بعد مضي شهر ونصف تقريبًا من بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، نجحت جهود الوساطة في الوصول بحركة حماس وإسرائيل إلى هدنة إنسانية بدأت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أدت إلى الإفراج عن جزء من الأسرى الموجودين لدى الفصائل الفلسطينية مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطييين من سجون الاحتلال، على أن يترافق ذلك مع دخول شاحنات المساعدات. كان المأمول فلسطينيًّا، وكذلك من قبل الوسطاء، أن تسمح هذه الهدنة بمفاوضات أكثر فاعلية من أجل إنهاء الحرب من خلال عمليات تمديد متتالية للهدنة، بيد أن إسرائيل كانت لها رؤيتها المختلفة؛ إذ استأنفت القتال بتاريخ 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، سبقه حديث واضح حول المصادقة على خطط التوغل البري.
استمرت الحرب، وبدأت إسرائيل تشهد تباينًا داخليًّا، ولم تنجح الحرب في طمس الخلافات الداخلية سوى لأسابيع قليلة، إضافة إلى بدء تآكل المظلة الدولية التي تمتعت بها إسرائيل في بدايات الحرب. وبالرغم مما أحدثته إسرائيل من دمار واسع وإبادة جماعية وتهجير إلا أنها لم تكن قادرة على المحاججة بتحقيق إنجازات مرتبطة بهدفيها المعلنين: القضاء على حماس واستعادة الأسرى، وهو ما فاقم من أزمة الحكومة الإسرائيلية التي وجدت نفسها أمام تنامي الحراك الشعبي الإسرائيلي المطالب بتبديل أولويات مجلس الحرب، في ظل إخفاق الجيش في استعادتهم عسكريًّا، وأمام تحرك دولي لمقاضاة إسرائيل وقادتها أمام المحاكم الدولية. بالإضافة إلى التغيرات التي حدثت في الخطاب الأميركي تجاه الحرب خصوصًا بعض الاحتجاجات الشعبية في أميركا، إلى جانب تحولات في مواقف دول غربية أخرى، بالتزامن مع تعاظم الخسائر البشرية والاقتصادية الإسرائيلية مع كل يوم تستمر فيه الحرب.
على هذه الأرضية من المتغيرات؛ اضطرت حكومة نتنياهو للتعامل مع أطروحات الوسطاء بشأن بدء المفاوضات، في الوقت الذي كانت فيه حركة حماس مستعدة لذات الأمر، لوقف المأساة التي يعيشها أهالي قطاع غزة أولًا، ولتحقيق مطالبها الأخرى المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار وفك الحصار وتبادل الأسرى.
من الهدنة إلى محاولات إنهاء الحرب: مسار متعثر
شهد منتصف يناير/كانون الثاني 2024 بداية النقاشات الإسرائيلية حول إمكانية المشاركة في مفاوضات باريس التي كانت تهدف إلى عقد صفقة جديدة، وقد استطاع نتنياهو المماطلة لمدة عشرة أيام قبل أن يسمح للوفد الإسرائيلي المفاوض بالذهاب إلى باريس؛ حيث انعقدت المباحثات ما بين 28-31 يناير/كانون الثاني، وعاد رئيس الموساد في حينها بتقدم ملموس، بيد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سارع إلى إعلان عدة تصريحات مفادها أن الفجوة كبيرة بين الطرفين.
جاء رد حركة حماس في السادس من فبراير/شباط تفصيليًّا على إطار باريس؛ إذ اقترحت صفقة من مراحل ثلاث، تنص على تبادل للأسرى ووقف للحرب وانسحاب للاحتلال وعودة النازحين وإعادة الإعمار وفك الحصار. ويُستشف من هذا الإطار المعدل أن تركيز حركة حماس كان ينصب بالدرجة الأولى على المعالجة السريعة للأزمة الإنسانية المتفاقمة، وضمان وقف الحرب، لاسيما أن لديها قناعة بأن إسرائيل تريد هدنة مؤقتة لاستعادة جزء من "أسراها"، وتستمر لاحقًا في عملياتها العسكرية، لذلك اقترحت حماس أن يكون هناك ضامنون للاتفاق، هم: مصر وقطر وتركيا وروسيا والأمم المتحدة.
أرسلت إسرائيل وفدها إلى القاهرة، في 13 فبراير/شباط، لاستكمال المباحثات مع عضو جديد في الوفد هو أوفير فيلك، المستشار الشخصي لنتنياهو، الأمر الذي عكس حينها أن الأخير لا يريد لرئيسي الموساد والشاباك أن ينفردا بالاطلاع على مجريات العملية التفاوضية، ويريد أن يحجِّم من صلاحياتهما، وهو ما تأكد حين قلَّص نتنياهو صلاحيات الوفد الذي اتجه إلى باريس في 23 فبراير/شباط، ليكون وفدًا منزوع الصلاحيات إلا من الاستماع ونقل مواقف الحكومة، وهو ما أفشل مباحاثات باريس الثانية.
وخلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، مارَسَ الوسطاء كثيرًا من الجهد لإعادة المفاوضات إلى مسارها، لكن نتنياهو استمر في ذات النهج المعرقل للمفاوضات، حتى بعد رد حركة حماس الإيجابي على المقترح المصري، قام نتنياهو بالدفع نحو اجتياح رفح وهو ما أدى إلى انهيار المفاوضات، إلى أن أقدم جو بايدن على تقديم مقترح جديد، في 31 مايو/أيار 2024، مؤكدًا أنه مقترح إسرائيلي، إلا أن نتنياهو تنصل منه أكثر من مرة تلميحًا أو تصريحًا في ظل حالة تعامٍ للولايات المتحدة التي ما زالت تؤكد التزام إسرائيل بالمقترح. لكن وبعد انهيار المباحثات أكثر من مرة بدأت منطلقات إسرائيل التفاوضية تتكشف بوضوح، بأنها تخالف منطلقات الفلسطينين والوسطاء المصريين والقطريين، وبشكل ما الأميركيين.
منطلقات إسرائيل التفاوضية ومحددات موقفها
بالرغم من الخلافات الواسعة في إسرائيل والآخذة في التعمق، فإن الذي يتحكم حتى هذه اللحظة في العملية التفاوضية من الطرف الإسرائيلي هو رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فأعضاء مجلس الحرب قبل حله وقبل انسحاب المعسكر الصهيوني، لم يستطيعوا إقناع نتنياهو بالمضي قدمًا في العملية التفاوضية؛ إذ بدا أنهم مقتنعون بعدم إمكانية استعادة الأسرى لدى حركة حماس دون صفقة، وتحديدًا بيني غانتس وغادي آزيزنكوت؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور هذه الخلافات بشكل علني والتلويح بالانسحاب من مجلس الحرب إلى أن تم ذلك فعلًا بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2024.
تتمثل منطلقات نتنياهو في المفاوضات في استخدامها مسارًا متداخلًا مع العملية العسكرية، وليست مسارًا موازيًا قد يشكل بديلًا عن الحرب بما ينهيها، فأصبحت العملية التفاوضية في يد نتنياهو أداة لضمان الحد الأدنى من العوامل المشكِّلة للبيئة السياسية الداخلية والخارجية لاستكمال العمليات العسكرية وإطالة أمدها، ومواجهة التحديات، وذلك على النحو التالي:
داخليًّا: تنامي حراك الشارع الإسرائيلي المحتج ضد حكومة نتنياهو والمطالب بداية بتعديل أولويات مجلس الحرب في حينها لتصبح إعادة الأسرى مقدمة على القضاء على حركة حماس، ثم المطالبة بإسقاط الحكومة التي تمثل عقبة في طريق الصفقة مؤخرًا، شكَّل تحديًا حقيقيًّا لنتنياهو. وقد زاد من خطورة هذا التحدي تفاقم خسائر إسرائيل البشرية والاقتصادية والإعلامية، والتي تتضخم مع كل يوم تستمر فيه الحرب على قطاع غزة؛ الأمر الذي انعكس على الرأي العام الإسرائيلي؛ إذ بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى تحولات مهمة في مواقف الإسرائيليين تجاه الحرب، لتكون الأغلبية مع إنهاء الحرب والذهاب إلى صفقة.
كما أثار انسحاب المعسكر الصهيوني من الحكومة والعودة إلى الشارع تخوفات نتنياهو بإمكانية قيادة بني غانتس للشارع المحتج؛ وهو الأمر الذي لم يحدث فعليًّا بعد، بيد أن انسحاب المعسكر الصهيوني أفقد نتنياهو فكرة الإجماع الإسرائيلي بكل الأحوال، وأفقده القدرة على الادعاء بوحدة القرار. ومما زاد الضغوط على نتنياهو أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية باتت تفصح للجمهور والإعلام عن عدم القدرة على تحقيق النصر المطلق، وتحاول الدفع باتجاه إتمام الصفقة.
هذه العوامل مجتمعة دفعت نتنياهو إلى الإبقاء على باب المفاوضات مفتوحًا وعدم إغلاقه نهائيًّا لكن دون السماح بالوصول إلى مخرجات من هذه العملية التفاوضية، وهو بذلك كان، وما زال، يستخدم المفاوضات أداة من أدوات ضبط المشهد الداخلي الإسرائيلي، واحتواء حركة الشارع قدر الإمكان، والإبقاء عليه في حالة ترقب دائم. وقد استطاع نتنياهو أن يبقي المجتمع الإسرائيلي في تلك الدائرة؛ حيث تستمر العملية التفاوضية لتخفف من حدة الاحتجاجات الشعبية والرسمية، لكنها لا تصل إلى نتيجة ليبقى تحالف اليمين مستقرًّا في ظل وضوح موقف شريكيه، بن غفير وسموتريتش، الرافضَين لأي اتفاق مع حركة حماس وهو موقف لا يتعارض مع رؤيته أيضًا.
خارجيًّا: حظيت إسرائيل بدعم دولي غربي كبير وغير مشروط بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد تمثل بالتضامن الإعلامي والإسناد الدبلوماسي والمدد العسكري والشراكة الاستخباراتية وبكثير من أوجه الدعم إلى الدرجة التي دفعت نتنياهو بعد حجيج قادة العالم الغربي إلى تل أبيب، لأن يصور حربه على غزة على أنها حرب "العالم المتحضر"، وأن إسرائيل رأس حربة هذا الأخير على "العالم الظلامي" ونموذجه حماس، وقد مدَّه هؤلاء القادة بما يكفي لتوهم تلك الحالة، من بايدن إلى سوناك وماكرون، وبدأ بدعوة ما أسماه العالم المتحضر لمحاربة ما اعتبرهم "قوى الهمجية".
لكن سرعان ما تهاوت هذه الحالة نتيجة لعدة عوامل، منها:
انكشاف زيف المزاعم الإسرائيلية حول كثير مما جرى يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد تحقيقات إعلامية، بعضها إسرائيلي مثل تحقيق هآرتس.
شدة العمليات والقصف الإسرائيلي الذي استهدف كل البنى المدنية في القطاع من مستشفيات ومدارس وبيوت مخلفات عشرات آلاف الشهداء والجرحى والنازحين.
التصريحات الإسرائيلية الداعية للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، في مقابل ظهور صور وشهادات حول التعامل الإنساني مع الأسرى الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضة الفصائل الفلسطينية.
هذه العوامل أسهمت في خلق تحولات مهمة على مستوى الرأي العام الغربي لتصبح حركة احتجاجية عالمية ضد الحرب، بالإضافة إلى مقاضاة إسرائيل في محكمة العدل الدولية وقادتها في الجنائية الدولية. دفعت هذه التحولات بعض الدول لاتخاذ خطوات متقدمة في دعم الفلسطييين مثل اعتراف إسبانيا والنرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية، ودفعت بأخرى نحو تعديل مواقفها أو خطابها على أقل تقدير؛ إذ باتت دول مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا تدعم علنًا، ضرورة التوصل لاتفاق يفضي إلى هدوء مستدام، وهو ما جعل حكومة نتنياهو في مواجهة مع إدارة بايدن، فأصبح إبقاء باب المفاوضات مفتوحًا جزءًا من آليات إدارة العلاقة بين نتنياهو والإدارة الأميركية دون أن تفضي بالضرورة إلى اتفاق ناجز. ويبدو أن إدارة بايدن قد قبلت بهذه المعادلة التي تحفظ لها إمكانية الادعاء أمام رافضي الحرب أميركيًّا بأنها تبذل جهدًا لإنجاز صفقة، فيما تُبقي على دعمها في شتى المجالات لإسرائيل، لذلك لم تتخذ خطوات فعلية للضغط على نتنياهو للانتقال من التعامل مع المفاوضات كجزء من إدارة الحرب إلى إنهائها.
وقد استخدم نتنياهو من أجل هذه الغاية عدة أدوات لإفراغ المفاوضات من مضمونها، منها المماطلة في إرسال الوفد المفاوض، ومن ثم تقييد صلاحيات الوفد، بل وسحب الصلاحيات تقريبًا والاكتفاء بنقل الرسائل من وإلى الوسطاء، إلى جانب تكثيف وتوسيع استهداف المدنيين الفلسطيين مع كل حديث عن إمكانية تحقيق تقدم في العملية التفاوضية. وكانت آخر أدوات نتنياهو في هذا الصدد، التراجع عمليًّا عن البنود الواردة في مقترح جو بايدن -قُدم على أنه مقترح إسرائيلي- وإصراره على رفض الانسحاب من معبر رفح ومحور فيلادلفيا وبالتالي الحؤول دون الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب.
منطلقات حماس التفاوضية ومحددات موقفها
أبدت حركة حماس استعدادها للتفاوض بشكل غير مباشر مع الإسرائيليين استجابة لطرح الوسطاء، وقد بدا واضحًا أنها غيَّرت من استراتيجيتها التفاوضية بعد تجربة الهدنة الإنسانية الأولى؛ إذ تبين لها حقيقة السعي الإسرائيلي لتوظيف المفاوضات كي توفر للحكومة هامشًا أوسع للتحرك السياسي والعسكري، وعدم الاستعداد لإنهاء الحرب. وقد دأبت الحركة على تسخير العمليات العسكرية التي يقوم بها جناحها العسكري، كتائب القسام، لخدمة العملية التفاوضية وليس العكس، وذلك من أجل تحسين شروط التفاوض للوصول إلى اتفاقٍ يُتوج بوقف نهائي للحرب، وانسحاب كاملٍ لقوات الاحتلال وإعادة الإعمار وفك للحصار وإطلاق سراح الأسرى، بيد أن هذه الغايات كانت، وما زالت، تصطدم بالعوامل التالية:
أولًا: التكلفة الباهظة للحرب والناجمة عن استهدف إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين، فأعداد الضحايا من شهداء وجرحى ونازحين تجعل المفاوض الفلسطيني تحت ضغط الحاجة الملحَّة لوقف هذا النزيف. وهو الأمر الذي يفسر أن أكثر المواضيع حساسية للمفاوض الفلسطيني هي مسألة ضمان عدم استئناف القتال في القطاع.
ثانيًا: مستوى التضامن الشعبي العربي والإسلامي لا يكاد يُذكر مما يجعله عاملًا غير مؤثر على توجهات الدول العربية نحو غزة، أو أن تدفع باتجاه دور مختلف للولايات المتحدة كحلفاء لها في هذه المنطقة.
ثالثًا: فتور التفاعل الفلسطيني الداخلي مع ما يجري في قطاع غزة على المستوى الشعبي، وذلك بالمقارنة مع أحداث عام 2021، حين التحمت الضفة الغربية بما فيها القدس مع قطاع غزة والداخل الفلسطيني والشتات في مشهد مغاير تمامًا لما يجري اليوم. وبالرغم من وجود تفسيرات كثيرة لهذا المشهد يمكن اختصاره بخطوات إسرائيل الاستباقية والقمعية لأي تحرك شعبي أو عسكري، إلا أن هذا لا يغير من حقيقة تأثر المفاوض الفلسطيني سلبيًّا بفتور هذه الساحات.
لكن رغم هذه العوامل؛ بقيت حركة حماس قادرة على التماسك في العملية التفاوضية وفرض شروطها، وتقديم المرونة فيما هو غير جوهري، وذلك بالاستناد على صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم كل ما حل به، وبقاء القدرة على الفعل العسكري للفصائل الفلسطينية في القطاع بعد أشهر من الحرب، ووجود جبهات أخرى مفتوحة أهمها الجبهة اللبنانية، وتحولات الرأي العام الغربي، والملاحقة القضائية لإسرائيل، وتغذية الخلافات الإسرائيلية الداخلية عبر ضخ مواد إعلامية مرتبطة بحال الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية.
خاتمة
يمكن القول، في ظل ثبات العوامل الحالية وعدم حصول أي تغيير جوهري فيها: إن إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو تسير في ذات النهج القائم على اعتبار العملية التفاوضية أداةً لكسب مزيد من الوقت للاستمرار في عملية عسكرية دون رؤية واضحة، وبذلك لا تغدو المفاوضات أكثر من أداة لاحتواء الشارع الإسرائيلي كي لا يتجاوز حد الاحتجاجات التي يقوم بها منذ أشهر، وأداة لإدارة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية التي تريد أيضًا استمرار العملية التفاوضية. كما أن نتنياهو لا يريد الآن تقديم صفقة ناجزة بوقف إطلاق النار فتسعف بايدن في حملته الانتخابية. وبالمقابل، فإن الاستثمار في المماطلة التفاوضية هو استثمار في العلاقة مع الجمهوريين.
أما موقف الفصائل الفلسطينية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار الدائم، ليس من المتوقع أن يتغير، قد تبدي مرونة في المفردات المستخدمة، كأن لا يُذكر (وقف إطلاق النار الدائم) بشكل حرفي لتمريره من قبل الحكومة اليمينية، لكن مع وجود ضمانات بالانتقال من مرحلة إلى أخرى في الصفقة دون استئناف القتال، وهو ما يجري العمل عليه حاليًّا. كما لن توقِّع حماس على اتفاق لا ينص على الانسحاب من القطاع، فبقاء الحال على ما هو عليه رغم كل ما يحمله من أذى على الفلسطينيين في القطاع، أقل ضررًا من عودة الحرب بعد المرحلة الأولى من صفقة توافق عليها حماس.
من الممكن أن تتغير الحالة التفاوضية الراهنة إذا ما اجتمعت جملة من العوامل الموجودة مسبقًا لكن بشكل مختلف. مثل أن تتزايد حالة المكاشفة على المستويات الرسمية الإسرائيلية، نتيجة لتطورات الميدان وعدم القدرة على تحقيق هدفي الحرب، استعادة الأسرى وإنهاء حماس، وبذلك تتجه المؤسسة الأمنية إلى الكشف عن الكثير من المعلومات أو التصريحات التي تهدف إلى إخلاء مسؤوليتها عن مصير الأسرى تحسبًا لأي مساءلة ومحاسبة لاحقة.
أن تزداد عوامل تغذية الشارع المحتج بمحفزات كافية لنقل الاحتجاج إلى مستوى مختلف، كمًّا ونوعًا؛ فمن الأول أن تصبح الأرقام التي تظهرها استطلاعات الرأي ممثلة في الحركة الاحتجاجية، ومن حيث النوع أن ينتقل الشارع المعارض من المسيرات والاعتصامات إلى الإضرابات المفتوحة؛ ما قد يشكِّل ضغطًا من الممكن أن يدفع نتنياهو أو حزب الليكود إلى إعادة تقييم السلوك السياسي والعسكري والقبول بصفقة تنهي الحرب. وفي مثل هذا السيناريو قد يكون نتنياهو أعدَّ أدوات الحفاظ على ائتلافه القائم رغم كل تهديدات سموتريتش وبن غفير.