شكَّل الهجوم الذي نفذته أوكرانيا داخل كورسك، بدأ يوم 6 أغسطس 2024، مفاجأة تكتيكية لروسيا؛ فالهجوم يعتبر الأول من نوعه الذي تنفذه كييف عبر قواتها النظامية منذ اندلاع الحرب مع روسيا في فبراير 2022؛ إذ كانت هناك محاولات أخرى لاختراق الأراضي الروسية لكنها كانت عبر مجموعات غير نظامية، دون أن تعلن كييف عن مسؤوليتها عنها. وجاء الهجوم في سياق معقد بالنسبة إلى الصراع؛ فعلى مدار الشهور الماضية، واصلت روسيا مضاعفة ضغوطها العسكرية على كييف في مناطق مختلفة في شرق أوكرانيا؛ وذلك على غرار خاركيف ودونيتسك؛ حيث أعلنت موسكو عن تقدم عسكري في نقاط مختلفة داخل المنطقتين خلال الشهور الأخيرة. هذه الضغوط العسكرية تزامنت مع استمرار التحديات التي تواجه كييف على مستوى الدعم الخارجي لها. صحيح أن الدول الأوروبية حوَّلت بعض عوائد الأصول الروسية المجمدة إليها خلال شهر يوليو 2024، بيد أن أوكرانيا لا تزال متخوفةً من مدى استمرارية الدعم الغربي، والتزام الدول الغربية بتزويد أوكرانيا باحتياجاتها التسليحية، ناهيك عن المخاوف من تداعيات عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر 2024.
دوافع كييف
يرتبط الهجوم الذي أطلقته كييف ضد مقاطعة كورسك الروسية بعدد من المحفزات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– محاولة تخفيف الضغوط العسكرية الروسية: أحد الأهداف الرئيسية للهجوم على كورسك بالنسبة إلى كييف هو محاولة تخفيف الضغوط العسكرية الروسية، وخاصةً في شرق أوكرانيا؛ فخلال الشهور الماضية، كثفت موسكو تحركاتها العسكرية في عدد من المناطق داخل شرق أوكرانيا، وفي مقدمتها خاركيف؛ حيث سعت روسيا إلى توظيف الهجوم هناك من أجل إنشاء منطقة عازلة بينها وبين أوكرانيا، كما شكَّلت دونيتسك هدفاًَ رئيسياً للتحركات العسكرية الروسية، لتعلن موسكو بين الحين والآخر السيطرة على مناطق جديدة هناك.
فعلى سبيل المثال، ذكرت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، يوم 27 يوليو 2024، أن قواتها سيطرت على بلدة لوزوفاتسكي. وتقع هذه البلدة شرق مدينة بوكروفسك في قطاع أوتشريتين في جمهورية دونيتسك الشعبية. وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، يوم 4 أغسطس 2024، أن الجيش الروسي تمكن من فرض سيطرته على بلدة نوفوسيليفكا بيرشا في مقاطعة دونيتسك. ومن هذا المنطلق، تستهدف كييف من هجومها على كورسك الضغط على روسيا لتهديد الخطوط الخلفية لروسيا، ودفع موسكو إلى سحب بعض قواتها من الجبهة الأوكرانية للدفاع عن أراضيها في كورسك.
2– عرقلة بعض العمليات الروسية تجاه الأراضي الأوكرانية: تكتسب مقاطعة كورسك أهمية بالنسبة إلى العمليات العسكرية الروسية، لا سيما مع احتوائها على قاعدة "كالينو" الجوية، وهي واحدة من القواعد التي تستخدمها روسيا في مهاجمة أوكرانيا. وتستضيف هذه القاعدة فوج الطيران الحربي الـ14 للحرس الروسي، الذي يتضمن نحو 24 طائرة سوخوي "Su–30SM" قادرة على حمل قنابل انزلاقية "KAB". وفي هذا الصدد، أشارت تقارير إلى أنه بعد هجوم القوات الأوكرانية على كورسك، بدأت القوات الجوية الروسية تستخدم القاعدة لضرب الأهداف الأوكرانية، بما يقارب 50 قنبلة يومياً.
3– الترويج لاستمرار قدرة الجيش الأوكراني على مهاجمة روسيا: خلال الشهور الماضية كانت القوات الأوكرانية في موقف أكثر دفاعيةً في أغلب المواقع؛ حيث كانت تمتلك القوات الروسية زمام المبادرة، في ظل هجماتها المتواصلة على المناطق الأوكرانية؛ لذا ربما كانت العملية الهجومية في كورسك مدفوعة في جانب منها بمحاولة إعادة ترميم صورة الجيش الأوكراني، واستعادة الثقة بقدرته على إلحاق الخسائر بنظيره الروسي. وتُظهِر العملية العسكرية الأوكرانية عدداً من السمات الرئيسية؛ في مقدمتها الاعتماد على عنصر المفاجأة؛ حيث تم تنفيذ الهجوم في الساعات الأولى من صباح يوم 6 أغسطس 2024، وشارك فيه – بحسب العديد من التقارير – نحو ألف جندي أوكراني. والسمة الرئيسية الثانية تتمثل في الاعتماد على مجموعة متنوعة من الأسلحة في تنفيذ الهجوم الذي تم عبر محاور متنوعة؛ إذ شارك في الهجوم دبابات ومركبات مدرعة، علاوة على أسراب من الطائرات المسيرة والمدفعية.
4– العمل على ترميم صورة الرئيس الأوكراني "زيلينسكي": قد تساعد العملية العسكرية الأوكرانية في كورسك الرئيس "زيلينسكي" على ترميم صورته، وخاصةً مع تزايد الشكوك بشأن قدرته على إدارة الصراع مع روسيا. وفي هذا الصدد، حاول "زيلينسكي" استغلال الهجوم على كورسك لتصوير نفسه في موقف أقوى؛ حيث صرح، يوم 8 أغسطس 2024، بأن "روسيا جلبت الحرب إلى بلاده، وعليها أن تشعر بتداعيات ما قامت به"، وأضاف، في تصريحات أخرى يوم 10 أغسطس 2024: "اليوم، وفي شكل متكرر، أعد قائد القوات المسلحة تقارير عن الجبهة، عن تحركاتنا ونقل الحرب إلى أراضي المعتدي ... أوكرانيا تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضروري: الضغط على المعتدي".
5– تصدير المزيد من الضغوط إلى الرئيس الروسي "بوتين": تأتي العملية العسكرية الأوكرانية في كورسك في إطار مساعي كييف إلى تصدير المزيد من الضغوط إلى الرئيس الروسي "بوتين" الذي سيَظهَر حينها غيرَ قادر على حماية الأراضي الروسية من ارتدادات الصراع، ناهيك عن سقوط بعض المدنيين الروس في العملية الأوكرانية، كما يظهر الهجوم الأوكراني على كورسك ثغرات في الجيش الروسي؛ فبحسب العديد من التقارير، "تمكنت القوات الأوكرانية بسرعة من تجاوز عدد من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي كانت تحت سيطرة وحدات حرس الحدود والمشاة المسلحين بشكل خفيف على طول الحدود بين روسيا وأوكرانيا".
6– امتلاك أوراق في المفاوضات المحتملة مع موسكو: أرسلت كييف، خلال الآونة الأخيرة، إشارات عديدة حول استعدادها لبدء التفاوض بشأن إنهاء الحرب؛ فعلى سبيل المثال، صرح الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" في شهر يوليو 2024 بأنه يدعم فكرة مشاركة روسيا في قمة مقبلة حول السلام في أوكرانيا تنظمها كييف، كما كشفت بعض الاستطلاعات عن تزايد قبول المواطنين الأوكرانيين لفكرة التفاوض لإنهاء الحرب. وفي هذا الصدد، قد تكون العملية في كورسك محاولة من جانب كييف لامتلاك أوراق جديدة في أي مفاوضات مقبلة مع روسيا، وخاصةً إذا تمكنت من السيطرة على بعض الأراضي داخل كورسك لفترة أطول أو حتى قامت بأسر المزيد من الجنود الروسيين.
وبالرغم من التباينات، وعدم وضوح مساحة التقدم الأوكراني في كورسك، فإنه يبدو أن كييف كانت قد سيطرت، وخاصةً في الأيام الأولى من العملية، على بعض المناطق؛ حيث أشار معهد دراسات الحرب – في تقرير له، يوم 7 أغسطس 2024 – إلى أن القوات الأوكرانية سيطرت على 11 موقعاً في كورسك. وفي يوم 11 أغسطس 2024 أعلن الجيش الروسي وقف التقدم الأوكراني في بعض المناطق داخل كورسك، وأشار إلى أن القوات الأوكرانية بلغت مناطق تبعد نحو 30 كيلومتراً من الحدود، وإن كان القائد الأعلى للجيش الأوكراني "أوليكساندر سيرسكس" خرج يوم 12 أغسطس 2024 ليؤكد أن قواته تسيطر على 1000 كم2 في كورسك.
وتتخوف موسكو من إمكانية سيطرة القوات الأوكرانية على محطة كورسك للطاقة النووية؛ حيث أعلنت الوكالة النووية الروسية يوم 10 أغسطس 2024 أن "الهجوم عبر الحدود الذي شنَّته أوكرانيا، شكَّل تهديداً مباشراً لمحطة للطاقة النووية تقع على بُعدِ أقل من 50 كيلومتراً من منطقة القتال". علاوةً على ذلك، فإن ثمة هواجس من أن تسيطر القوات الأوكرانية على منشأة وخط الغاز ببلدة سودجا الواقعة في منطقة كورسك.
7– دعم مساعي كييف لتقليل الخطوط الحمراء الغربية: يرجح أن كييف تحاول من خلال هجومها الأخير إقناع الدول الغربية بتقليل الخطوط الحمراء الغربية المتعلقة باستخدام الأسلحة الغربية في مهاجمة الأراضي الروسية؛ فبالرغم من تزويد الدول الغربية كييف بالعديد من أنظمة التسليح المتقدمة، فإنها تصر على تجنب استخدام هذه الأسلحة في مهاجمة الأراضي الروسية، ولعل النموذج الأبرز على ذلك الصواريخ الطويلة المدى "أتاكمس (ATACMS)" التي يمكنها أن تصل إلى أهداف على بعد 300 كيلومتر؛ إذ ترفض واشنطن استخدام كييف هذه الصواريخ في مهاجمة أراضي روسيا؛ منعاً لتصعيد الصراع.
8– إقناع الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأنظمة التسليحية المتقدمة: ارتباطاً بالهدف السابق، فإن أوكرانيا تطمح في الوقت الراهن إلى إقناع الدول الغربية بتزويدها بالمزيد من الأنظمة التسليحية المتقدمة؛ فالهجوم على كورسك جاء بعد أيام قليلة من الإعلان عن وصول عدد محدود من مقاتلات إف–16 إلى أوكرانيا. وبالتزامن مع الهجوم على كورسك، أعلنت الولايات المتحدة، في 10 أغسطس 2024، عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 125 مليون دولار لأوكرانيا تشمل صواريخ "ستنجر" وذخيرة مدفعية وأنظمة مضادة للدروع. وبالرغم من ذلك تواصل أوكرانيا مطالبة الدول الغربية بالحصول على أسلحة بعيدة المدى لمواجهة الهجمات الروسية.
9– الاستعداد لاحتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض: لا تنفصل التطورات الميدانية في الحرب الأوكرانية، بما في ذلك الهجوم على كورسك، عن مشهد الانتخابات الأمريكية؛ فثمة تخوف لدى كييف من استمرار الدعم الأمريكي لها في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وخاصةً مع تصريحاته المتتالية بشأن رغبته في إنهاء الحرب بمجرد وصوله إلى السلطة، ناهيك عن أن الجمهوريين كانوا يضطلعون بالدور الرئيسي في الشهور الماضية في تعطيل مساعدات إدارة بايدن إلى أوكرانيا. ومن هذا المنطلق، قد يكون الهجوم على كورسك محاولة من كييف لاستباق الانتخابات الأمريكية، والتدليل للإدارة الأمريكية القادمة، أياً كانت، بأن أوكرانيا لم تستسلم ولا يزال لديها القدرة على إحراج روسيا، فيجب أن يؤخذ في الاعتبار مطالبها في أي مفاوضات ممكنة في المستقبل.
محددات رئيسية
بعد ساعات قليلة من الهجوم الأوكراني على كورسك الروسية خرج البعض ليشير إلى أن الهجوم قد يفضي إلى تغيير مسار الحرب، وهو السيناريو الذي يفترض تعزيز الموقف العسكري الأوكراني الذي قد يفضي في نهاية المطاف إلى تسريع مسار التفاوض وإنهاء الحرب، ولكن مع ذلك يظل قدرة الهجوم الأوكراني على تغيير مسار الحرب مرتبطاً بعدد من المحددات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– نجاح أدوات الاستجابة الروسية للهجوم الأوكراني: اعتبر الرئيس الروسي الهجوم الأوكراني على كورسك بمنزلة استفزاز واسع النطاق، وانتقد مهاجمة المباني المدنية والمنازل وسيارات الإسعاف. وسرعان ما أعلنت موسكو فرض حالة الطوارئ في كورسك، كما أعلنت اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب عن عملية لمكافحة الإرهاب في المناطق الحدودية بيلجورود وبريانسك وكورسك في 9 أغسطس 2024. هذه التحركات جاءت بالتوازي مع إرسال قوات مكثفة من روسيا إلى كورسك، وتنفيذ هجمات ضد القوات الأوكرانية. علاوة على ذلك، نفذت موسكو ضربات جوية واسعة، وخاصةً يوم 9 أغسطس 2024، على منطقة سومي؛ وذلك بهدف قطع خطوط الإمداد للقوات المهاجمة لكورسك.
هذه التحركات الروسية ربما تنجح في تقويض العملية الأوكرانية فتعيد الحرب إلى ما كانت عليه قبل عملية كورسك، ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته في يوم 11 أغسطس 2024؛ حينما أعلن الجيش الروسي وقف التقدم الأوكراني في بعض المناطق داخل كورسك.
2– توسيع روسيا حدود هجماتها على أوكرانيا: من المتوقع أن تتبنى موسكو رد فعل قاسياً على العملية العسكرية الأوكرانية الأخيرة في كورسك، وخاصةً مع التصريحات الحادة التي أطلقها المسؤولون الروس رداً على الهجوم الأوكراني، كما نفذت روسيا هجوماً صاروخياً على العاصمة كييف ليلة 11 أغسطس 2024، وهو الهجوم الذي بدا كبداية لتصعيد روسي واسع ضد أوكرانيا. هذا التصعيد سيؤدي إلى إضعاف آثار هجوم القوات الأوكرانية على كورسك، وربما يضغط على كييف لسحب قواتها من كورسك.
3– توظيف موسكو الهجوم في دعم أهدافها في الحرب: صحيح أن الهجوم الأوكراني على كورسك قد يؤثر بالسلب على صورة موسكو والرئيس بوتين، إلا أن النظام الروسي قد يستغل هذا الهجوم لخدمة مصالحه ودعم أهدافه في الحرب؛ وذلك بالترويج لوجود مخاطر واسعة تمثلها أوكرانيا للشعب الروسي، وذلك بالربط بين الهجوم على كورسك وحلف الناتو والتكريس لفكرة التآمر الغربي على روسيا. ومن ثم قد يتم توظيف هذه المشهد من أجل تشجيع المزيد من الروس على الانضمام إلى الجيش الروسي الذي يدافع عن أراضي روسيا ضد المؤامرات الأوكرانية والغربية.
4– مدى قدرة القوات الأوكرانية على تثبيت سيطرتها على بعض المناطق داخل كورسك: بالرغم من التقارير التي تشير إلى قدرة القوات الأوكرانية على التقدم في عدد من المناطق داخل كورسك، فإن قدرة هذه القوات على تثبيت سيطرتها على بعض المناطق أمر مشكوك فيه، ويصعب أن يستمر لفترة زمنية طويلة، وخاصةً مع القدرات الواسعة التي تتمتع بها روسيا، علاوةً على الصعوبات التي تواجه أوكرانيا في الإبقاء على خطوط الإمداد لقواتها المشاركة في عملية كورسك.
5– حدود الدعم الغربي لأوكرانيا بعد عملية كورسك: حاولت العديد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تأكيد أنها لم تكن على علم مسبق بتفاصيل الهجوم الأوكراني على كورسك. هذا التوجه الغربي استبطن احتمالين: الأول أن الدول الغربية في واقع الأمر لم تكن على علم بالهجوم، ولكن الاحتمال الآخر، وهو الأرجح، أنها كانت على علم وأظهرت جهلها بالأمر؛ لتجنب التصعيد مع روسيا، أو على أقل تقدير للتريث وانتظار ما الذي سيصل إليه الهجوم الأوكراني. وبصرف النظر عن كلا الاحتمالين، فإن ملامح الدعم الغربي لأوكرانيا بعد هجوم كورسك سيكون لها تأثير على مسار الحرب؛ فربما إذا نجحت القوات الأوكرانية في تثبيت تقدمها في بعض المواقع، تتشجع الدول الغربية على تزويد كييف بالمزيد من الأسلحة المتقدمة.
6- ملامح التفاعل الأمريكي والصيني مع التصعيد: يظل الموقفان الأمريكي والصيني محددَّين رئيسيَّين في مسار الحرب الأوكرانية عقب التصعيد في كورسك؛ فالصين بدت أكثر تحفظاً في تصريحاتها تجاه التصعيد، وإن كانت عبَّرت ضمنياً عن استيائها من الهجوم الأوكراني على كورسك؛ حيث صرحت وزارة الخارجية الصينية، يوم 12 أغسطس 2024، بأن بكين تولي اهتماماً بالوضع في مقاطعة كورسك الروسية، وذكر المتحدث باسم الخارجية أن "موقف الصين بشأن القضية الأوكرانية ثابت وواضح. ندعو جميع الأطراف إلى احترام ما تسمى المبادئ الثلاثة للتهدئة المتمثلة في عدم توسيع ساحة المعركة، وعدم تصعيد النزاع، وعدم تأجيج القتال".
وعلى الجانب الآخر، وبالرغم من أن واشنطن أشارت في بادئ الأمر إلى أنها لم تكن على علم بهذا الهجوم، فإنها أطلقت فيما بعد تصريحات بدا منها أن ثمة دعماً أمريكياً مبطناً لكييف؛ فعلى سبيل المثال، قالت المتحدثة باسم البنتاجون سابرينا سينج، يوم 8 أغسطس 2024: "في حين يرون هجمات قادمة عبر الحدود، عليهم أن يكونوا قادرين على الرد"، كما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، إلى أن "روسيا شنت هجمات على أوكرانيا من منطقة كورسك، وإن الولايات المتحدة تؤيد حق كييف في الدفاع عن نفسها". هذا الموقف الأمريكي قد يدعم التحركات الأوكرانية في كورسك، وهو ما قد يدفع بكين أيضاً إلى تعزيز دعمها السياسي لموسكو.
7– إمكانية لجوء روسيا لحلفائها للحصول على أسلحة جديدة: قد تسعى روسيا، بعد الهجوم على كورسك، إلى حلفائها للحصول على أسلحة جديدة لتعزيز موقفها. وما يدلل على ذلك التقرير الذي نشرته وكالة رويترز، في 9 أغسطس 2024، الذي أفاد بأن عشرات من العسكريين الروس يتدربون في إيران على استخدام نظام الصواريخ الباليستية القصيرة المدى "فتح–360"، الذي يُطلِق صواريخ بمدى أقصى يبلغ 120 كيلومتراً، ويقدر على حمل رأس حربي يزن 150 كيلوجراماً. وأضاف التقرير، نقلاً عن مصادر أوروبية، أنهم يتوقعون التسليم الوشيك لمئات الأسلحة الموجهة بالأقمار الصناعية إلى روسيا لاستخدامها في حربها في أوكرانيا.
8– ارتدادات المخاوف الأوروبية من تأثر إمدادات الغاز: في الوقت الذي تدعم فيه الدول الأوروبية أوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإنها في الوقت ذاته مستمرة في الحصول على إمدادات الغاز من روسيا؛ لذا فإن ما يحدث في كورسك قد يثير مخاوف الدول الأوروبية، لا سيما مع وجود خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا في بلدة سودجا في كورسك، ناهيك عن ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بعد الهجوم الأوكراني على كورسك، ومن ثم قد تؤدي هذه المعطيات إلى إحداث انقسامات داخل أوروبا بشأن الموقف من العملية الأوكرانية في كورسك، وقد تشجع الانقسامات على ظهور تيار يضغط على كييف لإيقاف هجومها على كورسك والانسحاب من هناك، والدخول في ترتيبات جديدة للتفاوض مع روسيا.
خلاصة القول: أن الهجوم الذي نفذته أوكرانيا على مقاطعة كورسك الروسية يعكس الضغوط المتصاعدة التي تعرضت لها كييف خلال الشهور الماضية في ظل الهجمات الروسية المتواصلة في شرق أوكرانيا، والشكوك بشأن مواصلة الدعم الغربي لها، ومن ثم بدا الهجوم على كورسك بمنزلة مراهنة من قبل كييف؛ لأن الهجوم يفتح الحرب أمام سيناريوهات متعددة تتراوح بين التصعيد وتجاوز المساحات المحظورة وبين الدفع نحو تسريع مسار التفاوض، وهي السيناريوهات التي ترتهن بعدد من المتغيرات؛ في مقدمتها طريقة استجابة موسكو للهجوم الذي من المؤكد أنه وضعها في موقف محرج.