• اخر تحديث : 2024-09-25 18:05
news-details
تقارير

مثقفون يهود مناهضون للاحتلال إزاء السابع من تشرين الأول/أكتوبر وتداعياته


في شريط فيديو بثه "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام"، في 10 أيلول/سبتمبر الجاري، ندد 2000 من المثقفين والناشطين اليهود في نداء بعنوان: "ليس باسمي" بما وصفوه بـ "الإبادة الجماعية في غزة"، ودعوا إلى فرض عقوبات على إسرائيل وحكومتها. وكان من ضمن الموقعين على هذا النداء الفيلسوف الفرنسي المعروف إتيين باليبار، والباحثة الفرنسية كاترين ساماري، والبروفيسور ياكوف رابكين في كندا، والناشطة الإسرائيلية المناهضة للاستعمار إليونور برونشتين في بلجيكا، وبيير ستامبول وميشيل سيبوني من قادة "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام". ومما ورد فيه: "منذ أكثر من عشرة أشهر، وفي كل يوم في غزة، يتم استهداف وقتل كبار السن والنساء والأطفال والرجال بصورة متعمدة"، كما يتمّ "استهداف المدارس والمستشفيات ومخيمات اللاجئين بصورة ممنهجة، بالإضافة إلى مجموعات مهنية محددة مثل الأطباء والصحفيين والرياضيين"، و"يُستخدم التعذيب ضد الأسرى". وأضاف النداء: "نحن اليهود، ولأن الجريمة تُرتكب باسمنا، ولأننا نرفض أن نكون متواطئين في هذه الجريمة البشعة، [...] ندعو إلى تضامن ملموس مع سكان غزة المعرضين للقتل"، ونرفض "رؤية معاداة السامية تُستخدم لتبرير الفظائع"، وندعو إلى "وقف إطلاق النار ووضع حد لهذا القتل".
 
وبعد أن انتقد النداء تقاعس حكومات العالم في مواجهة هذه الأحداث، واتهم الولايات المتحدة بدعم إسرائيل بصورة فاعلة من خلال "تجديد تمويلها بمليارات الدولارات" لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، دعا جميع دول العالم إلى "معاقبة دولة إسرائيل"، وتقديم "مجرمي الحرب والمتواطئين معهم" إلى العدالة.
 
ومع اقتراب الذكرى السنوية للسابع من تشرين الأول/ أكتوبر، سأتوقف في هذا المقال عند مواقف عدد من المثقفين اليهود إزاء هجوم حركة "حماس" وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الغزيين. ومع أن عدداً من هؤلاء المثقفين انتقد بعض الأفعال التي رافقت ذلك الهجوم، وخصوصاً تلك التي تسببت في مقتل عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين، إلا أنهم أجمعوا على انتقاد جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في القطاع الفلسطيني وعلى الدعوة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
 
بيير ستامبول: يتوجب عرقلة المشروع الصهيوني كي نحول دون وقوع "نكبة جديدة"
بيير ستامبول هو الرئيس المشارك والمتحدث باسم "الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام"، الذي تأسس في سنة 1994 بصفته "جمعية يهودية علمانية"، تناضل "ضد الاستعمار، وضد العنصرية بجميع أشكالها، بما في ذلك معاداة السامية"، ومن أجل "حق الشعوب في تقرير مصيرها".
 
في مقابلة أجرتها معه الصحافية الفرنسية، من أصول جزائرية، كلثوم ستالي في 4 شباط/فبراير 2024، انتقد بيير ستامبول بشدة موقف وسائل الإعلام الغربية إزاء الأحداث الدائرة، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، في قطاع غزة، ملاحظاً أن معظم وسائل الإعلام هذه تتحدث عن "إرهاب حماس"، و "الصراع بين إسرائيل وحماس"، مستخدمة، بصورة منهجية، "لغة الجيش الإسرائيلي"، و"تلطيف الإبادة الجماعية الجارية"، ومفضّلة إعطاء الكلمة لـ "الصهاينة اليساريين" الذين يعتبرون الجيش الإسرائيلي "أخلاقيًا"". وهي تحذو، بذلك، حذو الحكومات الأوروبية التي ترى في إسرائيل "دولتها، وقطعة من أوروبا مثبتة في الشرق الأدنى"، تستعيد زمن "الغزو الاستعماري"، و "شركة تكنولوجية ناشئة تنتج أكثر الأسلحة تطوراً". 
 
ورداً عن سؤال بشأن كيفية تعامل المجتمع الإسرائيلي مع هذا الواقع، قدّر بيير ستامبول أن المجتمع الإسرائيلي "منقسم بصورة عميقة"، ولكنه "مجمع إزاء القضية الفلسطينية"، ذلك إن المشروع الصهيوني كان يطمح دوماً "إلى دولة نقية عرقياً على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي"، وهو موقف تتبناه، في رأيه، الأغلبية في إسرائيل. ويعتبر بيير ستامبول أنه "من دون عقوبات على إسرائيل، ومن دون أن يعاني الإسرائيليون ما يعانيه الفلسطينيون، لن يكون هناك تمزق للجبهة الداخلية في إسرائيل". أما بخصوص مستقبل الشعب الفلسطيني، فهو يؤكد أن الأمر المهم حالياً هو عرقلة المشروع الصهيوني من خلال الحؤول دون وقوع "نكبة جديدة، وطرد جماعي مزدوج، في غزة والضفة الغربية"، والسعي من أجل "فرض عقوبات على إسرائيل بالطريقة التي تمّ فرضها على جنوب أفريقيا"، وأن ما يجب فعله، في الوقت الحالي، هو العمل على "وقف فوري ودائم لإطلاق النار".
 
ميشيل فارشافسكي: إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية
ميشيل فارشافسكي هو كاتب وصحافي إسرائيلي- فرنسي مناهض للاحتلال الإسرائيلي، ورئيس "مركز القدس للمعلومات البديلة"، والرئيس السابق لـ "الرابطة الشيوعية الثورية الماركسية الإسرائيلية".
 
في مقابلة أجراها معه موقع "ميديابار" الفرنسي، ونشرت في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023، رأى ميشيل فارشافسكي أن إسرائيل ترتكب في قطاع غزة، رداً على "مجزرة" حركة "حماس"، "جرائم ضد الإنسانية"، ملاحظاً أن آلاف القتلى الذين سقطوا في قطاع غزة "لم يُهدئوا روع الرأي العام الإسرائيلي الذي يشعر بأنه مهدد بصورة كبيرة"، ورافضاً أن يماثل بين عنف إسرائيل وعنف حركة "حماس"، الذي "نبع من قيادة سياسية وسكان يعيشون في غزة في طنجرة ضغط قابلة للانفجار في أي لحظة"، ولسان حالهم يقول: "بما أننا سنموت، فلنمت ونحن نقاتل من أجل أرضنا". وبعد أن لاحظ أن عدداً من الوزراء في حكومة بنيامين نتنياهو يريد التخلص من الفلسطينيين وإنهاء "المهمة" العائدة إلى سنة 1948"، وخلق الفرص الملائمة لـ "تطهير إسرائيل عرقياً وتحويلها إلى دولة يهودية ديموغرافياً"، خلص إلى أن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني "عاد إلى صدارة المشهد الجيوسياسي بأكثر الطرق دموية، وأن هذا العنف القاتل غير المسبوق هو أيضاً نتيجة قمع القضية الفلسطينية التي أراد العديد من الدوائر الدبلوماسية في الغرب وفي الدول العربية دفنها، وخصوصاً من خلال اتفاقات أبراهام".
 
وفي مقابلة أخرى تعود إلى كانون الأول/ديسمبر 2023، رأى ميشيل فارشافسكي أن "الغطرسة وجنون القوة"، وهما "مرض إسرائيل الكبير"، منعا أجهزتها الاستخباراتية من توقع هجوم حركة "حماس"، مؤكداً أن ما جرى في السابع من أكتوبر "لا علاقة له بالدين"، إذ لطالما مثّلت "حماس" الأغلبية بين السكان في غزة "ليس بسبب طابعها الإسلامي، وإنما لكونها قوة معارضة، وقوة مقاومة في نظر نسبة كبيرة من السكان"، ثم انتقد المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية الذين "يكذبون بلا خجل"، ودعاهم إلى تقديم "دلائل" عندما "يدّعون أن مهاجمي حماس ارتكبوا عمليات اغتصاب في البلدات والقرى التي خضعت لسيطرتهم لبضع ساعات في 7 أكتوبر ". وبخصوص توقعاته بشأن المستقبل، قال ميشيل فارشافسكي: "لقد راهن محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بكل شيء على المفاوضات مع إسرائيل، واتخذ الخيار الخاطئ، إذ هو لم يفهم أنه إذا أعطيت إسرائيل إصبعاً، فإنها ستحاول الإمساك باليد ثم بالذراع؛ ولكي تتجنب الاضطرار إلى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومع السلطة الفلسطينية، اختارت الحكومة الإسرائيلية [تعزيز] حماس، لتكون قوة بديلة"، مقدّراً أن قرارات الأمم المتحدة العديدة "ليست كافية" للضغط على إسرائيل، وأن أفضل طريقة للضغط عليها هي "حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات".
 
شلومو ساند: "لا يمكن لإسرائيل أن تعيش من دون الفلسطينيين"
صرّح المؤرخ والأستاذ في جامعة تل أبيب شلومو ساند، صاحب كتابَي "كيف اخترع الشعب اليهودي" و"كيف اخترعت أرض إسرائيل"، والذي أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان: "شعبان من أجل دولة واحدة"، في حوار أجري معه في باريس في مطلع شهر شباط/فبراير 2024 ، بأنه "قلق للغاية بشأن مستقبل بلاده"، مقدّراً أن "أهم ما فقدته إسرائيل في 7 أكتوبر هو ثقتها بنفسها"، وملاحظاً أن "مذبحة 7 أكتوبر الرهيبة أبرزت حقيقة أن تفوقنا العسكري أو السياسي المفترض على الآخرين هو مجرد وهم"، وأنه "لا يرى حلاً آخر للسلام سوى أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون معاً في دولة ثنائية القومية". وكان قد أكد، في حوار أجري معه في العاصمة الفرنسية كذلك في 5 كانون الثاني/يناير 2024، أنه لا يمكن عزل العنف الذي مارسته حركة "حماس" عن "الإطار السياسي والتاريخي العام الذي أدى إلى ظهوره"، ذلك إن "رفض رؤية أن 60% من سكان غزة يأتون من الأماكن التي نعيش فيها نحن الإسرائيليون الآن هو بمثابة عمى، ولا يمكننا أن نفهم 7 أكتوبر من دون معرفة التاريخ"، علماً بأن فهم السياق "ليس عذراً"، فأنا-كما تابع- "أعارض أطروحات جان بول سارتر وفرانز فانون التي تبرر عنف المضطهدين، لأن العنف يخلق أسبابا جديدة للقمع". لكنه أردف قائلاً: "كيف يمكننا أن نعتقد أننا سوف نبقي اللاجئين الفلسطينيين من سنة 1948 إلى الأبد في جيب مثل غزة؟
 
حتى الآن كان هناك ازدراء بين اليهود الإسرائيليين للفلسطينيين بسبب ضعفهم، وكان هذا الازدراء عميقاً لدرجة أنه منع أي تسوية؛ أتفهم أن الأمر صادم، لكن العنف يخلق شكلاً من أشكال الاحترام". وبالعودة إلى التاريخ، أضاف: "لقد قذفتنا أوروبا، نحن اليهود، على عرب فلسطين، ونحن ندفع ثمن ذلك بالدماء من الجانبين؛ وصلنا إلى البلد الجديد لنقيم بصحبة سكانه، وليس لنحل محلهم. أراد أحد رواد الصهيونية الروحية، أحد هعام، الذي ولد بالقرب من كييف وتوفي في تل أبيب سنة 1927، إنشاء مركز روحي ينقذ اليهودية من الاستيعاب ويعيد إحياء اللغة العبرية، لكنه طالب بممارسة الحذر والاحترام تجاه العرب؛ بعد أربع سنوات، خلال الاشتباكات مع العرب، واصل يهودا ليون ماغنس (مؤسس الجامعة العبرية في القدس سنة 1925) التعبير عن مواقف سلمية، مثل [الفيلسوف] مارتن بوبر، فذهب إلى واشنطن سنة 1948 لإقناع الرئيس ويلسون بعدم إنشاء دولة يهودية، وفي هذا انضم إلى حنة أرندت التي أرادت دولة ثنائية القومية، وإلا فستكون هناك حرب كل عشر سنوات، كما قالت". وأضاف ساند: "لكن حتى في حيفا، حيث يعيش اليهود والعرب معاً، فإن العرب لا يشعرون بالانتماء إلى دولة لا تعرّف نفسها على أنها إسرائيلية، بل على أنها دولة يهودية، مما يعني أن هذه الدولة مملوكة ليهود باريس أكثر من زملائي العرب في حيفا؛ إذا لم نفهم هذا الظلم، فإننا لن نفهم الصراع".
 
جوديث بتلر ما جرى في السابع من أكتوبر هو "عمل مقاومة"
أثارت الفيلسوفة الأميركية اليسارية جوديث بتلر، الأستاذة الفخرية في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والمختصة في دراسات النوع الاجتماعي، جدلاً واسعاً داخل صفوف اليسار في الغرب، عندما صرّحت في 3 آذار/مارس 2024 في باريس خلال اجتماع بعنوان: "ضد معاداة السامية وضد استغلالها"، أن هجوم حركة "حماس" هو "عمل من أعمال المقاومة المسلحة"، ثم أوضحت، في تدوينة نُشرت في 11 مارس/آذار على موقع ميديابار، موقفها فقالت: "يمكن أن يكون لدينا مواقف مختلفة من حماس كمنظمة سياسية وكذلك من المقاومة المسلحة، لكنني أعتقد أن من الأصدق والأصح من الناحية التاريخية أن نقول إن 7 أكتوبر كان عملاً من أعمال المقاومة المسلحة […] لم يكن هجوما إرهابياً، ولم يكن هجوماً معادياً للسامية، وإنما هجوم على الإسرائيليين"، وأضافت أن "الدافع الرئيسي لحماس هو تحدي قوة عسكرية استعمارية وإظهار أنها قادرة على القيام بتوغل في الأراضي الإسرائيلية للقتل والتدمير، لضرب إسرائيل في مكان يؤذيها"، لكنها أكدت أن "أشكال المقاومة ليست مبررة كلها، بل بعضها يستحق الإدانة حقاً"، وأن موقفها "لا يعني بأي حال من الأحوال أنها تؤيد تصرفات حماس أو أنها تعتبر أفعالها مبررة. […] فالشرح لا يعني التبرئة". وخلصت جوديت بتلر إلى أن مبدأ اللاعتف الذي تؤيده يتطلب "نهاية الهيمنة الاستعمارية كشرط أساسي لأي فكرة عن التعايش بين الشعبين".
 
إيلان بابه: الاستعمار الإسرائيلي يقترب من نهايته
إيلان بابه هو مؤرخ إسرائيلي مناهض للصهيونية، وأستاذ في جامعة إكستر البريطانية، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية، وهو مؤلف العديد من المؤلفات، من أبرزها "التطهير العرقي في فلسطين". منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وجّه إيلان بابه رسالة بعنوان: "إلى أصدقائي الإسرائيليين، لهذا السبب أدعم الفلسطينيين"، عبّر فيها، في البدء، عن "الإعجاب بشجاعة المقاتلين الفلسطينيين الذين استولوا على عشرات القواعد العسكرية، متغلبين على أقوى جيش في الشرق الأوسط"، لكنه أضاف: "من جهة أخرى، لا يمكن لأشخاص مثلي إلا أن يطرحوا على أنفسهم أسئلة حول القيمة الأخلاقية أو الاستراتيجية لبعض الأعمال التي رافقت تلك العملية [في 7 أكتوبر]؛ ولأننا كنا نؤيد دوماً إنهاء الاستعمار في فلسطين، فقد كنا نعلم أنه كلما طال أمد الاضطهاد الإسرائيلي، كلما قلت فرص جعل نضال التحرير "مطّهراً"، كما حصل مع كل نضالات التحرير العادلة التي شهدها العالم في الماضي". بيد أن هذا "لا يعني أنه لا يتوجب علينا النظر إلى الصورة الأشمل، ولو لدقيقة واحدة؛ هذه الصورة هي صورة شعب مستعمر يناضل من أجل البقاء، في الوقت الذي انتخب فيه مضطهدوه حكومة عازمة على التسريع بتدمير الشعب الفلسطيني، بل وحتى القضاء عليه، أو على مطلبه بالاعتراف به بصفته شعباً". 
 
وفي مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نشر إيلان بابه مقالاً بعنوان: "من أجل ذبح الفلسطينيين، تحتاج إسرائيل إلى قتل التاريخ"، لاحظ فيه "أن نزع الطابع التاريخي عما يحدث في فلسطين يساعد إسرائيل على مواصلة سياسات الإبادة الجماعية في غزة"، مقدّراً أنه لا يمكن فهم ما جرى في 7 أكتوبر من دون وضعه في سياقه التاريخي، أي في سياق "التطهير العرقي لفلسطين في سنة 1948، الذي شمل الطرد القسري للفلسطينيين إلى قطاع غزة من القرى التي بنيت على أنقاضها بعض المستوطنات الإسرائيلية التي هوجمت في 7 أكتوبر"، وفي سياق 57 عاماً "مارست قوات الاحتلال خلالها عقاباً جماعياً مستمراً على الفلسطينيين في هذه الأراضي، وعرّضتهم للمضايقات المستمرة من قبل المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية وسجنت مئات الآلاف منهم"، وفي سياق "الحصار المفروض على غزة منذ 17 عاماً"، وفي سياق "انتخاب الحكومة الإسرائيلية الحالية في نوفمبر 2022، التي أوصلت كل هذه السياسات القاسية إلى مستويات غير مسبوقة".
 
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، نشر إيلان بابه مقالاً ينتقد فيه المتحدثين باسم اليسار الصهيوني الذين يعبّرون عن "غضبهم مما يسمونه اليسار العالمي" لأنهم كانوا يأملون في "أن يتشارك معهم اليسار العالمي اللغة نفسها والموقف نفسه من عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حماس، أي تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل"؛ وهذا اليسار مذنب، في نظرهم، لأنه ارتكب "خطيئتين": "فمن ناحية، هو يصف إسرائيل كدولة استعمارية، ومن ناحية أخرى، يوفر سياقاً لهجوم حماس". وأضاف بابه بأنه "لن تصمد محاولة وصم الموقف الذي أدافع عنه بالعنصرية أو معاداة السامية؛ فالمسألة تتعلق بموقفك في هذه اللحظة الحرجة من التاريخ ...فهذا هو بالفعل وقت الشجاعة الأخلاقية، لأن النضال من أجل الحرية والتحرير سيكون نضالاً طويلاً وسيحتاج إلى حلفاء لدعمه". 
 
وفي مقابلة أجريت معه، في 8 كانون الأول/ديسمبر 2023، قدّر بابه أننا اليوم "أمام أيديولوجية مسيانية وعنصرية وأصولية يهودية لا تؤمن فقط بأن فلسطين ملك للشعب اليهودي فقط (كما أكد نتنياهو بقانون الدولة القومية سنة 2018)، بل تعتقد كذلك أن لها الحق الأخلاقي في قتل جميع الفلسطينيين وطردهم، وهذا تطور أيديولوجي بالغ الخطورة". فقبل السابع من أكتوبر، كان المجتمع الإسرائيلي "في صراع مفتوح بين الصهيونية العلمانية والصهيونية الدينية، وهذه المواجهة أظهرت من جديد أن الأمر الوحيد الذي يبقي الإسرائيليين متحدين هو رفض الفلسطينيين؛ وبالنسبة للصهيونية، فإن هذه هي بداية النهاية: إنها عملية تستغرق عشرين أو ثلاثين عاماً من الناحية التاريخية، ولكن سيحدث ذلك لأنها أيديولوجية استعمارية في عالم يتحرك الآن في اتجاه مختلف". وعاد إيلان بابه إلى الموضوع نفسه في مقال نشر في مطلع شباط/فبراير 2024، بعنوان "يحل الظلام قبل الفجر، لكن الاستعمار الإسرائيلي يقترب من نهايته"، حلل فيه "الصعوبة المتزايدة لإضفاء الشرعية على منطق الإبادة والتجريد من الإنسانية المتأصل في الاستعمار الاستيطاني الذي ينفذه المشروع الصهيوني"، واضعاً هذا المنطق "في إطار الأزمة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي التي تتجلى في دولة يهودية تهدف إلى أن تكون ديمقراطية واستعمارية في آن واحد"، ومقدّراً أن "نهاية هذا المشروع هي أيضاً لحظة الخطر الأقصى، التي تشهد مزيجاً من حرب الإبادة الجماعية في غزة ومن تصاعد العنف في الضفة الغربية". وأضاف بابه "من عجيب المفارقات أن هذا التدمير اللاإنساني لغزة يسلط الضوء على فشل المشروع الاستعماري الصهيوني؛ ولعل هذا [القول] يبدو سخيفاً، لأنني أصف صراعاً بين حركة مقاومة صغيرة، حركة التحرير الفلسطينية، ودولة قوية تمتلك آلة عسكرية وبنية أساسية إيديولوجية تركّز فقط على تدمير السكان الأصليين في فلسطين". وتساءل: "فكيف يمكن أن ينطوي هذا على لحظة أمل؟"، وذلك قبل أن يجيب بأن ميزان القوى حالياً هو "في جانب الإقصاء وليس ضحايا الإقصاء، لكن ميزان القوى ليس محلياً فقط، وإنما هو إقليمي ودولي كذلك، ومن غير المرجح أن تستمر الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل اليوم في المستقبل"، و"يجب أن نفهم أن المشاريع الاستعمارية المتفككة تستخدم دائماً أسوأ الوسائل لمحاولة إنقاذ مشروعها؛ هذا ما حدث في جنوب أفريقيا وجنوب فيتنام، وأنا لا أقول هذا من قبيل التمني، ولا كناشط سياسي، وإنما أقول ذلك باعتباري متخصصاً في شؤون إسرائيل وفلسطين، بكل الثقة التي تلهمني إياها مؤهلاتي العلمية؛ وبناء على التفحص المهني الجاد، فإنني أؤكد أننا نشهد نهاية المشروع الصهيوني، ولا شك في ذلك".