سيصادف الثالث عشر من أيلول/سبتمبر مرور عام واحد على توقيع وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن وولي العهد ورئيس الوزراء البحريني سلمان بن حمد آل خليفة على "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" (بين البلدين). وفي عصر سعى فيه شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للحصول على تطمينات أمريكية إضافية وسط مخاوف من إمكانية تخلي واشنطن عن المنطقة، يقدم توقيع "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" خارطة طريق جديدة للتعاون متعدد الجنسيات. والأهم من ذلك، أنها تعيد تعريف الأمن من خلال التوسع إلى ما يتخطى المجالات العسكرية والدفاعية والاستخباراتية لتشمل قطاعات رئيسية مثل التعاون الاقتصادي والتكنولوجي.
القيمة الاستراتيجية لـ "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"
تستند الاتفاقية لعام 2023 على ثلاثة أركان (ركائز) أساسية للتعاون الثنائي المتزايد:
(1) الدفاع والأمن (بما في ذلك قسم خاص حول تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية)
(2) الاقتصاد والتجارة والتبادل التجاري،
(3) العلوم والتكنولوجيا وأمن الشبكات.
وفي حين تواجه الولايات المتحدة أبرز التحديات في المنطقة - من تصاعد العدوان الإيراني إلى التنافس مع الصين والتساؤلات حول ديمومة الالتزام الأمريكي تجاه الشرق الأوسط - فإن تصميم هيكل يوفر استمرارية السياسة عبر الإدارات الأمريكية المختلفة يمكن أن يساعد في تخفيف مخاوف الشركاء. وتم تصميم "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" لتقديم نموذج مبتكر للتكامل الأمني والاقتصادي المستمر بدلاً من المبادرات التي تُنفذ في كل حالة على حدة. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن ركيزة الأمن والدفاع عنصراً أطلَق عليه الكثيرون اسم "المادة 4.5" - وهو تلميح إلى بند الدفاع الجماعي في «المادة 5» من معاهدة تأسيس حلف شمال الأطلسي. وعلى وجه التحديد، فإن "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" تلزم واشنطن والمنامة بالقيام بما يلي:
"في حالة وقوع عدوان خارجي أو التهديد بعدوان خارجي ضد أحد الطرفين، يتعين عليهما... الاجتماع فوراً على أعلى المستويات لتحديد الاحتياجات الدفاعية الإضافية وتطوير وتنفيذ الردود الدفاعية والرادعة المناسبة... في المجالات الاقتصادية والعسكرية و/أو السياسية.
ويقف الطرفين على أهبة الاستعداد لتبادل المعلومات والاستخبارات المتاحة والمناسبة على الفور رداً على وقوع مثل هذا الحدث". وكما أشار مستشار الأمن القومي البحريني ناصر بن حمد آل خليفة خلال تصريحاته في "منتدى أسبن للأمن" الشهر الماضي، فإن الالتزام هو "أقل بقليل من «المادة 5» ولكن مع جميع الضمانات".
عندما تم الإعلان عن "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" للمرة الأولى، بدا أن إيران وشركائها قاموا بالرد على الفور: فبعد أيام قليلة من توقيع الاتفاقية، أسفر هجوم بطائرة بدون طيار شنّه الحوثيون على طول الحدود السعودية اليمنية عن مقتل أربعة أفراد من "قوة دفاع البحرين". ونظراً لأن الهجوم وقع على الأراضي السعودية، فلم يُنظر إليه على أنه حالة اختبار لـ "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"، لكن من المرجح أن المنامة كانت راضية من التصريحات الأمريكية القوية التي أدانت الهجوم.
لماذا البحرين؟
ليس من المفاجئ أن تكون البحرين الخيار الأول لواشنطن عند اختيار دولة عربية لتعزيز التعاون. فالجزيرة الصغيرة ذات الأغلبية الشيعية والتي تحكمها عائلة ملكية سنية كانت لفترة طويلة شريكاً اقتصادياً وأمنياً ودبلوماسياً رئيسياً في المنطقة. ومنذ أن أقامت الدولتان علاقات رسمية في عام 1971، حققت البحرين الإنجازات التالية:
-استضافت مقر "القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية" و"الأسطول الخامس"، والذي شمل حوالي 9,000 فرد من العسكريين الأمريكيين
-حصلت على الاعتراف الرسمي من الولايات المتحدة كـ "حليف رئيسي من خارج الناتو" في عام 2002
-وقّعت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة في عام 2004 (دخلت حيز التنفيذ في عام 2006).
-أصبحت أول دولة عربية تقود "قوة مهام تحالف القوات البحرية المشتركة" لمراقبة المياه الإقليمية
-شاركت في التحالف لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية"
-قدمت أفراداً لـ "قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان"
-أصبحت دولة مؤسسة وموقعة على "اتفاقيات أبراهيم" مع إسرائيل.
وفي الواقع، أظهرت المنامة مراراً وتكراراً التزامها بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة واستعدادها السياسي لدعم المبادرات الأمريكية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، كان للبحرين الكثير لتكسبه من اتفاق أمني مع واشنطن. فكونها جزيرة تقع على بعد مائة ميل بحري فقط من إيران، أحبطت البحرين عدة محاولات هجوم من قبل جماعات مدعومة من طهران وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع النظام في عام 2016. وعلى الرغم من أن المنامة تعمل على استعادة تلك العلاقات، فإن توافقها العام مع الولايات المتحدة في مجالات الأمن والسياسة يجعلها مرشحاً جيداً لاختبار نوع جديد من الاتفاق مع شركاء الشرق الأوسط.
ما الذي حققته "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"؟
كانت البحرين والولايات المتحدة بالفعل تسعيان سوياً لتحقيق العديد من المبادرات التي طُرحت في "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"، لكن الاتفاقية ساعدت في إضفاء حياة جديدة في تخطيطهما وتسريع تنفيذها. وعلى مدار العام الماضي، تم إحراز تقدم في جميع الركائز الأساسية الثلاثة للاتفاقية، وهي:
الدفاع والأمن: بعد أن كثف الحوثيون هجماتهم على السفن في المياه المحلية (لليمن) في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، طرحت الولايات المتحدة العديد من المبادرات المتعددة الأطراف لحماية الشحن الدولي. وكانت البحرين الدولة العربية الوحيدة التي انضمت إلى كل مبادرة. ففي 19 كانون الأول/ديسمبر، حضرت الاجتماع الوزاري (لدول) البحر الأحمر الذي أعلن فيه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن عملية "حارس الازدهار"، وهو تحالف دفاعي يهدف إلى طمأنة قطاع الشحن بشأن المرور الآمن. وبعد أسابيع، انضمت البحرين إلى تحالف أصغر حجماً يدعم الضربات الأمريكية والبريطانية ضد أهداف الحوثيين في اليمن. كما لعبت دوراً في الدفاع الجوي المتكامل الذي ساعد في اعتراض مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية التي أُطلقت على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل.
بالإضافة إلى ذلك، ساعدت "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" في إعادة تنشيط مجموعات التشاور الدفاعية الثنائية والتعاون الأمني. وفي الشهر الماضي، استضاف المسؤولون الأمريكيون "اللجنة الاستشارية العسكرية الأمريكية البحرينية" وأجروا مناقشات مع الشيخ ناصر خلال زيارته المذكورة أعلاه. وفي كلتا المناسبتين، أكدت الحكومتان دعمهما لـ "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" وناقشتا سبل تعميق الشراكة بشكل أكبر. كما أوفت الولايات المتحدة بعدة مبادرات كانت بالفعل في طور الإعداد. على سبيل المثال، في آذار/مارس تم تسليم ثلاث طائرات F-16 Block 70" " يعقبها تسليم 13 طائرة إضافية؛ وستصبح البحرين قريباً أول دولة في الخليج العربي تدمج هذا الطراز في أسطولها. وتظهر جميع هذه التحركات التزام كلا الشريكين بتحقيق أهداف "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" في مجالي الأمن والدفاع.
الاقتصاد والتجارة والتبادل التجاري. جعلت "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" البحرين رسمياً شريكاً استراتيجياً في التجارة والتبادل التجاري، مما أرسل إشارة إلى الشركات الأمريكية بأن البحرين وجهة موثوقة للاستثمار. وفي حين لم يتم تحقيق تقدم كبير علني على هذه الركيزة، إلا أن البلدين يعملان على تحديد المجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي الموسع.
وأحد الأمثلة على ذلك هو الدفع نحو قيام رحلات مباشرة من الولايات المتحدة إلى المنامة عبر شركة "طيران الخليج" البحرينية - وهي مبادرة تم تسريعها من خلال توقيع "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل". وعلى الرغم من أنه ليس لدى المسؤولين الأمريكيين سيطرة على الجانب التجاري من استئناف الرحلات الجوية المباشرة (التي توقفت في عام 1997 لأسباب تقنية ومالية)، إلّا أنهم قاموا بتسريع الخطوات الحاسمة في هذه العملية (على سبيل المثال، قامت "إدارة الطيران الفيدرالية" الأمريكية بإجراء زيارة إشرافية إلزامية مع "شؤون الطيران المدني" في البحرين في حزيران/يونيو الماضي).
العلوم والتكنولوجيا وأمن الشبكات. يُعتبر الأمن السيبراني الثمرة السهلة للتعاون في هذه الركيزة. فقد تم استهداف الشبكات الخاصة والعامة في البحرين مراراً وتكراراً بهجمات إلكترونية، مما أعطى المزيد من الإلحاح لمناقشات التعاون العميق في هذا المجال. كما عملت الولايات المتحدة على تعزيز البحث والتطوير في هذا المجال، والذي يشمل التوفيق بين الجامعات الأمريكية والمؤسسات البحرينية.
في تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت شركة Resecurity للأمن السيبراني والاستخبارات التي مقرها في لوس أنجلوس عن افتتاح مكتب في المنامة لخدمة منطقة الخليج الأوسع نطاقاً، بدعم من "مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين". كما التزمت الشركة بإنشاء مركز تقني يشمل برامج تدريبية في مجال الأمن السيبراني، مما يعزز مبادرات الحكومة البحرينية لتنويع القوى العاملة ذات المهارات العالية في البلاد. وساعدت هذه الإعلانات - وهي الأولى من نوعها في البحرين - على ترسيخ مكانة الجزيرة كفرصة استثمارية جذابة لشركات التكنولوجيا العالمية.
ماذا بعد؟
على الرغم من أن معظم النتائج التي حققتها "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" حتى الآن تنبع من إحياء المبادرات القائمة، إلا أن إمكانات الاتفاقية للتعاون الأوسع نطاقاً هائلة - وإن قد تكون هذه الإمكانات أكثر من غيرها في بعض الأركان. ولم يتم بعد اختبار ركيزة الدفاع والأمن بشكل كامل، حيث أن الهجوم على الأراضي البحرينية فقط هو الذي سيؤدي على الأرجح إلى تفعيل بند الرد على التهديدات. لذلك، من الصعب تقييم ما إذا كانت المنامة ستكون راضية عن الرد الأمريكي على هذا السيناريو. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتمال توقيع "معاهدة دفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية" قد يُلقي بظلاله على "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل"، مما قد يجعل الصيغة الأخيرة أقل جاذبية إذا اعتقد الشركاء الإقليميون أن معاهدات الدفاع الملزمة قيد المناقشة.
وعلى الركيزة الاقتصادية، تُعد البحرين مرشحة مثالية للاستفادة مما أطلقت عليه وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين "تأمين الإمدادات من خلال الأصدقاء" - أي تعزيز المرونة الاقتصادية الأمريكية من خلال "تنويع سلاسل الإمدادات عبر مجموعة واسعة من الحلفاء والشركاء الموثوقين". ويتزامن الاحتفال بالذكرى العشرين لاتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبحرين في الأسبوع نفسه الذي تصادف فيه الذكرى السنوية لـ "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" - يجب على الولايات المتحدة استغلال هاتين الذكرتين لتسويق البحرين كحليف موثوق به للقطاع الخاص. كما يجب أن تنظر في تلبية طلب المنامة بإلغاء التعريفات الجمركية الأمريكية التي فُرضت في الأصل لحماية صناعة الألمنيوم في الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى الاعتراف بالعلاقة المتطورة، فإن هذه الخطوة يمكن أن تساعد البحرين في أن تصبح مورداً موثوقاً للألمنيوم في وقت أدت فيه تكاليف الطاقة المرتفعة والمنافسة الصينية إلى تقليص الإنتاج المحلي الأمريكي.
وفي قطاع التكنولوجيا، يعتمد النمو المستقبلي جزئياً على قدرة واشنطن على إقناع المزيد من المستثمرين بأن البحرين شريك موثوق به مع قوى عاملة متخصصة بشكل مناسب. ويعزز "قانون حماية البيانات الشخصية" لعام 2018 في الجزيرة، وهو الأول من نوعه في العالم، الحماية القانونية للأفراد والشركات وبياناتهم - وهو عامل جذب كبير للقطاع الخاص. كما تلتزم المنامة بـ "سياسة السحابة أولاً"، والتي تتطلب من الوكالات الحكومية إعطاء الأولوية لتنفيذ تقنيات الحوسبة السحابية الآمنة. وفي عام 2019، اختارت شركة "أمازون لخدمات الويب" ("خدمات أمازون ويب") (AWS) البحرين كموقع لبنيتها التحتية السحابية الأولى في الشرق الأوسط. ومن خلال إظهار التزام الولايات المتحدة بالتكامل التكنولوجي المستقبلي والتوافق مع القوانين والسياسات الفريدة للبحرين، فبإمكان "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" أن تساعد في جذب المزيد من شركات التكنولوجيا.
وعلى نطاق أوسع، صرّحت واشنطن والمنامة علناً عن نيتهما توسيع "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" لتتجاوز الاتفاقية الثنائية، وجذب الدول ذات التفكير المماثل في الشرق الأوسط وخارجه. وعلى الرغم من العقبات الإقليمية الهائلة التي تعترض تحقيق هذا الهدف، إلّا أن "اتفاقية التكامل الأمني والازدهار الشامل" توفر فرصة لا مثيل لها لبناء هيكل أمني ودفاعي متكامل، وفي الوقت نفسه (تساعد على) تشكيل شبكة من الشركاء الموثوقين للتنمية الاقتصادية والتكامل التكنولوجي.