الحرب التي أعلنها العدو الصهيوني والولايات المتحدة وحلفائهم منذ اليوم الأول ردا على عملية "طوفان الأقصى" ٧ اكتوبر لعام ٢٠٢٣والتي وصفها يومها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو "حرب وجودية نكون فيها أو لا نكون، وأيضا أنها حرب الاستقلال الثاني"، لا زالت مستمرة وبوتيرة تصاعدية في ارتكاب مجازر دموية شبه يومية في كل مدن ومخيمات النزوح ومراكز الإيواء، مع كل ما يتردد عن جولات تفاوضية ومباحثات ووفود تجتمع وتنفض ولم تصل لشيء يذكر.
من الضروري قبل الدخول في عملية مراجعة وتقييم التعرف بشكل دقيق على حال القضية الفلسطينية وبرامح العدو قبل المعركة ليومنا هذا.
الحالة الفلسطينية بعمومها كانت تمر بأسوء مراحلها وتعيش لحظة ما قبل استصدار شهادة الوفاة لتشييع الجنازة وخطة نتنياهو وحلفائه في الحكومة سموتريتش وبن غفير في مضاعفة الاستيطان بل التخطيط لضم الضفة الغربية عبر خطة مبرمجة وتهجير سكان الضفة للأردن وتفكيك وإنهاء السلطة لنسف أي تفكير في كيانية فلسطينية بعدما داس على اتفاق أوسلو بجنازير الدبابات واقتحم شارون الحرم القدسي في سابقة خطيرة وعملية السور الواقي التي مزقت الضفة الغربية، وإجبار فلسطيني الداخل عام ١٩٤٨ على الانصياع والتأقلم للإرادة الصهيونية كأقلية يمارس ضدهم كل أشكال التفرقة العنصرية وإطباق الخناق على حياتهم أو الترحيل، ناهيك عن حصار غزة واشتداده وإمكانية مباغتتها في أي لحظة خيار قائم لأن مخطط التوطين في شمال سيناء لم يفارقهم منذ مطلع الخمسينيات حتى لو تفجر نزاع مع مصر، وإعادة بناء المستوطنات في غزة التي تم اخلائها عام ٢٠٠٥ كانت هي برنامجهم الخفي وانجاز حالة التطبيع مع السعودية والتي يعتقدون أنها ستجر معها العديد من الدول حال الوصول لاتفاق، وتأسيس ناتو صهيو-أمريكي -عربي لاستئصال رأس "محور الشر" ايران كما يزعمون.
السؤال الذي يتبادر للذهن بعد التعرف على رؤية وخطط العدو، هل الحالة الفلسطينية الرسمية صحية أم وصلت للبعد والتوجه الذي رسمه الصهاينة بأن "دورها يتلخص في المقاصة مقابل الأمن" والعمل الدؤوب لإفراغها من أي محتوى سياسي وابقاء الانقسام العمودي قائم ومتجذر، العدو صباح مساء يقتحم المدن والمخيمات في الضفة يعتقل ويقتل وينسف بيوت ويدمر بنى تحية بهدف وأد روح المقاومة على مرأى ومسامع السلطة.
على الجانب الآخر هل كانت المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد وباقي فصائل العمل الوطني تغض في سبات عميق أم منصهرة في الإعداد والمشاغلة والمراكمة ونازلت العدو جولات وجولات، وكانت تقييم نتائج كل جولة وتطور من أدائها حتى غدت في عقل وفكر العدو الصهيوني أنها جبهة قوية وأن غزة محرمة عليهم وسيف وحامي ومدافع وعنوان لعموم الحالة الفلسطينية.
محطة "سيف القدس" في مايو ٢٠٢١
كانت أبلغ رسالة للعدو في التأكيد على مشاركة كل قوى المقاومة تحت غرفة عمليات مشتركة وأيضا وحدة الساحات غزة-الضفة -القدس وأن غطرسته وعبثه في المسجد الأقصى وسرقة الأراضي وبناء وتوسعة المستوطنات لن يمر دون عقاب وهذا ما حصل.
استشعار المقاومة الفلسطينية لحجم وشراسة مخططات العدو التدميرية وترهل المنطقة وحالة التطبيع المجانية، كان لزاما التفكير في حدث مزلزل يربك الجمع ويقلب الطاولة.
"طوفان الاقصى" السرية والترتيب ونوعية العناصر والتوقيت والمباغتة كانت حاضرة في ذهن المخططين، الهجوم ليس فقط أربك العدو بل سيده في البيت الأبيض وحلفاءه الغربيين وبعض من أبناء جلدتنا، استطاعت المقاومة منذ اللحظة الأولى الانقضاض على المرتكزات الرئيسية الأربعة التي يتغنى بها العدو ويعتبرها سر قوته.
أولا: قدرته على الاستشعار المبكر بشكل يفوق الخيال لأي عدوان محتمل.
ثانيا: قوة الردع والهالة التي رسمها لنفسه وسوقها على الآخرين لا يمكن لأحد أن يتجرأ عليه.
ثالثا: تثبيت وتأصيل نهج للخصم أن المعارك تدور على أرضهم وليس على أرضه.
رابعا: حروبه خاطفة وانتصاراته سريعة وحاسمة.
هذه المنظومة من المرتكزات انسحقت وجعلته لحتى هذا اليوم يعيش في حالة هستيريا وتخبط.
الحرب المسعورة للتفصيل أكثر دخلت شهرها العاشر والتي أعلن العدو عن جملة أهداف منذ اليوم الأول لخصها ليبرمان زعيم حزب القومية اليهودية بالتالي:
1-إنهاء واجتثاث المقاومة الفلسطينية.
2- إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين حوالي 120 المحتجزين لدى المقاومة في غزة، بدون عملية تبادل.
3- ترحيل الفلسطينيين من شمال ووسط إلى جنوب قطاع غزة ومن ثم دفعهم باتجاه الحدود المصرية واجتياحها من قبلهم نحو سيناء.
4- عودة حوالي 86 ألف مستوطن إلى مساكنهم لدى المستعمرات المحيطة بقطاع غزة.
٥- إيجاد قيادة فلسطينية محلية وتنصيبها لإدارة قطاع غزة على أن لا تكون من حماس ومن فتح، كما قال نتنياهو «لاحمستان ولا فتحستان».
خمسة أهداف فشل الاحتلال من تحقيقها عبر حربه القاتلة المدمرة ليومنا هذا.
الواقع يؤكد واستطلاعات الرأي وحجم ما يكتبه قادة وجنرالات حرب حاليين وسابقين ومعلقين عسكرين وسياسيين ومفكرين ورأس المعارضة يائير لبيد، أن استمرار هذه الحرب طيلة هذه الشهور عمل عبثي ويخدم أجندة نتنياهو الشخصية وحكومته وأيضا أحدثت ضررا بالغا في الكيان الذي كان يوصف بأنه واحة الديمقراطية ويعيش وسط غابة من الوحوش.
الصورة الحقيقة لوصفه اليوم كيان دموي قاتل مرتكب لمجازر إبادة جماعية وسيق لمحكمة العدل الدولية ومحكمة الجنيات الدولية، ويعيش حالة تصدع وانقسامات على كل الصعد في مجلس الحرب والحكومة والمعارضة وعائلات الأسرى.
الحرب كشفت أنه كيان هش وضعيف وقابل للكسر وتكبد خسائر فادحه في الأرواح والمعدات لم تحصل له منذ تأسيسه، ناهيك عن الشلل الاقتصادي المتصاعد وارتفاع في منسوب الهجرة العكسية وتآكل في الروح المعنوية للجيش النظامي والاحتياط، وشبه توقف في حالة التطبيع.
دول الطوق التي كانت تشكل مركز أمن وأمان له عاد اليوم جزء مهم منهم وأصبح خصم عنيد ومساند بقوة للمقاومة الفلسطينية، حزب الله في لبنان منذ ٨ اكتوبر يسطر ملاحم بطولية وسبب شلل للعدو من الجبهة الشمالية وأيضا جبهة سوريا والعراق المغاوير واليمن الأشم في أداءه الكبير والحاسم في عرض البحر والمحيط والممرات المائية، والجمهورية الاسلامية الايرانية في دعمها واسنادها المقاومة على كل الصعد، والجزء الآخر إمكانية تحرك ضميره وحسه الاسلامي العروبي وانفجاره وتغيير المعادلة يظل قائم وغير مستبعد في أي لحظة هكذا تشير الأوضاع أن هناك حالة غليان شعبية في تلك البلدان اذا استمرت حرب الابادة. محور المقاومة ترسخ وتجذر حتى عاد جسم صلب وحاضر وجسد بالدم وحدة الجبهات وتعدد الساحات لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه بل أضحى رقم وخير سند ومعين بعد توفيق الله.
السردية والرواية الصهيونية أنه ضحية للهولوكوست تبددت وتلاشت بل أضحى كيان منبوذ واندماجه في المنطقة عاد غير مستساغ.
غزة اليوم تدخل في صلب الانتخابات الأمريكية وهذا حدث استثنائي في تاريخ الولايات المتحدة وكلا الحزبين له رؤية في الصراع الدائر والواضح أنها ليست انتخابات بل قد تشهد ساحة قتال.
غزة اليوم دخلت على خط فوز أحزاب وحكومات في فرنسا وبريطانيا أقل سمية من السابقين ومع وقف الحرب على غزة وحل للقضية.
حجم المظاهرات والاعتصامات التي انفجرت في كل العواصم العالمية تندد بمجازر الابادة الجماعية ضد شعب غزة لم تتوقف ومستمرة تنادي بوقف الحرب وحل عادل لمعاناة لشعب بدافع عن استرداد حقه بكرامة، اليوم مصطلح Free Free Palstian الحرية لفلسطين شعار خالد.
غزة اليوم اسم يتردد في كل عواصم العالم وعلى ألسنة كل الشرفاء والأمناء يقدرون له تضحياته التي تفوق الوصف وانه صاحب قضية عادلة ويقدرون صموده وأخلاقه في الحرب وقدرته على العطاء والتضحية المنقطعة النظير ومعاملته الإنسانية للأسرى مقابل العدو البائس الذي يمعن في قتلهم والتنكيل بهم.
بعد استعراض الحالة لا بد من التوقف وتقييم موقف السلطة وم. ت. ف أولا قبل تقييم أي طرف، بلا تهويل أو تهوين، منذ بدء الأحداث لحتى الآن، الموقف ملتبس وضعيف وأغلب البيانات تحمل المسؤولية لحماس والمقاومة بقرارها الهجوم وأيضا السبب في معظم المجازر المروعة، البيانات الرسمية للأسف تعطي صكوك غفران للعدو الصهيوني باتهام المقاومة باستخدام الناس المدنيين كدروع بشرية (الرواية الصهيونية) أيضا كم هائل من الضخ الاعلامي يسمم الأجواء ويبعث على تأجيج روح الفرقة والتشرذم.
بعض الأنظمة العربية والاسلامية كقطر ومصر وتركيا اتخذت جانب الوسيط والمقرب بين وجهات النظر بين حماس ممثل وعنوان المقاومة والكيان وتبذل جهود من الممكن أن تفضي لوقف الحرب، مع أن الأصل أن الكل يجب أن يصطف كتفا بكتف، وهذا حق وواجب لكن المناخ العربي والاسلامي غير صحي ولا طبيعي.
دول عربية واسلامية تمنع بل تقمع من يؤيد المقاومة وتعتبر ذلك شأن فلسطيني داخلي وأي مظاهرات أو اعتصامات تضر بحالة الأمن والاستقرار في بلدانهم.
أمام هذا الحدث والمصاب الجلل التي يتعرض له أهل غزة. ما هو المطلوب اتخاذه من السلطة والمقاومة.
أولا: دعوة رسمية عاجلة من الرئيس محمود عباس للإطار القيادي المؤقت للمنظمة لاجتماع طارئ وان يأتي متأخرا أفضل من لا يأتي، لاتخاذ قرارات مصيرية تهدف الى العمل على وقف الحرب المجنونة وحماية الشعب، والتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط تدير البلد وتتواصل مع كل الجهات الكونية.
ثانيا: يبقى الإطار القيادي المؤقت في حالة انعقاد دائم لمتابعة مجريات وقف حرب الابادة وإعادة بناء المنظمة وكل مؤسساتها في سقف زمني محدد، المسألة السياسية والبرنامج النضالي مسؤولية مشتركة بالتوافق والاجماع ولا علاقة للحكومة به، ولا يحق لأي جهة التفرد به والتوافق على انتخابات وضخ دماء جديدة شابة لمجلس وطني ينبثق عنه لجنة تنفيذية وتفعيل لكل مؤسسات المنظمة، والحفاظ على مجلس استشاري من الطاقات المسنة التي عايشت محطات النضال.
ثالثا: التأكيد على أن الشعب الفلسطيني يعيش مرحلة تحرر وطني، وقصة حكم ومعارضة وصفة في غير محلها.
رابعا: الخروج بقرار وطني وميثاق شرف عن الاجتماع ملزم للجميع يجرم ويوقف كل اشكال التحريض من كل الأطراف لأن ذلك خدمة مجانية للعدو ويدمر النسيج الوطني.
خامسا: وقف الرهان على الكرم الأمريكي أو الأوروبي ومغادرة مسلسل الوعود والأوهام، واستثمار حالة الصمود الأسطورية والعطاء المنقطع النظير الذي أذل الجيش الذي لا يقهر وعلى كل الصعد، وتثمين موقف الشرفاء والأحرار في العالم ومع كل الدول التي أيدت علنا قيام دولة فلسطينية مؤخرا.
سادسا: الرهان الحقيقي والأصيل والثابت الذي لا يتزعزع يبقى على وحدة وتماسك الشعب الفلسطيني وقواه في الخارج والداخل، وبناء مؤسسات فتية والاستفادة وتفعيل كل الطاقات الفلسطينية الخلاقة المنتشرة في كل أصقاع المعمورة وإعطائهم الفرصة للمشاركة في أي انتخابات قادمة..
سابعا: اعادة الاعتبار للعمق العربي والإسلامي أن فلسطين جزء أصيل من هذه الأمة وفيه المسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفيين التي لا تشد الرحال الا لها، وأن فلسطين قضية مركزية للأمة العربية الاسلامية..
أخيرا " طوفان الاقصى" فتح نافذة كبيرة وأعاد الأمل من جديد في حاضر ومستقبل الشعب والقضية، صحيح أن غزة دفعت ولا زالت تدفع أثمان باهضه جدا من دماء أبناءها ومن بيوتها ودمرت كل بنيتها التحتية وخرجت كل المرافق الحياتية عن الخدمة وعاشت ولا تزال في مدن أشباح والآلاف لازالوا تحت الأنقاض وظروف كأهوال يوم القيامة تفوق الخيال والوصف.
قضية فلسطين بعد مئة عام من التيه والتآمر والصعود والهبوط والتضحيات، أعيدت كقضية عادلة ومشروعة أمام الأمم المتحدة وكل شعوب الأرض وتحتاج حل جذري يعالج حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني بنيل حقوقه وحريته وكرامته وهذا ليس منة من أحد بل من ثبات الشعب على حمل الراية جيل بعد جيل لم يستسلم وحق وواجب.
كل ما سبق يؤكد أن كلمة السر في ابقاء القضية حية وفتية وسائرة على طريق التحرير ونيل الحقوق، تكمن في تجسيد الوحدة الوطنية الحقيقية المترفعة عن الأنا والمغادرة لمنطق التعالي والشيطنة والتهميش والاقصاء والاستحواذ والشرعيات الدولية والرسمية العربية التي يجب ان توظف لخدمة القضية والشعب لا أن تمزقه ومغادرة قصة السبق والأسبقية، وعلى الجميع احترام كل محطات النصال والشهداء السابقة واللاحقة، وبذل الغالي والنفيس في هذا الظرف العصيب والغير مسبوق، واقعا عمليا مهما بلغت درجة الخصومة السياسية سيكون انجاز تاريخي ويعيد اللحمة وروح الأخوة والأمل باقتراب التحرير مع الأخذ بعين الاعتبار تركيبة الشعب الفلسطيني انك تجد في كل بيت تشكيلة من كافه التنظيمات فتح وحماس وجهاد وشعبية وباعتبار هذه وسائل توصل للهدف وليست أصنام تعبد.
الحرب ذا لم تحقق الوحدة مع شلال الدم النازف ومع حرب ابادة يشنها الاحتلال وحلفاءه أسقطت كميه متفجرات فيها على غزة ضعف ما حصل في هيروشيما ونجازاكى في الحرب العالمية الثانية، فمتى ستحقق؟!
ختاما السرعة في تجسيد الشراكة الوطنية الحقيقية الأمينة سيعجل في وقف الحرب والا ستكون العواقب كارثية على الشعب والقضية وتدخل في نفق مظلم الله وحده اعلم، الحرب في فصلها الأخير والكيان منهك تماما يكابر والكل يريد أن يخرجه من وحل غزة وإنزاله عن الشجرة حتى لا يظهر منكسرا، الأمريكان غير راغبين في تدحرج الأمور لحرب إقليمية لعدم جاهزيتهم واستعدادهم في ظل أوضاع عالمية غير مستقرة أوكرانيا وروسيا والصين وتايوان، ويخشوا من تطورها لحرب عالمية وأيضا لا يريدوا أن ينساقوا وراء رغبة نتنياهو واليمين الديني المتشدد.
"فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"