مع تقدم المحادثات بين إيران وأميركا، وانتقالها "من مناقشة الإطار العام إلى دراسة التفاصيل الفنية في اجتماعات على مستوى الخبراء يوم السبت القادم في عُمان، وستتاح للخبراء فرصة البدء في وضع إطار عمل للاتفاق ومراجعة عمل الخبراء وتقييم مدى توافقه مع مبادئ الاتفاق المحتمل"، كما صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
ولوحظ حرص إيران على تأكيد أنّ "هذه المحادثات تتركز حصرًا على الملف النووي ورفع العقوبات الأميركية... فهذا هو إطار التفاوض، ولا يتم تناول أي قضايا أخرى خارجه" كما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية اسماعيل بقائي؛ ورافق هذا التأكيد حركة دبلوماسية إيرانية تجاه دول المنطقةـ السعودية ـ وروسيا والصين والترويكا الأوروبية العضو في اتفاق العام 2015. ورافقه أيضًا الكثير من التساؤلات:
ـ هل تختلف هذه المحادثات فعليًا عن المفاوضات التي جرت إبان إدارتي أوباما وبايدن؟
ـ هل تراهن إيران، أو تثق فعلًا بالحركة الأميركية والحرص للوصول إلى اتفاق وازن؟
ـ ما هي حقيقة الموقف الأوروبي، وهل من تباين حقيقي في الموقف الأوروبي الأميركي، وما خلفية التهميش الأميركي للأوروبيين في المحادثات في الوقت الذي برز فيه حرص إيران على التنسيق مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا؟، وهل تواصل أوروبا محاباة السياسة الأميركية تجاه إيران، أم أنها قادرة على أداء دور مغاير، أم أن الانقسام الحاصل في البيت الأوروبي وكون أوروبا في وضع ضعيف اقتصاديًا وسياسيًا وعجزها عن تقديم ضمانات لإيران بعيدًا عن الضغوط الأميركية يحول دون ذلك؟
ـ ما هي مقاربة دول الخليج لاسيما السعودية بعد زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى إيران وتسليمه رسالة من الملك سلمان بن عبد العزيز إلى المرشد السيد على خامنئي، وما رافقها من تساؤلات حول دلالاتها وتوقيتها؟
ـ ما هي مقاربة روسيا والصين اللتان أكدتا على الدوام اعتماد الأدوات السياسية والدبلوماسية، ورفض الضغوط العسكرية والعقوبات غير القانونية على إيران، وهما طرفان في الاتفاق السابق، وما طبيعة دورهما؟
ـ ما هي مآلات المحادثات، وأي السيناريوهات المطروحة أكثر ترجيحًا:
ـ التوصل إلى اتفاق شامل يحقق شروط إيران.
ـ التوصل إلى اتفاق مؤقت يتضمن تعليق بعض العقوبات الأميركية على إيران مقابل تعليق طهران لتخصيب اليورانيوم.
ـ المواجهة العسكرية في حال وصول المحادثات إلى الطريق المسدود.
هذه الأسئلة وغيرها موضوع حلقة نقاش نظمتها الرابطة الدولية للخبراء والمحللين بعنوان: "المحادثات الإيرانية الأميركية غير المباشرة بين الدبلوماسية والمواجهة".
أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
الزمان |
نهار الأربعاء 23\4\2025 |
المكان |
تطبيق Zoom Meeting الالكتروني |
المشاركون |
|
1 |
رئيس الرابطة د. محسن صالح |
2 |
عضو الرابطة د. حكم أمهز |
3 |
عضو الرابطة د. إسكندر كفوري |
4 |
عضو الرابطة الأستاذ رضوان قاسم |
5 |
عضو الرابطة د. نبيل سرور |
6 |
أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط |
مداخلة د. محسن صالح:
بداية رحّب رئيس الرّابطة د. محسن صالح بالمشاركين، ثم تولى إدارة النقاش حول العناوين المطروحة بعد مداخلة جاء فيها: للمحادثات الايرانية الاميركية جوانب متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية، وعلى صعيد العالم، وليس المنطقة فقط، وهناك أجواء حول ايجابية المحادثات؛ ما يتطلب نقاشًا في العمق، لان الوصول الى اتفاق لا يعني بأي شكل من الاشكال نهاية الصراع، بل هو في جوهر الصراع، وربما ينتقل إلى أشكال أخرى خاصة في ما يتعلق بالمنطقة، خصوصًا القضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بغزة.
طبعًا العناصر الاوروبية والعنصر الاقتصادي وحرب ترامب على العالم بالنسبة للرسوم الجمركية التي يحاول أن يسيلها في علاقاته الاقتصادية في العالم كلها حاضرة، لكن يبدو أنه يتراجع رويدًا رويدًا نتيجة انعكاسات الرسوم على البورصة في نيويورك ولندن واوروبا، ووقفت الصين موقفًا قويًا وتدعم مع روسيا المحادثات كي تخرج ايجابية.
السؤال من وجهة نظري: ماذا تريد الولايات المتحدة من ايران؟، وماذا تريد ايران من أميركا والعالم؟، وإلى أين يمكن ان تؤدي هذه المحادثات من خلال الوصول الى ما يتعلق بالملف النووي؟
المحادثات محصورة بالملف النووي حول مستويات التخصيب، وازالة الملف النووي غير ممكن ومستحيل، وأهم شيء بالنسبة للجمهورية الاسلامية في ايران أن يسير الملف باتجاه الاغراض المدنية؛ وهي لم تطرح يومًا أن يكون عسكريًا، فيما يسعى الكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو إلى توجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية؛ وهي ضربة ليست للبرنامج النووي، بل محاولة معاقبة ايران على مواقفها من القضية الفلسطينية أساساً والقضايا الأخرى في المنطقة.
ربما يسير كثير من المسائل بانسيابية أكبر في حال الوصول إلى حل في ما يتعلق بالملف النووي، والولايات المتحدة لم تعد في وارد طرح مسألة الصواريخ ومسألة علاقة الجمهورية الاسلامية في المنطقة، وتركز على المسألة الاقتصادية، فهل ستعطي الجمهورية الاسلامية للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية ما يسيل لعاب ترامب باتجاه اتفاق؟
إن مجرد استمرار المفاوضات ايجابي لمصلحة الطرفين، لأن الذهاب الى ما يريد نتنياهو القيام به، أو أن تساعده اميركا أي الاعتداء العسكري يعني أن المنطقة والعالم سيلتهبان.
ذهبت الولايات المتحدة إلى هذه المفاوضات بعدما شعرت بعنجهية القوة، فالمفاوضات والتركيز على الملف النووي يعيدنا الى ما قبل 2015 و2018 أن الجمهورية الاسلامية لم تخضع سياسيًا على الرغم من كل لكل الحصار والمعوقات والاخطار التي تتعرض لها المنطقة، وتعود اميركا اليوم الى المفاوضات من دون ان تحقق ما تريده من مصادرة قضايا المنطقة، وهذه مرحلة ميدانية تليها سياسة وربما يليها الميدان؛ فالكل ضعف خلال هذه الحروب، واصبح لديه نقاط ضعف؛ ولكن المهم في النتائج أن العالم يتجه إلى توازن قوى، ونحن أمام عالم جديد. المفاوضات مهمة وهي شكل من اشكال الحروب وبالتالي ستؤدي وظيفتها في اعادة التوازن لهذا العالم.
مداخلة د. حكم أمهز:
إن ملف المحادثات الايرانية الاميركية حول الملف النووي الايراني متشعب ومعقد جدًا؛ ولذلك كان موقف قائد الثورة الامام الخامنئي عدم التفاؤل بشكل مفرط ولا التشاؤم بشكل مفرط والتعامل مع الوقائع كما هي.
اليوم هناك صراع كبير بين الولايات المتحدة والصين تحديدًا قبل أن يكون مع روسيا وايران، وبالتكتيكات الاميركية هناك محاولة الى حد ما لإبعاد حلفاء، أو شركاء الصين عن ما يجري في المنطقة، وبالتالي قد تكون الولايات المتحدة تحاول ابعاد ايران عن ما يجري في المنطقة على الاقل في الفترة الزمنية.
كان ترامب يفرض 12 شرطًا على ايران للعودة الى الاتفاق النووي، اليوم في الوقت الذي لم يتغير شيء عن الاتفاق السابق يعني أن هذا الموضوع قد يصب في تحييد ايران عن ما يجري في المنطقة في اطار الصراع القائم، تمهيدًا للشرق الاوسط الجديد الذي يفترض ان تكون اسرائيل سيدة فيه على كل المستويات، وليس الامني والعسكري فقط، بل الاقتصادي والطاقة البديلة ايضًا، وأن لا يكون هناك شريك لإسرائيل في المنطقة في المرحلة المقبلة على هذه المستويات.
الشيء المشجع الذي يعطي الانطباع بأن يكون هناك اتفاق نووي هو أن ترامب يبحث عن الاستثمارات؛ ولذلك أبلغ الاميركيون الوفد الايراني في أول مفاوضات جرت في مسقط عبر العمانيين أن اميركا مستعدة للاستثمار في ايران بتريليونات الدولارات على مدى 25 عامًا، واعادة فتح السفارة وتبادل السجناء، بخلاف الاتفاق النووي الماضي عام 2015 الذي لم يأت على استثمارات اميركية في ايران، وفي تقديري سببه جزئيًا من الايرانيين، وكانت الاستثمارات الأكبر للأوروبيين؛ وعندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 لم تتمكن أوروبا من حماية شركاتها التي لديها استثمارات بعشرات مليارات الدولارات في ايران واضطرت الى سحبها، وكان هناك قرار اميركي بإنهاء أي تعامل مع ايران، وتحمل عودة الاستثمارات الاميركية إلى ايران الافادة لأميركا، وتعطي في المقابل ضمانة للجمهورية الاسلامية في حال حاول أي رئيس اميركي الخروج من الاتفاق النووي، بالإضافة الى أن اللوبي الاقتصادي المستثمر سيضغط على أي رئيس يحاول الانسحاب، ويشكل موضوع الضمانات معضلة كبيرة جدًا لإيران، خصوصًا أن تجربتها في الاتفاق السابق عام 2015 وخروج ترامب منه عام 2018 لم تكن ايجابية ومضمونة.
هناك هواجس صينية روسية انه في حال حصل الاتفاق النووي أين سيكونون، لذا أعتقد أن الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية عراقجي تأتي في اطار تبديد الهواجس وطمأنتهما، بالإضافة إلى التنسيق لتحقيق نتائج ايجابية في هذه المفاوضات.
الاجواء العامة لا ايجابية ولا سلبية، لأن هناك انقسام داخل اميركا لا نعلم أين سيصل، ومهناك حاولات ضاغطة جدًا من قبل الاسرائيلي، أما في الداخل الايراني فهناك أكثرية تؤيد التوصل إلى اتفاق.
الشيء الذي أحدث نوعًا من الصدمة في طهران أن الجولة الاولى من المفاوضات في مسقط كانت ايجابية وممتازة، ولكن تصريح ويتكوف بعد لقائه رئيس الموساد والوزير الاستراتيجي الاسرائيلي فحواه حول تفكيك البرنامج النووي الايراني، ومن ثم اعادوا معالجة الامر، وبالتالي العنوان العام كل شيء متوسط بانتظار جلسة السبت القادم.
عندما نتكلم عن مصالح دول يجب ان نتكلم عن مصالح شعوب، وبالتالي واجب الدولة الايرانية أن تقوم بمواجهة التحديات وتأمين الحياة الكريمة لشعبها، ولذلك المفاوضات جرت فقط حول موضوع البرنامج النووي دون اي شيء اخر، وشرط ايران الأساسي أن لا تكون المفاوضات تحت التهديدات والعقوبات، وهو ما التزم به الاميركي. وقد تركزت المفاوضات على نقاط محددة كان رأسها هو المفاوضات غير المباشرة والضمانات ورفع العقوبات وعدم اجراء المفاوضات تحت التهديد وان تكون هناك مصالح متبادلة للحفاظ على ضمانة لاحقة للاتفاق النووي. والارجح أننا ذاهبون الى اتفاق نووي لكن تبقى المفاجآت ممكنة من قبل الولايات المتحدة.
نحن أمام متغير دولي على كل المستويات، وهناك عملية صراع قائمة ما بين طرفين اساسين على اساس التحول نحو عالم جديد، وفي الوقت عينه تناقضات، لذا سنجد أن الصيني والروسي والايراني مجبرون على التخندق في المواجهة على قاعدة القواسم المشتركة. وأعلن الروسي والصيني عن استعداهما ليكونا ضامنين لأي اتفاق نووي يحصل، وهذا الاطار الايراني يحسبه بالفاصلة، ويأخذه بشكل دقيق، فالمرحلة خطيرة جدًا.
بعد أشهر قليلة من بدء العدوان على غزة وبدء اليمن عملياته في البحر الاحمر، عرضت اميركا على ايران ان تضغط على اليمن لإيقاف العمليات في البحر الاحمر والقيام بتسوية على مستوى الشرق الاوسط، وكان موقف ايران أنها لن توافق الا بعد ايقاف العدوان على غزة، وأنها في موضوع حلفائها لا تأخذ قرارات عنهم، ولذلك فشلت هذه العملية.
أما ما خص رسالة العاهل السعودي إلى السيد خامنئي فمهمة جدًا وفيها قضايا استراتيجية وسرية بالغة ترتبط بأمور اساسية بتقديري، العلاقات الثنائية، المفاوضات الايرانية الاميركية واثرها على المنطقة واستقرار امنها، المتغير السوري الذي جعل المشتركات والمصالح بين ايران والدول العربية اكثر من السابق.
مداخلة الأستاذ رضوان قاسم:
علينا معرفة ما الذي يحصل في العالم حتى نعرف أين نقف، وإلى أين نحن ذاهبون.
كان المؤشر السياسي الدولي في حالة صعود للولايات المتحدة دائمًا، لكن عندما نتحدث عن الولايات المتحدة فيجب أن نتحدث عن دول أخرى، بمعنى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسقوط حلف وارسو بقي على هرم هذا العالم الولايات المتحدة بسلطتها العسكرية طبعًا مع حلفائها في حلف الناتو، وفي ذلك الحين كانت الولايات المتحدة الأقوى على الصعيد الدولي اقتصاديًا وعسكريًا وحتى سياسيًا من خلال الدول المنضوية تحت مجلس الامن التي أغلبها إلى صالح الولايات المتحدة، وكان 5 اعضاء ضمت اليهم المانيا في ما بعد في ما خص الملف النووي الايراني التي اصبحت (5+1)، بالإضافة إلى أن الدول الصناعية الكبرى الأساس في صناعة العالم الاقتصادي هي الدول الصناعية في ما سمي جي7 وهذه الدول الاساسية كانت منضوية تحت حلف الناتو وتحت لواء الولايات المتحدة التي كانت تفرض شروطها على العالم طوال هذه الفترة، وتقول دائمًا: أنا أريد هنا، ولا أريد هناك، حتى وصل فيها الأمر أن تفرض سياستها على الاتحاد الروسي.
لكن تغير الوضع بشكل جذري على الصعيد الدولي بعد دخول اميركا افغانستان والعراق ، ومن هنا بدأ المؤشر الاميركي بالهبوط بدل أن يكون متصاعدًا، وفي هذه الحالة كان هناك متغيرات رئيسة دوليًا، والاميركي في هذه الفترة الزمنية التي مرت وصولًا الى خروجه من أفغانستان حدثت متغيرات جذرية، والمتغيرات التي حصلت أن الآية انقلبت من عسكرية إلى اقتصادية وأصبحت الحرب اقتصادية بامتياز، ولم تعد الحروب العسكرية كسابقاتها، أي لم تعد تقليدية من خلال النووي والصواريخ وحاملات الطائرات والبوارج البحرية وغير ذلك، بل أصبحت الحروب مجرد دائرة صغيرة جدًا قد تشعل حربًا في المنطقة، بل في العالم، وهذا ما يحصل اليوم.
لقد تبين أن الحرب الاقتصادية فعالة أكثر من الحروب العسكرية، والحرب الاقتصادية الأساسية هي بين الدول القوية اقتصاديًا، خاصة الصين، وتليها دول لم تكن ظاهرة للعلن على الصعيد الدولي كالهند والبرازيل، وهذه الدول على الرغم من أنها خارج نطاق الشاشة الظاهرة، إلا أنها دول اقتصادية بامتياز، بل تؤثر على العالم الاقتصادي بشكل كبير، وتؤثر على المؤشر الاقتصادي بين هبوطه وصعوده بين حين وأخر، فيما بدأت الدول الصناعية التي كانت تعد مهمة وأساسية في العالم وتدير الاقتصاد العالمي بالتراجع وهذا يعود الى نقطتين اساسيتين:
1. الدول النامية اصبحت مصنعة،
2. التصدير للدول النامية لم يعد كما كان في السابق، وبالتالي تراجعت الدول الصناعية إلى حد كبير وبقيت الولايات المتحدة في الساحة تلعب وحيدة في هذا المجال، لهذا وجدنا أن القوة العسكرية الاميركية في تراجع ايضًا؛ إذ اختلف نمط الحروب العسكرية على الأرض، لهذا عندما بدأ المؤشر بالتراجع للولايات المتحدة والدول الصناعية، ذهبت الولايات المتحدة إلى الحرب الاقتصادية في مواجهة الصين والدول المهمة اقتصاديًا خارج نطاق الدول الصناعية الكبرى التي بدأت بالتراجع.
أصر بايدن عند وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة على أن تكون الحرب العسكرية هي بدل الاقتصادية بخلاف ترامب، وذهب إلى الحرب في اوكرانيا التي لم تكن يومًا حربًا سياسية، أو عسكرية، بل اقتصادية بامتياز لكن بلبوس عسكري، ولكن تفاجأت الدول الاوروبية وبايدن شخصيًا بصمود الاتحاد الروسي الاقتصادي بعد كل الحصار والضغوطات التي مورست عليه، وأنه استمر في الصعود تبعًا للسياسة التي اتبعتها الجمهورية الاسلامية الايرانية.
اتخذت روسيا الدرس من الجمهورية الاسلامية الايرانية بحيث عندما كانت محاصرة منذ أكثر من 40 عامًا اقتصاديًا وسياسيًا وحتى عسكريًا، نمت لتصبح دولة نووية وتصبح قاعدة صواريخ دولية، بل إنها تصدر إلى الدول العسكرية المهمة كروسيا مثلا، وتبين للروس أن الحصار قد ينمي الداخل ويقويه اقتصاديًا وعسكريًا وحتى سياسيًا في مواجهة أي حصار اقتصادي ، ومن هنا فشل بايدن والاتحاد الاوروبي في هزيمة روسيا، وما حصل هو أن الدول الاوروبية اليوم في حالة تراجع، ومنهكة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، لهذا السب عندما أتى ترامب إلى سدة الحكم جاء بشعار واحد فقط هو تقوية اقتصاد الولايات المتحدة، ولم يعد يتحدث عن القوة الاميركية عندما وجد أن دول الناتو في مجملها لم تستطيع هزيمة روسيا بمفردها، لهذا السبب لم يتحدث عن العسكر، بل تحدث عن الاقتصاد.
كيف يمكن لترامب أن يقوي الاقتصاد الاميركي من دون اتفاقيات تجعل دخلاللخزينة الاميركية كما كان سابقًا، ما هي الا مسألة واحدة: الذهاب إلى دول مهمة اقتصاديًا، وعلى الصعيد الدولي هي 3 دول:
1. دول الخليج،
2.روسيا،
3.إيران.
ما الذي سيحصل إذا ذهب ترامب الى اتفاقية مع ايران؟:
أولًا ـ ستكون هناك اتفاقية خارج نطاق الاتحاد الأوروبي بخلاف الاتفاق الأول الذي مزقه ترامب وكان للاتحاد الاوروبي حصة الاسد فيه، وأقل ما يمكن للولايات المتحدة، وعندما يأتي ترامب ويقول أنه يريد اتفاقًا مع ايران خارج نطاق الاتحاد الاوروبي فهذا يعني أن حصة الاسد من هذه الاتفاقية المبرمة مع ايران ستكون للولايات المتحدة، وحتى حصص الدول الاوروبية ستحصل عليها الولايات المتحدة.
عقدت ايران اتفاقية مع الصين 25 عامًا وعقدت اتفاقية في الأمس مع روسيا، وهي استراتيجية، وليست اتفاقيات عادية وصولًا إلى اتفاقية الدفاع المشترك بين روسيا وايران، وبقيت مسألة واحدة فقط هي أن ايران تريد السلاح الصناعي الغربي، وتدرك ايران أن اميركا تسيطر على الدول الأوروبية، ورأينا ذلك في توقيع بسيط من ترامب على موضوع الضرائب جعل الخناق على الدول الأوروبية، وربما بعض الدول سيرفع الراية البيضاء اذا استمر الوضع على ما هو كذلك؛ وبالتالي تستطيع ايران من خلال علاقتها مع الولايات المتحدة واتفاقيتها، خاصة في وجود الرئيس الجديد مسعود بزكشيان أن تقوم بنقطتين أساسيتين
1.رفع الحصار والعقوبات،
2. توقيع اتفاقيات اقتصادية وصناعية مع الولايات المتحدة تستغني بها عن الدول الاوروبية، وبالتالي تكون قد حصلت على ما تريد، فيما تريد الولايات المتحدة الحصول على الصفقات الاقتصادية من خامات ونفط وغاز من ايران، وبذلك تكون قد حصلت على نقطة أساسية ومهمة: أنها وضعت قدمها في دولة خام ليس لديها شركات خارجية باستثناء عدد قليل من كوريا الشمالية وروسيا والصين، أي تكون قد وضعت يدها على العصب الحقيقي في ايران من حيث الاقتصاد، لهذا كل يريد من جانبه الناحية الاقتصادية.
أما الاوروبي فهو خارج لعبة المفاوضات التي تجري حول الحرب الروسية الأوكرانية، وخارج المفاوضات الايرانية الأميركية الأن، لكنه حصل على جائزة ترضية من ترامب لرئيسة الوزراء الايطالية المقربة من ترامب التي تحمل رؤية اقتصادية قريبة منه ومن ايلون ماسك، وتريد أن تتزعم الدول الأوروبية؛ من هنا قال ترامب: علينا أن نجري هذه المفاوضات في روما، ولكن لم تكن هناك مفاوضات في روما؛ بل عصارة النتائج التفاوضية التي حصلت في مسقط ليقننوها في روما ويذهبوا اليها في ما بعد بالمحادثات الأخيرة؛ وبهذا نكون أمام دول أساسية في هذه المفاوضات، وفي الحركة السياسية الدولية في المستقبل القريب: الصين وروسيا وايران، ولذلك عقد الروس الاتفاقية الاستراتيجية مع ايران قبل أيام قليلة من انتهاء المفاوضات، وهذا له بعد استراتيجي في الاتفاق الذي حصل وسيعلن عنه قريبًا:
أولًا ـ للرئيس بوتين ضلع كبير في تقريب وجهات النظر،
ثانيًا ـ اليورانيوم المخصب بنسب عالية سيوضع في روسيا، وهذا التراجع الايراني بالنسبة للولايات المتحدة كاف لقول إن ايران تراجعت في الملف النووي بأن ارسلت ما تم تخصيبه بنسب عالية الى روسيا كأمانة، وتبقى ايران تعمل بالنووي السلمي ولا تستطيع أن تصل إلى قنبلة نووية، وهنا تكون الولايات المتحدة قد أرضت اسرائيل، وهذا السبب جعل من الروس ضمانة ومن الصين ضمانة بالنسبة لإيران؛ وفي المقابل كسب الروسي والصيني الموقف الايراني على أن تكون قوة فاعلة ودولة نووية بكل ما للكلمة من معنى بعيدًا عن الحديث عن الصواريخ ومحور المقاومة... وتكون هذه الدولة في صف الروسي والصيني مقابل الولايات المتحدة، بمعنى أصبح هناك تعادل وتوازن بين القوى.
أمام كل هذا نقول إن الاوروبي خارج اللعبة، وأصبح في الدرجة الثالثة، لأننا أمام عالم شنغهاي وبريكس جديد، وأمام عالم افريقي جديد، إذ ستسمعون في الأشهر والأيام المقبلة عن الدور الافريقي الذي لم يكن يتوقعه أحد، لأنه سيكون منبع الاقتصاد لكل هذه الدول.
ما يُطرح عن احتمال انسحاب ترامب من أي اتفاق مع ايران، فهذا أمر لا يمكن ان يحصل لسببين:
1. الديمقراطيون هم من قاموا بالاتفاقية الأولى في عهد أوباما، وبالتالي لا يستطيعون قول: نحن لا نريد هذا الاتفاق،
2. ترامب يعود وبقوة إلى الاتفاق، ولسبب اقتصادي لا يمكن له أن ينسحب منه مجددًا، لأن ذلك سيضر بالجمهوريين ويضر به شخصيًا في مرحلة الانتخابات المقبلة ،فهو يسعى إلى أن يكون فيها هو أو ابنه، أو الحزب الجمهوري الذي يريد أن يسيطر على الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، لهذا السبب لا ينسحب ترامب، ولا يمكن له أن ينسحب من هذا الاتفاق إذا تم، لأنه يريد أن يقول: أنا من استطاع أن ينجز الاتفاق الأهم اقتصاديًا للولايات المتحدة، والكونغرس الاميركي ومجلس الشيوخ هما للجمهوريين، أي لصالح ترامب الآن، واذا ما وافقوا على الاتفاق فسيبرم بأطرافه: الرئاسة والكونغرس ومجلس الشيوخ، ولا يمكن بعد ذلك للولايات المتحدة مع أي رئيس قادم أن يخرج منه، وسيبصم ترامب بصمته الكبرى على هذا الاتفاق ويبقى دائمًا.
روسيا والصين يريدان أن تكون ايران دولة قوية إلى جانبهم في وجه الولايات المتحدة والدول الاوروبية، وايران بالنسبة لروسيا هي الحديقة الخلفية للأمن الروسي؛ ولهذا السبب لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن ايران، ولهذا السبب الاتفاقية الدفاعية التي حصلت مؤخرًا، ووافق عليها الدوما انذار ورسالة روسية الى الولايات المتحدة واسرائيل فيما لو أرادت ضرب ايران، والتحالف الروسي الايراني الدفاعي المشترك يعني أنهما سيواجهان معًا أي ضربة ستوجه لإيران.
لا يمكن لإيران ان تتخلى عن علاقاتها واتفاقياتها الاستراتيجية التي وقعتها مع الصين وروسيا لأنهما ضمانة اساسية لعدم اتخاذ اي قرار في مجلس الامن لمواجهتها، او اتخاذ قرار تحت البند السابع لضربها، وبالتالي هما صمام أمان بالنسبة لها.
موضوع تخزين اليورانيوم كان متفق عليه في الاتفاق السابق لكنه توقف بعد تمزيق الاتفاق من ترامب، وبدأ الايرانيون التصعيد بالطرود الجديدة المستحدثة ايرانيًا وروسيا بكميات كبيرة ليصبح التخصيب نسبة عالية جدًا حتى يقول الروسي والايراني معًا: إن ايران أصبحت دولة نووية، فإما أن تعودوا إلى الاتفاق الآن، خاصة أن ايران أصبحت على عتبة القنبلة النووية، أو أنكم لا تستطيعون عقد هذه الاتفاقية، وأتى ترامب ليقيم هذه الاتفاقية ليقول للإسرائيلي وللداخل الاميركي والرأي العام الدولي أنه استطاع وقف ايران من الحصول على سلاح نووي.
لا يمكن لإسرائيل أن تضغط على ترامب حاليًا، لأن ترامب ذاهب إلى اتفاقيات اقتصادية مهمة جدًا بالنسبة له، فهو يمهد ويعبد الطريق، ويسعى الى تغيير القانون في الولايات المتحدة كي ينتخب مرة ثانية ويصبح رئيسًا لولاية ثالثة، أو يوكل ابنه في هذا الخصوص، أو الجمهوريون؛ ولهذا فإن اتفاقية النووي مع إيران مهمة بالنسبة لترامب واسرائيل لا تستطيع ضرب إيران بمفردها دون الضوء الاخضر الاميركي.
وما خص الاوروبيين فمن مصلحتهم أن لا يتم هذا الاتفاق؛ لأنهم يعرفون تمامًا أنه تم الاتفاق فسيكونون خارج اللعبة، وسيكون اقتصادهم هو الأفشل ما لم يحصل على أي نتيجة اقتصادية من هذا الاتفاق؛ ولهذا يسعى الاوروبيين الى تحشيد الاسرائيلي ضد الاتفاق.
د. اسكندر كفوري:
يجب ان نفهم الدور الروسي في المنطقة والعالم، فروسيا قبل كل شيء دولة عظمى وكبرى ومؤثرة جدًا، وإذا تحدثنا عن المفاوضات الايرانية الاميركية اليوم فإن لروسيا اليد الطولى والتأثير الكبير فيها، وعلى روسيا اذا حصلت.
روسيا مستهدفة دائمًا كما إيران كما أي دولة ذات سيادة وتأثير خارج التأثير الاميركي، وروسيا مستهدفة منذ أكثر من مئة عام، منذ أن وصلت الثورة الاشتراكية كان الحصار، وتعرضت بعد الحرب العالمية الاولى لاستهداف كبير، وفي الحرب العالمية الثانية كان هناك استهداف، ولنفهم هذا الامر ليس صدفة بل عملية تدمير ممنهجة لروسيا لعزلها واستنزاف قدراتها وفرض سيطرة غربية أو اميركية، لأنها دولة كبيرة ذات امكانيات اقتصادية وعسكرية وديمغرافية ضخمة وذات تأثير على منطقتها.
أميركا فرضت تأثيرها على دول اوروبا الغربية المتطورة بشكل خاص ودفعت اموال لها، ولكن الزمتها بقواعدها العسكرية وحتى اليابان وكوريا الجنوبية وصولًا الى استراليا.
خرجت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية قوية عكس روسيا التي خرجت منهكة، ما مكن اميركا من السيطرة على الكارتلات الاقتصادية، وشكلت كتلة ضخمة كانت تحاول دائمًا الانقضاض على من يعاديها.
المفاوضات الايرانية الاميركية تعني روسيا بشكل مباشر لان إيران جار وحليف، وروسيا معنية بالاهتمام بمصالح حلفائها، وهذا الامر يفرض على روسيا التزامات محددة تجاه الحليف الايراني. كما أن روسيا مهتمة بموضوع الاستراتيجية العالمية في ما خص الانعكاسات التي قد تحصل في حال حصلت أي حرب على ايران، حيث تسعى روسيا الى تعزيز العالم متعدد الاقطاب.
روسيا تسعى الى تخفيف الاحتقان من خلال الاستعداد لتكون ساحة خلفية لاستقبال قدرات إيران النووية المخصبة بشكل عالٍ، وتخشى ايران من انسحاب اميركا من الاتفاقية في حال وافقت على ما تشترط عليه اميركا في ما يتعلق بالقدرات النووية، وهذا قد تقدم عليه اميركا، خصوصًا ترامب الذي أقدم على هذه الخطوة سابقا، ومن هنا هناك تدخل من بوتين مع ترامب في ما يتعلق بهذا الشق تحديدًا.
اليوم إما أن نصل الى اتفاق وسطي تقبل به ايران ـ وهو الاكثر احتمالًا ـ لأنها اليوم قوة مؤثرة، ولا يمكن التعامل معها باستسهال، أو أن تحصل حرب وهو احتمال مستبعد، لأن حصول حرب قد يتطور إلى حرب عالمية لا تريدها الدول، خاصة روسيا، حتى ترامب غير القادر على القيام بعملية عسكرية ضد ايران.
المعاهدة بين روسيا وايران معاهدة بين قيادتين صادقتين ومحترمة لدى الفريقين، وأي حرب على ايران ستكون روسيا مستهدفة فيها، وستكون الى جانب ايران من دون شك، والافضل بالنسبة لروسيا هو منع وقوع مثل هذه الحرب، لأنها ستضر بها وبالعالم المستقر والمتعدد الاقطاب الذي تسعى اليه، والحروب لا تنفع سوى الولايات المتحدة والغربيين، وهي تضر كل العالم بما في ذلك ايران وروسيا.
أما الدور الاوروبي فهو إلى تراجع، ولم يعد مؤثرًا، وقد تخلت اوروبا والقادة الأوروبيون = عن دورهم لصالح اميركا التي تلعب بالدول الاوروبية كما يحلو لها.
هل تم التوصل الى حل في المسألة الاوكرانية في ظل الترويج لدعاية اعلامية من قبل الاعلام الغربي بأن روسيا قايضت سوريا مقابل اوكرانيا؟، والجواب هو لا، وما تغير هو وصول ترامب الى الحكم الذي لديه مصالح اقتصادية، ويتبع سياسة جديدة مختلفة عن سياسة بايدن، والدعم الاميركي متواصل لأوكرانيا. وبالتالي لا خوف على العلاقة الاستراتيجية الاساسية بين روسيا وإيران، وحتما روسيا ستتأثر وتضعف اذا هوجمت ايران، والاتفاقية بين البلدين هي اتفاقية تحالف استراتيجي لن تصل الى مرحلة الاتحاد العسكري.
مداخلة د. نبيل سرور:
ترى الصين في إيران لاعبًا اقليميًا مُهمًا له ثقله في منطقة الشرق الأوسط؛ وقد ابرمت بكين مع طهران اتفاقية تعاون استراتيجي، أو ما عُرف ببرنامج التعاون الإيراني الصيني لمدة 25 عامًا. وقد اكدت الاتفاقية المبرمة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية؛ والاتفاقية التاريخية المبرمة بين بكين وطهران هي اتفاقية تعاون تجاري وإستراتيجي طويلة الأمد، مدتها 25 عامًا لتعزيز العلاقات الإيرانية الصينية. وقد وقعها في العاصمة الإيرانية طهران وزيرا خارجية إيران والصين في 27 مارس 2021 من دون الاعلان عن تفاصيلها النهائية.
ومن المقرر أن تستثمر الصين 400 مليار دولار أميركي في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الزمنية للاتفاقية مقابل أن تمد إيران الصين بإمدادات ثابتة وبأسعار منخفضة للغاية من النفط وفقًا لمسودة الاتفاقية، وهي المسودة الاولى للاتفاقية التي وُقِع عليها بالأحرف الاولى في 24 يونيو 2020 في العاصمة الصينية بكين. وذكرت مجلة بتروليوم إيكونوميست أن الاتفاقية تتضمن ما يصل إلى 280 مليار دولار أميركي لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، واستثمارات أخرى بقيمة 120 مليار دولار لتحديث البنية التحتية للنقل والتصنيع في إيران. ووفقًا لوسائل الإعلام الحكومية الإيرانية، فإن الاتفاقية تُدخل إيران ضمن مشروع "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. وأكدت اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران على: تفعيل التبادل الاقتصادي والتقني، والاستفادة من امكانيات البلدين الصناعية والتجارية الضخمة.
وقد نصت الاتفاقات المبرمة بين بكين وطهران على نقاط وبنود استراتيجية لعلاقات مستدامة، ومبنية على أسس قوية بين الدولتين اللتين تشكلان قوتين اسيويتين في وجه الهيمنة الأميركية؛ وتبرز أهم نقاط التعاون الصيني الايراني حاليًا في مجالات بناء البنى التحتية والمنشآت والجسور ، وفي مجال امدادات الطاقة والمواد الأولية وأشباه الموصلات، وبرامج الذكاء الاصطناعي وتبادل الخبرات في حقول التكنولوجيا المتقدمة والأمن السيبراني، والتعاون البنـّاء في كل الميادين ذات الاهتمام المشترك ..
نستنتج مما سبق أن للصين، وروسيا أيضًا أهدافا واضحة في ما يخص دعم إيران، خاصة لجهة:
- أ- الاستفادة من محورية دورها في المنطقة.
ب- دور إيران وموقعها الجيوسياسي المؤثر وتحالفها الوثيق مع محور الدول الرافضة للهيمنة الاميركية.
ج- الاستفادة من الحلف الصيني الايراني من خلال الحرب التجارية التي تخوضها الولايات المتحدة، إذ إنه لدى إيران النفط الذي تحتاجه حليفتاها (الصين وروسيا) لدعم اقتصادهما. وتجدر الاشارة إلى أن الصين تحصل على حاجتها من النفط الخام في منطقتنا من كل من إيران والسعودية وقطر. وبغض النظر عن الابعاد العسكرية للتعاون الصيني الايراني، هناك حاجة صينية لإمدادات الطاقة الايرانية.
كما تكمن أهمية إيران للصين من خلال دعمها ومشاركتها في اتفاقية الحزام والطريق؛ فإيران شريك في هذه المبادرة في ما يخص قطاع الاتصالات والتعاون في القطاع العسكري وفي مجال الذكاء الاصطناعي. ويمكن الإشارة إلى مجموعة نقاط رئيسة بخصوص العلاقات الصينية الايرانية:
أولاً- تشكل إيران منفذًا وممرًا أساسيًا للمصالح الصينية في الشرق الاوسط، وهي تُعد شريك موثوق لبكين بحسب تصاريح معظم المسؤولين الصينيين السياسيين والاقتصاديين
ثانيًاـ كانت الصين ولاتزال كأي قطب عالمي، تسعى للحصول على مكاسب جيوسياسية ليس في الشرق الاوسط فقط، بل على المستوى العالمي ككل لتأمين مصالحها على المديين المتوسط والبعيد
ثالثًا ـ إن سعي طهران إلى إدخال روسيا والصين كضامنين للاتفاق مع أميركا في حال حصوله، هو نوع من ادخال حليفيها الاساسيين على خط المفاوضات الأميركية الايرانية. هذا مع علم طهران بالندية القائمة والحرب التجارية المفتوحة بين بكين وواشنطن؛ وما محاولة طهران اشراك الصين في المفاوضات كضامن واستشراف رأيها سوى دليل واضح على التنسيق الكبير بين الدولتين، وهو دليل أيضًا على أهمية بكين بما تملك من علاقات ومصالح، ولفرض حضورها كضامن لتنفيذ اي اتفاق مع واشنطن، وكحليف مهم لطهران ولاعب لا يمكن الاستغناء عنه في أي عملية سياسية إقليمية، أو دولية في المنطقة
رابعًا ـ في ضوء التحديات ضد الصين في تايوان وبحر الصين الجنوبي، والحرب التجارية المفتوحة على مصراعيها في الأفق الدولي، تريد الصين من خلال تدخلها أن توصل رسالة لجميع اللاعبين يؤكد ثقلها الاستراتيجي وتأثيرها النوعي الذي لا يمكن تجاهله؛ فضلًا عن أن اشراك الصين يؤكد الاستعداد الصيني الدائم للعب ادوار مهمة في منطقتنا، وجاهزة بحضورها السياسي الفاعل للتدخل بما يخفف التوترات، ويخلق بيئة تعاون ايجابية بين دول المنطقة وفقًا لتوجهات المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني في ظل سياسة الاصلاح والانفتاح المعتمدة.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى دور الوسيط الذي لعبته بكين بين ايران والسعودية، وشجعت ولاتزال تشجع السعودية وايران على التفاهم ولعب دور ايجابي بعيدًا عن الهيمنة الاميركية
خامسًا ـ من منطلق ايمان بكين بضرورة قيام نظام عالمي جديد، فهي تنادي باستمرار بأهمية قيام عالم متعدد الاقطاب بعيدًا عن هيمنة محورية لأميركا. وهي تردد ايمانها المطلق بتحقيق المنفعة المتبادلة والتعاون بين شعوب العالم، بعيدًا عن تشابك المصالح وتعارض الأجندات بين الدول الكبرى
سادسًا ـ يتفق الصينيون كما الروس على أهدافهما المشتركة في ما يخص أهمية ايران ودورها الاقليمي كجهة مضادة لأميركا، ومحورية دورها وتأثيرها الاقليمي وصدقيتها كحليف موثوق لهما في حلبة الصراع المحتدم دوليًا لكسر الهيمنة الأميركية، وعلى اكثر من صعيد عالمي.
ختامـًا
إن المفاوضات الايرانية الأميركية على الرغم من تعقيداتها الكثيرة تسير حاليًا بشكل جيد، وحتمًا سيكون لها الدور الحاسم في تخفيف التوترات في المنطقة. وادخال الصين وروسيا كضامنين هما مطلب إيران لضمان الاتفاق، كما يؤكد دور بكين وموسكو كحليفين ثابتين لطهران في وجه الاستعلاء والهيمنة الاميركية المتمادية. صحيح أننا أمام نظام عالمي جديد في طور التشكل، لكن الولايات المتحدة لاتزال تتعامل بغطرسة وفوقية مع الوقائع الدولية، وهو ما قد يفقدها مكانتها اذا لم تأخذ بجدية اهمية المتغيرات الدولية، وان تتعاطى معها بواقعية وموضوعية وتسعى لتحصين مواقع قوتها بخطوات واقعية قبل فوات الأوان.