• اخر تحديث : 2024-11-29 08:55
news-details
قراءات

ما ملامح استراتيجية كامالا هاريس الانتخابية للتغلب على ترامب؟


مع بقاء أقل من ثلاثة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع عقدها في الخامس من نوفمبر القادم، تشتد وطأة التنافس بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب؛ حيث تسعى حملات المرشحين إلى جذب الناخبين المستقلين والمترددين، ولا سيما في الولايات المتأرجحة. وتحاول حملة هاريس استغلال الزخم الذي تحقق بانسحاب الرئيس الحالي جو بايدن بعد الجدل الدائر حول عمره البالغ 81 عاماً في 21 يوليو الماضي، خاصةً أن هاريس تبلغ من العمر 59 عاماً، بما يعني أنه ستكون أكثر حيويةً ونشاطاً من منافسها ترامب البالغ من العمر 78 عاماً. وفي هذا الصدد، صرَّحت نيكي هيلي المرشحة الرئاسية الجمهورية سابقاً في شهر يناير المنصرم، قائلة إن "أول حزب يتقاعد مرشحه البالغ من العمر 80 عاماً سيكون هو الحزب الذي يفوز في هذه الانتخابات"، بما يعني أن الكفة الآن قد تميل لصالح هاريس.
 
وفي استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف على الناخبين المسجلين، حاز ترامب وهاريس دعم 36% من الناخبين المستقلين. وبالنسبة إلى ترتيب القضايا الأكثر اهتماماً بالنسبة إليهم، أوضح 79% منهم أن التضخم قضية "مهمة للغاية" بالنسبة إليهم، فيما أوضح 47% أن قضية الإجهاض "مهمة للغاية". وخلال استطلاع رأي أجرته كلية سيينا في أغسطس الجاري، تقدمت هاريس على ترامب في ميشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن (ولايات متأرجحة) بنحو 4%؛ حيث أعرب 46% عن نيتهم التصويت لترامب، و50% للتصويت لصالح هاريس. وفي ضوء ذلك، تعمل حملة هاريس على تنفيذ استراتيجية تحاول من خلالها التغلب على المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
أدوات هاريس
 
بلورت حملة هاريس ملامح استراتيجيتها عبر الاعتماد على استراتيجية الرئيس جو بايدن قبل انسحابه من السباق الانتخابي؛ حيث يمكن القول إنه لا فارق يُذكر بين كلتا الاستراتيجيتين، كما أن الرسائل المستخدمة في الإعلانات الانتخابية تقريباً متماثلة. وفي ضوء ذلك، يمكن ذكر أهم العناصر أو الرؤى والرسائل التي اعتمدتها استراتيجية هاريس خلال السباق الجاري:
 
1– تشجيع الناخبين على الدفاع عن الديمقراطية من تهديد ترامب: تعمل حملة هاريس الانتخابية على تصدير رسالة تربط بين فوز ترامب من جديد في البيت الأبيض وبين تهديد الديمقراطية الأمريكية، مستشهدةً على ذلك بتصريحات ترامب المختلفة المتعلقة بأنه سيكون "دكتاتوراً" في اليوم الأول من وجوده في البيت الأبيض للانتقام من خصومه، وكذا تحريضه أنصاره في السادس من يناير 2021 على الهجوم على مبنى الكابيتول اعتراضاً على نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، ونجاح المحكمة العليا – من خلال تدخله في تركيبتها بتعيينه قضاة محافظين – في منح الحصانة للرئيس الأمريكي على القرارات التي يتبناها خلال وجوده في البيت الأبيض؛ ما يمنح ترامب ذريعةً أكبر لانتهاك الديمقراطية الأمريكية وتقويض المؤسسات الوطنية، فضلاً عن الترويج لمسألة المساس بحقوق الإجهاض؛ حيث ألغى حكم المحكمة العليا حكم قضية رو ضد وايد الذي كان يدعم حق النساء في إجراء عمليات الإجهاض.
 
2– تأكيد الاهتمام بمساندة الطبقة المتوسطة: على غرار الرئيس جو بايدن، تحاول هاريس تسليط الضوء على اهتمامها بدعم الطبقة المتوسطة، وقد اقتبست اقتراح ترامب بإلغاء الضرائب على الإكراميات دعماً للأفراد العاملين في مجال الخدمات، وسوَّقت لها في حملتها، كما تبنَّتها إدارة بايدن بالمثل، وأعلنت عن استعداد الرئيس للتوقيع على مشروع القانون الذي سيُقدَّم إليه بهذا الشأن، في خطوة تعكس انفتاح هاريس وإدارة بايدن بشكل عام على الاستفادة من أفكار الجمهوريين إذا كانت تخدم أجندتهما الانتخابية.
 
3– التركيز على توجيه الانتقادات للرئيس السابق ترامب: بالرغم من توجيه الديمقراطيين الانتقادات للرئيس السابق ترامب وحملته؛ بسبب شنه هجمات شخصية على هاريس وأفراد الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، فإن حملة هاريس تتبع النهج نفسه؛ حيث تزعم أن ترامب سيكون سبباً في تقويض الديمقراطية وسحق المكاسب التي حصلت عليها الطبقة المتوسطة إذا فاز من جديد، مستغلةً تصريحاته بأن خسارته ستساعد على وجود "حمام دم" في الولايات المتحدة؛ فبالرغم من تأكيد حملة ترامب أنه كان يعني حدوث ضرر لصناعة السيارات الأمريكية بسبب السيارات المستوردة من الخارج، فإن حملة هاريس تستغل هذه الكلمة في مختلف الإعلانات والخطابات لتعزز الرابط بين وجود ترامب وتهديد نسيج المجتمع الأمريكي وزيادة معدلات العنف السياسي.
 
4– اختيار نائب للرئيس يتمتع بالقدرة على جذب الناخبين البيض المنخفضي التعليم: وجَّهت حملة هاريس الانتقادات لحملة ترامب حينما وقع اختياره على سيناتور ولاية أوهايو الجمهوري جي دي فانس باعتباره ورقةً رابحةً يمكنه من خلالها اجتذاب الناخبين في منطقة الغرب الأوسط؛ وذلك على الرغم من أن شعبية فانس على المستوى الوطني ليست بالكبيرة، وهو الأمر الذي تكرر مع هاريس عند اختيارها نائبها تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا، الذي رأت أن انتماءه إلى الريف الأمريكي سيُساعد على جذب المجتمع الريفي، والمنتمين إلى الطبقة المتوسطة، وهو أمر واجهته الانتقادات، بسبب ضعف جاذبية الشخصيتين المرشحتين لمنصب نائب الرئيس، وسهولة انقيادهما سواء لهاريس أو ترامب، كما أن والز ليس من الشخصيات التي عليها انتقادات كبيرة؛ ما سيسهل لهاريس احتواء القواعد الانتخابية الصاخبة من الديمقراطيين التي أثنت على اختيار والز، خاصةً أن الحملة نجحت في جمع نحو 36 مليون دولار عقب الإعلان عن اختيار والز، كما أن هاريس قد أكدت أن والز شخصية سلسة و"واضحة"، يمكنها التعاون معه بسهولة إذا فازت بالانتخابات الرئاسية المقبلة.
 
5– استغلال إنجازات الإدارة الأمريكية الراهنة: تحاول حملة هاريس تسليط الضوء على الإنجازات التي تمكنت الإدارة الديمقراطية الراهنة من تحقيقها، موضحةً أن الأمريكيين بحاجة إلى التصويت لصالح هاريس من جديد لاستكمال العمل على أجندة الديمقراطيين الراهنة التي نجحت في خفض أسعار الدواء من خلال التفاوض مع شركات صناعة الدواء، وتعزيز إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة ودعم الصناعة الوطنية من خلال قانون الرقائق والعلوم الذي وقَّع عليه الرئيس، ودعم البنية التحتية الأمريكية من خلال قانون البنية التحتية من الحزبين الذي سيتم تنفيذ أهدافه خلال الفترة من 2022 حتى 2026 بتمويل فيدرالي يصل إلى 1.2 تريليون دولار.
 
6– إظهار موقف أكثر رفضاً لاستمرار الحرب الإسرائيلية في غزة: تعتبر هذه القضية من القضايا التي يهتم بها الناخبون الأمريكيون، وخاصة الشباب والناخبين من أصول عربية ومسلمة؛ فمع مرور شهور على الحرب، وسقوط ما يصل إلى 40 ألف شهيد، وإصابة ما يزيد عن 92 ألف مواطن مدني؛ أبدت هاريس استياءها من تزايد الاعتداءات المتكررة من جانب إسرائيل على المدنيين الفلسطينيين، مؤكدةً ضرورة حماية هؤلاء الأفراد، وقامت هاريس بتعيين المستشارة السياسية بشأن القضايا الإسلامية والعربية في مكتب هاريس بالبيت الأبيض نسرينا بارجزي مسؤولةً عن التواصل مع الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين، في محاولةٍ لاجتذاب هذه القاعدة الانتخابية التي وجهت انتقادات لاذعة لبايدن بسبب دعمه لإسرائيل في حربها على غزة.
 
7– تركيز الحملة الانتخابية على الولايات المتأرجحة: تُعقِّد حملةَ هاريس الكثيرُ من الأحداث الانتخابية في الولايات المتأرجحة التي تصوت للجمهوريين تارةً وللديمقراطيين تارة أخرى؛ والتي تتضمن ميشيجان، وبنسلفانيا، وويسكونسن، وكارولاينا الشمالية، وأريزونا، وجورجيا، ونيفادا. وتشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى تقدم هاريس عن ترامب في العديد من الولايات، وإلى ارتفاع مستويات شعبيتها، ونجاحها في حشد الزخم بعد انسحاب بايدن، وهو أمر تعززه حملة هاريس من خلال الإعلانات التي يتم بثها في الولايات المتأرجحة على وجه التحديد، مستغلة والز الذي تعتقد أنه سيكون قادراً على اجتذاب الناخبين من الطبقة المتوسطة، والبيض الذين يميلون لدعم ترامب، وكذا اجتذاب التقدميين من الحزب الديمقراطي.
 
8– استخدام رسائل لجذب ناخبي مجتمع الميم: تولي حملة هاريس أهمية كبيرة لمجتمع الميم، وتتعهد بالدفاع عن قضيتهم وحقوقهم، وهو الأمر الذي يشاركها فيها والز، الذي اتهمه الجمهوريون بأنه جعل ولايته مينيسوتا "ملاذاً للمتحولين جنسياً"، كما تم اتهامه بـ"الهوس" بحقوق القاصرين المتحولين جنسياً، وهو أمر من شأنه أن يساعد على جذب الناخبين الداعمين لحقوق مجتمع الميم داخل الولايات المتحدة، خاصة أن هاريس تحرص على استضافتهم في مختلف الأحداث التي تنفذها حملتها.
 
الاستعانة ببايدن
 
ختاماً، يمكن القول إن حملة هاريس–والز لا تسير وفق أجندة انتخابية معينة تتضمن مجموعة من الخطوات لتحقيق بعض الأهداف، وإنما هي حملة تحمل رسائل مفادها أن إدارة هاريس القادمة ستكون امتداداً لإدارة بايدن، وأنها ستحمي الديمقراطية الأمريكية والمؤسسات الأمريكية من حكم الرئيس السابق ترامب كي لا يفوز من جديد. ومع تركيز الرئيس السابق حملته على توجيه الانتقادات للإدارة الراهنة دون تقديم رؤية واضحة للمواطنين يمكنهم الاعتماد عليها عند تحديد صوتهم الانتخابي في نوفمبر القادم، وكذلك عدم نجاحه في تسليط الضوء بدرجة أكبر على إخفاقات إدارة بايدن، خاصةً في ملفَّي الاقتصاد والسياسة الخارجية والهجرة؛ حيث يعتمد على ترويج مزاعم لا تلمس الحقيقة بصورة كاملة؛ ما يمنح المجال لحملة هاريس–والز، وإدارة بايدن بالرد عليها.. مع كل ذلك فإن فرص هاريس في تحقيق النجاح قد تكون أكبر خلال السباق الانتخابي.