• اخر تحديث : 2024-09-25 18:05
news-details
ندوات وحلقات نقاش

ملتقى أعضاء الرابطة في العراق الثاني: غرب أسيا… التحديات والمستقبل


انسجامًا مع أهداف الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين في التواصل، ومواكبة التطورات، واستشراف الآفاق نظّمت ممثلية الرابطة في العراق الملتقى الثاني لأعضائها تحت عنوان: “غرب أسيا... التحديات والمستقبل ".  انعقد الملتقى برعاية رئيس مجلس الوزراء في العراق السيد محمد شياع السوداني، وحضور حوالي 400 شخصية من الشخصيات الرسمية البرلمانية والسياسية، وقادة أحزاب، ونخبة من الكتاب والخبراء والمحللين السياسيين في مجال السياسة والاقتصاد والأمن والأكاديميين والاعلاميين من داخل العراق وخارجه.

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

السبت 27\7\2024 ـ من العاشرة صباحًا لغاية الثانية ظهرًا

المكان

بغداد- الجادرية - فندق بابل - قاعة جلجامش.

 

 

المشاركون

1

أعضاء الرابطة في العراق

2

مدعوون من غير الأعضاء في الرابطة

3

مدعوون من عدد من المؤسسات الجامعية الأكاديمية والإعلامية

 

الافتتاح

بعد تلاوة آيات من القران الكريم، والنشيد الوطني العراقي، جرى عرض وثائقي عن أنشطة الرابطة عمومًا، وممثلية العراق؛ ثم كانت كلمة رئيس ممثلية الرابطة في العراق د. محمود الهاشمي، الذي أكد فيها أن "اقامة الملتقى لهذا العام تحت عنوان "غرب آسيا... التحديات والمستقبل" يأتي لأننا جزء من هذه الجغرافيا التي تعج بالأحداث والتحديات". وقال: هذا الملتقى يقام والكيان الغاصب تحت النار، وقبضة المقاومة تشتد عليه، ‏وعلى المتخاذلين من أعوانه، ونرى نصرًا مقبلًا... وأميركا ضاق بها المكان، واشتد عليها ضغط الشعوب، وبدأت ملامح ظهور قطب جديد يزيح عنا تفرد الغرب وسطوة سلاحه وجبروت سلطانه".

ثم ألقى ممثل رئيس مجلس الوزراء وزير العمل والشؤون الاجتماعي السيد أحمد الاسدي كلمة أكد فيها "أهمية الاستعانة بخبرات أصحاب الشأن وطاقاتهم وتحليلاتهم حول الوضع السياسي، وما يدور في المنطقة والعالم؛ فقد طرأ الكثير من المتغيرات على وضع العالم، ومنطقة غرب آسيا وتحدياتها من أكثر العالم سخونة وأحداثها دائمة التغيير".

وأشاد الاسدي بدور الرابطة التي "أخذت على عاتقها التصدي لكل ما يهم البلد، وهدفها الاساس هو العراق وخدمته، وواجب علينا تقديم كل ما هو مهم لهم لمؤازرتها في عملها".  وقال إن "التحليل السياسي والتصدي لهذا الملفات الخطيرة مهمة ليس بالسهلة، فدور المحللين والخبراء السياسيين، والاعلام مهم في الدولة الديمقراطية.. خاصة أن العدو يستهدف أبناء هذه المنطقة التي هي بحاجة الى الدعم بالكلمة والموقف والتحليل الصائب".

بدوره ألقى رئيس الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين د. محسن صالح كلمة استهلها باستحضار ذكرى عضوة الرابطة التي رحلت العام الماضي الأستاذة ضحى الخالدي التي كانت عنصرًا مميزًا مجاهدًا مكافحًا، وفقدتها الرابطة؛ ثم شكر "وسائل الاعلام التي تشارك وتروج، وتظهر، وتبين الصورة الحقيقة لهذه النوعية من المفكرين والمحللين والمفكرين والخبراء التي لن تستطيع سلطة ولا مجتمع العيش من دون هذه النخبة؛ فاذا عاشت هذه النخبة عاشت الأوطان".

وقال د. صالح: "اشكر الجهد الذي تقوم به الرابطة في العراق، وجميع من حضر وقدم أوراق العمل والخطط ليس من اجل العراق فقط، بل للمنطقة ككل. وان كان العراق في قلب المحنة دائمًا منذ عشرات السنين، ونظرًا لأهميته الجيوسياسية في منطقة غرب آسيا، فالعراق يحتاج إلى المزيد من تنسيق الجهود وتلاقح الأفكار، وهو يسعى ويجاهد من أجل منطقة قادرة على التحرر والتقدم، متمسكة بحقها في الوجود كدولة، وشعب حضاري عقائدي مبدع في مختلف المجالات. والعراق حاضر في المشروع الحضاري الذي يبدأ بطرد الاستعمار وتمثلاته السياسية والفكرية ليصل الى البناء الحضاري؛ فالاستعمار لا يبني الأوطان، بل يخربها، ويقتل شعوبها، ويذيب عقولها، ويهاجم علماءها ويريد قتل فكرة الوطن الأصيل كما حاول في الجزائر ويحاول في فلسطين والعراق ولبنان، وأماكن أخرى زرع الفتن خنجرًا في وحدة الأوطان.

العراق شريك في الطف والطوفان: صوت الطف الذي صدح في محرم الحرام قبل 14 قرنًا من نقطة في الجغرافيا الكونية إلى كونية الفكر يتجسد اليوم في الطوفان من الطف تنبع روح الطوفان الذي يسري في الأجساد والعقول وفي الأقلام والشاشات والأبحاث، وروح الطف غيرت التاريخ، والطوفان المقدس كذلك سيغير الجغرافيا والتاريخ أيضًا.

"أولسنا على الحق"...اذن فلينضج عقل الحق... وليتفتح عقل الحق ما بعد الاستعمار والاستبداد والتخلف لبناء الأوطان والمجتمعات القوية المتماسكة المستندة إلى ثقافة متأصلة بالحرية والعزة والكرامة، كما بالعلم والمعرفة والتسامح والمقاومة.

أنا اعتقد جازمًا أننا كخبراء ومحللين سياسيين ومراكز الدراسات قادرون على تبيان الحقائق والحاجات والتخطيط للمستقبل؛ ولابد من أن نستند إلى مقومات كلية وجزئية، واستقراء الفكرة والتجربة وفق متطلبات الأوطان وشعوبها؛ فقوة النخبة قوة للأوطان والأمم، والمعرفة قيادتها، والحكمة ديدنها. أنتم ضمانة الدولة والمجتمع والتنمية والقوة، تأخذون بالحق والحقيقة سلوكًا حيث المسؤولية والواجب؛ لأن المسؤولية على قدر الدور والحاجة، وحاجة المنطقة اليكم حاجتها إلى الدواء والماء للسير نحو الله لبناء المستقبل؛ فاستدعاء الحق كما الدعاء الى الله؛ والرابطة ومراكزكم البحثي قادرة على صنع فرق كبير نحو مستقبل واعد؛ لذا يجب أن نكون موحدين متحدين كي لا يسهل كسرنا، ولا تخسر الأوطان ذاتها عندما تضيع نخبها في الانقسام، ولا تُسترد إلا باسترداد الثقافة الجامعة القوية المتعاونة... أنتم شهود على ذاتكم وعلى بناء المستقبل، لأننا الجيل الذي عاني ولايزال من قوة الأخر التي تقتل فينا الثقة بذاتنا عندما نرضخ له.

ولأننا على اعتاب ميلاد جديد للامة يجب استدعاء الحق والأفكار المصلحة: أي الوحدة داخل أوطاننا وفي علاقاتنا؛ وحذاري من التراجع؛ فالدماء التي تسفك في فلسطين واليمن ولبنان والعراق يجب أن تكون مداد العقول والاقلام، ويجب أن تكون خطط الأبحاث لأمة متطورة يصبح التاريخ كما كان في يدها وعقلها وكلماتها وادبها وعقيدتها وفلسفتها في الوجود؛  ولنتعاون على البر والتقوى والتنافس بما يفيد في الأفكار ووضع الخطط، خاصة أن الانانيات في الجغرافية محلية أو مناطقية في المنطقة تسير الفتن، وهذا ما يريده العدو، فالاستعمار يريد الفتن كي لا تُبنى الأوطان. وكم قتل من العلماء في ايران والعراق ولبنان وغيرها لأنه يخاف هذا العقل؛ والسؤال: هل نكون أو لا نكون؟، هل نستطيع أم لا؟.

نحن استطعنا ونستطيع بناء مستقبل زاهر وقادر وأنموذجي؛ لأن حضارتنا ليست مادية، أو طبقية، بل هي حضارة الجميع توحدهم، وتصهر هم بلا حدود تقتل. ومن يريد أن يركز على حدود تفرق فهو يريد قتل الجميع.  أنتم شهود على هذا التاريخ ويجب ان تكونوا فاعلين في هذا الوجود وهذا الفعل نستطيع ان نقوم به عبر الرابطة الدولية ومراكز الدراسات لننشر علاقات جديدة بين نخب الامة، فلتتوحد هذه النخب لتتحد مصائر الامة وبلادها ومشاعرها وعواطفها.

أوراق العمل

بعد افتتاح الملتقى، انعقدت منصة لعرض خلاصات أوراق العمل المقدّمة إلى الملتقى حول الاوضاع الديناميكية المتغيرة في منطقة غرب اسيا، وهذه نصوصها:

ورقة عمل الفريق الركن عبد الكريم خلف:

"غرب أسيا من يحاصر من؟ ومن سيحاصر من !؟"

تعد سياسة الحصار والتجويع سياسة اميركية بامتياز لإضعاف الدول التي لا تسير وفق نهج واشنطن وتدميرها. وبدأت هذه السياسة باستخدام الدولار باعتباره عملة وطنية اميركية والقوة العسكرية التي عمادها الآلة الحربية البحرية الضخمة بإسناد القوة الجوية والتقنيات وانتشار القواعد البحرية التي تسهل لها هذا العمل. أما الميدان فهو البحار باستخدام الاساطيل الاميركية التي ضمت احدى عشرة حاملة طائرات، واستخدام قوة الناتو وجغرافية بلدانه لتطبيق الحصارات القسرية من دون الرجوع للقانون الدولي. كما نتذكر كيف كانت البداية مع العراق في الشرق الأوسط بعد أن دمرت واشنطن وحلفاؤها بنيته التحتية، وأحالتها إلى ركام، وعدم السماح له ليكون دولة طبيعية، وحولته إلى دولة فاشلة، وجعلت شعبه مجرد لاجئين ينتظرون الغذاء بأموالهم لكن تحت سيطرة واشنطن وتل ابيب.  وتوالت العقوبات لتشمل سوريا واليمن، وتشديد العقوبات على إيران بشكل وصف بأنه الأقسى في التاريخ، ثم لبنان الذي أسقطت واشنطن عملته الوطنية.

إن سياسة واشنطن في استخدام العقوبات شكل متطور من أشكال الحصار الذي تفرضه على الأمم والشعوب من دون أن تطلق القنابل وتشعل الحروب؛ وكلنا يتذكر كيف أصبحت العملة الفنزويلية ترمى في الشوارع، لأنها باتت من دون قيمة بسبب اجراءات واشنطن. واصبحت هذه السياسة واسعة كأحد أدوات الحرب ضد دول العالم التي تخالف سياسات الولايات المتحدة، أو تختلف معها؛ وطبقت السياسة ذاتها على الدول الكبرى مثل الصين وروسيا الاتحادية. وهذه السياسة التي تتمسك بها واشنطن شكل من أشكال الحروب في نتائجها لتدمير اقتصادات البلدان، وتركيعها، وفرض الهيمنة عليها كما يحصل مع العراق بارتهان الاقتصاد والأموال العراقية والسيطرة على تداولها، ومنع العراق من تنظيم علاقاته مع دول العالم إلا بموافقة واشنطن.  

تتجلى في قراءة المشهد الأمني قبل طوفان الاقصى في الشرق الأوسط وافغانستان وبحر الصين الجنوبي ملامح الضعف الأميركي بشكل لافت في العناوين الآتية:

1 - الهزيمة في افغانستان

يتذكر الجميع التخبط الذي حصل في زحف طالبان على العاصمة كابول وسقوط الحكومة وانهيار القوات الأميركية التي تخلت حتى عن حلفائها من العسكريين والمترجمين والسياسيين على الرغم من الاتفاق الماراثوني الذي جرى في الدوحة بين الادارة الأميركية وطالبان، وافترض وضع برنامج للانتقال السلمي للسلطة، والحفاظ على ما سمي بالإنجازات، وتنظيم عملية الاستقرار؛ لكن ما حدث كان في الحقيقة فضيحة جعلت من أميركا بعناوينها العسكرية والسياسية اضحوكة، ومثالًا سيئًا لحليف مذعور ترك حلفاءه للمجهول؛ وكانت النتيجة خسائر فادحة في الأرواح، وسيطرة كاملة لطالبان.

وفي العراق وسوريا انتشرت قواعد الجيش الاميركي لتنمية ودعم قوة غير شرعية (قسد) قوات سوريا الديمقراطية تم تدريبها وتضخيمها داخل الأراضي السورية، وسرقة نفط سوريا لدعم هذه القوة الكردية؛ ضاربة عرض الحائط ـ وهي الدولة العظمى والعضو الدائم في مجلس الأمن ـ القوانين الدولية وتتحول إلى انشاء مليشيات في سوريا، وسارق دولي للنفط السوري.

وفي تايوان أدت سياسة واشنطن بدعم انفصالها عن الصين إلى ارغام الصين على تحديث قواتها المسلحة البرية والجوية والبحرية، والقيام بمناورات يومية لفك الحصار، واختيار أفضل أشكال المناورة بالهجوم لاستعادة الجزيرة إذا فشلت المساعي السلمية؛ وكل ما تفعله واشنطن هو دفع القيادات السياسية للتعنت السياسي، وبعض الدعم العسكري الخجول وعند اشتداد الأزمة تتراجع للاعتراف بوحدة الصين الجغرافية.

2ـ الحرب الروسية الأوكرانية

عند اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا بعد اقتراب الناتو من حدود روسيا، وحدوث الانقلاب الذي سيطر فيه القوميون الأوكران على السلطة بدأت الكراهية لكل ما هو روسي، وتعرضت المناطق ذات الغالبية الروسية للتنكيل والقتل بتشجيع من دوائر الاستخبارات الغربية، وبعد فشل مساعي السلام اتخذت روسيا قرارها، وحددت اهدافها بالسيطرة على أربع مقاطعات: دونيتسك ولغانتسك (تسمى الدونباس) وزايوروحيا وخيرسون.  هذه الاهداف تؤمن الحماية للسكان الروس في أوكرانيا، وتؤمن أيضًا الحدود الروسية، وروسيا حققت اهدافها بنسبة ثمانين في المئة؛ في حين اتضح أن الغرب الذي حاضر روسيا يحاصر نفسه، وبدأت اقتصاداته تتدهور بشكل لافت، ولاتزال اوكرانيا التي دعمها الغرب بكل قدراته تخسر اراضي وقتلى بالآلاف باعتراف القيادات السياسية والعسكرية مع امكانيات روسيا التي لم تستخدم سوى 10 في المئة من مواردها في الحرب، وهي خسارة إضافية للأميركيين تضاف إلى سجلاتهم في الحروب التي يجيدون إشعالها.

3- طوفان الأقصى

في السابع من تشرين الأول 2023 أطلق المقاومون في فلسطين معركة طرفان الاقصى التي وضعت الغرب وأميركا تحت صدمة عنيفة وارباك في الرد تجاوزوا فيه كل الأعراف والقوانين الدولية، وأصبحوا دولًا بلا قيم، أو شرف؛ وتبنى الغرب برمته موقف اسرائيل وردة فعلها المجنونة في ابادة الأطفال والنساء والشيوخ والبنى التحية، ومنع الغذاء والدواء في انتهاك واستهتار كامل  بالقانون الدولي وقيم الشعوب، وأُرسلت البواخر وطائرات النقل لإدامة الحرب، وجعل الآلة الحربية الصهيونية تعمل بأحدث التقنيات، في المقابل استمر المقاومون بتدمير آليات الصهاينة وأسلحتهم، واهانتهم من داخل غزة، ومن اليمن وجنوب لبنان والعراق،  واصبحت مصالح اميركا مهددة،  فيما مدللتها اسرائيل تضرب من كل مكان، وتغيرت النظرة جراء هذه العملية، وبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وصدرت قرارات محكمة العدل الدولية بتحديد حدود الدولة الفلسطينية ودعوة العالم للاعتراف بها وعدم شرعية وجود الاحتلال، والان تضرب اهداف داخل تل ابيب، وتهجير سكان المستوطنات وتعطيل ميناء إيلات، وتوقف الاستثمارات داخل الكيان وعجز في الاقتصاد وانتشار البطالة.

 كل ما يحصل لأول مرة في التاريخ هو تركيبة من الهزائم لأميركا والكيان تحصل. ولئن كان ميدان فرض السياسات الأميركية في الشرق الأوسط هي الممرات البحرية في الخليج والبحار العربي والأحمر والمتوسط مع استخدام أنظمة وشركات حركة الاموال سويفت لإحكام السيطرة على مقدرات الدول المستهدفة مع وجود الاساطيل الأميركية والدول الحليفة لها كبريطانيا وبعض دول الناتو سقط بعد اشتعال معركة طوفان الأقصى: فقد تحركت ايران لدعم المقاومة الفلسطينية، وتحرك حزب الله وأنصار الله والمقاومة العراقية كجبهات إسناد للمقاومين في غزه وفلسطين المحتلة؛  وقد دعمت إيران جبهة المقاومة بأسلحة نوعية وامكانيات كبيره غير مسبوقة بالطائرات المسيرة الهجومية والصواريخ بمختلف أنواعها والزوارق المسيرة المفخخة ، ولأول مره في التاريخ يقوم فصيل مقاوم بفرض حصار بحري على الكيان الصهيوني، ويغلق ميناء إيلات وهو على بعد 2000 كم من سواحل اليمن؛ ما أدى إلى تراجع الاقتصاد الصهيوني، وارتفاع تكاليف الشحن على الرغم من وجود حاملات الطائرات والبوارج والفرقاطات والغواصات التي ملأت البحر الأحمر .

ان نجاح العمليات في البحر الأحمر والأبيض المتوسط والبحر العربي منح جبهة المقاومة المزيد من القدرات لتطوير وسائل الردع، وبناء استراتيجية جديدة تجاه نهاية نظرية التفوق الصهيوني المطلق، وولادة امكانيات ردع جديدة تجاه الكيان الصهيوني وواشنطن، واعادة صياغة مفهوم القوة والردع بشكل مختلف؛ لاسيما عقب وصول الطائرات المسيرة إلى أهم هدف سياسي واقتصادي هو تل ابيب بواسطة الطائرات المسيرة التي قطعت مسافة 2000 كم لتضرب عاصمة الكيان الصهيوني الاقتصادية والسياسية. وبات لزامًا على محور المقاومة أن يفكر أبعد من غزة لخلق توازنات جديدة أبعد بكثير من الحصار على الكيان لفرض شروط الميدان عن طريق اعاقة الملاحة على جبهة واشنطن مع تغيير العقيدة النووية الإيرانية كما فعلت روسيا لا كمال سلسلة الردع؛ ففي تقديري يجب استغلال اخطاء واشنطن مع روسيا والاقتراب منها لتبادل منصات تطوير هذه الوسائل بالقدر الذي يؤمن فعالية هذه الأسلحة بإضافة التقنيات في التشويش والدقة في الوصول الى الأهداف.

  مستقبل التوازن والقوة

يختلف امتلاك الجغرافية عن امتلاك القواعد البحرية، أو البرية، وللعمق السوقي الجغرافي أهمية عظيمة في تحقيق هدف الاستراتيجية التي تتضمن الهيمنة على استمرار عمليات من هذا النوع كما فعلت روسيا في حربها مع أوكرانيا.  وهنا لابد من الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني لا يملك هذه الميزة، فهو لا يمتلك العمق اللازم؛ لذا يجب ايجاد المبررات والذرائع لفرض الحصار على الكيان الصهيوني بعد تطوير هذه الوسائل من الأسلحة؛ وذلك من أجل جعل الممرات البحرية محفوفة بالمخاطر لمنع الكيان من استخدامها، وزيادة تكاليفها بالشكل الذي يجعل الكيان يترنح، ويبدأ تراجع سياسة الغرب العدوانية بسبب عدم قدرة الغرب على تحمل أعباء الكلفة الباهظة على اقتصاداته.

وما خص التصورات التي تُعدل فيها إستراتيجية محور المقاومة وإيران أطرح ما يلي:

أولًا: إعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة نووية خاصة أن الكيان اعترف بأنه يملك أسلحة نووية

ثانيًا: اعلان محور المقاومة فرض الحصار البحري على موانئ الكيان بعد انتهاء حرب غزه مقابل رفع أشكال الحصارات كافة على اليمن ولبنان وإيران، ورفع القيود عن أموال العراق، وعدم مصادرة قراره السياسي.

ثالثًا: تطبيق هذه القرارات بعد النجاح الكبير لوصول إيران ومحور المقاومة إلى اهداف داخل الكيان وفي البحار.

رابعًا: تحديث التوازن الجديد بالتقنيات التي تجعله قابلاً للتطبيق عن طريق شركاء لديهم الاستعداد لدعم المشروع، وخاصة روسيا وكوريا الشمالية.

خامسًا: البناء على سياسة الردع الجديدة وتطويرها تبعًا للظروف وتطورات المواقف الدولية وبالتأكيد ستكون هناك

 رسائل سيدرسها من الغرب بعناية.

 

ورقة عمل د. بلال الخليفة:

"التأثير الاقتصادي لطوفان الأقصى على الكيان الصهيوني"

ملخص

تسببت عملية "طوفان الأقصى" بهبوط حاد في بورصة تل أبيب، إذ أغلقت أبوابها يوم الأحد على انخفاض بلغ مقداره 8في المئة. وبحسب بيانات البورصة الإسرائيلية التي نشرتها وكالة الأناضول سجل مؤشر البنوك تراجعاً كبيراً بلغ 8.7في المئة، والإنشاءات بنسبة 9.52في المئة، والتأمين 9.38في المئة والاستثمار 9.2في المئة والطاقة 9.22في المئة. وخسرت الأسهم الإسرائيلية ما قدر بـ20 مليار دولار من قيمتها السوقية. كما تراجع سعر صرف الشيكل في التعاملات الصباحية ليوم الاثنين 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالغًا أدنى مستوياته خلال السنوات الثماني الأخيرة. في وقت يسارع فيه المستثمرون لبيع العملة الإسرائيلية مع تزايد الإقبال على الملاذات الآمنة. وأعلن "بنك إسرائيل" في بيان بيعه ما يصل لـ 30 مليار دولار للأسواق، من أجل تدارك تقلبات الشيكل. ومن المرجح أن تخفض وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية التصنيف الائتماني لإسرائيل بسبب الحرب الجارية. وفي وقت سابق من شهر يوليو/تموز حذّرت وكالة التصنيف الحكومة الإسرائيلية من "عواقب سلبية" و"مخاطر كبيرة" على الاقتصاد الإسرائيلي في حال تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد. ويترتب عن خفض التصنيف الائتماني الزيادة في تقييم مخاطر سداد الديون، وبالتالي زيادة في كلفة الاقتراض والفوائد على الديون. كما تتراجع الثقة بالجهة المقترضة، وهو ما يتسبب في تقلبات في الأسواق المالية، وقد يعيق حصولها على تمويلات جديدة، ويضر اقتصادها بشكل عام.

ومن ناحية أخرى، تواصل شركات الطيران العالمية إلغاء رحلاتها إلى الأراضي المحتلة، وهو ما يُضاف إلى الأضرار التي تلقاها قطاع السياحة الإسرائيلي بفعل الهجوم المفاجئ. ويساهم قطاع السياحة بـ2.8في المئة في الناتج الداخلي لإسرائيل، كما يوفر نحو 230 ألف منصب شغل بالبلاد.

وكانت السلطات الإسرائيلية قد أوقفت إنتاج الغاز الطبيعي في المنصة البحرية "تمار" بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة حسب ما أعلنت شركة "شيفرون" العاملة في الحقل. ويقع حقل "تمار" البحري على بعد 24 كيلومتراً غرب عسقلان، شمال قطاع غزة، ويبلغ إنتاجه بين 7.1 إلى 8.5 مليون متر مكعب يوميًا.

يتوقع على المستوى البعيد أن تؤدي الحصيلة الثقيلة وغير المتوقعة لـ"طوفان الأقصى" إلى هروب الاستثمارات الأجنبية خارج إسرائيل. وبلغ الاستثمار الأجنبي في إسرائيل عام 2022 نحو 28 مليار دولار، وساهم بنسبة 27في المئة في الناتج الخام للبلاد.

وبعد أن نجحت المقاومة في التشويش على أنظمة المراقبة والرادارات الإسرائيلية، كما فشلت معدات الاستخبارات التكنولوجية في رصد واستباق الهجوم يتوقع محللون أن يضر هذا بسمعة صناعة التكنولوجيات الدقيقة الإسرائيلية، وبالتالي انخفاض أسهمها ونقص الاستثمار في شركتها. وهو ما قد يؤثر في الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، إذ تسهم هذه الصناعات بـ 18.1في المئة في الناتج الخام للبلاد. ويقول كبير الاستراتيجيين في بيت الاستثمار في مستوطنة بساجوت أوري جرينفيلد سيكون تأثير الحرب الجارية في غزة أكبر في الأسواق الإسرائيلية مقارنة بالعمليات العسكرية السابقة. وفي حال انتشار القتال، فمن المرجح أن يتضرر الاقتصاد الإسرائيلي بسبب انخفاض الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة والعامة".

آثار في الاقتصاد العالمي

لا يؤثر هجوم طوفان الأقصى في الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل يتخطاه إلى التأثير في الاقتصاد العالمي. وأحست أسواق الشرق الأوسط هذه التأثيرات بحسب ما نشرت وكالة بلومبيرغ. وتأثرت الأسواق العالمية للنفط بالأحداث مع تصاعد المخاوف من تعطيل الحرب للإنتاج النفطي في الشرق الأوسط. وسجلت أسعار النفط قفزة بنسبة 4في المئة، في تداولات يوم الاثنين. وارتفع خام غرب تكساس الوسيط، وهو معيار النفط الأميركي، إلى أكثر من 86 دولاراً للبرميل، أي بنسبة 4.33في المئة. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي، ذات موعد التسليم في ديسمبر/كانون الأول 2023، بنسبة 4.22في المئة، لتصل إلى 88.15 دولار للبرميل.

وحسب الخبيرة الاقتصادية في بنك إنجلترا كانيكا باسريشا فإن أحد أبزر تأثيرات الهجوم في الاقتصاد العالمي "ستكون من خلال أسعار النفط التي ارتفعت بالفعل بالقرب من مستوى 90 دولاراً". وأضافت بأن "المزيد من تصعيد الصراع تجاه دول الشرق الأوسط الأخرى، التي تعد منتجة رئيسية للنفط، يشكل تهديداً أكبر، ويحتاج إلى مراقبة وثيقة للغاية نظراً لأن الاقتصاد العالمي يواجه حالياً سيناريو أسعار فائدة أعلى لفترة أطول".

وأكد المدير العام لبنك التسويات الدولية أجوستين كارستينز في عرض تقديمي أمام الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال قد يستغرق تأثير الحرب الجارية في الاقتصاد العالمي بعض الوقت ليحصل الشعور به.

السياسة والاقتصاد

لا شك أن السياسة والاقتصاد متلازمان؛ ففي حال حدوث أمر لأحدهما تأثر الأخر سلبًا أو ايجابًا، والاحداث العالمية كأحجار الدومينو، فان حدث أمر ما في منطقة معينة تأثرت المناطق المجاورة لها تباعًا حتى يعم التأثير العالم. وأحداث يوم (7/10/2023) الكبيرة هزت الكيان الصهيوني بأشد ما يمكن، واثرت حتمًا بالمنطقة والعالم.

ان التطبيع قريب جدًا مع السعودية، وهذا ما قاله الرئيس الاسرائيلي في الامم المتحدة الذي توقع أن يغير ملامح المنطقة، فالأحداث الاخيرة قد تبعد التطبيع الى أمد غير محدد، أو تلغيه، وقد اشترطت السعودية عدة أمور مقابل التطبيع، ومنها أمور اقتصادية واخرى تخص الطاقة مثل انشاء مفاعل نووي لغرض توليد الطاقة الكهربائية، وكذلك الذهاب مع بريكس والمحور الشرقي مقابل التطبيع، وبالتالي فإذا عاد موضوع التطبيع فستعود بمطالب ومشاريع أخرى قد تؤثر على خارطة المنطقة الاقتصادية، وعلى العراق.

في قمة العشرين المنعقدة في نيودلهي في الهند، صرح الرئيس الاميركي جو بايدن بأن مشروع طريق بديل عن طريق الحرير سيتم انشائه لعبور البضائع الهندية عبر موانئ الامارات مرورًا بالسعودية والأردن ثم اسرائيل والبحر المتوسط إلى اوروبا، وكما نعلم أن العراق أطلق مشروعًا منذ أشهر وهو طريق التنمية الذي يصل الخليج بتركيا ومن ثم اوروبا، ويكون موازيًا لمشروع بايدن، لكن مشروعهم تأجل إلى أمد غير محدد بسبب الوضع الأمني، والمنطقة واسرائيل تشهد حربًا الان.

وللحرب اثار وعواقب وكوارث على الدول الداخلة فيه، والتأثير الأكبر يطال الجانب الاقتصادي، إذ تتوقف الأنشطة في المنطقة التي يحدث فيها نزاع؛ وبالتالي فسبل العيش تكون صعبة ان لم تكن معدومة. فالحرب الروسية الأوكرانية أثرث كثيرًا بالاقتصاد العالمي، وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعت في أيلول\سبتمبر2022 أن تكلف الحرب الروسية على أوكرانيا الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 2.8 تريليون دولار مع نهاية العام 202، إذا استمرت الحرب، وذكرت أنه من المقرر أن يتراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.2في المئة خلال عام 2023، مقابل 3في المئة عام 2022، في حين بلغت التوقعات قبل الحرب نمواً بنسبة 3.2في المئة في 2023 و4.5في المئة في 2022.

وفي دراسة للمعهد الاقتصادي الألماني (آي دبليو) في برلين، حيث أشار الى أن الاقتصاد العالمي قد تكبد خسائر تجاوزت 1.2 تريليون دولار نتيجة الحرب المتواصلة في أوكرانيا، مع وجود سبب كبير وهو تأثر الاقتصادات العالمية وبالخصوص الغربية حيث فقدت ثلثي إنتاجها العالمي، كما ضغطت مشكلات إمدادات الطاقة والمواد الخام على الشركات في العالم ومنها اوروبا. وتوقع المعهد خسائر عالمية إضافية بقيمة 1 تريليون دولار عام 2023، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغ معدل التضخم العالمي العام الماضي 8.8في المئة، وستتواصل عواقب الحرب على الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن ينخفض النمو العالمي من 3.4في المئة عام 2022 إلى 2.9في المئة عام 2023.

اقتصاد الكيان الصهيوني

الاقتصاد الإسرائيلي على العموم معتمد على الصناعة ويرتكز على تصدير منتوجات تكنولوجية حديثة وخدمات، للعلم ان الصادرات الصناعية تشكل قرابة 40في المئة من الناتج الصناعي الإسرائيلي، فضلاً عن تجارة الأسلحة. أمّا الثقافة الاقتصادية السائدة فهي ثقافة الاستهلاك والبذخ والرخاء. ففي بداية الحرب وعلى تقدير ان الحرب لن تدوم الا أيامًا فقد قدر بنك "هبوعليم" كلفة الخسائر الاقتصادية التي سيتكبدها الكيان الصهيوني في مواجهته مع حماس، وأشار إلى أن الحرب ستكلف الاقتصاد الإسرائيلي ما لا يقل عن 27 مليار شيكل (6.8 مليار دولار). للعلم أن التكاليف التي تكبدتها إسرائيل في حرب لبنان الثانية عام 2006 واستمرت 34 يوما، بلغت نحو 9.4 مليار شيكل (2.4 مليار دولار) أو 1.3في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل لذاك العام. فاذا فرضنا ان حجم التضخم السنوي الاعتيادي السنوي هو 3في المئة وان الحرب الروسية الأوكرانية رفعت التضخم العالمي بحدود 7 في المئة فسيكون مبلغ الخسائر الصهيونية بالسعر الحالي هو بحدود 15 مليار دولار.

مكانة المنطقة الاقتصادية

من الجدول المدرج يتبين لنا أهمية المنطقة من جانب الطاقة؛ إذ يمتلك الشرق الأوسط فقط 835.9 مليار برميل كاحتياطي مؤكد من النفط الذي يشكل نسبة مقدارها 48.3 في المئة من العالم، أي يقترب من نصف احتياطي النفطي العالمي. أما العراق فيحتل 8.4 في المئة من احتياطي العالمي ونسبة 17.3 في المئة من احتياطي الشرق الأوسط. اما بالنسبة للغاز، فان الشرق الأوسط يمتلك 2677.1 تريليون قدم مكعب من الغاز بينما بقية العالم فيمتلك 6641 تريليون قدم مكعب من الغاز وهذا يجعل الشرق الأوسط يمتلك نسبة 40 في المئة من احتياطي الغاز في العالم. اما بالنسبة للعراق فانة يمتلك 124.6 تريليون قدم مكعب وتشكل نسبة ما يمتلكه الى العالم هو 1.9 في المئة من احتياط العالم من الغاز ونسبة 4.6 في المئة من الشرق الأوسط. لكن الغريب في ان المنطقة تكون ذو استهلاك بسيط من الطاقة التي تنتجها فالشرق الأوسط يستهلك فقط ما مقداره 36.44 × 10^18 جول وهو يشكل نسبة 6.5 في المئة من الاستهلاك العالمي، اما العراق فيستهلك ما مقداره 2.06 × 10^18 جول.

الجدول الرقم (1) يوضح مؤشرات الطاقة في الشرق الأوسط لعام 2020

العنوان

القيمة

استهلاك الطاقة للشرق الأوسط

36.44 × 10^18 جول

استهلاك الطاقة للعالم

556.63 × 10^18 جول

نسبة الشرق الأوسط للعالم

6.5في المئة

العراق

2.06 × 10^18 جول

الاحتياط النفطي للشرق الأوسط

835.9 مليار برميل

الاحتياط النفطي للعالم

1732.4 مليار برميل

نسبة الشرق الأوسط للعالم

48.3في المئة

الاحتياط النفطي العراقي

145.0 مليار برميل

نسبة احتياط العراق من العالم

8.4في المئة

الاحتياط الغازي للشرق الأوسط

2677.1 تريليون قدم مكعب

الاحتياط العالمي من الغاز

6641.8 تريليون قدم مكعب

نسبة الشرق الأوسط للعالم

40.3في المئة

احتياطي العراق من الغاز

124.6 تريليون قدم مكعب

نسبة احتياط العراق الى العالم

1.9في المئة

الإنتاج الغازي للشرق الأوسط

66.25 مليار قدم مكعب باليوم

الإنتاج الغازي للعالم

371.83 مليار قدم مكعب باليوم

نسبة الشرق الأوسط للعالم

17.8في المئة

انتاج العراق من الغاز

1.01 مليار قدم مكعب باليوم

نسبة انتاج العراق الى العالم

0.3في المئة

 

المصدر: النشرة السنوية لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك لعام 2020.

نظرة تاريخية على الاقتصاد الإسرائيلي

كان نظام الكيان من نوع الاشتراكي الديمقراطي في العقود الثلاثة الأولى منذ تأسيسه في سنة 1948 حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وجرى تعزيز النظام الرأسمالي في أفق أيديولوجيا الليبرالية المحدثة (Neoliberalism)، كما انحسر نفوذ الأحزاب العمالية وتعاظمت سيطرة الأحزاب اليمينية المتطرفة على مجمل الحياة السياسية. وقد أنهى اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني، وانتهاء المقاطعة العربية له عزلته الدولية، وفتحا أمامه فرصاً هائلة من الأسواق والعلاقات والاستثمارات التي منحته مكانة دولية عادت عليه بفوائد كبيرة على مستوى نشاطاتها الاقتصادية في الداخل والخارج على حد سواء. ويكفي في هذا المجال، الإشارة إلى أن الصين والهند اللتين كانتا، قبل أوسلو، لا تعترفان بإسرائيل ولا تقيمان معها أي علاقات اقتصادية أصبحتا الآن تتاجران معها بمليارات الدولارات، بالإضافة إلى شراكات اقتصادية واستراتيجية. وكان نجاح الاقتصاد الصهيوني بسبب عوامل هي:

  1. تمكّن الكيان من الحصول على موارد اقتصادية من الخارج باستمرار؛ فموارده تأتي من مصدرين هما: الأول ما يستولي عليه من أملاك الفلسطينيين وثرواتهم؛ والثاني ما يحصل عليه من مساعدات خارجية من يهود العالم والدول الغربية التي تؤيده وتدعمه. وعلى الرغم من تفاوت حجم الموارد الخارجية عبر السنوات، فإنه كان يشكل دوماً أكثر من 8في المئة من الناتج القومي الإجمالي لإسرائيل، ووصل في بعض السنوات إلى 25في المئة.
  2. القيام بمشاريع ضخمة في المراحل الأولى من بناء الدولة مخصصة للبنية التحتية، وتشكل هذه المشاريع آلة نمو للاقتصاد، حيث شمل بناء شبكات الطرق والبنية الرئيسة لمصادر الطاقة والاتصالات.
  3. وجود بيروقراطية ذات علاقة عضوية بالاقتصاد وتتمتع بالاستقلالية. فلقد تميزت فترة تأسيس الدولة بقيادات حكومية وعسكرية واقتصادية كانت تأتي جميعها من دائرة واحدة هي حلقة الأحزاب العمالية.

دخل الاقتصاد الإسرائيلي القرن الحادي والعشرين بعد نحو عشرة أعوام من النمو المستمر بمعدلات عالية. واعتمد هذا النمو على ازدياد متسارع في عملية تراكم رأس المال بشقيه المادي والبشري. وكان ذلك بفضل هجرة اليهود السوفيات، والعملية السلمية في الشرق الأوسط، واتباع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسات اقتصادية تهدف في الدرجة الأولى إلى توفير مناخ يشجع رأس المال المحلي والأجنبي على الاستثمار والإنتاج والتجارة. وشهد أول ثلاثة أرباع من سنة 2000 نمواً عالياً، لكن اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية أواخر أيلول/سبتمبر 2000 أوقفه وحل محله تراجع وانكماش. وكان من مظاهر ذلك الانكماش تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية، وتقلص النشاط السياحي وتدني معدل الاستثمار في معظم القطاعات الاقتصادية.

 وتشير تقارير صحافية إلى أن حجم هذه الاستثمارات سنة 2001 تقلص إلى نصف ما كان عليه سنة 2000، وفي النصف الأول من سنة 2002 بلغ مجموع الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل 600 مليون دولار في مقابل 1،8 مليار دولار خلال المدة نفسها من سنة 2001، وكذلك ازداد حجم نزوح الأموال الإسرائيلية للاستثمار في الخارج. ففي النصف الأول من سنة 2002 ارتفع حجم الاستثمار الإسرائيلي في الخارج بمقدار 1،8 مليار دولار، مقارنة بـ 400 مليون دولار في النصف الأول من سنة 2001. كما أن أجواء عدم الاستقرار أثرت في السياحة، وأوردت تقارير صحافية أن عدد السياح الأجانب في إسرائيل تناقص إلى نصف عدده قبل الانتفاضة.

ان الناتج المحلي الإجمالي سنة 2000 ينمو بمعدل كبير غير اعتيادي (8،7)، تراجع في سنتي 2001 و2002 بمعدلات (0،6) و(0،9) على التوالي. وبينما كان متوسط نصيب الفرد من الدخل يساوي 19،200 دولار سنة 2000، تراجع إلى 18،400 دولار في سنة 2001، وإلى 16،600 دولار سنة 2002. وهناك دراسة أصدرها بنك إسرائيل المركزي تبين أن حجم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من بداية انتفاضة الأقصى حتى نهاية سنة 2001 (أي خلال 15 شهراً) بلغ 12 مليار شيكل، أي ما يعادل 2،7 مليار دولار، وتشير الدراسة إلى أن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي في عام واحد من انتفاضة الأقصى يعادل ضعف خسائره في السنة الأولى للانتفاضة الأولى (1988–1989). وتسارعت عملية الخصخصة في آخر سنوات القرن الأخير، ومطلع سنوات القرن الجديد، ويقدر أنه تمت بين سنة 1986 وأواسط سنة 2005 خصخصة 89 شركة حكومية. ومن أهم الشركات التي لم تعد الحكومة تملكها هي: شركة الطيران الإسرائيلية «إل –عال»، وشركة الملاحة الإسرائيلية «زيم» (Zim)، وشركة الاتصالات الإسرائيلية «بيزيك» (Bezeq)، وشركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) وغيرها. وفي سنتي 2005 و2006 سارت إجراءات خصخصة منشآت تكرير النفط في حيفا وأشدود وبنك لئومي، كما تم تنفيذ إصلاحات في قطاع العقارات والإنشاءات، بالإضافة إلى تأسيس سلطة للمياه والمجاري. وفي أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين استمرت عمليات بيع أجزاء من مرافق مهمة جداً للقطاع الخاص، كدائرة البريد وشركة صناعة الطيران (Israeli Aerospace Industries)، وسوق تل أبيب للأوراق المالية.

الغاز والبترول

لم تتمكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ قيام الكيان حتى نهاية القرن العشرين من جذب الاستثمارات اللازمة للتنقيب عن النفط. وهناك بعض الأسباب الثانوية لهذا الإخفاق، أمّا السبب الرئيسي فكان إحجام شركات النفط العالمية العملاقة عن الاستثمار في إسرائيل بسبب قوانين المقاطعة العربية. وطبعاً، فقد تغير الوضع كلياً بعد كارثة أوسلو، وانهيار نظام المقاطعة العربية، إذ أخذ رأس المال الأجنبي يتدفق على إسرائيل. وأخذت شركات النفط العالمية تتنافس في الحصول على امتيازات التنقيب عن النفط والغاز، وخصوصاً بعد اكتشاف الغاز الطبيعي في البحر شمالي الإسكندرية وفي بحر غزة. وقد تركزت أعمال التنقيب في الأعوام الأولى من القرن الحادي والعشرين على هذه المنطقة، حيث تم اكتشاف بعض حقول الغاز الصغيرة مثل حقل ماري – ب الذي بلغ إنتاجه 600 مليون قدم مكعب في سنة 2004.

وبعد أن تبين الحجم الضئيل للاحتياطي المكتشف في المنطقة الجنوبية، تحول اهتمام إسرائيل إلى الشمال وبدأت بأعمال التنقيب في البحر في مقابل حيفا، وتعاظم هذا الاهتمام في المنطقة الشمالية بعد صدور تقرير إدارة المسح الجيولوجي الأميركية الذي أكد وجود احتياطي نفطي وغازي كبير جداً في حوض بلاد الشام ليفانت (Levant)، الذي يشمل معظم المناطق البحرية لفلسطين وقبرص وسورية ولبنان، ويقدر حجم هذا الاحتياطي بـ 39 مليار قدم مكعب تقريباً. وقد تمكنت إسرائيل من استخراج الغاز من حقل تامار منذ سنة 2013، وسيبدأ استخراجه من حقل لفيتان في نهاية سنة 2019.

أن الحرب على غزة تُعرّض استثمارات الغاز الطبيعي في إسرائيل للخطر، أن توجه الحرب ضربة قوية لطموحات إسرائيل في أن تصبح مركزا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى. مع العلم ان حقول الغاز الطبيعي قبالة السواحل الإسرائيلية تغطي نحو 70في المئة من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة في البلاد.

الخسائر العسكري

بحسب بيانات وزارة الأمن الإسرائيلية، فإن كلفة الحرب اليومية منذ 7 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2023، بلغت مليار شيكل يوميا (270 مليون دولار)، قبل أن تنخفض خلال العام 2024 لتصل إلى 350 مليون شيكل (94 مليون دولار).

بسبب الإنفاق العسكري والخسائر المباشر للاقتصاد الإسرائيلي، حدث ارتفاع في تكاليف ديون الدولة لتصل إلى 62في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاحتلال بعد أن كانت 59في المئة في العام 2023/2022.

وجراء تداعيات الحرب الاقتصادية والعواقب، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى توسيع الموازنة العامة للعام 2024، حيث بلغت 584 مليار شيكل (158 مليار دولار)، بزيادة قدرها حوالي 14في المئة مقارنة بحد الإنفاق الأصلي الذي تم تحديده في العام الماضي كجزء من ميزانية السنتين 2023-2024. وتمت زيادة الميزانيات المخصصة لوزارة الأمن، بإضافة 30 مليار شيكل (8.1 مليارات دولار)، وبذلك بلغ الحجم الإجمالي لميزانية الأمن خلال الحرب حوالي 100 مليار شيكل (27 مليار دولار).

الزراعة

تعد أراضي غلاف غزة -التي تعرضت بشكل مباشر لعملة طوفان الأقصى-  مصدرا لنحو 75في المئة من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل، إضافة إلى 20في المئة من الفاكهة، و6.5في المئة من الحليب. وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية" وتحوي أيضا مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك. فقد قال رئيس الدائرة الاقتصادية باتحاد المزارعين يارون سولومون "ما يحدث الوقت الحالي أن هناك منتجات، لكن من المستحيل الوصول إلى الحقول، والجيش لن يسمح بالدخول".

الهجرة الداخلية

تسببت الحرب في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال -حوالي 40في المئة منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم- حيث تم إيواؤهم في 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.

المال والموازنة والعجز

منذ بداية العام الحالي تم تسجيل عجز تراكمي بالموازنة العامة بقيمة 26 مليار شيكل (7 مليارات دولار)، علما أنه في الأشهر الـ12 الأخيرة وصل هذا العجز إلى رقم قياسي جديد قدره 117.3 مليار شيكل (31.7 مليار دولار)، وهو الأعلى في تاريخ البلاد.

وكانت الميزانية العسكرية للجيش الإسرائيلي قد سجلت خلال عام 2023 حوالي 31 مليار دولار، بعد إضافة حوالي 8 مليارات دولار خلال الشهرين الماضيين كتكلفة للحرب الجارية، لتصل إلى مرتبة قياسية بعد أن كانت 2022 رسميا حوالي 23 مليار دولار. وخصص الكيان 4.5في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للجيش، وهي عاشر أعلى نسبة في العالم.

الأضرار والخسائر

ان الأضرار والخسائر الناجمة عن تعرض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لقصف صاروخي، أظهرت تقديرات سلطة الضرائب الإسرائيلية أن حجم الأضرار المباشرة للمباني والمنشآت التي تكبدتها مستوطنات "غلاف غزة" بلغت 1.5 مليار شيكل (405 ملايين دولار)، بحسب بيانات سلطة الضرائب الإسرائيلية. وبلغت قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي 12 مليار شيكل (3.35 مليارات دولار)، حيث تشمل الخسائر والأضرار التي تكبدتها فروع الزراعة، والسياحة الداخلية، والترفيه والمطاعم والمقاهي، والصناعات الخفيفة. أما بخصوص الأضرار والخسائر في الجليل الأعلى والغربي والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان والجولان المحتل، لا يوجد هناك بيانات رسمية وجرد للإضرار من قِبل سلطة الضرائب، وذلك بسبب خطورة الأوضاع والقتال مع حزب الله. وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الأولية في شمال البلاد جراء صواريخ حزب الله، تقدر بحوالي ملياري شيكل (540 مليون دولار)، حيث تضررت أكثر من 500 منشأة سكنية زراعية وصناعية وتجارية، على ما أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي لا تستبعد أن يكون حجم الخسائر والأضرار مضاعفًا.

البنوك الصهيونية

تعطل الاقتصاد الإسرائيلي وتكبد خسائر فادحة، حيث أظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى نهاية مارس/آذار 2024، بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار). تحدث محافظ بنك إسرائيل كثيرا عن المخاطر الجديدة للتضخم المالي، بسبب تطور الحرب وتأثيرها على النشاط الاقتصادي، وانخفاض قيمة الشيكل، والقيود على النشاط بسوق العمل خاصة بفرع البناء والعقارات".

وتسبب الشلل بفرع البناء والعقارات في خسائر للمصارف وتراجع أرباحها، حيث بلغ حجم القروض العقارية التي حصل عليها مشترو الشقق 71.3 مليار شيكل (19.2 مليار دولار) في عام 2023، وذلك وفقا لبيانات بنك إسرائيل.  ووفق البنك المركزي الإسرائيلي تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد نهاية أبريل حوالي 5.63 مليارات دولار حيث وصل إلى 208 مليارات، كما تراجعت الاحتياطيات بحوالي 41في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

الاثار النفسية لطوفان الأقصى

من تأثيرات الحرب هي الآثار النفسية التي خلّفها هجوم المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وما أعقبه من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة في الداخل الإسرائيلي، الذي يبدو أنه يعاني من "أزمة نفسية عميقة" لن يكون من السهل تجاوزها. ذكرت مؤسسة "مكابي للخدمات الصحية" (Maccabi health maintenance organization) أن عدد وصفات المهدئات الطبية والأدوية النفسية الخاصة بعلاج الاكتئاب ومضادات القلق والصدمات ارتفع بنسبة 20في المئة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 مقارنة بالشهر الذي يسبقه، في السياق ذاته أعلنت مؤسسة "كلاليت" (Clalit health services)، وهي أكبر مؤسسة خدمات صحية في دولة الاحتلال وتختص بمعالجة أكثر من نصف الإسرائيليين، أن عدد الوصفات الطبية النفسية ارتفع بنسبة 11في المئة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتُظهِر الآثار النفسية السلبية في المجتمع والجيش في إسرائيل جراء الحرب على غزة، التي بدأتها إسرائيل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صورة قاتمة ومركبة تفيد بأن دولة إسرائيل تعاني من أعراض صدمة نفسية عميقة وغير مسبوقة تطال كل فئات المجتمع، وفي مقدمتهم الجنود الذين شاركوا في القتال في القطاع وعادوا منه أحياء لكن مع أزمات وعُقَد ستلازمهم طويلاً.

كما أن "60في المئة من الأمهات يعانين من آثار صدمة عميقة تحتاج إلى علاج في عيادات مختصة، وأن 61في المئة من الأطفال حتى سن الثامنة و30في المئة ما فوق الثامنة يعانون من أعراض نفسية حادة جداً، وقد تتحول إلى صدمة نفسية عنيفة تؤثر في نمط حياتهم واضطرابات الأكل والأرق، وأن واحداً من كل 1500 طفل زار طبيباً نفسياً لتلقي العلاج". ولا تختلف الصورة كثيراً لدى الجنود والضباط في صفوف الجيش الإسرائيلي، إذ أفادت الإحصائيات حتى الشهر الثاني من الحرب بأن 9000 جندي احتاجوا إلى العلاج النفسي، من بينهم 1500 جندي احتاجوا إلى الخضوع لعلاج نفسي متواصل، وأن ربع الجنود لم يعودوا إلى القتال بسبب حالتهم النفسية، وأن الجيش خصص 838 معالجاً نفسياً لمرافقة الجنود في القتال.

تضرر صورة إسرائيل

أن الدعم العالمي لإسرائيل يتضاءل في كل يوم تتواصل فيه الحرب، وقال إن المنظمات اليسارية المتطرفة، إلى جانب أنصار القضية الفلسطينية، الذين قادوا خطاب التأييد على شبكات التواصل الاجتماعي، تسببوا في اندلاع الكراهية تجاه إسرائيل واليهود حول العالم. ومطلع يناير/كانون الثاني عام 2024، رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها تل أبيب بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

انخفاض الشيكل (العملة الصهيونية)

إثر اندلاع المواجهات في غزة، تأثر الشيكل بشكل كبير وانفضت قيمته تحت ثلاث عوامل منها:

  1. الحرب في قطاع غزة.
  2. التصعيد في الشمال والضفة الغربية.
  3. الضربات الحوثية البطلة ومنع السفن اليهودية والمساندة لها من المرور من مضيق باب المندب.
  4. إحالة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية.
  5. تخفيض بنك إسرائيل أسعار الفائدة.

حقائق عن تجارة إسرائيل

  1. بلغت قيمة واردات الكيان عام 2022 108 مليارات دولار،
  2. أن بضائع بقيمة 73 مليار دولار من إجمالي الواردات جاءت عبر البحر، 32 بالمئة منها من آسيا.
  3. بلغت الصادرات في 2022 نحو 73 مليار دولار، منها 26 مليار دولار عن طريق البحر، ونحو 16 بالمئة إلى آسيا.
  4. تعد الولايات المتحدة أكبر وجهة للصادرات الإسرائيلية؛ إذ استحوذت على ما قيمته 18.67 مليار دولار في 2022.
  5. تسيطر إسرائيل على ساحل بطول 9.5 كيلومترات.

التأثير على أسعار النفط العالمي

تتأثر أسعار النفط حتمًا سلبًا او إيجابًا بأي حدث سياسي عالمي، وخصوصًا الحروب، وبالخصوص في حال كان أحد أطرافها منتجًا مهمًا للنفط، أو مستهلكًا كبيرًا للنفط، وهذا ما رأيناه في أوكرانيا، أما في حرب طوفان الأقصى فالاتحاد الأوروبي واميركا هما الطرف الاخر لكن تحت يافطة إسرائيل. وارتفعت أسعار النفط كنتيجة للحرب التي اندلعت عقب الهجوم الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. حيث ارتفع سعر خام برنت الأوروبي من 84 دولار لخام برنت للبرميل الواحد، ونظيره الأميركي الى نحو 90 دولارا للبرميل، للعلم ان اللاعب والمؤثر الأول في أسعار النفط هي منظمة أوبك بلص، وان كل أعضائها اما دول إسلامية او عربية او معادية لأمريكا، وهي خفضت الإنتاج العام الماضي نحو 1.3 مليون برميل كي تحافظ على سعر برميل النفط بحدود 80 دولار.

حتى جعلت الاحداث رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول يقول إن الحرب في غزة "لا تجلب أخباراً جيدة" لأسواق النفط المنهكة بالفعل، بسبب خفض إنتاج النفط من السعودية وروسيا وتوقع طلب أقوى من الصين. وتمثل منطقة الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث العرض العالمي من النفط، الذي يعد منطقة عبور النفط الأكثر أهمية في العالم، حيث يبلغ التدفق اليومي للنفط أكثر من 17 مليون برميل وفقًا لشركة سيب للأبحاث، أو 30 في المئة من إجمالي النفط الذي يتم نقله بحراً.

ومن تأثير الجمهورية الإسلامية في إيران أيضًا ـ تمتلك ثالث احتياط نفط في العالم، والداعمة لحركة حماس وتعد العدو اللدود لإسرائيل ـ في سعر برميل النفط هو احتمال أن تشدد العقوبات الاميركية على الجمهورية، لاسيما القطاع النفطي وبالتالي سيتأثر سعر بيع برميل النفط العالمي. وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط على سوق النفط الذي يعاني أصلاً من نقص العرض. لكن قد يقول اخر بإمكانية تعويض ما تنتجه إيران بنفط سعودي، على سبيل المثال، وهو أمر لا يتوقع حدوثه وفقًا لهم؛ لان السعودية على قمة رأس منظمة أوبك التي تتجه دائمًا نحو تخفيض الإنتاج لزيادة الإيرادات النفطية. أو تدخلت دول أخرى من منظمة أوبك +، او دول من خارج المنظمة في مقاطعة بيع النفط لإسرائيل أو حلفائها.

تبدو العواقب في ما يتعلق بالغاز أسرع، ففي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول ارتفع سعر الغاز عبر منصة تداول عقود الغاز الهولندية (تي تي إف)، وهي المؤشر الأوروبي للغاز الطبيعي، بمقدار الثلث مقارنة بما كان عليه قبل هجوم حماس. فإن الحرب "تهدد بشكل خطير سوق الغاز الطبيعي الإقليمي، ويمكن أن يكون لها تأثير على إمدادات الغاز الطبيعي المسال" خاصة أن فصل الشتاء على الأبواب، وسيرتفع الطلب على الغاز والنفط في أوروبا المستهلك الكبير لها.

أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية تعليق الإنتاج مؤقتًا من حقل غاز "تمار" البحري، وأوقفت شركة شيفرون الأميركية العملاقة أنشطتها في الحقل بناءً على تعليمات من السلطات الإسرائيلية. ويمثل هذا الحقل "حوالي 1.5 في المئة من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال في العالم" وفقًا لإينيس، كما يزود السوق الداخلية بشكل أساسي، ثم مصر والأردن. وستكون العواقب أكثر إثارة للقلق في حال إغلاق حقل "ليفياثان" أكبر حقل للغاز في إسرائيل حسب ما يقول المحللون

التأثير على أسعار النفط والدول المنتجة والمستهلكة له

ان أسعار النفط مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأحداث السياسية؛ وعلى سبيل المثال الحروب كحرب الخليج الأولى والثانية والثالثة وحرب أوكرانيا التي رفعت سعر برميل النفط من 74 دولار لخام برنت حتى بلغ اكثر من 120 دولار للبرميل الواحد من خام برنت، اما في يوم 6 أكتوبر كان سعر خام برنت هو 84 دولار للبرميل لكن وبمجرد بدء الاحداث بدأت الأسعار بالارتفاع، فبعد يوم من الاحداث ارتفع خام برنت بواقع 4.18 دولار أو بنسبة 4.94 بالمئة إلى 88.76 دولار للبرميل، في حين سجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 87.02 دولار للبرميل مرتفعا 4.23 دولار أو 5.11 بالمئة. واما في الأيام السابقة وصل لأكثر من 89 دولار من نفط خام الإشارة نفط برنت. وبالتالي ان أسعار النفط ستكون ذات نتائج إيجابية للدول المنتجة للنفط ومنها دول الخليج والعراق ودول منظمة أوبك بزيادة الإيرادات النفطية لكن في نفس الوقت سيزيد العبء على الدول المستهلكة للنفط ومنها أوروبا وحتما ان ذلك سينعكس على أسعار السلع المنتجة وعلى أسعار التوريد والنقل والتي تؤثر بشكل كبير على أسعار السلع وهذا يعني ان ارتفاع سيصيب السلع المستوردة ان المواطن سيلمس ارتفاع بسيط بالأسعار أي ان الامر سينعكس سلبا على المواطن وايجابا على الحكومات المنتجة النفط.

تأثير ذلك على مشروع بايدن بخط الهند أوروبا عبر إسرائيل

منذ سقوط القطب العالمي الثاني وهو الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتفرد اميركا في الهيمنة على العالم، لكن في نفس الوقت شعر المعسكر الشرقي بالخطر الكبير من قبل الغرب وحلف الشمال الأطلسي، وبدء التحرك الصيني الفعلي نحو سد فراغ الاتحاد السوفييتي ولكن خطواتها كانت بطيئة ومحكمة وغير مستفزة للغرب. كان الطريق الاقتصادي هو طريق الصين نحو القطب العالمي الثاني، ومن الخطوات الصينية المهمة هي انشاء حلفين متوازيين غير متقاطعين وأحدهما يعضد الاخر وهما منظمة شانغهاي التي بدأت مشوارها لترسيم الحدود بين الصين وبعض الدول التي خرجت من الاتحاد السوفييتي ثم تحول الى حلف أمنى ومن ثم الى اقتصادي وسياسي، للعلم ان الاجتماع الأخير للمنظمة صوت بانضمام إيران اليها بعدما كانت عضو مراقب بالمؤتمر. أما الحلف الثاني بزعامة الصين هو دول بريكس، وخصوصًا بعد الاجتماع الأخير في افريقيا الجنوبية وانضمام دول مهمه من ناحية الطاقة كالسعودية وإيران، وكذلك تصريح الرئيس الروسي بوتين ورئيس الجنوب افريقي المتضمن نية دول بريكس بأنشاء عملة موحدة للتعامل بينهم بدل الدولار الأميركي.

ضم التحرك الصيني بالعموم عدة دول ليست على وفاق مع الغرب وامريكا، وتعرضت، أو هي ترزح تحت العقوبات الاميركية مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية وغيرهم من الدول المعارضة للنهج الغربي، والصين هي المتصدية للمبادرات، لان الغرب والعالم لا يستطيع فرض العقوبات على الصين، لان أميركا والعالم هو الذي سيتضرر.

يتسم التحرك الصيني بالعموم بأنه تحرك اقتصادي، لذلك اضافت خطًا ثالثًا موازيًا للخطين الاخرين المذكورين أعلاه بصبغة اقتصادية مئة بالمئة؛ لكنه بالحقيقة هو حلف اقتصادي سيتحول إلى سياسي، لان الصين ستدافع حتمًا عن مصالحها، والخط الثالث هو مشروع الحزام والطريق الذي يمر بعدة دول، وله عدة مسارات، ومنها من يمر بالعراق عن طريق ميناء الفاو، أو عن طريق إيران فالعراق فسوريا والبحر الأبيض المتوسط فأوروبا.

يعي العديد من الدول ومنها المجاورة للعراق ما يدور بالمنطقة والعالم ولذلك تحركت نحو الشرق ليكون لها السبق في التحول العالمي الجديد ولذلك اخذت عدة خطوات:

1 -  سارعت لتكون جزءًا من البنك الاسيوي للاستثمار بالبنى التحتية الا العراق، ويقال طلب أخيرًا الانضمام، ولكن لا نعلم كم ساهم، والبنك يتعامل باليوان لا الدولار؛ ولذلك لا يستطيع العراق الانضمام اليه؛ لان أمواله بالدولار في البنك الفدرالي الأميركي.

2 - سارعت دول المنطقة والعالم للانضمام، أو طلب الانضمام الى منظمة شانغهاي والعراق لم يفكر بالأمر حتى.

3 - سارعت دول المنطقة الى الانضمام لدول البريكس ومنها إيران والسعودية ومصر والامارات والقسم الاخر طلب الانضمام ولكن العراق لم يفكر بالموضوع ابدًا.

4 - سارعت دول المنطقة ومنها الجمهورية الإسلامية في إيران والسعودية والامارات والكويت (تأجير جزيرة بوبيان) بالذهاب الى الصين كي تتفق معها حول مشروع الحزام والطريق، حتى إن بعض زعماء دول الخليج صرح بحجم الأموال المخصصة لهذا المشروع

لقد أغلقت الحرب في فلسطين وعملية طوفان الأقصى الطريق في وجه المشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي الذي هو:

1 – مشروع مضاد للصين والمحور الشرقي.

2 – مشروع سيضر بالعراق والجمهورية الإسلامية، لأن المراد منه ان يكون البديل لخط ومشروع طريق الحزام والحرير.

3 –سينفع الكيان الصهيوني بزيادة ايراداته.

4 –مشروع المراد منه أن يكون الحلف سياسيًا قبل أن يكون اقتصاديًا.

في المقابل لن ينفذ هذا المشروع حاليًا، قد يكون مستقبلًا ولكن الملاحظة المهمة هي أن غزة بمقاومتها وبموقعها الجغرافي تشكل حجر عثرة من وجهة نظر الغرب تعرقل المشروع، ولذلك هم مهتمون ومنذ سنين بترتيب الأوراق والاحداث والاتفاقات مع عملائهم لإيجاد بديل عن غزة أي موقع يتم ترحيل الغزاويين اليه ومنها صحراء سيناء او الانبار في العراق.

المضائق البحرية

تتمتع المنطقة في غرب اسيا بمضائق بحرية أهمها مضيق هرمز الذي يسيطر على أكثر من ربع انتاج العالم من النفط، ومضيق باب المندب ومضيق قناة السويس، تتركز أهمية المضيقين في الآتي:

  1. تعتبر أقصر رابط بين الشرق والغرب.
  2. الموقع الجغرافي لها يجعلها أقصر طريق بين الشرق والغرب مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح.
  3. موقعهما الجغرافي الفريد يجعلهما ذات أهمية خاصة بالنسبة للعالم.
  4. أن أكثر من 80 ٪ من حجم التجارة العالمية يتم نقلها عبر الممرات المائية، وهو ما يعرف بالتجارة المنقولة بحراً، حيث أن النقل البحري هو أرخص وسيلة نقل.
  5. تستهلك السفن وقتًا ليس بالطويل للانتقال من البحر الأحمر للمتوسط والعكس، ما يعني توفير الوقت واستهلاك أقل في الوقود وتكاليف تشغيل قليلة للسفن.
  6. طريق مهم لنقل الطاقة والسلع الاستهلاكية والمكونات الصناعية، من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
  7. موقع المضيقين يجعلهما مركزًا إقليميًا رئيسًا لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى.
  8. حوالي عُشر التجارة العالمية تمر عبر المضيقين، وبالتالي يعد الممر المائي لها حيوي للتجارة الدولية.

المضيق الأول هو مضيق هرمز قد تغلقه الجمهورية الإسلامية في إيران في حال نشوب حرب ضدها؛ وهذا ما يخشاه الغرب لأنه يعني انهيار حكوماتهم بسبب الازمة الاقتصادية والغلاء بفعل النقص في امداد النفط. كما أن المضيق الاخر فهو تحت مرمى محور المقاومة اليمنية: أنصار الله الحوثيين، وله نفس الأهمية ما لمضيق قناة السويس غير البعيد عن المقاومة الإسلامية في فلسطين، ويعني محور المقاومة. ولذلك فهذه الحرب ان توسعت ستكون كارثة حقيقية للدول الغربية ومنها أوروبا؛ وسيسقط الكثير من حكوماتهم حتمًا بفعل الازمات الاقتصادية وارتفاع التضخم، ولا ننسى ان الازمة مع روسيا رفعت التضخم بنسبة تزيد عن 7 في المئة، وأكثر من 10 في المئة في بعض الدول؛ ولنا تخيل ما سيصيب أوروبا إن أغلق باب المندب ومضيق هرمز.

تأثير الضربات المقاومة اليمينة على الاقتصاد الصهيوني

يقوم المقاوم الحوثي اليمني باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ردّاً على العدوان الصهيوني المتواصل على غزة، وبالتالي عادت المخاطر الجيو-سياسية التي تهدد التجارة والاقتصاد العالميين إلى الواجهة من جديد. وقد أدت هجماتها في البحر الأحمر وبحر العرب إلى اضطراب في اهم طرق التجارة العالمية للشحن وهو مضيق باب المندب وقناة السويس، إذ أجبرت الشركات التابعة للكيان الصهيوني او الأميركي والبريطاني او الدول والشخصيات المساندة لهم على تغيير مسارها والإبحار في رحلات أطول وأكثر كلفة حول جنوب أفريقيا، كما زادت من المخاوف بشأن اتساع نطاق الحرب في غزة، بما يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط. ومع ان أسعار النقل (الشحن) التجاري العالمي تأثرت بشكل كبير حيث ارتفع سعر النقل البحري 163 بالمئة عالميًا بحسب تصريح الاعلام الصهيوني فهو اعلام يحاول أن يقلل من شأن هذه الضربات. وأهميتها، ويقول إن تأثير الهجمات اليمنية على سفن الشحن في البحر الأحمر محدود على التجارة في إسرائيل، ولم تسفر عن ضغوط تضخمية كبيرة.

أهمية مضيق باب المندب للكيان

يعد مضيق باب المندب جزءً من مسار الحركة الملاحية التجارية التي تمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر، فقد يبلغ عرض باب المندب 30  كيلومترًا في أضيق نقاطه، ما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات الواردة والصادرة، تفصل بينهما جزيرة بريم التابعة لليمن، تفصل المضيق إلى قناتين الشرقية منها تعرف باسم باب إسكندر عرضها 3 كم وعمقها 30م. والمضيق يبعد أكثر من الف ميل من غزة، ويعد منفذ البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، و"يتدفق من خلاله عادة من 12 إلى 15 في المئة من حجم التجارة البحرية التي تمثل 85 في المئة من إجمالي التجارة العالمية" بحسب بعض الآراء.

يتم عبور ناقلات النفط عبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يوميا من شحنات النفط الخام والوقود (حجم ما يمر منهما من منتجات نفطية نسبته من ثمانية إلى 12 في المئة)، عن طريق عبور 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يوميا في المتوسط عام 2023 الذي كان 20 عام 2022، واما مجمل السفن فتكون من 30 الى 50 سفينة يوميًا أي مرور نحو 21 ألف سفينة سنويًا.

إذا استمر العدو الصهيوني على غزة وكذلك العدوان الأميركي البريطاني وحلفائهم من العرب، فقد يؤدي الى توقف الملاحة نهائيًا عبر مضيق باب المندب وقناة السويس؛ وبالتالي تذهب الشركات طريق رأس الرجاء الصالح، ما يزيد من رحلة السفينة 11 يوما تقريبًا وهو ما سيؤدي إلى مزيد من تأخير سلاسل الإمداد. خاصة أن 90 في المئة من إجمالي واردات البترول في الخليج الذي يذهب إلى الشرق الأدنى والأقصى يمر عبر مضيق هرمز. لو حصلت أي مشاكل في هذه المنطقة، فسعر برميل البترول سيرتفع بدرجة كبيرة.  وان عدد السفن التي تمر بالمندب هي بحدود 30 الى 50 سفينة تجارية تمر عبر مضيق باب المندب، فيما تمر حوالي 115 سفينة تجارية من مضيق هرمز.

والخلاصة، هي أن التصعيد الأخير قد يجبر أعضاء محور المقاومة للدخول التدريجي والتصاعدي في مواجهة العدوان الصهيوني والمحور الغربي، وان العدوان الأميركي سيجعل اليمن أقوى، لأن الحرب الظالمة التي شنتها السعودية على اليمن كان بمساعدة دول العالم كله، ومنها أميركا وبريطانيا والبحرين وإسرائيل للقضاء عليه، ولكنه خرج أقوى، وبالتالي فهذه المواجهة امتداد لتلك الحرب القديمة التي سميت بالسعودية، ولكن بالحقيقة هي حرب الغرب على اليمن. وقد تدخل الجمهورية في المواجهة وحينها فقد يصل سعر برميل النفط الى 500 – 700 دولار وحينها معظم دول أوروبا ستنهار اقتصاديًا. وحتى إن لم يدخل طرف اخر في المواجهة واقصد الجمهورية الإسلامية، فان أسعار النفط سترتفع الى حدود 3 – 5 في المئة من الأسعار الجارية وهي بحدود 80 دولار، ويوجد عامل أخر يزيد من التضخم العالمي وهوا غلاق باب المندب ولذي يجعل السفن التجارية تذهب في مسار راس الرجاء الصالح الذي:

1 - يزيد الزمن 11 يومًا

2 - يوجد فيه مخاطر القرصنة

3 – ارتفاع كلفة التأمين على السفن.

وهذه الأسباب سترفع قيمة السلع عالميًا، وسعاني العالم من تضخم الأسعار قد يزيد على 5 في المئة، كما لا ننسى أن الازمة الأوكرانية رفعت التضخم عالميًا بمعدل يفوق 8في المئة وبالتالي فالكثير من دول العالم وبالخصوص أوروبا ستعاني من أزمات اقتصادية كبيرًا جدًا جدًا.

التأثيرات

أدت التغيرات الجيو-سياسية في السنوات الأخيرة إلى زيادة أهمية البحر الأحمر الذي يعد ممرّاً للبضائع من شرق آسيا. ومن خلال المرور عبر قناة السويس، يجري تفريغ البضائع المتجهة إلى إسرائيل في ميناءي أسدود وحيفا على البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن تلك التي تصل مباشرة إلى ميناء إيلات المُطل على خليج العقبة. ولأن إسرائيل لا تمارس أي تجارة عن طريق البر، كما تفعل أوروبا على سبيل المثال، فإنها تعتمد بشكل كبير على موانيها البحرية التي يمر عبرها أكثر من 98في المئة من تجارة البضائع الإسرائيلية، حسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية. ففي العام 2006، وصل نحو 191 ألف حاوية بضائع إلى الشواطئ الإسرائيلية من شرق آسيا، بينما جاءت 268 ألف حاوية من أوروبا الغربية. ولكن بحلول العام 2019، جرى تفريغ ما يقرب من 278 ألف حاوية قادمة من آسيا في مواني أسدود وحيفا، بينما انخفض العدد من أوروبا الغربية إلى نحو 260 ألف حاوية.  تمثل الهجمات التي يشنها اليمن على السفن التجارية تهديدًا إستراتيجيًا لطرق الشحن العالمية وحركة النقل البحري إلى إسرائيل رغم عدم وجود تأثير مباشر لها على نشاط الموانئ.  

ردود أفعال شركات الشحن العالمية

هذا تحديث برد فعل شركات الشحن وفق ما أوردته رويترز في تقرير لها:

  • مجموعة الخدمات اللوجستية العالمية "سي إتش روبنسون" العالمية: غيرت مسار 25 سفينة لتبحر حول طريق رأس الرجاء الصالح ومن المرجح أن يستمر العدد في الزيادة.
  • مجموعة الشحن الفرنسية "سي إم إيه – سي جي إم": تعتزم زيادة عدد السفن في البحر الأحمر تدريجيا، لكنها ستزيد أسعار شحن الحاويات من آسيا إلى منطقة البحر المتوسط بنسبة تصل إلى 100في المئة اعتبارا من 15 يناير/كانون الثاني الحالي مقارنة بأول الشهر.
  • شركة ناقلات النفط البلجيكية يوروناف: تتجنب منطقة البحر الأحمر لحين إشعار آخر.
  • شركة إيفرغرين التايوانية لشحن الحاويات: غيّرت مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح.، وتوقفت مؤقتا عن قبول نقل البضائع الإسرائيلية.
  • مجموعة فرونت لاين لناقلات النفط ومقرها النرويج: تتجنب المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن.
  • شركة الشحن النرويجية المتخصصة في ناقلات شاحنات السيارات غرام كار كاريرز: ابتعدت عن البحر الأحمر.
  • شركة شحن الحاويات الكورية الجنوبية إتش إم إم: تحولت إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
  • شركة الشحن النرويجية هوغ أوتولاينرز: وقفت العبور في البحر الأحمر.
  • الشركة المشغلة لأسطول ناقلات كلافينيس كومبينيشن كاريرز ومقرها النرويج: قررت عدم الإبحار عبر البحر الأحمر ما لم يتحسن الوضع.
  • شركة البحر المتوسط للشحن "إم إس سي": قررت عدم المرور عبر البحر الأحمر بعد عمليات الحوثي.
  • أوشن نتورك إكسبرس، وهي مشروع ياباني مشترك بين شركات "ميتسوي أو إس كيه لاينز" و"نيبون يوسن" و"كاواساكي كيسن كايشا": قررت تغيير مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح.
  • شركة أورينت أوفرسيز كونتينر لاين (أو أو سي إل)، ومقرها هونغ كونغ: قررت تغيير المسار بعيدا عن البحر الأحمر وقررت عدم قبول بضائع من إسرائيل وإليها.
  • مجموعة ولينيوس فيلهلمسن النرويجية: أوقفت جميع الرحلات في البحر الأحمر.
  • شركة الشحن البحري التايوانية يانغ مينغ: غيرت مسار السفن نحو رأس الرجاء الصالح.

تأثير الحرب على القوى العاملة في الكيان

يعمل مئات الألاف من قوات الاحتياط في قطاعات الصناعة والنقل والتعليم والاتصالات والطاقة والأكل والبنوك. وهو أكبر استدعاء إسرائيلي لقوات الاحتياط منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 عندما واجهت إسرائيل حربًا من جبهتين الأولى مصرية من الجنوب والأخرى سورية من الشمال. ومن المؤكد ان هذا الاستدعاء أضر بالاقتصاد الإسرائيلي، فهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى تجهيزات وغذاء ومأوى إلى جانب سحبها من سوق العمل وتعطيل الأعمال التي كانت تقوم عليها؛ فقطاع التكنولوجيا الذي يشغل 14في المئة من القوى العاملة على سبيل المثال سحب القوى العاملة في هذا القطاع لفترة طويلة ما سيؤثر في قدرته على الاستمرار من ناحية، ومن ناحية ثانية سيقلل من جاذبية المستثمرين الأجانب فيه. وكان قطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد جذب خلال العام الجاري استثمارات من صناديق سيادية بنحو 5.5 مليارات دولار. وفي ظل هذه الأوضاع توقف أكثر من 130 ألف عامل من الضفة الغربية عن العمل في إسرائيل، ومعظمهم يعملون في مجالي الزراعة والبناء، مما دفع وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، إلى السعي لتمرير قرار في الحكومة من أجل جلب 160 ألف عامل أجنبي، وخاصة من الهند، ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين.

ومن الممكن تصنيف الخسائر الصهيونية بالخسائر المباشرة التي تستخدم أيام الحرب وأخرى ممكن تسميتها بغير المباشرة، وتعني الاثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، بالتالي ان الحرب ستنتج:

1 – نزوح عدد من السكان، أو الاختباء في الملاجئ، وبالتالي فالعاملين لن يستطيعوا الوصول للعمل، يعني توقف الصناعة.

2 –توقف الصناعة يعني: التزامات المصنع تجاه المستوردين ستكون محرجة؛ وبالتالي قد يلجأ المستوردون إلى مصانع في دول أخرى ان استمرت الحرب وطالت، وهذا يعني أيضًا ـ فضلًا عن الخسائر الناتجة عن التأخير في تصدير البضائع ـ تراجع مكانة إسرائيل في الأسواق العالمية إثر التراجع.

3 – تأثر قطاع السياحة بسبب عدم الاستقرار الأمني، ما يعني قلة بالإيرادات الغير نفطية. شكل فرع السياحة الإسرائيلية قرابة 2في المئة من الناتج المحلي، ويشغّل 3،5في المئة من القوى العاملة في إسرائيل.

4 –هجرة عكسية لليد العاملة والكفاءات التي ستؤثر على الاقتصاد.

5 –الخسائر تكبر يوم بعد يوم نتيجة القصف الصهيوني الذي يحتاج ميزانية كبيرة ونتيجة استهداف المقاومين للآليات العسكرية التابعة للكيان الصهيوني.

6 – انخفاض الاستهلاك، للعلم ان الاستهلاك المحلي يشكل بحدود 65 في المئة من الناتج المحلي وبالتالي ان معظم المنتجات ستعاني من كساد.

7 – تأثير حملات المقاطعة المستقبلي التي من المتوقع تصاعدها بعد انتهاء الحرب.

8 - تراجع تصنيف الائتمان الإسرائيلي في أسواق المال العالمية، الأمر الذي يزيد في كلفة تجديد القروض.

9 –راس المال جبان وبالتالي انحسار الاستثمار الأجنبي في إسرائيل او تراجعه.

10 – انخفاض قيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل) أي ارتفاع في أسعار صرف الدولار واليورو في مقابل الشيكل، وهو ما يلحق الضرر بالصادرات والسياحة.

11 – تراجع حجم جباية الضرائب، ومنه تراجع في مداخيل الدولة، وهو ما يعني إمكان فرض ضرائب جديدة وتقليص في الميزانيات. في هذه الحالة تتباطأ الدورة الاقتصادية الكلية وتزداد احتمالات الركود الاقتصادي وارتفاع البطالة.

12 – في حالة استغرقت الحرب وقتًا طويلًا فقد يدخل الاقتصاد الإسرائيلي في حلقة مفرغة من الركود والبطالة ستؤثر عاجلاً أم آجلاً في سوق العقارات، وتتسبب بهبوط أسعارها وتراجع سداد قروض الإسكان، ما يهدد مناعة البنوك والشبكة المالية في إسرائيل.

12 – تمتلك إسرائيل حقل "ليفياثان" للغاز الطبيعي في البحر المتوسط الذي سيتوقف، وبالتالي ستعاني من عجز في امدادات الطاقة.

تأثير حرب طوفان الأقصى على الشركات العالمية

وفي الأيام الأولى للحرب، أوقفت شركات عالمية عدة بعض عملياتها في إسرائيل، أو طلبت من موظفيها العمل من المنزل. فقالت شركة "نستله" السويسرية، إنها أغلقت مؤقتا أحد مصانعها للإنتاج في إسرائيل "كإجراء احترازي". كما أغلقت مجموعة شركات "إنديتكس" الإسبانية العالمية مؤقتا 84 متجرا تابعا لها في إسرائيل، بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى". من جهتها أخبرت سلسلة متاجر "إتش آند إم" السويدية -التي تمتلك 20 متجرًا في إسرائيل- عملاءها أنه "بسبب الوضع الراهن، قد يكون هناك تأخير في مواعيد التسليم"، بالنسبة لعمليات الشراء عبر الإنترنت.

وفي قطاع الأعمال طلب بنك "جي بي مورغان تشيس" من 200 موظف في إسرائيل العمل من المنزل. كما طلب كل من بنك "غولدمان ساكس" ومورغن ستانلي من العديد من موظفيهما في إسرائيل الشيء نفسه.

تأثير الحرب على مصر

تعد قناة السويس واحدة من أهم الممرات البحرية في مجال التجارة العالمية عبر البحار لاختصارها مسافات طويلة بين آسيا وأوروبا وبين أفريقيا وأوروبا وهو ما سيؤدي إلى تقليل تكلفة النقل البحري. وأفادت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر الدكتورة هالة السعيد -عبر موقع الوزارة- إبان الإفصاح عن خطة التنمية لعام 2022-2023 أن "قناة السويس يمر من خلالها نحو 10في المئة من إجمالي حركة التجارة العالمية، وما يُقارب 25في المئة من إجمالي حركة البضائع التي تنقل بالحاويات عبر البحر، و100في المئة تقريبًا من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحرًا من بين آسيا وأوروبا".

ومن اهم المشاريع التي يقوم فيها الكيان الغاصب هو انشاء قناة موازية لقناة السويس وتربط بين خليج العقبة من ناحية الجنوب والبحر الأبيض المتوسط، والامر أصبح سهلًا بعد تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير وبيعها إلى السعودية؛ ومضيق تيران يفصل بين البحر الأحمر وبين خليج العقبة. وقد احتلت إسرائيل جزيرة تيران عام 1956 ضمن الأحداث المرتبطة بالعدوان الثلاثي ومرة أخرى في الأحداث المرتبطة بحرب 1967 وانسحبت منها عام 1982 ضمن اتفاقية كامب ديفيد. بعد الانسحاب الإسرائيلي عادت الجزيرة إلى الحماية والإدارة المصرية ويتواجد بها قوات دولية متعددة الجنسيات بحسب اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ووقوعها في المنطقة.

تأثير عملية طوفان الأقصى في تشكيل قطب عالمي جديد

ـ ظهور قطب عالمي جديد:  يتجه العالم نحو ظهور قطب عالمي جديد بدل العالم الذي تشكل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهو عالم احادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الذي تمادى في عجرفته، وقسم العالم بين مؤيد وصديق وعدو؛ وهذا ظهر جليًا بعد احداث 11 أيلول سبتمبر (استهداف أبراج التجارة العالمية عام 2001) فأصبحت تفرض العقوبات خارج مجلس الامن من قبلها ومن خلفها الدول التابعة لها واولهم دول حلف الشمال الأطلسي (الناتو) مثل الحصار والعقوبات على الجمهورية الإسلامية في ايران وعلى روسيا والصين وشخصيات من ابنان وهكذا، تتصرف وكان العالم لعبة بين ايديها. ولم تكتف بذلك؛ بل ذهبت الى أكثر من العقوبات؛ فاحتلت دولًا من دون تفويض من مجلس الامن مثل احتلال أفغانستان واحتلال العراق عام 2003 وكذلك تقوم بضربات في عمق دول أخرى بتفويض من قانون اقرته هي وكانت بقية الدول ولايات تابعة لها مثل قانون (AUMF) بحجة تهديد الامن القومي الأميركي. وقد أنتجت هذه السياسة الأحادية القطبية الكثير من الدول التي تعرضت للعقوبات مما جعلها تتجمع فيما بينها للتخلص او تخفيف تلك العقوبات ومنها إيران وكوريا وروسيا والصين وفنزويلا وغيرهم من الدول، التي تجمعت في تجمعات باسما مختلفة منها منظمة شانغهاي وتجمع بريكس، وغيرها من التجمعات الماضية في تشكيل قطب عالمي موازٍ للقطب الغربي بزعامة أميركا وحلف الناتو والمؤسسات التي تحكم العالم تحت مظلة الأمم المتحدة لكن تحت سيطرة أمريكا.

ـ ساهمت عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة في تعجيل ظهور القطب العالمي بعد الاحداث الأوكرانية والعقوبات الكبيرة الموجهة ضد روسيا ومنها التي طالت قطاعي المال والطاقة، واضطرتها إلى استخدام البدائل مثل ترك نظام سويفت للتحويل المالي وترك التعامل بالدولار، بل طلبت روسيا من البريكس ان يكون لها عملة خاصة، وهي بريكي كبديل عن الدولار.

ـ تمثل إيران رأس حربة في مواجهة الغرب واميركا في المنطقة، وهي تمثل رأس مجموعة المقاومة والممانعة ضد الغرب ومن أعضاء محور المقاومة والممانعة هو حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين في اليمن، كما كان لإيران الدور المحوري والرئيس مع الروس في الحفاظ على سوريا من السقوط في يد العناصر الإرهابية الداعشية. وبالتالي فالأحداث في فلسطين جزء من الصراع الغربي والشرقي، بين المحور الغربي وبين المحور الشرقي (ومن ضمنه محور المقاومة) وخسارة إسرائيل للحرب يعني كسر الإرادة الاميركية وحلف الناتو في المنطقة وزيادة نفوذ المحور الجديد المحور الشرقي، وخسارة حماس يعني خسارة المحور الشرقي بأجمعه ومنها الصين وروسيا وإيران والعكس يعني خسارة الغرب وحلفائها؛ وبالتالي فالحرب الحالية وجودية بين محورين عالميين، وناتجها سيشكل تحالفات وعالم جديد.

             ـ اهم بعض آثار الحروب المترتبة على الاقتصاد:

  1. انخفاض العمالة الوافدة، وعجز في ميزانية الدولة والشركات.
  2. ضعف الاستثمار في الدولة التي تخضع للحرب.
  3. انخفاض في الأرباح التجارية، ومعدل الإنتاجية.
  4. انهيار البنية التحتية للدول التي خاضت الحروب والحاجة إلى وقتٍ لإعادة بنائها.
  5. ركود في النشاط الاقتصادي الاعتيادي.
  6. انهيار المنظومة التعليمية.
  7. ارتفاع في زيادة مستوى الدين العام في كلا القطاعين العام والخاص.
  8. التضخم وفقدان المدخرات.
  9. ضعف الأمن؛ ممّا يؤدي إلى انخفاض رغبة المستثمرين في الاستثمار في الدول التي تتعرض للحرب.
  10. أشار بعض التسريبات الاقتصادية والتحليلات الى ان العدو يملك احتياطيًا من النقد الأجنبي يبلغ 198 مليار دولار في نهاية أيلول الماضي، استخدم منه 45 مليار لوقف انهيار الشيكل و5 مليارات للدعم اللوجستي وخطة الطوارئ في الحرب. ‏بأوّل أسبوعين 50 مليار دولار من الاحتياطي، وهذا يعني أنه لا يستطيع إطالة الحرب.
  11. استمرار الحرب يعني زيادة في التضخم العالمي، وليس المحلي فقط، وتراجع النمو وارتفاع بأسعار النفط، وأشارت وكالة بلومبيرغ الى ثلاث سيناريوهات في هذا الخصوص: الأول لو اقتصرت الحرب على غزة، سترتفع أسعار النفط بـ 3 إلى 4 دولارات، وزيادة التضخم بـ 0.1 نقطة مئوية ، وانخفاض نمو الاقتصاد العالمي بـ 0.1 نقطة مئوية، أما الثاني لو توسعت الحرب إلى دول مجاورة، سترتفع أسعار النفط  10في المئة، وزيادة التضخم 0.2 نقطة مئوية ، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.4في المئة، والسيناريو الثالث في حال مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، سترتفع أسعار النفط إلى 150 دولارًا، وزيادة بالتضخم بـ 6.7 نقطة مئوية ، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بـ 1.7في المئة.

 

ورقة عمل الاستاذ ماجد الشويلي:

" محورية إيران في منطقة غرب آسيا: لماذا غرب آسيا وليس الشرق الاوسط"

‏     يشهد العالم حربًا ضروسًا من أشد الحروب ضراوةً او فتكًا بعقول المجتمعات الإنسانية، وهي ليست وليدة اليوم، ولا وليدة عصرنا هذا ؛ بل لعل صدر الإسلام ومع بزوغ فجر الدعوة إلى التوحيد،  شهد معالم هذا النزاع اللفظي والتلاعب بالمصطلحات في حين كان القرآن الكريم والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يؤكدان ‏ ضرورة استقلالية الأمة بمصطلحاتها و تعريفها كجزء من هويتها التي يراد لها أن تكون مميزةً عن بقية المجتمعات الأخرى وجعلها سببًا من أسباب حصانتها وممانعتها وضمان عدم انصهارها في المجتمعات الأخرى .وقد شدد القرآن الكريم على ضرورة مخالفة أهل الكتاب في مصطلحاتنا ‏ومفرداتنا واستعمالاتنا اللفظية بقوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ البقرة (104).

‏رغم أن المعنى اللغوي مشترك بين اللفظين إلا أن القرآن أراد للمسلمين أن تكون لهم مفرداتهم وتعبيراتهم الخاصة بهم كجزء من هويتهم وثقافتهم، كما أن اعداء الإسلام منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا كانت لهم مفاهيمهموما عُرف عن حربهم على الإسلام وأحكامه وتشريعاته أقل ما يقال عنه أنه حرب شعواء إيمانًا منهم أن المفاهيم و المصطلحات تمثل نافذة مهمة لاختراق اقوى المجتمعات الإسلامية، فأطلقوا مصطلح (الفائدة) في التعاملات المصرفية،  واصطلحوا على الخمر (المشروبات الروحية) وعلى الشذوذ الجنسي (المثلية) وعلى التبرج (الموضة)، اما الزنا فاصطلحوا عليه (استجابة لنداء الطبيعة)، وغير ذلك ولقد امتدت واستمرت هذه الحروب المعرفية في تفاصيلها الدقيقة إلى اعتماد مصطلحات ومفاهيم مشككة لإدخال العالم في دوامة من النزاعات والتجاذبات الفكرية و الفلسفية والقانونية .أما اعتماد مفهوم الإرهاب هذا المفهوم الفضفاض لا يمكن الوقوف على مصاديقه بالكمال والتمام بيسر وسهولة وهو قابل للتأويل والتفسير المتناقض ، ويمكن استعماله كذلك بصورة جاهزة ، لاستهداف كل من يريد الخلاص من هيمنة الاستكبار العالمي بوصفه بالإرهاب .

‏لذا وجدنا الأمام الخامنئي (اعزة الله) يؤكد وبإصرار على ضرورة أن تتبنى النخبة الإسلامية إعادة صياغة المفاهيم وتعريفها بشكل واضح، لابد من إعادة صياغة مفهوم الديمقراطية والحرية والسلام وحقوق الإنسان بل لابد من إعادة صياغة مفهوم السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وغير ذلك كما أشرنا، إن دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا، وظّفت هذه المصطلحات والمفاهيم لخدمة مصالحها وفرض هيمنتها على شعوب العالم، واتخذت منها وسيلة للسيطرة على المنظومة الدولية. لذا ليس غريبًا على الإمام الخامنئي أعزه الله أن يتبنى ‏هذه الدعوة، وهو قائد الثورة الإسلامية المباركة التي فجرها الأمام الخميني (قدس سره الشريف) والشعب الإيراني المسلم. هذه الثورة التي تمتعت بشمولية كبيرة، أي أنها اشتملت على خصائص الثورة الناجحة كافة، ومن جملتها أنها اشتملت على مصطلحاتها الخاصة بها والتي كانت تمثل معالم هويتها الإسلامية.

بعض من المصطلحات السياسية التي أرستها الثورة الاسلامية في إيران:

‏الشيطان الأكبر: والمقصود به الولايات المتحدة الأمريكية وهو المصطلح الذي اخذ بدايات كبيرة ودخل في القواميس السياسية وله استعماله وتداوله المعاصر على نطاق واسع.

‏الكيان الصهيوني: رغم أن هذا المصطلح ‏كان موجودًا قبل نجاح الثورة الإسلامية إلّا أن الثورة الإسلامية منحته زخمًا إضافيًّا وعادت به إلى الواجهة الإعلامية بعد ان أوشك على الانكسار بشكل كامل عقب دخول مصر في معاهدة السلام (كامب ديفيد) وتوقيع (اتفاقية أوسلو) و(اتفاقية وادي عربة).

كما أن الثورة الإسلامية غالبًا ما اصطلحت عليه (الكيان الغاصب).

الاستكبار العالمي: ‏ هو المصطلح الذي كاد أن يُنهي استعمال مصطلح الإمبريالية بشكل كامل فقد وجدنا مراكز الدراسات والمحللين العرب يعتمدون هذا المصطلح بأريحية كبيرة دون أية تحفظات وهو مصطلح تم استخلاصه من القرآن الكريم.

محور المقاومة: مصطلح يعبر عن مجموع القوى التي تناضل من أجل تحرير فلسطين ونصرة الشعب الفلسطيني وتقف ضد المشاريع الصهيو-أمريكية في المنطقة ‏وخاصية هذا المصطلح انه يعبر عن وجود فعلي وواقعي على الأرض وليس عن تحالف سياسي او معاهدة او اتفاقية، هو محور تجمع أعضاءَه العقيدة ووحدة الهدف.

خط الإمام: وهو المصطلح الذي يعبر عن المنهج الفكري والثوري للإمام الخميني، ولا يقتصر على الإيرانيين فحسب، بل يشمل الإيرانيين وغيرهم أفرادًا ودولًا ومنظمات.

السيادة الشعبية الدينية: هذا المصطلح يراد به التعبير عن النظام السياسي في إيران، وتارة يراد به أن يكون تعبيرًا مرادفًا للديمقراطية ويستند إلى رؤية متحضرة تقوم على أساس الثابت من معتقدات الشعب الإيراني وهو الإسلام في الشعب الذي يتمتع بالسيادة وممارسة هذه السيادة بحدود ما رسمه الدين والشريعة المقدسة.

‏يوم القدس العالمي: وهو مصطلح يُعبَّر فيه عن آخر جمعة من شهر رمضان لتعبئة العالم، وليس الشعوب الإسلامية فحسب، لنصرة القضية الفلسطينية، وهو من المصطلحات التي نفذت إلى ثقافة الشارع الغربي ولم يعد مقتصرًا على الشعوب الإسلامية وحدها.

  المصطلحات السياسية التي انتجتها الثورة الإسلامية

من جملة المصطلحات السياسية التي انتجتها الثورة الإسلامية مصطلح (غرب آسيا) ‏بدًلا من مصطلح الشرق الاوسط. وقبل أن نأتي الى بيان أهمية مصطلح (غرب آسيا) وأهميته وتأثيره في المنطقة نقف على حقيقة وخلفية مصطلح (الشرق الأوسط).

‏الشرق الاوسط : مصطلح اوربي حديث تخضع مدلولاته لاعتبارات سياسية حضارية وجغرافية ،  وقد يتسع ويضيق هذا المفهوم وتتسع معه جغرافيته بحسب تباين المعايير والمقاصد السياسية ، وهو مصطلح له مترتبات وثيقة بالتوجهات الاستعمارية كاستراتيجية  قديمة وحديثة لها بالنسبة للقوى العالمية الكبرى، هذا المصطلح أشرفت على مسايرته وزارة الخارجية البريطانية في نهاية القرن التاسع عشر واستخدمه احد ضباط البحرية الأميركية  ( الفريد ماهان) في مقال نشره في العام 1902 خلال فترة الحرب العالمية الثانية فاستعمل مصطلح (الشرق الأوسط) للدلالة على مركز القيادة ‏العسكرية البريطانية في مصر .

‏متى ما خط مفهوم الشرق الاوسط حدود الجغرافيا وتفعيل تأثيرات الصراعات وفق الرؤية العالمية في هذه المنطقة فإنه يشكل الإقليم السياسي الجغرافي الذي يضم القارات الثلاث بما تحوي من المتناقضات. ومن الواضح أن الجغرافيين لم يستعملوا هذا المصطلح وإنما عالجه استراتيجيون كـ (الفريد ماهان) ‏في العام 1902 كما أشرنا سابقًا حينما كان يحدث حكومته عن إنشاء استراتيجية مضادة للنشاط الروسي في إيران، وهكذا ظهرت استعمالاته في النشاطات التوسعية الألمانية تجاه بغداد وحتى استقر استعمال (الشرق الأوسط) كناية عن تلك المنطقة الواقعة بين الشرقين الأدنى والأقصى فتلاقفه الإعلام واستمر واعتماده كمصطلح سياسي رسمي في المنظمة الدولية والعلوم السياسية في الجامعات.

‏وفي الوقت الذي اختلفت الآراء حول تحديد الإطار الجغرافي، كما أشرنا سابقًا، نرى أن هناك من يستبعد او يضم بعض الأجزاء من الأراضي والأقاليم التي تقع على طرفَيْ هذا الإقليم (غرب آسيا)، تبعا لمقتضيات المصلحة السياسية للدول العظمى الفاعلة في الساحة الدولية وبالأخص على صعيد الحرب ووجود الصين، ويُعَدّ الشرق الاوسط من أهم المواقع العالمية على الصعيد الاستراتيجي نظرًا لأهميته وما يتمركز فيه من ممرات بحرية وبرية، فهو حلقة وصل بين القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا برًّا وبحرًا وجوًّا.

 وبناءً على ما تقدم يقصد بالشرق الاوسط غالبًا القسم الشمالي الشرقي من إفريقيا وبالتحديد مصر والسودان والعراق ودول الخليج واليمن وتركيا وإيران وافغانستان ولا توجد خطوط واضحة المعالم للتفريق بين الشرق الأقصى والشرق الأوسط الأدنى إلى الخطوط النظرية التي تستعمل في توزيع وتقسيم القوى الدولية كذلك أن المعهد البريطاني الملكي للعلاقات الدولية قد حدد الشرق الاوسط على انه الإقليم الذي يشمل إيران وتركيا وشبه الجزيرة العربية.

لماذا غرب آسيا وليس الشرق الأوسط؟

‏إن من اهم الاسباب التي دفعت الأمام الخامنئي - أعزه الله -بحسب تقديرنا إلى اعتماد مصطلح آسيا بدلًا من الشرق الأوسط، هو للدلالة على منطقتنا الإسلامية:

‏أولًا: إن الإمام الخامنئي يعمل على تأسيس الحضارة الإسلامية وينظر إلى أن مقتضيات هذه الحضارة تستدعي لملمة كل جزيئات المنطقة وجعلها خالية من كل انواع الوجود الأجنبي، وفي مقدمتها الوجود العسكري الذي يعَدُّ محاميًا وراعيًا للثقافة الغربية المغروسة في عالمنا الإسلامي، وهذه المنطقة على وجه التحديد والأهمية وتأثير المصطلحات السياسية في ثقافة الشعوب، كان لزامًا على هذه الأمة أن تعتز ببيئتها وتأريخها وثقافتها، وقد يكون لها مصطلحاتها الخاصة بها والتي تعبّر عن هويتها وثقافتها الإسلامية الأصيلة.

‏ثانيًا: ‏إن مصطلح غرب آسيا يأتي في سياق وضع اللبنات الاساسية لمشروع الحضارة الإسلامية في المنطقة.

‏ثالثًا: ‏يأتي هذا التعبير في سياق تحديد الإطار الجغرافي الذي تستند إليه الأمة الإسلامية لبيان حدودها ومكانتها في النظام العالمي الجديد.

رابعًا: ‏إن اعتماد هذا المصطلح (غرب آسيا) فيه إشارة لتوفر دول المنطقة على كافة لوازم التحول إلى النظام العالمي الجديد، بما في ذلك المفاهيم السياسية والرؤية الفلسفية في منظومة العلاقات الدولية.

خامسًا:‏ ينطوي هذا المصطلح على بعد السيادة والاستقلالية عن الغرب.

سادسًا: ‏كما أن هذا المصطلح يعبر عن عمق النظرة للمفاهيم التي تتّصف بها الجمهورية الإسلامية.

سابعًا:‏ هذا المصطلح يساهم في تعزيز أواصر دول المنطقة ويشير إلى عظم الروابط والأواصر التي تجمعها.

‏هذا ما يمكن استنتاجه من اعتماد الإمام الخامنئي اعزة الله لمصطلح آسيا.

أهم خصائص منطقة غرب آسيا

‏     تتمتع منطقة غرب آسيا بجملة من الخصائص التي تجعلها واحدة من أهم المناطق العالمية إن لم تكن أهمها وتتوزع هذه الخصائص الروحية والدينية والاقتصادية والأمنية و الجغرافية فضلًا عن مراكز الطاقة البحرية والبرية، حيث تتمركز في هذه المنطقة مجموعة من نقاط القوة الاقتصادية والتجارية إضافة إلى الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط والغاز والمساحات الزراعية الشاسعة ، وللممرات البحرية الخمسة المحيطة بهذه المنطقة الأثر البالغ في محاكاة أهميتها وتأثيراتها على استراتيجيات الدول العظمى التي تستنفر قدراتها الحربية وتنشر أساطيلها البحرية كي تفرض سيطرتها في هذه المنطقة الحساسة .

الممرات المائية

اولًا: ‏مضيق هرمز، ومن خلال هذا المضيق يمر حوالي 40% من النفط المنقول بحرًا على المستوى العالمي. وتعتمد اليابان على ما يقرب من 84% من حاجتها النفطية عبر هذا المضيق. كما تعتمد الصين والهند وكوريا الجنوبية على ما نسبته 70%. في حين تعتمد الولايات المتحدة على ما يقرب من 20% من النفط الواصل إليها عبر هذا المضيق. أما بالنسبة للعراق فإن أغلب صادراتها النفطية تمر عبر هذا المضيق بنسبة 98%، وتعتمد موازنته الوطنية على هذا التصدير بنسبة عالية جدًّا.

ثانيًا: ‏مضيق باب المندب، يبلغ عرضه 30 كيلو متر ويعد من أهم الممرات الحيوية التي تمر من خلالها الصادرات النفطية إلى أوروبا، و ما يقرب من 3.5 مليون ‏برميل نفط من الخام الأسود أي ما يعادل 30% من النفط العالم.

ثالثًا: قناة السويس، ‏تشكل هذه القناة أبرز ممر للسفن المارة بين آسيا وأوروبا ويمرّ من خلالها 10 _ 15% من التجارة العالمية

المياه والامن الغذائي في منطقة غرب آسيا

‏     تصاعدت في الآونة الاخيرة احتمالية نشوب حرب المياه في منطقة غرب آسيا لأسباب عديدة يعود بعضها إلى التقلبات المناخية وأن شاء السدود العملاقة والتوسع في الزراعة، ولذا فإن عبارات حرب المياه ليست بالجديدة، فقط صرح الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في العام 1979:"‏ إن الطريقة الوحيدة التي تمكّن مصر حصولها على استحقاقها من المياه هو الانخراط في حرب المياه ".    كذلك أشار الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي في العام 1985 بقوله: " الحرب القادمة في العالم ستكون حول المياه وليس السياسة ".

‏     وفي العام 1995 صرّح صلاح اسماعيل سوراج نائب رئيس البنك الدولي بقوله:" ‏في حين أن كثيرًا من الحروب في القرن الواحد والعشرين كانت على النفط فإن الحروب القادمة ستكون على الماء ".

‏    أما كوفي أنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة فقد ذكر:"‏أن المنافسة القوية على موارد المياه قد تكون عاملًا في الصراع والحروب في المستقبل ". وتؤكد الأمم المتحدة أن منطقة آسيا نادرة المياه، وقد يسهم ذلك في تأجيج الصراعات بين دول المنطقة خاصة وأن التهديدات الاقتصادية والانقسامات العرقية والمذهبية والإرهاب والتطرف الديني والأزمات البيئة والتواجد الأجنبي في المنطقة عوامل ترفع من احتمالية نشوب حرب المياه في هذه المنطقة، كما أن سوء إدارة المياه وإنشاء السدود العملاقة وعدم الالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية عوامل إضافية قرّبت من احتمالية نشوب حرب الصراعات حول المياه في هذه المنطقة.

تصنيف الجيوش لمنطقة غرب آسيا، من حيث القدرة والكفاءة

‏نشرت مجلة Forbos ‏الأمريكية تقريرًا حول أقوى جيوش المنطقة من حيث القدرة والكفاءة، وقد اعتمدت في تصنيفها على 50 عاملًا بحسب معطيات موقع GFP ‏المتخصص في هذا المجال.

أولًا: ‏تصدر الجيش التركي ذلك التقرير بميزانية تبلغ 18 مليار دولار.

ثانيًا: ‏جاء في المرتبة الثانية الجيش المصري رغم ان ميزانيته تعد منخفضة بالنسبة لبقية الجيوش الأخرى حيث بلغت 2.7 مليار دولار.

ثالثًا: ‏أما المرتبة الثالثة فقد احتلها جيش الاحتلال الصهيوني وتقدر ميزانيته بـ 18.5 مليار دولار.

رابعًا: احتل الجيش الإيراني المرتبة الرابعة في ميزانية قدرها 16 مليار دولار.

خامسًا: ‏وكشف التقرير أن الجيش السعودي يأتي في المرتبة الخامسة بميزانية قدرها 7-76 مليار دولار.

سادسًا: ‏وقد خُصصت المرتبة السادسة للجيش الجزائري بميزانية 10 مليار دولار.

سابعًا: ‏الجيش السوري بالمرتبة السابعة دون ذكر الميزانية.

ثامنًا: ‏وجاء في المرتبة الثامنة الجيش المغربي بميزانية تقدر بثلاثة 3-5 مليار دولار.

تاسعًا: احتل الجيش العراقي المرتبة التاسعة بميزانية 19.3 مليار دولار.

عاشرًا: ‏وأخذ الجيش الإماراتي المرتبة العاشرة دون ذكر الميزانية.

‏ومن الجدير بالذكر أن هذا التصنيف لا يكشف بالضرورة عن قدرات الجيوش وقوتها الحقيقية لأسباب كثيرة لأن حسابات الميدان تختلف عن حسابات التدريب والتجهيزات العسكرية كالعامل المعنوي والعقائدي والقدرات السائدة والإمدادات والتقنيات وغير ذلك عوامل مؤثرة جدًّا في تحديد قوة تلك الجيوش، وحتى في حال اعتمد التقرير هذه المعايير فإن كثيرًا من الجيوش تخفي قدراتها العسكرية الحقيقية.

‏وفي مقدمة هذه الجيوش التي يمكن وضعها في الصدارة ،الجيش الإيراني ،لأسباب عديدة، منها استجابته لخوض حرب مفروضة عليه لثماني سنين واعتماده على التعبئة العقائدية ، وكذلك لاعتماده على التصنيع العسكري المحلي في كثير من المعدات العسكرية، فضلًا عن أن لهذا الجيش رديفًا مهمًّا هو الحرس الثوري وقوات التعبئة الشعبية ،هذه العوامل والعناصر ممكن أن تجعل من الجيش الإيراني متفرّدًا بخصائص هي من بين أقوى الجيوش المتواجدة في المنطقة والتي وجدنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحسب ألف حساب للقوات المسلحة الإيرانية، كما أنها تجهل كثير من قدرات الجيش الإيراني والحرس الثوري لما يتمتع به من قدرات استخبارية قادرة على التعمية على تقديرات الأمريكان واطّلاعهم على القدرات العسكرية والأمنية الإيرانية بشكل دقيق .

‏ ‏الخصائص الديموغرافية لمنطقة غرب آسيا

‏جدير بالذكر أن اغلب دول غرب آسيا هي جزء من العالم العربي، ومن حيث الاكتظاظ السكاني تعد مصر وتركيا وإيران أكثر الدول اكتظاظًا في آسيا.  أما من حيث المساحة فتُعَدُّ السعودية أكبر تلك الدول مساحةً، وتعد هذه المنطقة مهد الديانات السماوية الثلاث، ويشكل العرب المجموعة العرقية الكبرى فيما يأتي بعدهم الترك والفرس والكرد والآذريون التركمان العراقيون والقبارصة اليونانيون.

أهم العوامل السياسية التي أثّرت في غرب آسيا

‏أولًا: غرس الكيان الصهيوني

‏     يُعَدُّ قيامُ الكيان الصهيوني الحدثَ الأبرز في منطقة آسيا والذي تسبب بشكل كبير في إحداث التحولات الكبرى في المنطقة حتى امتدت تأثيراته إلى بقية دول العالم وأصبح من أهم الملفات العالقة في المنظمة الدولية هو قيام الكيان الصهيوني الذي أنشئ ‏على أساس حماية مصالح الدول العظمى في المنطقة ما يستلزم وجود منظمة دولية تتشابه بدورها الوظيفي مع هذا الكيان اللقيط لضمان استمرارية هيمنة الدول العظمى على مقدرات شعوب المنطقة ولعل من أبرز معالم هذا الدور الوظيفي الذي رُسم للكيان الصهيوني في المنطقة: -

أ-‏حماية الملاحة البحرية في قناة السويس والإشراف على بقية المضايق في المنطقة.

ب- ‏منع تحقيق أي نوع من انواع الوحدة الحقيقية المؤدية إلى تنامي مصالح العرب بين دول المنطقة.

ج-‏ضمان تدفق النفط والغاز تجاه الغير والسيطرة على أسعاره.

د-‏المضي بإذكاء النعرات الطائفية والمذهبية بين شعوب المنطقة والعمل على عدم استقرارها.

هـ- ‏منع قيام أنظمة سياسية مناهضة للهيمنة الغربية.

و-‏العمل على عدم تحقيق نهضة إسلامية واحدة.

ز-‏حماية القواعد الاميركية والأجنبية المنتشرة في المنطقة.

ح-‏قلة وصول قوة الشرق الصاعدة في المياه الدافئة.

ط-‏إعاقة تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.

ي-‏منع انقلاب الشعوب على أنظمتها المتصهينة.

‏ومع ذلك كله يظل التأثير الأبرز والأكثر فعالية لوجود الكيان الغاصب في هذه المنطقة هو الاندماج التدريجي الذي بدأ يدق في جسد الأمة وتحديدًا الاندماج الثقافي و الاستيلاء على عقول الكثير من النخب السياسية التي أخذت بالترويج للثقافة الغربية وآرائها تجاه مصير الأمة ليبقى هذا الكيان الغاصب بين حناياها إلى أن وصلت الحال في الدول المطبِّعة إلى أن تتخطّى مستوى التطبيع السياسي والاقتصادي مع هذا الكيان اللقيط إلى مرحلة الانصهار العقائدي مع زعامته، فكان أن انطلق مشروع الإبراهيمية الجديدة لتحجيم الدين الإسلامي و إفراغه من محتواه .

‏يبقى الدين الإسلامي المُعيق الأكبر للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، ولم ينفع معه التقسيم الجغرافي ولا حتى زرع الخلافات السياسية بين الأنظمة السياسية في المنطقة، وعلى حد تعبير برنارد لويس: " ‏رغم أن الشعوب الإسلامية تستبعد قيام الدولة والنظام السياسي الإسلامي الموّحد بينها، إلّا أنها تمتلك شعورًا لم يفارقها بأنها مازالت تشعر أنها أمة واحدة ".

‏وهذا ما أكدته مؤسسة راند البحثية في تقريرها المعنون بإعادة ضبط الإسلام للعام 2007، ولقد ترك وجود الكيان الصهيوني في المنطقة تداعياتٍ خطيرةً على أمن واستقرار المنطقة وحال دون تمتُّع أبناء شعوبها في ثرواتهم، كما أنه تراكم من إمعان الغرب في هيمنته على آسيا، وهذا في المقابل يعود بمضاعفة دعم القوى الغربية له والإغراق بالتسليح ومنظمات الدفاع وغير ذلك.

‏كما يستلزم وجوده في المنطقة أن يكون توسعيًّا فراحت الولايات المتحدة الأمريكية - على وجه الخصوص - من توسعة دائرة نفوذها غرب آسيا لصناعة أكثر من طوق أمني في حماية الكيان الغاصب.   فكما أن وجود الكيان الغاصب مرهون بالحماية ‏الغربية له فإن وجوده ‏أتاح للقوى الغربية التوسعة غرب آسيا، وكلما اتّسع نطاق التواجد الأمريكي في المنطقة، تضاعفت أهمية وجود الكيان الغاصب اكثر وتضاعفت أهمية حمايته بشكل مضاعف من هنا يعد وجود الكيان الغاصب في منطقتنا نقطة انطلاق ونفوذ عالمي اكبر بالنسبة للغرب و الولايات المتحدة الأمريكية و أصبح وجود هذا الكيان اللقيط ضرورة حتمية لضمان احتفاظ الولايات المتحدة في تفوقها العالمي نظرًا الى هيمنتها الكبيرة على مقدرات الطاقة في المنطقة حتى خاض الغرب لأجل حماية الكيان اللقيط ‏حروبًا مباشرةً وغيرً مباشرةٍ مع الدول العربية لأجل ضمان عدم تعرض الكيان الغاصب لهجوم من دول المنطقة ، فأحاطته بقواعد عسكرية كبرى علمًا أن هدف هذه القواعد لا يقتصر على حماية الكيان الصهيوني فحسب بل إلى أن حمايته ‏كانت وما زالت تمثل الهدف المركزي لوجود هذه القواعد العسكرية ،وبالفعل فإن التحولات السياسية والأمنية الكبرى التي حصلت في المنطقة، وأهمها نجاح الثورة الإسلامية في إيران وظهور محور المقاومة، باتت تشكل خطورة على هذه القواعد، ووضعت مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية تحت طائلة صواريخ المقاومة، لذا تسعى الولايات المتحدة في الآونة الاخيرة إلى محاولة دمج الكيان اللقيط مع دول المنطقة في مشاريع اقتصادية وثقافية وعسكرية  ودينية كلها في آن واحد، وبالفعل فقد طبّعت  البحرين والإمارات والسودان وقبل ذلك مصر والأردن بشكل علني وشامل مع الكيان الصهيوني ووضع الحجر الأساس للاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة ومن ضمنها الكيان الصهيوني مع الديانة الإبراهيمية ، وفي الإمارات وضع حجر الأساس للحج الإبراهيمي ،و في العراق رُفِعَ النقاب عن مشروع قانون أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة، والشكوك من أن تحقيق هذا الأمر متوقف على إعلان السعودية التطبيع الشامل مع إسرائيل .

 إلا أن عملية (طوفان الأقصى) وتداعياتها هي التي أجلت خطواتهم هذه، وحتى الاعترافات المتوالية من الدول الأوروبية بدولة فلسطين يمكن وضعها في خانة تهيئة الظروف والبيئة الدولية لأجل حل الدولتين بصفته الحل المقترح لقضية فلسطين بحسب الوقائع الأميركية أو على الأقل رؤية الحزب الديمقراطي والذي يؤمن لهم بقاء الكيان الغاصب وبقاء قواعدهم بعيدة عن استهدافات الصواريخ الإيرانية أو حتى سحب الكثير منها.

‏ ثانيًا: نجاح الثورة الإسلامية في إيران.

‏شكل نجاح الثورة الإسلامية في إيران إضافة كبرى في تأريخ المنطقة وخلق تحولًا جذريًّا في معادلة الصراع مع الكيان الغاصب ووضع مصالح الدول الغربية وأمريكا على المحك نظرًا لطبيعة الثورة الإسلامية وقيادتها وأهدافها ومواقف إيران السياسية والخطوات الواضحة والجريئة التي اتخذتها الثورة في وقت مبكر من الكيان الغاصب.

‏ إذ من المعلوم أن إيران ومع بواكير نجاح الثورة الإسلامية انتزعت السفارة من الصهاينة في طهران وسلمتها إلى الفلسطينيين وأعلنت عدم اعتراف الجمهورية الإسلامية بالكيان الصهيوني، كما أعلنت يوم القدس العالمي، ورفعت شعار (الموت لأمريكا) و ‏أسست ‏(محور المقاومة) وهو أشمل من كونه وجودًا عسكريًّا أو ميليشياويًّا يهدف الى تحرير فلسطين، فهو لا يقتصر على استهداف الكيان الصهيوني أو دعم المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية بل يذهب إلى أبعد من ذلك للتصدي إلى المشاريع الصهيو-أمريكية بمختلف الوسائل ، إن وجود هذه المشاريع التي تستهدف المقاومة في المنطقة ناجمة عن وجود هذه الغدة السرطانية في المنطقة .

ولأجل حماية إسرائيل وسَّعت أمريكا نفوذها وبسطت هيمنتها على دول المنطقة، لكن إيران في ثورتها الإسلامية مثّلت تهديدًا مباشرًا لمصالح الغرب في عموم المنطقة ولم يقتصر تهديدها على زعزعة استقرار الكيان الصهيوني ومحاصرته بالطوق من قوى المقاومة بل إنه مجرد نجاح لنموذج الحكم الإسلامي الذي قدمته إيران ليشكل أكبر تهديد وعامل قلق لأمريكا والغرب.

هذا النموذج من الحكم يُعَدُّ التحدي الأكبر لمشاريع الاستكبار العالمي في المنطقة، إذ أن تأثيراته ‏قادرة على مكانة الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي، ومما لا شك فيه أن أمريكا ونفوذها في المنطقة على مراكز الطاقة هو الذي يمدها بعوامل التفوق والاستمرار بالهيمنة على العالم، ولولا أن هذا الحضور والنفوذ في منطقة آسيا ما استطاعت الاستمرار بفرض نظام القطبية الأحادية.   لذا فإن أمريكا ومع بواكير نجاح الثورة الإسلامية سعت الى ‏تجييش المنطقة وهي مَنْ مهّدت لدفع نظام صدام المجرم إلى شنّ عدوانه الغاشم على إيران، ‏حتى قال هنري كيسنجر حينها:" إن في كل الحروب يجب أن يكون هناك رابح وخاسر إلا في هذه الحرب يجب أن يكون هناك خاسران"، هذا المعنى الذي تحدث به كيسنجر قد يكون واضحًا بالنسبة للجمهورية الإسلامية، وما تشكل من تهديد على المصالح الأمريكية، أمام كيان الاحتلال وشركائه في المنطقة ،لكن كيف ينطبق هذا الأمر على العراق الذي كان حليفًا لأمريكا وطيِّعًا لأوامرهم، و الحقيقة أنهم لا يخشون نظام المجرم صدام بقدر مخاوفهم من امتداد تأثيرات الثورة الإسلامية إلى العراق خاصة مع توالي انتفاضات الشيعة داخل العراق ضد نظام البعث المقبور وبروز المعارضة الشيعية التي احتضنتها إيران قوة فاعلة في التأثير على سياسات نظام البعث المقبور كانت الولايات المتحدة تخشى أن يسقط النظام الصدامي على يد المعارضة الشيعية وكان العراق أكثر بلد مؤهل بالمنطقة لتكرار نظام الجمهورية الإسلامية، هذا في إطار استراتيجية الإطار المزدوج التي أرسي قواعدها هنري كيسنجر بحسب ما أفاد به د. محمد حسنين هيكل في كتابه (الإمبراطورية الأمريكية و الإدارة على العراق)، هذه استراتيجية تقوم على أساس منع وصول خسارتين متتاليتين في مكان وزمان واحد، ولذا فإن نجاح الثورة الإسلامية في العراق أو سقوط نظام صدام على يد أبناء العراق يُعَدُّ خسارة كبرى لأمريكا في غرب آسيا في ظل المشتركات بين العراق وإيران وتأثيراتهما على المنطقة لما يتمتعان به من خصائص مهمة.

‏ ثالثًا: الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق.

‏ بعد التعمق في الأسباب والدوافع التي حدت ‏بالولايات المتحدة الاميركية إلى احتلال أفغانستان يتبين أن هذه الخطوة جاءت بالأساس ‏لأجل تطويق الجمهورية الإسلامية وقطع صلاتها بدول المنطقة تمهيدًا لمحاصرتها والعمل على تغيير النظام فيها.‏ ‏يتبين هذا الأمر من خلال احتلال أفغانستان شرق إيران واحتلال العراق غربها ما يعني جعلها بين كماشتين والعمل على قهرها وإسقاط النظام فيها. لكن إيران تمكنت ببراعة كبيرة جدًّا من إرغام الولايات المتحدة على الخروج من أفغانستان والعراق وساهمت مساهمة كبيرة في دعم المقاومة في أفغانستان وفي العراق وهو ما يؤكد أن إيران لها محور في غرب آسيا تعجز الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة من تقويض الدور الأمني والعسكري والاقتصادي لإيران لأنها تلعب في هذه المنطقة أدوارًا متعددة ومختلفة ،فهي تشكل حلقة وصل بين روسيا والصين و كوريا الشمالية والعراق وسوريا ولبنان ،واليوم لدى إيران علاقات وطيدة مع انصار الله في اليمن ما أضعف من قدرات وإمكانات ونفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل أمام علاقات إيران بالصين وروسيا وانتمائها إلى المنظمات الاقتصادية الكبرى في شانغهاي وعلاقاتها وتحالفاتها مع محور المقاومة وخاصة مع اليمن الذي أتاح لها تأثيرات جيو- سياسية كبيرة مضاعفة من دورها في المنطقة ‏ومنحها قدرة على فرض معادلات جديدة ‏أمام المشاريع الأميركية.

‏ رابعًا: ظهور الإرهاب وحركات التطرف في المنطقة

‏إن لظهور الإرهاب وحركات التطرف في المنطقة أكثر من هدف، ولكن هذه الأهداف تضع إيران في دائرة استهداف فيهافمن جهة حاولت ‏الولايات المتحدة الأمريكية صناعة نموذج إسلامي مشوه ومتوحش ‏لحرف الانظار عن النموذج الإسلامي الحضاري الذي قدمته الثورة الإسلامية في إيران ومن جهة أخرى هو الانقضاض على هذه الجمهورية وهذه التجربة الإسلامية الرصين والإجهاز على محور المقاومة، وسارعت الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة إلى صناعة الإرهاب كبديل ووكيل عنها لمحاصرة إيران وضربها من الداخل والخارج بعد الأخطاء العسكرية الأمريكية في احتلال أفغانستان والعراق ، وفي تحقيق أهدافه كان الإرهاب يرفع شعارات طائفية واضحٌ جدًّا أنها تستهدف اتباع أهل البيت والجمهورية الإسلامية، ولكن إيران أثبتت قدرة عالية على كسر الطوق العسكري الذي فرضته عليها أمريكا، وتمكنت شراكة محور المقاومة من الإجهاز على مشروع داعش والقاعدة بمدة وجيزة وتمكنت أيضًا من تقويض الفتن الداخلية سواء في العراق أو من خلال مساهمتها في تلك المدة في لبنان وسوريا وفي العراق، وبدأت بالعمل على تعزيز الأمور الإسلامية لصالح التعايش بين دول المنطقة بعد انتصارها وانتصار محور المقاومة الكبير على الإرهاب انفتحت إيران على دول المنطقة ومنها السعودية والأردن وقطر والبحرين في رسالة منها على أنها لا تستهدف تلك الدول و أن مشروعها الإسلامي هو لمصلحة شعوب المنطقة، وإن كل إمكاناتها وقدراتها منصبة باتجاه القضاء على الكيان الصهيوني ودعم الشعب الفلسطيني، هذه المعطيات وغيرها عززت من محورية الجمهورية الإسلامية غرب آسيا وبات من الصعب جدًّا أن تتصور نجاح أي مشروع في هذه المنطقة دون الجمهورية الإسلامية ودون أن تكون عاملًا فيه، فهي تمتلك هندسة وتمتلك رؤية استشرافية عميقة لطبيعة العلاقات الدولية ومستقبل دول المنطقة في النظام العالمي الجديد .

 

ورقة عمل د. جاسم يونس الحريري:

" تداعيات تطبيع دول الخليج (الامارات-البحرين) مع الكيان الصهيوني على منطقة غرب آسيا"

 تمهيد

ظهر مصطلح (غرب آسيا) نحو منتصف القرن الماضي، وجاء جزئياً كاستجابة للمشاعر المعادية للإمبريالية التي صاغت مفهوم “الشرق الأوسط” خلال الفترة الاستعمارية. وبشكل عام، تشير عبارة غرب آسيا إلى الدول العربية المطلة على الخليج العربي، والمشرق العربي، وإيران، وتركيا، ودول جنوب القوقاز المؤلفة من جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. ومن المؤكد أنه يمكن مناقشة منطق تجميع البلدان التي تبدو للوهلة الأولى شديدة التنوع، وأنها لا تتشاطر سوى القليل من القواسم المشتركة. ومع ذلك، فإن تجميع دول غرب آسيا ليس شأناً تعسفياً ولا عقلانياً، بل هو شأن التاريخ والجغرافيا والدبلوماسية والثقافة؛ إذ تشترك دول المنطقة في إرث تاريخي مشترك، بما في ذلك المواجهات مع الإمبراطوريات الروسية والعثمانية، وانتشار الإسلام، وتأثير الاستعمار الأوروبي، وتشكيل دول حديثة ذات حدود إقليمية معقدة وسكان متعددي الإثنيات وتعتبر دول الخليج من ضمن الدول في منطقة غرب آسيا. وتشترك هذه البلدان فيما بينها بالإرث التاريخي فجميعها اختلطت بالإمبراطوريات الروسية والعثمانية، وحظيت بوجود الإسلام، كما تأثرت بالاستعمار الأوروبي.

أن توجيه الانظار الى دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتبر من ضمن منطقة غرب آسيا تشكل أهمية أكاديمية لدراسة أهمية هذه الدول في التفاعلات السياسية، والمخططات الامريكية لاسرلة دول الخليج الستة (الامارات، قطر، الكويت، البحرين، سلطنة عمان، السعودية)) من قبل الكيان الصهيوني لتشويه منطقة غرب آسيا التي تتميز بمعاداة الاستعمار، والامبريالية، والصهيونية العالمية.

أن أبرز إشكالية هي كيفية التوازن بين طبيعة منطقة غرب آسيا كمنطقة مقاومة للتوجهات الاستعمارية ووجود دولتين من دول مجلس التعاون الخليجي (الامارات والبحرين) ضمن حدود المنطقة وقعت اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني.

بنيت هذه الدراسة على فرضية مفادها: (أحدث التطبيع بين دولة الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني تداعيات خطيرة تشوه من توجهات الدول الموجودة ضمن منطقة غرب اسيا التي يشهد تاريخها بمقاومة التوجهات الاستعمارية والصهيونية).

تنقسم هذه الدراسة الى ثلاثة أقسام: الاول يتناول أسباب تطبيع الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني والثاني يعرج على تداعيات تطبيع الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني على منطقة غرب آسيا، والثالث يستعرض مستقبل التعامل مع الامارات والبحرين بعد تطبيعهما مع الكيان الصهيوني.

أسباب تطبيع الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني

بررت دولة الامارات اسباب تطبيعها مع الكيان الصهيوني كما يأتي:

1.وقف خطة الضم الصهيونية: هذا هو المبرر الأبرز الذي قدمته الإمارات لخطوتها المثيرة للسخط عربيا وإسلاميا، فقد أجمعت التصريحات الرسمية وشبه الرسمية الإماراتية على التركيز على هذا المبرر، بيد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لم يتأخرا في نفي ذلك. فقد سارع ترامب للتأكيد على أن ما سيحصل هو تجميد لخطة الضم، وكذلك فعل صهره ومستشاره ((جاريد كوشنر))، أما نتنياهو فنفى بشكل قاطع أي نية لإلغاء الضم، وقال (إن ما يجري هو مجرد تجميد)، علما بأن خطة الضم كانت في الأصل في حالة تجميد، وتأخر تنفيذها أكثر من مرة عن وقتها.

2.دعم فترة حكم بنيامين نتنياهو: يعاني رئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتنياهو) أزمة مركبة وذات أوجه متعددة (سياسية وقضائية واقتصادية)، فمن الأزمة السياسية التي أدت إلى ثلاثة انتخابات لم يستطع حسمها، إلى الملاحقات القضائية في ملفات فساد تلتف حول عنقه، ويخشى أن تقوده إلى أحد السجون، وتقضي على ما بقي لديه من طموحات سياسية. هذا فضلا عن الأزمة الاقتصادية واستفحال البطالة في صفوف الصهاينة وما خلفته جائحة كورونا من متاعب على الاقتصاد الصهيوني الذي يعاني منذ سنوات. وتأتي صفقة التطبيع محاولة من أبو ظبي لمد حبل إنقاذ لنتنياهو الغريق في بحر تلك الأزمات السياسية والقانونية والاقتصادية.

3.مساعدة دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية: وصف الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) صفقة التطبيع باعتبارها اتفاقا تاريخيا، وأضافها لقائمة طويلة من المكاسب والهدايا التي قدمها الكيان الصهيوني منذ وصوله للسلطة، مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل، ونقل سفارة واشنطن إليها، والاعتراف بسيادتها على الجولان. ويبدو ترامب آنذاك كان في وضع صعب جدا، خصوصا بعد التأثيرات الكبيرة لوباء كورونا على أداء الاقتصاد الأميركي وما تسببت فيه من خسائر بشرية واقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة الامريكية. وأن صفقة التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني تمثل هدية كبيرة لترامب في وقت حساس جدا، لتعزيز حظوظه في الانتخابات، وللتقرب من الدوائر اليهودية في الولايات المتحدة التي تمنح أصواتها عادة للديمقراطيين لجنة الشؤون العامة الأمريكية -الإسرائيلية (أيباك).

4. الحصول على أسلحة أميركية: يرى خبراء ودبلوماسيون أن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات قد يمهد الطريق أمام بيع الولايات المتحدة مزيدا من الأسلحة للدولة الخليجية. فقد قال سفير الولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني (ديفيد فريدمان) خلال مقابلة مع الإذاعة العامة الوطنية إنه "كلما أصبحت الإمارات صديقة لإسرائيل وأصبحت شريكة لإسرائيل وأصبحت حليفا إقليميا للولايات المتحدة، أعتقد بوضوح أن هذا سيغير تقييم التهديد، وقد يعمل في صالح دولة الإمارات" فيما يتعلق بمبيعات السلاح في المستقبل. كما قال مدير مشروع العلاقات العربية الإسرائيلية في (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) (ديفيد ماكوفسكي) لوكالة رويترز، إن هذا الاتفاق "مكسب للإمارات، التي ستكون مؤهلة دون شك للمبيعات العسكرية التي لم يكن بوسعها الحصول عليها بموجب قيود التفوق العسكري النوعي بسبب الخوف من إمكانية استخدام تكنولوجيا معينة ضد إسرائيل".

5. اختلاف الأجيال داخل الإمارات: يذهب الصحفي البريطاني (إيان بلوك) في مقال بصحيفة غارديان (The Guardian) إلى أن أحد أسباب خطوة التطبيع الإماراتية يعود إلى اختلاف الأجيال الحاكمة في الإمارات، حيث كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات، من أبرز المؤيدين للقضية الفلسطينية، التي باتت عرضة للتهميش في أوساط النخب الخليجية هذه الأيام، في حين ينصب اهتمام نجله ((محمد بن زايد)) على إرضاء دونالد ترامب وإبقاء الولايات المتحدة منخرطة في شؤون الشرق الأوسط. ويخلص إلى أن مؤسس الدولة الشيخ زايد ونجله -الذي خلفه عمليا في الحكم- لديهما من الاختلاف في الأفكار والقيم ما يجعل طريقتهما في قيادة العلاقات الخارجية متضاربة ومتعاكسة الأهداف.

6. حماية النفوذ الاماراتي في المنطقة: حاولت الإمارات في السنوات الأخيرة بسط أشرعتها عبر مساحات واسعة من منطقة الشرق الأوسط وشمال وشرق أفريقيا، وكان المدخل في الغالب اقتصاديا، قبل أن يتحول في معظم الأحيان إلى مخابراتي وأحيانا إلى عسكري وسياسي، وذلك عبر نشر مليشيات مسلحة وقوى سلفية وجيوش من المرتزقة هنا وهناك. يقول الكثير من المتابعين إن الدور الذي يحاول ولي عهد أبو ظبي لعبه تجاوز قدرات وإمكانات ومكانة بلده، وهو ما يعني أن لعبة النفوذ والسيطرة قد تنقلب عليه في أي وقت، فالكلفة المتعاظمة للتدخل خارج الحدود وفي صراعات وأزمات ذات حساسية عالية كبيرة جدا، ليس فقط ماليا، بل -وهو الأهم والأخطر- أمنيا وإستراتيجيا، خصوصا مع تعاظم السخط الشعبي على سياسيات الإمارات في أكثر من بلد ومنطقة. ترى الإمارات -بعد أن توغلت في أزمات عديدة، وحملتها الشعوب العربية مسؤولية فشل ربيعها ورأى أنها سفكت دماءهم ودمرت أوطانهم- أن الكيان الصهيوني قد يشكل أفضل حام لها في هذه الظروف.

7. التوجس  الاماراتي من التهديد التركي: يأتي التطبيع الصهيوني - الإماراتي أياما قليلة بعد التهديدات التي وجهها وزير الدفاع التركي (خلوصي أكار) إلى الإمارات العربية المتحدة، حينما قال (إنها قامت بأعمال مضرّة في ليبيا وسوريا، وستحاسبها تركيا على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين).ويعتبر بعض المحللين أن هرولة الإمارات إلى الكيان الصهيوني والإعلان عن الاتفاق على إقامة علاقات بينهما ليس بمعزل عن التهديد التركي، فالإمارات متأكدة أنه لا قبل لها بمواجهة تركيا منفردة، وتسعى للاحتماء بذلك الكيان ، وبالتالي بأميركا تحسبا لأي خطوات تصعيدية ضدها من قبل تركيا، لا يعرف أحد حتى الآن متى وكيف ستكون.

8. حصول الامارات على المزيد من المكاسب الأمنية: بات معروفا أن الإمارات استفادت خلال السنوات الماضية من العديد من أنظمة التجسس الإسرائيلية لملاحقة المعارضين وللتجسس حتى على بعض قادة الدول، فضلا عن نشطاء وساسة بارزين في المنطقة وغيرهم. ولكن يرجح أن رفع السرية عن العلاقة سيسرع من استفادة الإمارات من بعض الإمكانات الأمنية والتكنولوجية الصهيونية، وهو ما تحدث عنه صراحة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية (أنور قرقاش) حين قال (إن القضايا التي تهم الإمارات هي الزراعة والأمن الغذائي والدفاع السيبراني والسياحة والتكنولوجيا).

9. فشل الإمارات في الأزمة الخليجية وحرب اليمن: مع تزايد انكشاف الدور الإماراتي في خلق وصناعة الأزمة الخليجية، وعجزها عن حشد التأييد لموقفها داخل الدوائر الغربية والأميركية، فضلا عن حالة الانكشاف الكبيرة لها في المنطقة العربية والإسلامية، تتضاءل فرصها في الخروج بأقل خسائر ممكنة من تلك المستنقعات الدموية التي حفرتها في أجساد الأوطان العربية، مما جعلها تهرب إلى الأمام، خصوصا مع التحديات المتعاظمة والصورة المتآكلة عنها في العالم العربي والإسلامي.

10. محاولة تحسين صورة الامارات في أميركا: تعاني الإمارات من تراجع صورتها وسمعتها في الولايات المتحدة لأسباب عديدة من بينها الحرب اليمنية، ومحاولتها التأثير بأشكال غير قانونية في القرار الأميركي وفقا لما تشير إليه بعض التقارير. وفي عام2019 قالت وكالة أسوشيتد برس إن رجل الإمارات القوي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وجد نفسه متورطا في تقرير المحقق الخاص (روبرت مولر) الخاص بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات، الزعيم الأجنبي الوحيد الذي ورد اسمه في تقرير مولر المكون من 448 صفحة، وتم إدراج اسمه بسبب دوره الغامض في اجتماع جرى عام 2017 في جزيرة سيشل بين رجل قريب من ترامب ووسيط روسي للرئيس فلاديمير بوتين. تتحسب الإمارات للتداعيات المستقبلية لذلك، وتدرك تماما مخاطره وتأثيراته، ولعل في إحجام بن زايد عن زيارة الولايات المتحدة الامريكية منذ أكثر من عامين ترجمة لتلك الهواجس والمخاوف التي قد تزداد إذا غادر الحليف ترامب كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

أما البحرين فدوافعها للتطبيع مع الكيان الصهيوني فتنحصر في النقاط التالية:

1.دعم مبادرة السلام العربية: يعتبر القرار البحريني باقتفاء أثر الإمارات صفعة أخرى لآمال الفلسطينيين في استخدام الاعتراف العربي بالكيان الصهيوني كوسيلة ضغط بيدهم في مسعىً لإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967. وهو مؤشر آخر على أن مبادرة السلام العربية – التي أطلقتها المملكة العربية السعودية في عام 2002، والتي أقرتها بالإجماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي– أصبحت بائدة بالفعل. كان القصد من مبادرة السلام العربية الشروع في عملية من شأنها إنهاء الاحتلال الصهيوني، بحيث يأتي التطبيع بعد اختتام هذه العملية. في السنوات الأخيرة، أعادت العديد من دول الخليج العربية النظر في تصورها لهذا الجدول الزمني، فاتحةً الباب لخطوات ثنائية متبادلة في كلا الاتجاهين، مفترضة أنه إذا اتخذ الكيان الصهيوني تدابير لتخفيف الاحتلال أو التخلي عنه، فإن ذلك ستقابله عروض دبلوماسية عربية لا ترقى لمستوى الاعتراف الكامل. وعلى الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين تصران على أنهما مستمرتان في دعم مبادرة السلام العربية، من خلال الالتزام بتطبيع العلاقات مع ذلك الكيان، إلا أنهما تعملان بشكل فعال على وضع اللمسات الأخيرة لعكس مسار المبادرة: التطبيع يأتي أولاً، ويتبعه في نهاية المطاف خطوات لإنهاء الاحتلال. هكذا، على الأقل، توضحان موقفهما، مؤكدتين أنهما حافظتا على إمكانية حل الدولتين، وبالتالي مبادرة السلام العربية كذلك، من خلال حمل الولايات المتحدة على الالتزام بعدم دعم أي عمليات ضم صهيونية جديدة حتى 2024 على الأقل.

2.توطيد العلاقات البحرينية-السعودية: بالإضافة إلى ذلك، ومن شبه المؤكد، أن المملكة العربية السعودية لم تعترض بقوة على مثل هذا التحرك، نظراً للدرجة التي تميل بها المنامة إلى الإذعان للرياض في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية. وقد يشير ذلك إلى درجة من الانفتاح لدى المملكة العربية السعودية لاتخاذ مثل هذه الخطوات في المستقبل إذا كانت الظروف مواتية، على الرغم من أن حسابات الرياض ستكون أكثر تعقيداً من حسابات جاراتها الصغرى. كما يعكس ذلك مزيداً من التقارب بين البحرين والإمارات العربية المتحدة والضغط الذي تمارسه الدولتان لتنويع خياراتهما الاستراتيجية في سياق تعميق الشكوك بشأن التزام الولايات المتحدة ومدى مصداقيتها كضامن للأمن القومي والاستقرار الإقليمي.

3.ادعاء البحرين بوجود تهديد ايراني لها: أن حجج الإمارات للتطبيع مع الكيان الصهيوني بما يلي: مواجهة إيران وتركيا، والتواصل مع الولايات المتحدة (بما في ذلك إدارة ترامب والديمقراطيون الرئيسيون)، والحصول على أنظمة الأسلحة الأمريكية المتقدمة، وإقامة شراكة مع ذلك الكيان في مجال التكنولوجيا المتقدمة والتكنولوجيا السيبرانية والتجارة، وعدد آخر من العوامل. ومع ذلك، فإن كل الحوافز البحرينية تقريباً تنحصر في ادعاءات البحرين بالتهديد الذي تشكله إيران، التي أصرت وفق الرؤية البحرينية عدة مرات على أن البحرين جزء من أراضيها السيادية. هذا في الوقت نفسه وجود تعبئة من جميع دول الخليج العربية، وبدرجات متفاوتة، التي تعتبر إيران تهديداً، بالنسبة للبحرين، الى مستوى تصوير المخاوف الوجودية التي تمثلها طهران شديدة بشكل فريد من نوعه. أن الكيان الصهيوني هو الخصم الإقليمي الأقوى لإيران، وهي مسؤولة عن معظم الإجراءات المضادة منخفضة الحدة ضد الجماعات الموالية لها على شكل ضربات جوية متكررة في سوريا، وبشكل أكبر في العراق. وتعتبر البحرين نفسها أضعف الأهداف الإيرانية، ويعتبر الكيان الصهيوني العدو الأكبر لطهران. لذلك، في الوقت الذي تسعى فيه الإمارات العربية المتحدة إلى مجموعة من المنافع المحددة، مثل القدرة على شراء طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35، فإن احتمالية إقامة علاقات أوثق مع ذلك الكيان بالنسبة للبحرين هي أكثر وضوحاً. والميزة الرئيسية الأخرى هي ببساطة تعزيز العلاقات مع واشنطن، وهذه العلاقات قوية جداً بالفعل حيث تستضيف البحرين الأسطول الخامس الأمريكي المخصص إلى حد كبير لحفظ أمن الخليج، وله ميزة كبيرة تتمثل في كونه حليفاً رئيسياً من خارج الناتو. ورغم أن البحرين تأمل في الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من واشنطن، وفرص تجارية أو سياحية جديدة مع ذلك الكيان، إلا أن هذه اعتبارات ثانوية. فبالنسبة للبحرين، يكاد توثيق العلاقات مع الكيان المحتل يكون هدفاً بحد ذاته نظراً لتركيز المنامة الأشد على التهديد الإيراني.

4.مغازلة الكيان الصهيوني عبر الجالية اليهودية في البحرين: حافظت حكومة البحرين والمجتمع العام منذ فترة طويلة على علاقات طيبة مع جاليتها اليهودية الصغيرة التي لا تزال ذات نفوذ وتحافظ على كنيس نشط، وهو الكنيس الوحيد في بلد خليجي عربي. وشغلت ((هدى عزرا إبراهيم نونو)) منصب سفيرة البحرين في الولايات المتحدة الامريكية في الفترة الممتدة بين 2008 و2013، فكانت أول امرأة يهودية تمثل دولة عربية بمنصب دبلوماسي رفيع. ومنذ العام 2015، احتفلت الحكومة البحرينية بـ (الحانوكا) عبر إضاءة الشموع لتكريم العطلة الدينية اليهودية. وبينما انتقدت حركة حماس الإسلامية الفلسطينية الاحتفال بشدة، إلا أنه لم يبدُ مثيرًا للجدل بشكل خاص في البحرين.

تداعيات تطبيع الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني على منطقة غرب آسيا

أفرز التطبيع الاماراتي-البحريني-الصهيوني تداعيات خطيرة على منطقة غرب آسيا وكما يأتي:

1.لم تحقق اتفاقيات "إبراهام"أغسطس-سبتمبر2020، التي تهدف إلى تطبيع علاقات الكيان الصهيوني الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين، وربما دول الخليج الأخرى، سوى القليل في طريق "السلام". بدلا من ذلك، فهي تسمح بمتابعة الحرب ضد الوجود الفلسطيني بوسائل أخرى، وتكون بمثابة حصان طروادة لإغواء الدول العربية الأخرى بوعد مزايا استراتيجية واقتصادية.

2. لا تعطي الاتفاقيات شيئا للفلسطينيين، الذين كانت قوتهم الوحيدة في هذا الأمر هي حضور حفل التوقيع في البيت الأبيض في 15 سبتمبر/أيلول 2020أم لا؛ حيث صادق المسؤولون الصهاينة والإماراتيون والبحرينيون على ما يسمى بـ (اتفاقات السلام) بالرغم من أن هذه القوى لم تكن في الواقع في حالة حرب ضد بعضها البعض. إن كل من البحرين والإمارات "في حالة حرب" ضد قطر، وهي دولة عربية وخليجية.

3. كانت هناك بعض العلامات الواضحة على القلق أثناء الحدث؛ حيث انتهكت الإمارات والبحرين قاعدة غير مكتوبة، وهي من المحرمات الحقيقية، في العالم العربي. لقد قاموا بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني دون أن تتنازل تل أبيب عن أي شيء. وبينما حضر رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" الحفل شخصيا، أرسل الإماراتيون والبحرينيون وزيري الخارجية فقط "عبد الله بن زايد آل نهيان" و"عبد اللطيف الزياني".

4. لقد أظهرت الاتفاقات بوضوح أن القضية الفلسطينية تلاشت تماما من سياسات الشرق الأوسط وأن القلق الحالي على مستوى المنطقة هو إعادة التنظيم الاستراتيجي للدول لمواجهة إيران. ربما تحاول الإمارات والبحرين، ودول عربية أخرى، التغطية على فكرة التطبيع، مشيرة إلى أن سيادة الكيان الصهيوني على الضفة الغربية تم تجنبها كشرط لحساباتهم الدبلوماسية.

5. كان رئيس الوزراء "نتنياهو" وعد أنه، اعتبارا من يوليو/تموز 2020، سيكون مستعدا للبدء في ضم الأراضي التي اعترف المجتمع الدولي بأنها تنتمي إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن الكيان الصهيوني احتلها في الواقع لأكثر من نصف قرن. مع ذلك، حتى بالنسبة لذلك الكيان، أو لقسم معين من التجمع الصهيوني، لا تخلو اتفاقيات "إبراهام" من بعض التنازلات غير المريحة. واضطر القوميون الصهاينة المتطرفون إلى تنحية أي افتراضات بأن الكيان الصهيوني قد يحصل أخيرا على السيادة الكاملة على الضفة الغربية، على الأقل في المدى القريب. وبهذا المعنى، فإن الاتفاقيات تعود بالفائدة على "نتنياهو"، أكثر من إفادة أكثر العناصر الصهيونية في التجمع الصهيوني. يمكنه التراجع عن خطط الضم الإشكالية، وإلهاء منتقديه بإنجاز دبلوماسي كبير. ويمكنه أيضا الاستمرار في اتباع استراتيجية احتواء الصراع الفلسطيني بدلا من محاولة تأمين نصر "عسكري" مباشر، والذي من شأنه أن يخلق مشكلة ديموغرافية وسياسية كبرى. يمكن "لنتنياهو"، الذي كان آنذاك يخوض معركة سياسية محتدمة اضطرته إلى تقاسم رئاسته للوزراء مع "بيني جانتس" الوزير في حكومة الحرب الصهيونية، استغلال الاتفاقات لكسب رأس المال مع المزيد من ناخبي الوسط. سيحتاج إلى هذا الدعم لأن أكبر منتقدي التطبيع مع دول الخليج مقابل تأخير الضم كانوا ممثلين لليمين المتطرف. إنهم غاضبون؛ لأن "نتنياهو" لن يفي بوعده بالضم الكامل للضفة الغربية.

  6. يمكن للإمارات والبحرين تسويق اتفاقات "إبراهام" كنصر لها، وتأطيرها حول اتفاق مع الكيان الصهيوني على عدم ضم الضفة الغربية. وبالرغم من أنه من الواضح أن الاتفاقات تمثل تخليا عن القضية الفلسطينية، إلا أن القليل من المواطنين البحرينيين أو الإماراتيين سيهتمون بذلك. لقد تعاملوا مع الفلسطينيين بريبة، خاصة بعد عام 1990، عندما تعاطف الكثيرون مع "عراق صدام حسين" بعد غزو الكويت. وعليه، فإن معظم العمال الأجانب في البحرين والإمارات هم باكستانيون، وهنود، ومن جنوب شرق آسيا، قد حلوا محل الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن البحرين تخاطر باضطرابات محتملة، بالنظر إلى أغلبية سكانها الشيعة، والتي يمكن أن يتعرضوا الى استيعاب من قبل إيران.

  7.أزدياد حدة التقارب السعودي-الصهيوني: من غير المرجح أن تقوم الرياض أيضا بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، و "خيانة" الفلسطينيين رسميا في هذه العملية. في ظل بقاء السعوديون هم الأوصياء على مكة والمدينة، وسيمنح الانفتاح من قبل السعودية على الكيان المحتل تركيا فرصة رائعة لتتظاهر بأنها الحامي الفعلي للعرب والمسلمين. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن السعوديين كانوا قد وافقوا وشجعوا التطبيع الذي تم إضفاء الطابع الرسمي عليه في اتفاقيات "إبراهام"، والتي هي نتيجة مباشرة لتقارب المصالح بين الصهاينة والسعوديين، الذين وحدهم معارضتهم لجماعة الإخوان المسلمين وإيران. ومن المؤكد أن الإمارات والبحرين تقعان في دائرة نفوذ الرياض، كما اتضح عام 2011، عندما أرسل السعوديون قوات إلى البحرين لقمع المظاهرات ضد أمراء "آل خليفة"، وبالتالي لن يكون من الخطأ اعتبار الدولة محمية سعودية حقيقية.

8.ازدياد الضغوط على دول منطقة غرب آسيا على التطبيع مع الكيان الصهيوني: ستتعرض المزيد من الدول العربية الآن لضغوط لفتح علاقات مع الكيان الصهيوني. ومن المؤكد أن عُمان والمغرب والسودان وموريتانيا مستعدة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات. في غضون ذلك، حافظت قطر والسعودية أيضا على علاقات مهمة مع الكيان المحتل لا يمكن للسعوديين تحمل إضفاء الطابع الرسمي على هذه التعاملات، ويحتاج ذلك الكيان إلى بقاء قطر "عدوا" لضمان أن يكون لديها قناة موثوقة للتعامل مع "حماس" في غزة، والتفاوض على إنهاء العمل العسكري من القطاع ضد الكيان المحتل، كما حدث في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من عام 2020.

9.أزدياد اصطفاف العرب السنة مع الكيان الصهيوني ضد إيران: من المرجح أن تؤدي العلاقة الجديدة بين الكيان الصهيوني والإمارات والبحرين إلى إعادة اصطفاف العرب السنة، وتعزيز موقفهم المناهض لإيران مع الدولة اليهودية ومع الولايات المتحدة الامريكية. إن التصور بأن عصر النفط الكبير يقترب من نهايته (ليس بسبب نقص الموارد) دفع دول الخليج للبحث عن بدائل. يريد الخليج روابط أعمق مع أنظمة التحالف الغربي مثل (الناتو) من أجل ضمان مستوى الحماية والمصالح أكثر من أولئك الذين أقاموا وجودا عسكريا كبيرا هناك لحماية النفط (أي الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا). ويدرك عرب الخليج أنهم يستطيعون لعب هذه "الورقة" الآن؛ ما يجذب مخاوف الغرب بشأن الصين الصاعدة، وروسيا بدرجة أقل. وتعتبر إيران هي الخاسر الأكبر؛ بسبب العلاقة الواضحة والمكشوفة بين دول الخليج وأعداء إيران؛ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني).

وهناك دراسات ذكرت تداعيات اخرى تخص الفاعل الامريكي في منطقة غرب آسيا:

1.ادارة واشنطن للحروب الاقليمية: بعد التطبيع الاماراتي-البحريني –الصهيوني 2020 تحركت واشنطن في منطقة غرب آسيا للامعان في ادارة  الحروب ،وتوزيع المهمات في سياق محاولة تشكيل (النظام الاقليمي الجديد) بعيدا عن تفرد القوى الصاعدة ، وتغيير (النظام العالمي) وهذا جاء بعد أن اصطدمت بمجموعة من المتغيرات في تلك المنطقة منها الانفراج في الساحة اليمنية، تحسن علاقات ايران الاقليمية، والاتفاق  الايراني-السعودي في مارس2023، وجمود سعر النفط العراقي ، العلاقات  السورية-العربية ، والعودة الى الجامعة العربية وتعزز وحدة محور المقاومة ، وتراجع مشروع التطبيع ، والتقدم في البرنامج النووي الايراني وجمود التفاوض ، وتقدم الصين نحو غرب آسيا ، وعلى الرغم من هذه المتغيرات ألا أن  السلوك الامريكي في منطقة غرب آسيا يفتقر الى سياسة المواجهة ، فضلا عن إجراءات الردع ، والكبح.

2.تفعيل واشنطن سياسة التفتيت الطائفي والعرقي عبر الجماعات التكفيرية: استخدمت الولايات المتحدة أدوات استراتيجية دون تحصيل العائد المتوقع منها، فلجأت الى منظمات المجتمع المدني ودعمها ماليا واعلاميا للعمل لصالح اجنداتها في المنطقة، والقيادات الطائفية، والاقليات العرقية، والجماعات التكفيرية في محاولات تحسين شروط الهيمنة الامريكية هناك.

3.أنشاء واشنطن تحالف الدفاع الجوي في منطقة الشرق الاوسط: منذ عهد الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) حاولت واشنطن أستثمر توقيع اتفاقيات  التطبيع الخليجي-الاسرائيلي  الى دعم (اسرائيل)عبر تشكيل تحالف اقليمي(تحالف الدفاع  الجوي في الشرق الاوسط MEAD ) بينها وبين الدول المطبعة معها بالتعاون الضمني مع المملكة العربية السعودية ، حيث يهدف المشروع  الى  تعزيز  الدفاع الجوي ودمج منظومات الدفاع الجوي ، والصاروخي ضد دول محور المقاومة، وفي طليعتها ايران نتيجة خوف الكيان الصهيوني من التهديدات الايرانية ومحاولة تأمين   الدعم من تلك الدول في حالة توجهها ضربة  الى ايران مع العرض ان جهود المشروع الذي بدأ منذ منتصف العام2022 لم تحقق إنجازات تذكر ، وقد ظهرت أنذاك مؤشرات الفشل مع زيارة بايدن الى المنطقة والذي كان من المنتظر أن يعلن عن أطلاق(منتدى الدفاع الجوي الاقليمي)أثناء جولته، أذ أظهرت السعودية، والامارات، ومجلس  التعاون الخليجي عدم الاستعداد للتحول  الى رأس  الحربة في الموجهة  الامريكية –الصهيونية مع طهران.

4.تفعيل دور القيادة المركزية الامريكيةcentcom سنتكوم: تحاول غرفة القيادة عبر ادارة مشتركة للعمليات مع دول المنطقة ضمان الوصول غير المحدود   الى المؤسسات   العسكرية والامنية والاستخباراتية لديها للاستفادة ، وتعميق أمكانية التشغيل البيني في الدول الواقعة ضمن منطقة المسؤولية وجميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي تحت عناوين  الشراكة الصينية-الايرانية بالاستفادة من اتفاقيات التطبيع وتطوير  العلاقات العسكرية مع دول المنطقة بهدف التصدي لإيران والجماعات المؤيدة لها كان الدافع الاساس للأمريكان نقل العبء عنهم الى الجانب الاقليمي  وتامين منتدى للكيان الصهيوني للتواصل مع الدول التي لم تطبع. ويتبع لقيادة المنطقة المركزية القيادة المركزية للقوات البحرية الامريكية NAVCENTوتشمل مسؤوليتها البحر الاحمر وخليج عمان والخليج العربي وبحر العرب في اشارة واضحة بهدف محاصرة ايران وحليفتها اليمن وتضم القوات البحرية  الدولية المشتركة 26دولة ويشارك الكيان الصهيوني منذ العام2021 أي بعد اتفاقيات التطبيع التي وقعتها مع الامارات والبحرين بعد انتقالها الى منطقة عمليات القيادة المركزية مع امريكا  في المناورات  البحرية  الى جانب دول التطبيع اعلاه بالمقابل فان اعلان ايران عن تشكيل تحالف مشترك بين البحرية   الايرانية ونظيراتها من دول الخليج من قبيل  المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة  ومملكة البحرين ودولة قطر بمثابة تحول كبير في حلفاء ايران.

5.أستخدام واشنطن الاجراءات القانونية ضد دول محور المقاومة في غرب آسيا: لجأت واشنطن الى الاجراءات القانونية ضد دول محور المقاومة في منطقة غرب آسيا كما حصل عبر قانون(قيصر)ضد سوريا أواخر عام2019 قبل التوقيع على اتفاقيات  التطبيع بين الكيان الصهيوني مع الامارات والبحرين ، وقانون مكافحة تجارة المخدرات أواخر  العام2022 ومؤخرا طرح مسودة قانون مناهضة التطبيع مع سوريا في شهر مايو2023 وتحمل مسودة  القانون الاخيرة دلالات فشل نسبي لقانون قيصر الذي أريد منه عزل سوريا اقتصاديًا ، وسياسيًا .وعملت الامارات على كسر القانون في مسار يثير الانتباه حيث توالت عودة التقارب   العربي-السوري وصولا الى أعادة السعودية سوريا الى جامعة الدول العربية.

مستقبل التعامل مع الامارات والبحرين بعد تطبيعهما مع الكيان الصهيوني

ينشغل هذا القسم بطرح سيناريوهات مستقبلية تجاه الامارات والبحرين للتأثير عليها وتحييدها عن علاقتها مع الكيان الصهيوني لما لتلك العلاقات تداعيات خطيرة على منطقة غرب آسيا وتوجهاتها لمقاومة المخططات الامريكية للهيمنة عليها وينقسم الى سيناريوين الاول يهتم بطرح استخدام القوة الناعمة ضد الامارات والبحرين، والثاني التعامل مع الامارات والبحرين كعدو محتمل.

1.سيناريو استخدام القوة الناعمة ضد الامارات والبحرين:

تظهر أهمية القوة الناعمة وتتجلى من خلال ارتباطها الكبير مع البشر، هذه الصفة تعمل على تعزيزها في كل الاماكن في العالم الذي به القدرة على إيجاد قوة من الرأي العالمي، وتستعمل القوة الناعمة في المواقف المركبة والصعبة وتساعد الدول على الوصول للنتائج الصعبة، أخذت مثلاً الهند تنازلًا نوويًا في سنة 2008 وبالرغم من عدم وجود لها عضوية في مجموعة من المتعاملين بالمواد النووية وهذا يرجع لتاريخها في عدم الانحياز والمثل السياسية الشديدة. وتقوم أهمية القوة الناعمة بشكل رئيسي على النفوذ ثقافيًا الذي ليس له أي قوة سياسية التي تعتبر الأكثر تأثير بصورة مباشرة، ويقوم على نتائج استعمال إستراتيجيات القوة الناعمة على ظروف محددة والتي قد لا تؤثر على غيرها من البلاد، القوة الناعمة تعتبر متأنية جدا في المجال الدبلوماسي ولا تفعل استراتيجية ملموسة مستعملة في القوة الناعمة وقد تكون التغييرات العميقة للغاية في بعض الأوقات، في الوقت الحاضر يشهد العالم الكثير من القضايا الشائكة مثل الإرهاب غير الحكومي وغيرها من المشاكل التي تواجه العالم ككل.

ويمكن استهداف الجماهير بالمقام الأول، ثم صناع القرار، فعلى سبيل المثال؛ يقوم الاتحاد الأوروبي بصناعة صورة ذهنية لدى الجماهير في العالم مروجا لنفسه على أنه يتبنى قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الشاملة، فيما تروج قطر لنفسها على أنها دولة راعية للمصالحات وفض النزاعات، وتقدم اليابان نفسها كدولة متقدمة في مجال التكنولوجيا والحاسوب وصناعة الرجل الآلي، فيما تروج السعودية لنفسها على أنها الممثل الشرعي للمسلمين باحتضانها المقدسات، وغير ذلك من الأمثلة. وقد تقوم كل دولة بالترويج لنفسها في أكثر من مجال أو قيمة من القيم التي تتبناها في سياساتها الخارجية أو ضمن استراتيجياتها

إذا كانت الثقافة هي القوة الفاعلة في هذا التواصل، فإن اعتبارها قوة ناعمة منذ عقود يسر لقوى عظمى امتلاك أدوات الجذب والإقناع بأنماط تفكيرها وعيشها أكثر مما وفرته لها القوة الصلبة التي اعتمدت على الآلة العسكرية. ذلك ما ترجمه الواقع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإبان دخول العالم في تجاذب قطبي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، حيث اكتشف السياسيون في تلك المرحلة أنهم بحاجة إلى وسيلة أكثر فاعلية من طاولات المفاوضات، وأدركوا ما للثقافة من دور في التأثير على الشعوب وقدرة على تشكيل العلاقات الدولية. ففي عالم تشهد فيه وسائل الاتصال ثورات عقب ثورات لم يعد من السهل قبول منطق استقواء دولة على أخرى، فقد تقلصت الفوارق الفكرية والنفسية والاعتقادية بين البشر، بسبب انفتاح الشعوب على بعضها البعض، وانتقال العالم من تاريخ الإعلام التقليدي إلى "الإعلام الرقمي" فصار العالم أشبه بقرية صغيرة. وقد ساعد هذا الامتداد الاتصالي في التقارب بين الشعوب، والأهم من ذلك أنه أعطى قوة جديدة للثقافة. إننا حين نؤكد على دور الثقافة في العلاقات الدولية فذلك لنشير إلى أن الدول المتقدمة بالخصوص أدركت أهمية الصناعات الثقافية في مبادلاتها التجارية، مما سمح لها بتوظيفها في دبلوماسيتها الناعمة

وغالبا ما تكون الثقافة مؤثرة في صناعة الصورة التي تحتفظ بها الدول عن بعضها البعض، وتساهم أيضا في تصحيح الانطباعات ونبذ الأفكار المسبقة والمغلوطة، لأن تحقيق التفاهم يتطلب التعرف على الحقيقة. ويزداد أثر الثقافة كلما تمكنت الدول من أدوات الجاذبية والإقناع، فتتحول المثل التي تنادي بها عبر دبلوماسيتها الثقافية إلى أفق خلاص لبعض الشعوب أو طموحا لبعضها الآخر. لننظر في تلك المرحلة التي عاشتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية حينما تم جذب الشباب الأوروبي الذي كان ينجذب إلى الموسيقى خلف جدار برلين، وكيف أصبحت المثل الأميركية في الحرية أملا للشباب في الصين عند حادثة تيانانمين حين بنوا نسخة من تمثال الحرية، وغيرهم من شباب العالم الذين رأوا في النمط الفكري الأميركي خلاصا لأوضاعهم فتبنوا الموسيقى الأميركية ونمط اللباس الأميركي والأكلات الأميركية.

في المقابل، لننظر في الأثر الذي تركته أميركا في نفوس الشباب إثر حرب الأسابيع الأربعة في العراق عام 2003 حين كسبت الولايات المتحدة الأميركية الحرب بإسقاط نظام صدام، ولكن طغيان الآلة العسكرية أثر في تراجع صورتها وشعبيتها في العالم، وحتى في البلدان التي شاركت حكوماتها في الحرب. ذلك أن شن حرب على العراق بائتلاف صغير من الدول، ودون غطاء واسع للشرعية الدولية، ساهم في زعزعة صورة أميركا في العالم، فقد انتصرت الآلة العسكرية وهزمت "المثل" الأميركية، ولم يكن من اليسير على الولايات المتحدة الأميركية أن تستعيد قوتها التأثيرية ثقافيا في العالم، إذ كما يقول ((جوزيف ناي)) سيكون "كسب السلام أصعب من كسب الحرب".

لذلك تسعى الدول إلى تفقد موارد قوتها الناعمة من فترة إلى أخرى، ونقصد بذلك أن تهتم أكثر بوسائل الإعلام وبالأدوات الثقافية والمساعدات في مجالات التعليم بالخصوص في شكل تقديم منح للراغبين في مواصلة تعليمهم الجامعي، أو في مساعدة دول العالم الفقيرة على تنفيذ مشاريع تعليم الأطفال، فتكون للقوة الناعمة قدرة على الجاذبية والتأثير في وقت واحد، وهو ما لا تستطيع القوة الصلبة تحقيقه.

وقد يذهب بعض الباحثين إلى القول إن القوة الصلبة قادرة أيضا على التأثير في الشعوب من خلال استخدام وسائل التهديد والرشى وشراء الذمم، إلا أن هذه الوسائل السيئة لا تنجز ما ينجزه التفاعل الطوعي للشعوب مع الثقافات والأفكار وأنماط السلوك التي تبثها الدبلوماسية الناعمة، لأنها أكثر إغراء. ومن معالم الذكاء الصيني في إدارة الخطوة الحضارية القادمة أن الصين لا تقدم نفسها بديلا عن الولايات المتحدة الأميركية، فهي لا تدعي إعلان التحدي مع القوة العظمى التي تهيمن على العالم، بقدر ما تتقدم بنعومة نحو هدفها، وقد انعكس ذلك على خطابها الذي جذب نخبا وشعوبا كثيرة في العالم، حيث تبنى خطابها السياسي القول بوجود عالم متعدد الأقطاب لا تحتكر فيه القيادة ولا الأنماط الثقافية ولا تحقر فيه ثقافات الآخر مقابل مركزية الثقافة الغربية. لذلك تقدم الصين نفسها باعتبارها قوة مضافة للتطور في العالم وليست خطرا يهدد السلم العالمي. وإذا ما أردنا تطوير آفاق هذه ((الدبلوماسية الثقافية)) فإنه لا خيار أمامنا غير فسح المجال أمام النخب الثقافية لتقدم تصورات وخططا من أجل تفعيل التبادل الثقافي وتزويد الدبلوماسية العربية بمنتجات التبادل الثقافي، ومن ضرورات ذلك أشراك الأكاديميين، والمؤسسات الأكاديمية، فالعلوم التي تدرس في الجامعات ليس غايتها الأساسية توفير كفاءات للمجتمع فحسب، بل تأهيل مواطنين يمارسون قيم الحوار وتبادل الثقافات من أجل نشر التفاهم مثلما تقوم الجامعات بتوفير منتجات علمية لها أثرها في العالم.

2.سيناريو التعامل مع الامارات والبحرين كعدو محتمل:

سوّق صانعو القرار، في الإمارات، عبر وسائلهم الإعلامية والثقافية فكرة مفادها أن الهدف من الاتفاق مع الكيان الصهيوني هو تعزيز السلام، وحل القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه بالطرق الدبلوماسية والسياسية، مع وجود ضمانات من قبل ذلك الكيان بوقف الاستيطان والتوسع. أوهام السلام الشامل الذي يحاول تغطية الأبعاد الحقيقية للاتفاق الصهيوني الإماراتي لا يمكن أن تصمد أمام النقد، ولا تنطلي على الرأي العام العربي الشعبي، الذي ما زال يرفض كل أشكال التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع الكيان الصهيوني، المستمر في سياساته التوسعية والاستيطانية، وفي رفضه المطلق لحق العودة، والدخول في تسوية سلمية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية.

في هذا السياق، لا بد من التأكيد على مسألة أساسية، وهي أنه على عكس ذلك الكيان التي تشكل تصفية القضية الفلسطينية محددا أساسيا لسياسته الخارجية، ولبناء علاقاته الدولية والإقليمية، والمرتبطة بشكل وثيق بأمن الكيان وقدرته على الاستمرار في الوجود، فإن القضية الفلسطينية لم تكن على سلم أولويات صانع القرار الإماراتي في ترسيمه العلاقات مع الكيان. عوامل مثل الدور المحدد للإمارات، ضمن المظلة الاستراتيجية الأميركية، والتصورات المصلحية المتعلقة بدور إقليمي ضمن هذه المظلة، وأوهام اعتبار ذلك الكيان الحليف الموضوعي للحفاظ على وجود دولة الإمارات لمواجهة الأخطار المحلية والإقليمية القائمة والمحتملة، هي المحددات الأساسية لاتفاق ترسيم التطبيع من وجهة نظر صانع القرار الإماراتي، وعلى حساب حقوق الشعوب الفلسطيني.

أن ما يفعل هذا السيناريو اعتبار الامارات والبحرين ((عدو محتمل)) استعداد الامارات على سبيل المثال أن تكون حصان طروادة بيد ((اسرائيل))للانخراط في حرب إقليمية محدودة ضد ايران بحجة مواجهة تهديداتها الاقليمية وهذا ما أكده الرائد (الاحتياطي)الاسرائيلي  داني سيترينوفيتش وهو كبير الباحثين في((معهد آبا إيبان للدبلوماسية الدولية))في الكيان الصهيوني الذي خدم 25 عاما في مناصب قيادية متنوعة في وحدات الاستخبارات وجمع المعلومات  الصهيونية في مقالة له نشرت في ((منتدى فكرة)) وهي مبادرة ل((معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)) نشرت في الموقع الالكتروني له  1سبتمبر2020 بالقول((ويمكن أن تقدّم إسرائيل الكثير إلى الإمارات على صعيد مكافحة النفوذ والتوسّع الإيرانييْن. ويشمل ذلك مجموعةً من قدرات القوة الناعمة مثل الجهود الدبلوماسية المشتركة، والتعاون التكنولوجي والاقتصادي، وحتى زيادة إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط، التي ستسمح بتجاوز خطر إغلاق إيران لمضيق هرمز، وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية. وتشمل خيارات استخدام القوة الصلبة إمكانية تنفيذ هجمات سيبرانية عدوانية مشتركة، وإمكانية التعاون في الهجوم على مواقع نووية أو مواقع بنى تحتية مهمة إيرانية، بالإضافة إلى التعاون العسكري للتعامل المحدود مع القوات الإيرانية الوكيلة في العراق أو اليمن أو سوريا).

الخاتمة والاستنتاجات:  

توصلت الدراسة الى عدة استنتاجات يمكن استعراضها وكما يأتي:

1.أصبحت منطقة غرب آسيا من المناطق الحيوية بمجابهة المخططات الاستعمارية وعلى رأسها مخططات الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني حيث جلبت انتباه تلك القوى ومحاولاتها للهيمنة عليها بكل السبل تمهيدا لاختراقها عبر ربطها باتفاقيات مع ذلك الكيان من أجل شق روابطها وتوجهاتها المقاومة للمخططات الخارجية.

2.تنفي واشنطن وتل آبيب باستمرار أن يكون سبب التطبيع مع الامارات والبحرين هو تجميد ضم الاراضي الفلسطينية الى المشروع الاستيطاني الصهيوني.

3.أستغلت الامارات تطبيعها مع الكيان الصهيوني لحماية نفوذها السياسي، والاقتصادي، والعسكري، والاستخباري في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

4.من التداعيات الخطيرة للتطبيع الاماراتي-البحريني- الصهيوني في منطقة غرب آسيا تعاظم   التهديد التركي للإمارات بسبب سياسات الاخيرة في ليبيا وسوريا المهددة للمصالح التركية هناك.

5.لم يكن هدف الامارات التطبيع مع الكيان الصهيوني دعم القضية الفلسطينية بل يكمن في الحصول على أنظمة التجسس الصهيونية لمتابعة المعارضين، والتدخل في شؤون الدول الاخرى عبر التجسس على قادتهم ورؤسائهم.

6.تنضم البحرين الى الامارات في دوافعها للتطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة التهديدات الايرانية لها.

7.أن تطبيع الامارات والبحرين مع الكيان الصهيوني لم يقابله تنازل حقيقي من تل آبيب ازاء فلسطين وشعبها المجاهد، لابل همشت القضية الفلسطينية وسياسات الشرق الاوسط.

8.من النتائج الوخيمة للتطبيع الاماراتي-البحريني- الصهيوني ازدياد الضغوط على دول منطقة غرب آسيا للتطبيع مع الكيان المحتل مع استعداد سلطنة عمان، والمغرب، وموريتانيا لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات.

 

ورقة عمل الأستاذ حافظ آل بشارة:

"دور العراق في مشروع اقليم غرب آسيا"

منذ القرن السابع عشر بدأت مراكز الاستعمار الغربي تطلق تسميات متعددة على الرقعة الجغرافية التي تتكون من غرب قارة آسيا وجزء من شمال افريقيا وآسيا الصغرى، تسميات عديدة منها الشرق الاوسط والشرق الادنى، فيما عد بعض الباحثين الغربيين ان تلك التسميات كانت تشير بالدرجة الاولى الى ولايات الدولة العثمانية، الا ان تسمية (الشرق الاوسط) حظيت باهتمام كبير كونها تشير الى الصراع بين الكيان الصهيوني ودول المنطقة في الشام والعراق والخليج، الا ان تفرد اميركا كقطب عالمي جعلها تطلق تسمية الشرق الاوسط الكبير على منطقة واسعة تضم الشام والعراق والجزيرة العربية ومصر وايران وباكستان وافغانستان وتركيا، ومع تعدد التسميات تبرز جغرافية سياسية تخص النفوذ الامريكي وتعبر عنه. أما اليوم فقد بدأ (اقليم غرب آسيا) يظهر بوضوح كتسمية محلية استحدثتها ادبيات سياسة النهوض الآسيوي الجديدة التي بدأت السير في طريق التحرر من قبضة النفوذ الغربي.

يقع العراق في قلب هذا الاقليم ولا بد ان يكون له دور في بلورة طموحات واهداف دول غرب آسيا، سواء كانت اهدافا سياسية او اقتصادية او امنية او ثقافية، فهل يستطيع العراق اداء دوره المطلوب في هذه المنطقة انطلاقا من مصالحه التي يجب ان تكون لها الاولوية في اي ترتيبات مستقبلية؟

ما بين آسيا وغرب آسيا

يركز الباحثون عادة على تحليل الجغرافيا السياسية الخاصة بقارة آسيا كاملة، ويسعون الى استعراض ما تتمتع به القارة من تنوع سكاني عرقي وديني وثقافي، وتنوع بيئي يمتد من القطب الشمالي الى خط الاستواء، كما ان غرب اسيا هو المكان الذي تلتقي فيه القارات الثلاث اسيا وافريقيا وأوروبا، كما تلتقي الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية في اقليم واحد وتضفي عليه تنوعا ثقافيا فريدا، هذا الاقليم خضع كغيره من اقاليم العالم الى الهيمنة الاستعمارية لأكثر من ثلاثة قرون، لكنه اليوم في الالفية الثالثة بدأ يتحرر من الشعور بالتبعية متجها الى تشكيل ثقافة آسوية شبه موحدة مبنية على رفض الهيمنة والتحرر وتكوين رؤية جديدة على اساس قطبية آسيا ودورها المحوري في العالم، حتى اشتهرت مقولة لاحد المفكرين مفادها ان القرن التاسع عشر شهد هيمنة دول أوروبا الاستعمارية والقرن العشرون هو قرن الهيمنة الامريكية اما القرن الحادي والعشرون فسيكون قرن الهيمنة الآسيوية، ذلك لوجود دول قوية في آسيا كالصين وروسيا وايران وكوريا الجنوبية وتركيا والهند، والتي تمر بمرحلة التفاهم لبلورة رؤية إستراتيجية توجه مقولة الهيمنة الاسيوية، خاصة أن آسيا هي القارة الأكثر تنوعاً عرقياً ولغوياً وثقافياً في العالم، وتضم 53 دولة. ويعيش فيها أكثر من نصف سكان العالم أي ما يقارب 5 مليارات نسمة، ويشكل اقتصادها 50% من الناتج المحلي الاجمالي للعالم.

وفي السنة الاخيرة بدأت دول في غرب آسيا بحل مشاكلها واعادة علاقاتها، مثل عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وعودة العلاقات بين السعودية والإمارات مع سوريا، كما تحركت مصر وتركيا لإنهاء الخلاف بينهما، كذلك مصر وإيران. كما يبدو ان غرب آسيا يخرج بقوة من تحت المظلة الامريكية وينضم تدريجيا إلى تكتل (بريكس) و(منظمة شنغهاي) للتعاون، واستخدام عملات أخرى غير الدولار في التبادل التجاري، وكان رد اميركا على محاولات التحرر من الدولار قاسيا ومخالفا للقواعد الدولية، حيث صادرت بعض احتياطيات إيران وفنزويلا وروسيا من الدولار والذهب.

الكيان الصهيوني ... التحدي الاكبر في غرب آسيا

يمكن القول ان وجود الكيان الصهيوني في غرب آسيا يمثل حالة متقدمة من الصناعة الاستكبارية التي بدأت منذ قرون واكتسبت تجربة هائلة في احتلال البلدان وقتل واذلال شعوبها وسرقة ثرواتها، فالعقلية الاستكبارية توصلت الى الوسيلة الاحدث في الهيمنة على مثلث لقاء القارات ومنبع الثروة والحضارة شرق المتوسط وذلك بزرع كيان عنصري توسعي متوحش تم تأسيسه بالاستعانة بالأساطير التأريخية ليكون نموذجا لأحدث اساليب الهيمنة ممثلا لمصالح دول الاستكبار الكبرى الداعمة لوجوده والمدافعة عنه، لذا يقول الرئيس الامريكي بايدن: (لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها) ..

وامام هذا الاحتلال التوسعي أصبح غرب آسيا ساحة لصراع وجود خطير، فسياسة الكيان الصهيوني تعتمد التوسع وسرقة ثروات المنطقة واستخدام الحرب المركبة لمنع ظهور مقاومة في غرب اسيا، فالكيان يشن حربا ناعمة على دول المنطقة في المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية، وهدف تلك الحرب الناعمة تفكيك الدول والمجتمعات وافساد الشعوب وتجهيلها واشاعة التفسخ الاخلاقي والمخدرات.

ان دول غرب آسيا هي المستهدفة بحرب الهيمنة الصهيونية ومن يساندها من دول الاستكبار، واصبح معلوما ان وجود الاحتلال الصهيوني يفرض خطرا نوعيا في غرب آسيا يجعل تلك الدول امام تحد جسيم، وتعد بلاد الشام والعراق والخليج ومصر وتركيا وايران هي الدول الاكثر شعورا بالخطر الصهيوني، وطبقا لهذا الواقع لا يمكن تصور اي حالة نهوض وتحرر في غرب آسيا الا بزوال هذا الكيان، لذا يصبح غرب اسيا ساحة صراع مستمر يتوقف عليه مصير آسيا بأكملها، والجبهة الآسيوية المتقدمة في معركة الوجود، فلا يمكن للمحور الآسيوي العالمي الجديد الذي تمثله الصين وروسيا ان ينهض ويتقدم مالم يحسم هذا الصراع التاريخي المستمر، وقد ازداد الصراع ضراوة عندما خضع بعض حكام المنطقة الممثلون لمصالح الغرب لسياسة التطبيع مع الصهيونية، حيث اصبحوا من جهة مساندين للكيان في معركة طوفان الاقصى ومن جهة ثانية يمارسون قمع شعوبهم ومنعهم من ابداء اي تعاطف مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب ابادة شاملة.

يعد محور المقاومة الحالي الذي يمتد من إيران الى العراق ولبنان وسورية واليمن التجسيد الاكثر وضوحا لحالة المقاومة في غرب آسيا، وهو الذي يواجه الكيان الصهيوني ويحاول تحييد جبهة حكام التطبيع المساندة له. وكل مراكز النهوض في اسيا بما فيها روسيا والصين وكوريا الجنوبية وإيران وتركيا تعلم ان وجود الكيان الصهيوني في هذا المكان وهذا الزمان هو العائق الاكبر لأي نهضة آسوية اقتصادية او سياسية او امنية او ثقافية، وقد يتبلور تدريجيا موقف موحد ازاء هذا الخطر.

العراق ودوره المنتظر في غرب آسيا

عندما نذكر دول غرب آسيا التي يمكن ان تتفاعل مع مشروع بلورة القطب الآسيوي العالمي الكبير، انما نعني في هذا السياق قدرة الدول الاسيوية على بلورة منظومة مصالح مشتركة اقتصادية وامنية وثقافية، اولا ، ثم قدرتها على ادراك التهديد الاكبر لهذا المشروع المتمثل بالكيان الصهيوني وادارة الازمة بصبر وحكمة، ليس فقط باعتباره الكيان الذي يريد الهيمنة على غرب آسيا بل باعتباره وكيلا مباشرا لدول الاستكبار العالمي التي تريد اعادة سيناريو احتلال دول المنطقة باستخدام هذا الكيان، لذا نفترض ان الدول المعنية تتصرف انطلاقا من توفر الحد الادنى من التماسك الداخلي والقدرة على اتخاذ القرار بناء على مصالحها، فهل يستطيع العراق ان يكون عضوا في هذا الحراك الآسيوي الطموح؟ الجواب يجب ان نفحص هذا البلد ونكشف مدى امتلاكه وحدة الموقف والارادة وحرية القرار  السياسي، مع ان النظام الحالي في العراق يوصف بأنه نظام دستوري فدرالي برلماني يفصل بين السلطات، الا ان الديمقراطية التوافقية ادت الى دخول المحاصصة كأساس لبناء السلطات المختلفة، وبالتالي اصبحت التجربة السياسية تسير باتجاه بناء دولة المكونات، في وقت لم يعد لدولة المكونات وجود في العالم لأنها مشروع تقسيم للبلد الواحد وليس مشروع وحدة، فالعالم يسير نحو بناء دولة المواطنة، وكل دول آسيا فيها مكونات عرقية ودينية تبلغ المئات لكنها اقامت دولة مواطنة كالهند واندونيسيا والصين وعشرات الدول الاخرى. وتهدد المحاصصة التعايش الاجتماعي وتمنع بناء دولة مواطنة او دولة مؤسسات، وبذلك يصبح من الصعب على الدولة اتخاذ قرار حاسم في امور خطيرة تخص العلاقات الدولية، او الشؤون الدفاعية، او فرض القانون او مكافحة الفساد.

نحو مستقبل أفضل

يجمع خبراء السياسة في العراق وهم النخبة المفكرة التي لا يستمع اليها أحد على ان مستقبل هذا البلد يبدو غامضا بسبب غياب الحد الادنى من مقومات اعادة بناء الدولة، المقومات الثقافية والسياسية والامنية والاقتصادية، ولعل السبب الاكبر الذي يؤدي دائما الى فقدان مقومات بناء الدولة وجود القوات الاجنبية في العراق، وهيمنة الاحتلال على الملفات السياسية والامنية والاقتصادية، وفقدان السيادة وفقدان حرية القرار، وهناك من يتحدث عن تدخل امريكي وبريطاني وصهيوني في شؤون العراق اوسع مما نتصور، وكان العقدان الماضيان قد شهدا استمرار الارهاب والفساد وفشل الحكومات وفقدان الدولة القدرة على فرض القانون، وارتهان الاموال العراقية لدى مصارف اميركا، واستمرار النزعة الانفصالية لدى حكام اقليم كردستان بدعم اجنبي، ومن يستعيد تفاصيل المشهد السياسي للعراق بعد اول انتخابات تشريعية في عام 2005 يجد ان المشهد نفسه باق بكل عناصره رغم مرور عقدين من الزمن، لم يتغير الفساد ولا التهديد الارهابي، ولم يتغير ضعف الدولة وفشل السلطات.

ومع كل اسباب الازمة التي تبدو واضحة الا ان العامل الاكثر اهمية فيها هو غياب الشعب عن المشهد، مما سبب اطالة مدة الجمود، ولا يمكن ان يتغير الوضع القائم الا بضغط شعبي واسع النطاق، الا ان هناك مشكلة اجتماعية تعيق هذا التحول المفترض وهي ان الشعب العراقي مقسم طائفيا وقوميا منذ زمن النظام البائد، ولا يمكنه حاليا الالتفاف حول قضية موحدة، ولم تبذل الحكومات اي جهد خلال عقدين بعد التغيير من اجل اعادة بناء الوعي الاجتماعي لتحقيق وحدة الشعب وتجاوز انتماءاته الفرعية واحياء محورية الوطن، وبدل ذلك النهج فان النظام الجديد كرس الانقسام الاجتماعي والمناطقي باستخدامه المحاصصة والديمقراطية التوافقية واصبحت مصالح اغلب الاحزاب من المكونات الثلاثة الشيعة والسنة والكرد تحتاج الى ان يستمر الانقسام بين المكونات والتباعد ويتعمق الانتماء الثانوي على حساب الانتماء الوطني، هذه المرحلة من الضعف والانقسام وانتشار الفساد والتبعية للاحتلال لها رموزها ولا يمكن لهذه الرموز التي قادت مرحلة التراجع والفشل ان تقود مرحلة النهوض والاصلاح لذلك يجب ان يسبق اي تغيير سياسي تغيير في ثقافة الشعب وتغيير في طبيعة القوى السياسية.

 

ورقة عمل د. عبد الحسن حنون جبرة الله العسكري:

" المقومات الاستراتيجية الفاعلة لمحورية العراق في منطقة غرب آسيا ... عملية طوفان الأقصى رؤية استشرافية مستقبلية"

تتمحور ماهية ودلالات جوهر الصراعات في مناطق غرب آسيا الضاربة في أعماق التاريخ ماضيا" وحاضرا" ومستقبلا" باتجاهات تعددية بحكم الظروف والمعطيات والاستراتيجيات الزمكانية بأبعاد سياسية اقتصادية وأمنية وجيوسياسية لتعود في مراحل لاحقة لتكشف عن وجهها الحقيقي المتمثل بالشرعية الحضارية والوجودية، ويتمايز البعد الحضاري في تلك الصراعات عن غيره من الأبعاد والعوامل بوضوح لدى ذوي العقل الراجحة من النخب الفكرية والسياسية الواعية والفاعلة

وتارة" تتجلى أوجه الصراع كواجهة لصراع تقليدي بين حضارتين متناقضتين (الشرق والغرب) وتارة يطفو على السطح كصراع بين حضارتين بصبغة دينية (الإسلام والمسيحية) (الإسلام واليهودية)، وأخرى تندفع بتطرفها لتتجه نحو أفضلية العقل الغربي وتتمحور بنيتها المعرفية وأطارها المنهجي حول نظرية (العقلية المركز الغربية) ذات الطابع العنصري.

وفي ضوء تلك البواعث  يتجلى بوضوح لكل منصف واع  أن الصراع في فلسطين اليوم ليس صراعا" بين فلسطين كدولة ذات سيادة على أرضها وبين كيان غاصب لأرض فلسطين وحسب , بل أن أدواته ومحركيه الغربيين يسعون بكل قوة الى استكمال مكونات ذلك المشروع الصهيوني المتعددة بما في ذلك السيطرة على الأرض وطرد وإبادة السكان الأصليين ، ليأخذ الصراع صورته الحقيقية كصراع من أجل تغيير وسلب الهوية الحضارية لشعوب المنطقة عامة" وفلسطين خاصة ، وصراعا"  هوياتا" حضاريا" وثقافيا" ووجوديا" بين الهوية الإسلامية كأيديولوجيا وعقيدة  من جهة وبين الصهيونية العبرانية كهوية للوطن الصهيوني ، بسردية عقائدية توراتية تحت شعارات ( عودة السيد المسيح الثانية) وعقيدة ( شعب الله المختار) و( أرض الميعاد) ، لم تصمد أمام  حقائق البحث العلمي الأركولوجي  أو التاريخي والسياسي المنصف والحيادي .

 واتخذ الغرب الاستعماري من الوجود الصهيوني وسط بقعة العالم الإسلامي حضورًا" استراتيجيًا" وجيوسياسيًا"، وقاعدة وطليعة متقدمة لمخططاته الغربية الاستعمارية الجديدة للسيطرة على ثروات العالم الإسلامي ومنع ظهور دول عربية وإسلامية قوية تهدَد مصالحة ونفوذه الاستراتيجي في مناطق غرب آسيا والقارة الإفريقية، ومثابة متقدمة لمواجهة التهديدات الروسية والمارد الأسيوي الصين والدول الإقليمية القوية الناشئة في المنطقة مثل إيران.

 وما ظهر من دعم الدول الغربية على وجه الخصوص، بعد معركة طوفان الأقصى، بحيث عطّل القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقُيِّدت أدوار منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، وكل ذلك من أجل منه انهيار دويلة هذا الكيان الغاصب، يؤكد بلا شك انخراط هذه القوى الدولية الكبرى في هذا المشروع التدميري لكل ما هو عائق أمام هيمنة هذه الدول والترابط الوثيق بين مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني الغاصب.

وفي ظل المتغيرات والتطورات  الحادة التي تشهدها منطقة غرب آسيا خاصة ، ودخول المنطقة على أعتاب تحديات خطيرة ، قد تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي،  أثر تصاعد حدة الصراع العسكري  بين الكيان الصهيوني وحلفائه الولايات المتحدة والدول الأوربية من جهة وحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وأبرزهما ( حماس) و ( الجهاد الإسلامي) وبقية الفصائل الفلسطينية من جهة ، بمساندة سورية وقوى محور المقاومة في العراق ولبنان واليمن ، بعد الجرائم والمجازر الوحشية البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين المدنيين العزل في غزة وبقية المدن الفلسطينية  انتقاما" للعملية البطولية التي قامت مجاهدي المقاومة الإسلامية ( حماس) والتي باتت تُعرف بـعملية  ( طوفان الأقصى) في 7 ت1 2023م ، ولم يستثنى منها الأطفال والنساء والبنى التحتية المدنية كالمستشفيات والمدارس والمنازل الآمنه والتي تتنافى مع الشرعية الدولية والإنسانية والأخلاقية ، وانتهاك هذا الكيان للمواثيق والقوانين الدولية بشأن حماية وتجنيب المدنيين مخاطر الصراعات العسكرية ، وهنا يبرز السؤال التالي :  

ماهي المعوقات التي تقف أما العراق لأن يلعب دورا" محوريا" في هذا الصراع ؟، وما مدى تأثير البعد الإستراتيجي الذي يمتاز به العراق على صعيد هذه الأزمة في ظل هذه التطورات والتحديات الخطيرة ؟، وما مدى تأثير الأزمات الداخلية التي يعاني منها بسبب تأثيرات النفوذ الأمريكي على سيادة واستقلال القرار السياسي العراقي من جهة، وسياسات دول جوار العراق المنخرطة كليا" في المشروع الصهيو امريكي في المنطقة لزعزعة أمن واستقرار العراق بتدخلاتها بالشأن العراقي الداخلي؟

قبل  الإجابة عن هذه الأسئلة المحورية وما يتشعب عنها من أسئلة فرعية، لابد من تسليط الضوء على مكانة العراق الإستراتيجية، ودوره المؤثر في معادلة موازين القوى الإقليمية بما يمتلكه من موقع جيوسياسي مهم في المنطقة، وما يتمتع به من مقومات بشرية ومادية تؤهله للعودة بقوة للساحة السياسية الإقليمية والدولية، آخذين في نظر الاعتبار تقدير حالة العراق كدولة  واجهت ولازالت تواجه تحديات خطيرة على المستوى الداخلي والخارجي، ومكبلة بقيود التبعية السياسية والاقتصادية  وهيمنة مؤسسات دائرة القرار السياسي الأمريكي والمؤسسات  المالية الفدرالية الأمريكية من جهة، وعدم استقرار العملية السياسية في العراق بسبب فقدان الانسجام السياسي والاجتماعي بين مكوناته الأحزاب والتيارات السياسية العاملة في الساحة العراقية ، وتأثير العامل الخارجي وهيمنته الكاملة على قرارات هذه الأحزاب والتيارات .

المحور الأول: معوقات محورية العراق

لا يخفى أن العراق كان له دورا" محوريا" هاما" في معادلة التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة العربية خاصة ومنطقة غرب آسيا عامة" قديما" وحديثا" بحكم مقوماته الحضارية والتاريخية والدينية والاقتصادية ، لكن هذا الدور أخذ يتضاءل تدريجيا" منذ أن قام النظام البعثي الحاكم بشن حربه العبثية مع الجارة ايران  على مدى ثماني سنوات ، وما تلتها من أحداث وتداعيات الغزو الصدامي للكويت في 2 آب 1990 وما يعرف بحرب الخليج الثانية عام 1991م بطرد القوات العراقية من الكويت على يد التحالف الدولي ، وانعزال العراق عن محيطه العربي والإقليمي والدولي بفعل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تضمنت فرضها حصارًا سياسيًا واقتصاديًا على العراق ، ما افقده ذلك الدور الحيوي والمحوري في معادلة توازن القوى  في المنطقة .

واعقب هذه التطورات التدخل العسكري الأمريكي والغربي المباشر في العراق عام 2003 ليخرجه بشكل كامل من معادلة  توازن القوى  عربيًا وإقليميًا ودوليًا، وزاد على ذلك سياسة الولايات المتحدة والغرب في تمييع الهوية العراقية وتذويبها بمشروعات التقسيم المعلنة وغير المعلنة برسم الخريطة السياسية في العراق من جديد وتقسيمه  الى ثلاث كانتونات ( كردية في شمال وغرب العراق وعربية سنية في غرب ووسط العراق وشيعية في وسط وجنوب العراق) غير متجانسه إثنيا" ودينيا" ومذهبيا" ، وتحفيز حليفهما الكرد وتشجيعه على الدعوة الى الانفصال الجزئي عن العراق وتكوين دولته سواء عن طريق بناء إقليمية الخاص أو طموحه القديم الجديد بتكوين الدولة الكردية في شمال العراق ، وأضف لذلك ربط المنظومة السنية العراقية  سياسيا" واستراتيجيا" بدول المنطقة  ( السعودية – الأردن – الكويت – تركيا – قطر – الإمارات) ، مما شكلت هذه التوليفة عنصر هدم في محورية العراق في التوازنات الإقليمية والدولية من خلال استنزاف مقدراته تبديد ثرواته بشكل كبير وجعله منشغلا" على الدوام بأزماته الداخلية المستمرة  وعجزه عن استثمار قدراته وموارده الكبيرة للقيام في دوره الطبيعي كعنصر مؤثر وحيوي في التفاعلات الإقليمية والدولية .

المحور الثاني: المقومات الاستراتيجية الفاعلة لمحورية للعراق

على الرغم من الأزمات السياسية سواء المفتعلة أو غير المفتعلة التي عانى منها العراق على مدى أكثر من خمسة عقود من الزمن بسبب السياسات الحمقاء للنظام البعثي الذي حكم العراق عام 1968 وحتى سقوطه عام 2003 م ، وتداعيات الغزو الأمريكي للعراق وما خلفه من انقسامات خطيرة على المستويات السياسية والاجتماعية ، إلا أن العراق لم يتوانى يوما" من ان يكون له دور مؤثر في محيطه الإقليمي وإن غاب هذا الدور أو تراجع لبعض الوقت بسبب تداعيات ذلك الغزو ، سيما وأن العراق يمتلك العديد من المقومات التي تؤهله لاستعادة دوره المؤثر في التوازنات والأحداث السياسية والأمنية  التي تشهدها المنطقة ومنها ما تشهده حاليا" منطقة غرب آسيا من أحداث وتحديات خطيرة ليست على طرفي الصراع ( الكيان الصهيوني وفلسطين) وحسب ، بل على المنطقة والأمن والسلم العالمي كما يجمع على ذلك المحللين الاستراتيجيين بمختلف توجهاتهم ومدراسهم السياسية والفكرية ، ناهيك عن ما يصرح به أصحاب القرار السياسي في دوائر ودهاليز المؤسسات الامريكية والغربية من خشية تدهور الأوضاع وانحدارها الى مستويات خطيرة تنذر بنشوب حرب شاملة في المنطقة بسبب السياسات الحمقاء لزعماء الكيان الصهيوني .  ويمكن القول أن العراق بما يمتلكه من مقومات في الظروف الحالية قادر على استعادة دوره المحوري في المنطقة، وسيما دوره المستقبلي الفاعل في الصراع الفلسطيني – الصهيوني، ومن أهمها هذه المقومات:

- مقومات الحضارية والتاريخية الضاربة في عمق التاريخ البشري.

- مقومات سياسية: وتتمثل بعمق وتأصل أبعاد القضية الفلسطينية في الذاكرة العراقية

 -  مقومات الاقتصادية ودوره في سوق النفط العالمية بما يمتلك من ثروة نفطية هائلة وخامس بلد من حيث امتلاكه للاحتياطي النفطي الذي يقدر بـ 147 مليار برميل، وامتلاكه لخزين من احتياطات الغاز تقدر بـ 3,100 مليار متر مكعب - الاستقرار السياسي النسبي الحالي

 - مقومات نمو ونضج التجربة الديمقراطية

 -  الاعتراف العربي والإقليمي بمكانه العراق إقليميًا ودوليًا، وإدراك هذه الدول لأهمية وضرورة استقرار الأمن في العراق استعادته لدوره الحضاري والسياسي في معادلة توازن القوى   بما يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة

- مقومات دينية: وتتمثل بثوابت الشعب العراقي الدينية كعامل مهم في تعميق وترسيخ بعد العراق الاستراتيجي، ويتجلى هذا بوضوح بمواقف المرجعية الدينية والحوزات الدينية ومن خلفها أبناء الأمة وتمسكها بقضايا الأمة المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

-  مقومات استراتيجية الردع والرعب  : وتتمثل ببروز قوى محور المقاومة في العراق بعمقها الشعبي والسياسي كعامل قوة في  معادلة توازن القوى ليس على مستوى العراق وحسب ، بل على مستوى قضايا الأمة وخير  مثال على ما تشهده الساحة الإقليمية من تعدد وتوحد ساحات المواجهة في العراق ولبنان واليمن ومن خلفهما الجمهورية الإسلامية في ايران وتطور قدرات فصائل محور المقاومة في احداث توازن في الردع والرعب لدى الكيان الصهيوني وقدرة هذه الفصائل على الصمود والتماسك رغم الدعم الأمريكي – الغربي الهائل لهذا الكيان ، ناهيك عن تطور إمكانيات الردع الاستراتيجي لدى هذ الفصائل وتمكنها من تسديد الضربات المتلاحقة لمدن ومستوطنات فلسطين المحتلة في أم الرشاش ويافا وحيفا والجليل ، باستخدام أسلحة متطورة كالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ذات الإمكانيات الهائلة على مستوى الرصد وجمع المعلومات أو الانقضاض على الأهداف الحيوية لدى الكيان الصهيوني

ورقة عمل د. علاء محسن الكناني:

" معركة طوفان الأقصى وتأثيراتها على الامن القومي العراقي ومنطقة غرب اسيا"

مقدمة

غرب اسيا هو الجزء الجنوبي الغربي من قارة اسيا على خلاف الشرق الأوسط الذي يتضمن البلاد الافريقية، وتعد تعبيراً جغرافيا يتضمن النهاية الجنوبية الغربية للقارة ويستخدم هذا الوصف في الدراسات التاريخية والسياسية.

مسمى غرب اسيا أصبح التعبير المفضل للاستعمال للشرق الأوسط بواسطة المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وأيضا في البلدان الافريقية والاسيوية من الناحية الجغرافية والثقافية والسياسية. وهذه المنطقة هي المنطقة الجغرافية الواقعة ما حول وشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط وتمتد الى الخليج العربي، ويستعمل هذا المصطلح للإشارة الى الدول والحضارات الموجودة فيها وسميت قديماً (بالعالم القديم) وهي مهد الحضارات الإنسانية ومهد الديانات.

مصطلح غرب اسيا

لطالما سيطرت عبارة ( الشرق الأوسط ) في الأوساط السياسية والاستراتيجية والجيوسياسية للدلالة على المنطقة الممتدة من ( ليبيا غرباً الى باكستان شرقاً ومن سوريا شمالاً الى شبه الجزيرة العربية جنوباً ) وهي عبارة تستعمل للدلالة على مصطلح مظلل انتجته القوى الاستعمارية القديمة كبريطانيا وبنت عليه الإمبراطورية الامريكية الحديثة اذ بدأ التداول السياسي والفكري له في خمسينيات القرن الماضي وبشكل واسع، وبالتالي كان لابد من إيجاد مفهوم ومصطلح يناسب شعوب المنطقة وتاريخها الحضاري والروابط الاقتصادية والجيوسياسية التي يجب ان تجمعها وتوحدها لا ان تفرقها .

ودول غرب اسيا تمتلك الكثير من القواسم المشتركة، وهي ذات تركيبة جغرافية متجانسة ومتكاملة ويتخللها معابر مائية وبرية طبيعية تجعل منها واحدة من اهم المناطق الاستراتيجية في العالم، وتمتلك ثروات نفطية وغازية ومعدنية وطبيعية تؤهلها للبروز كسوق اقتصادية مشتركة عملاقة. فضلاً عن انها تتشارك في روابط تاريخية وحضارية ولغوية تجعل شعوبها كيانات متقاربة وقادرة على تحقيق الازدهار والنمو لأبنائها إذا توافرت الإرادة السياسية وتم تجاهل الضغوط والموانع والاملاءات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً. من هنا يجب التمييز بين مصطلحي غرب اسيا والشرق الأوسط كون الثاني مفهوم امبريالي يخدم أعداء المنطقة والأول يجسد المصالح المشتركة لشعوبها.

ويعد مصطلح الشرق الأوسط جديداً نسبياً وغير محدد بشكل كاف، فهنالك من يوسع حدوده وهناك من يقلصها من الجغرافيين، وأطلقت عليها العديد من التسميات هي:

 1-الشرق الأدنى: استخدم للمرة الأولى في عام 1902 م وقد قصد منه ان المنطقة كانت على مر السنين تحت السيطرة العثمانية بعيدة ومنعزلة عن العالم، ولم تكن مصر وإيران تتبع هذه التسمية لانهما لم يخضعا للحكم العثماني. ومن وجهة نظر الاوربيين كانت الإمبراطورية العثمانية هي الشرق الادنى منه ولهذا كانت التسمية تعكس وجهة نظر الاوروبيين.

2- الهلال الخصيب: وأطلق هذا المصطلح في القرن العشرين ويشمل المنطقة الواقعة في شمال شبه الجزيرة العربية (العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، والأردن) وتكون المنطقة بما يشبه الهلال لذلك سميت بهذا الاسم وتمتاز بالأراضي الخصبة.

3- العالم العربي: ويشمل هذا المصطلح كل الدول العربية ودول شمال افريقيا ولا يشمل تركيا وإيران.

كل هذه التسميات هي استعمارية بامتياز لتثبيت مفهوم الهيمنة على المنطقة، وقد دعا آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الى استخدام مصطلح غرب اسيا وشمال افريقيا اذ أكد في أحد خطاباته على أهمية تغيير اسم المنطقة وان ما يحاول الغرب من ترسيخه هو لفرض الهيمنة عليه اذ يصر الاوربيون ان يطلقوا اسم الشرق الأوسط لأنه يقع الى الشرق منهم حسب مقاييسهم ويقسمون المنطقة الى شرق أدنى واوسط واقصى وهذا ان دل فأنه يدل على تكبر الاوربيون ونظرتهم الفوقية اتجاه شعوب المنطقة. وبحسب ما تشير اليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فأن غرب اسيا يشمل (البحرين والعراق وفلسطين والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر والسعودية وسوريا والامارات وتركيا واليمن، وكمفهوم جغرافي فأنها تشمل غرب اسيا (بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين) وجزء كبير من تركيا وإيران والمرتفعات الارمينية وجنوب القوقاز وشبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة سيناء.

بعد هذا التمهيد نحاول الإجابة عن التساؤلات التالية: ما أسباب الازمة في غزة؟ وماهي تداعياتها وتأثيرها الامن القومي في العراق ومنطقة غرب اسيا؟

أسباب الازمة في غزة

هناك العديد من الأسباب التي اثرت وبشكل فاعل في إطالة الحرب في غزة منها:

1-أسباب جغرافية: تقع غزة في المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط شمال شرق شبه جزيرة سيناء وتشكل قرابة 1,33% من مساحة فلسطين، تبلغ مساحته (365 كم 2) وعدد سكانه (2098389 نسمة)، يخضع قطاع غزة مع الضفة الغربية اسمياً للسلطة الفلسطينية وفعلياً لحكم حركة حماس بعد فوزهم بالانتخابات عام 2006 ومنذ ذلك الحين تعرضت غزة لحصار بري وبحري وجوي كامل من إسرائيل. ويبلغ طول القطاع 41 كم وعرضه 6 – 12 كم ولها حدود مع إسرائيل تبلغ 51 كم. وتهيمن على تضاريسها ثلاث تلال موازية للساحل تتكون من احجار رملية كلسية قديمة وتفصل بين هذه التلال اودية مليئة بالرواسب الغرينية، مع وجود الكثبان الرملية بالقرب من الساحل وان اعلى نقطة في القطاع هي أبو عودة التي يبلغ ارتفاعها 105 م فوق مستوى سطح البحر. النهر الرئيسي فيه هو وادي غزة، ويتميز قطاع غزة بمناخ حار شبه جاف مع شتاء دافئ تهطل خلاله الامطار السنوية وصيف حار جاف.

ان موضع غزة نابع من الموقع الجغرافي المهم لدولة فلسطين اذ انها تشكل حلقة الوصل بين قارتي اسيا وافريقيا فهي الجسر الذي يصل الى بلدان المغرب العربي مع بلدان المشرق العربي، هذا الموقع الخطير له دلالاته الجيوسياسية والاستراتيجية الواضحة والمؤثرة على امن ووجود إسرائيل.

2- أسباب اقتصادية: تنعم غزة بالعديد من الثروات الزراعية النقدية المهمة مثل الفراولة والحمضيات والتمور والزيتون، وكذلك العديد من الصناعات الخفيفة مثل البلاستيكية والمنسوجات وغيرها. ويمتلك قطاع غزة ثروات وموارد طبيعية تقدر بمليارات الدولارات، اذ يقدر احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو (1,5) مليار برميل من الخام و (1,4) ترليون م3 من الغاز، ويعد حقل (غزة مارين) الواقع على بعد نحو 30 كم من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين لوثيان وظهر من حقول الطاقة المهمة في منطقة الشرق الأوسط ويحتوي على ما يزيد على 1,1 ترليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وان القيمة السوقية لحقلي غزة مارين وبوردر فيلد يقدر بين 6-8 مليارات دولار.  وقد اتفقت الولايات المتحدة وأوروبا والهند والسعودية والامارات في اجتماع مجموعة العشرين في نيودلهي على ممر اقتصادي جديد يبدأ من الهند ثم يمر عبر الشرق الأوسط وينتهي بأوروبا وينافس طريق الحرير الصيني.  

وهتاك أسباب أخرى منها انتشار التشيع في مناطق لم تكن تتوقع تلك الدول ان يصل اليه ومنها حدود إسرائيل وقلب الدول الكبرى الاستعمارية.

 نتائج وتأثير ازمة غزة على الامن القومي العراقي ومنطقة غرب اسيا

العراق كأي دولة تتأثر بمحيطها الإقليمي، منه تستمد الاستقرار ومنه تعيش الفوضى، ودوماً تلقي الاحداث الإقليمية والدولية اثارها سلباً او ايجاباً وهذا ما يسجله التاريخ السياسي، ومن هنا نجد ان معركة طوفان الأقصى لها اثار وتداعيات على الامن القومي في العراق والمنطقة وتتمثل بما يلي:

اولاً/ اختلال التوازن في الصراع ونتائجه:

لقد اظهر طوفان الأقصى ضعف قوة الردع الإسرائيلية وان ما تدعيه إسرائيل كان مجرد حسابات غير مدروسة ويترتب على ذلك ما يلي:

1-انهيار أيدلوجية التطبيع:

لقد ادركت القوى والدول التي كانت تتبنى إستراتيجية حمايتها وتأمين مستقبلها ووجودها على التطبيع والاعتماد على الغرب انها غارقة في خيال التقديرات الأمنية بعد (طوفان الأقصى) وبعد (الوعد الصادق) وبعد سيطرة (المقاومة على المنافذ الدولية) وبعد (الحرب الأوكرانية – الروسية) فضلاً عن الهزائم الكبيرة في لبنان وفلسطين خلال عقود منذ حرب الحجارة، فلا بد ان تبحث هذه الدول، العربية التي تتجه نحو التطبيع، عن موضع لها في المتغير الدولي القادم يؤمن لها القوة او تكون على الحياد.

ومن الجدير بالذكر ان التطبيع لا تريد منه أمريكا الاعتراف بإسرائيل بنحو مجرد ، وانما تريد منه تأسيس منظومة خليجية تحت حماية واشراف أمريكا تكون مصد في وجه القطب القادم الصاعد في المنطقة (الخط الثوري – ايران – سوريا- اليمن- لبنان – غزة) فأمام تجلي الحقيقة بعدم إمكانية أمريكا واوروبا من حسم المعركة ضد حماس تكون النتائج ان الخليج يبحث عن سياسات الحياد او التوازن وعدم الاستعجال في التطبيع ولو ان البعض منهم سلك مسلك تنسيق العلاقات مع المحور الشرقي (الصين والروس وايران) ودول منظمة بريكس وشنغهاي وبين القطب الأمريكي . والعراق جزء من منظومة الشرق ويمكنه ان يسلك مسلكاً متوازناً في النظام الدولي الجديد لتحقيق امنه القومي.

2- ظهور محور المقاومة كأمر واقع:

أي ان محور المقاومة بعد طوفان الأقصى الذي هز اركان الامن والقوة الردعية لإسرائيل استخبارياً وعسكرياً ظهر محوراً مضاد للكيان، وهو يمتلك قدرات الصمود والمناورة والتأثير والبقاء وإعادة توازن القوة في الخليج والشام (الهلال والجزيرة) وعموم غرب اسيا وله القدرة على إعادة انتاج نظام دولي جديد والعراق جزء من المنظومة الإقليمية والدولية ولا إمكانية للعراق ان يكون جزء من التجاذب، يجب عليه ان يقرر من الان مصلحته في أي اتجاه واي قطب، سيما الان يتجه النظام الدولي الى قطبية ثنائية قيد المخاض والتكوين. نعم العراق له ظروفه الخاصة لكن بالمحصلة مهما حاول التوازن فهو لابد ان يقرر نظرية وايدلوجية التموضع وليكن موضعه الوسطية.

3- ظهور حاكمية التموضع السياسي:

تبين ان المحور المقاوم بالإجمال قد تموضع في النظام الدولي الجديد بانتقال القوة الى اسيا، وهذا ما يشير اليه دوغين وغيره من كبار الباحثين في الاستراتيجيا والنظام الدولي والعلاقات الدولية، والعراق يحتاج امنه القومي الى امرين مهمين:

أ-ان يستثمر ضعف الكيان الغاصب دولياً، وورطة أمريكا العالقة في الاحداث الخارجية، وصراعها مع القوى التي تنازعها الوجود القطبي، بأن تكون لديها ورقة ضغط على أمريكا بالتفاوض وتقرير السيادة ونوع العلاقة مع أمريكا، والانتقال من مرحلة القواعد الى القاعدة السياسية القائمة على المصالح المشتركة.

ب- ان العراق يمكنه ان يشكل نظرية المحور في النظام العربي وان يستثمر الاحداث لخلق وجود له يبرز دوره في فرض قوته على النظام العربي والخليجي ومجلس التعاون وغيره لاسيما انه يمتلك مؤهلات كبيرة ومنها الاقتصاد والثروات والقوى الأمنية الداخلية.

4- حرب المنافذ:

ومن تداعيات طوفان الأقصى تغيير الجغرافية السياسية والاقتصادية وظهور حرب المنافذ بسيطرة الحوثيين او تأثيرهم على باب المندب وتقليص أهمية قناة السويس والسيطرة على البحر الأحمر وقدر من البحر المتوسط ، ومن الطبيعي ان المنافذ الدولية لها الأهمية في تقرير مصير العالم والنظام الدولي سيما ان 40% من واردات العالم من الطاقة تنتج في المحور المقاوم وتمر وارداتها عبر تلك المنافذ مما يؤدي الى تغيير في بنية الامن القومي والدولي لصالح المقاومة وتتوفر الفرصة على إعادة صيغة النظام الدولي الجديد وإنتاج قطب ثنائي يكون العراق سيداً فيه وليس هامشياً ويتمكن من لعب دور لتأمين امنه القومي .

ثانياً / العلاقات بين الكيان الغاصب والمنطقة والعراق:

بعد معركة طوفان الأقصى تتجلى النتائج التالية:

1-ارخاء القبضة الإسرائيلية الامريكية على المنطقة وبهذا فأن العراق يمتلك ورقة ضغط قوية في المفاوضات الامريكية – العراقية فهو يمتلك ما يلي:

أ-تطوير قدراته الأمنية والسياسية:

ب- تعميق علاقاته وفق مصالحه القومية فأن الصراع الحالي وارخاء قبضة أمريكا والكيان يمكنه من حرية نوعية في اختيار العلاقة الإقليمية والدولية.

ج- توحيد الرؤية السياسية الداخلية استعداداً الى الدخول الى العالم الجديد.

وكما قلنا ان العراق أصبح محوراً مهماً في السياسة العربية وفي محور المقاومة وفي خلق التوازنات وفي الجغرافية التجارية والاقتصادية.

2- طريق التنمية يمكن ان يتأثر برغبة إسرائيل وامريكا في تغيير مسارات طريق الملاحة الدولية، الا إذا أصرت أمريكا على ربط طريق التنمية بها بعيداً عن المسار الإيراني – الروسي- الصيني من خلال تفعيل خط (الهند – بحر العرب- الامارات – السعودية – إسرائيل) لان أمريكا اخذت تبحث عن تأمين خط الملاحة نحو إسرائيل لفك الحصار عنها، فيمكن لطريق التنمية ان يكون واقع تحت الضغط الأمريكي ويمكن ان يكون واقع ضمن خط روسيا – الصين – إيران ويمكنه التوازن بينهما.

توصيات:

1-العراق بحاجة الى نظام مصرفي يضمن تدفق الأموال من البنوك الامريكية بعيداً عن المصارف المعاقبة.

2- يحتاج العراق الى تعميق العلاقات مع الخليج وإيران والمنطقة وفق معطيات تضمن رؤية موحدة نوعاً ما.

3- العراق يحتاج الى تنسيق واستيعاب التباين في المواقف السياسية (المكون السني والكردي وحتى الشيعي) والعسكرية (الفصائل) من العلاقات مع أمريكا.

4- العراق يحتاج الى تنويع الاقتصاد.

5- العراق يحتاج الى دراسات معمقة في تحديد موقعه من الخطوط الدولية القادمة من اسيا الى اوروبا.

6- توحيد الأنظمة المصرفية بين بلدان غرب اسيا وتوسيع الشراكات الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات فيما بينها.

7- تشكيل لجان امنية متخصصة ترسخ حالات الاستقرار الامن الداخلي وتنظيم الحدود الخارجية لخلق بيئة سياسية مستقرة تنعكس على تطوير الاقتصاد والابتعاد عن الأحادية فيه.

8- خلق تحالفات إستراتيجية لتعزيز دورها في القطب العالمي المرتقب لتكون أحد محاوره القوية في مواجهة التحديات المحتملة. والتي تبعدها عن الهيمنة الاستعمارية المباشرة.

9- توحيد الرؤى والمواقف من النظام العالمي الجديد وإيجاد حالة من الموازنة بالعلاقات مع الأقطاب الكبرى وتحديد الوجهة القادمة.