيم عن تحقيق الأهداف المرجوّة وسيكون مكلفاً جداً".
أما ما خص مسألة التوازن العسكري الاستراتيجي فغير موجود، لأنه توجد اميركا أيضًا. لكن هناك معادلة الردع المتبادل التي فرضتها عملية طوفان الأقصى والوعد الصادق، وتحت مظلة معادلة الردع هناك مستويات مختلفة. فقد تحول اليمن إلى قوة إقليمية على ساحل البحر الأحمر سيُحسب لها حساب في كل معادلات المنطقة. وهناك متغيرات مؤسسة ترجمت بعملية الوعد الصادق التي جاءت حصيلة مسار تراكمي، ووصول المشروع النووي الإيراني الى الحافة، وهو عامل ردع لدى إيران، والوعد الصادق هو تظهير ورسائل للمحيط كله إلى اين وصلت إيران. ما يعني أن عملية الوعد الصادق هي أرست مرحلة جديدة، ولكنها مرهونة بالإرادة الإيرانية على الاستمرار.
وواحدة من أهم الساحات التي يمكن للإسرائيلي أن يفكر بها من أجل إعادة بناء صورته هي الساحة اللبنانية وأخطرها لأنها قد تؤدي الى دفنه، وهو كان يأمل أن تبني غزة هذه الصورة، ولكنه فشل. وإسرائيل اليوم مقبلة على واقع اقتصادي اجتماعي صعب جدًا جدًا، وله مخاطر على الوحدة الداخلية، وسيؤثر على المناعة الاجتماعية. كما أنها بات أمام مسألتين تقوضان الوجود الإسرائيلي: تقويض الدور الوظيفي للغرب عمومًا، وأميركا خصوصًا، والثانية أن تكون الملجأ الآمن لليهود وجذبهم.