مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً كتبه خورخي هاينه ينتقد "الملحق الترامبي" لعقيدة مونرو كما ورد في استراتيجية الأمن القومي الأميركية لعام 2025، ويشرح كيف يعيد هذا التوجه صياغة علاقة الولايات المتحدة بنصف الكرة الغربي، خاصة أميركا اللاتينية.
الكاتب يرى أنّ "عقيدة ترامب – مونرو" محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، في عالم لم يعد فيه ممكناً منع الاستثمار والتجارة مع القوى العالمية الكبرى. كما أنها، برغم خطابها الأمني، تُخطئ في معالجة جوهر أزمات أميركا اللاتينية: التنمية، البنية التحتية، والتكامل الاقتصادي العالمي. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
"المُلحق الترامبي" لعقيدة مونرو، الذي يُعَدّ "استعادة منطقية وفعّالة لقوّة الولايات المتحدة وأولوياتها، بما ينسجم مع مصالح الأمن القومي الأميركي"، وينصّ على أنّ "الشعب الأميركي، لا الدول الأجنبية ولا المؤسسات العالمية، هو من سيظلّ يتحكّم بمصيره داخل نصف الكرة الغربي"، يُعدّ عنصراً أساسياً في استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 التي صدرت الأسبوع الماضي عن إدارة ترامب.
يُمثّل وضع نصف الكرة الغربي في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأميركية تحوّلاً كبيراً عن "التوجّه نحو آسيا" الذي أُطلق في الولاية الأولى للرئيس أوباما.
من حيث المبدأ، يصعب الاعتراض على فكرة أن الولايات المتحدة، في ظل تراجعها عن أجندة عالمية طموحة للغاية، ينبغي عليها إعادة ترتيب أولويات أهداف سياستها الخارجية. وبناءً على ذلك، يبدو التركيز المتجدّد على الأميركتين أمراً منطقياً. ويُعدّ هذا تغييراً جذرياً عن إدارة ترامب الأولى، التي لم تطأ قدم الرئيس فيها أميركا اللاتينية إلا مرة واحدة لحضور قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس عام 2018.
لا شك أيضاً في أن المنطقة، التي لا تزال تحاول التعافي من أزمة عام 2020، عندما شهدت أكبر ركود اقتصادي منذ 120 عاماً (-6.6%) وفقاً للجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة، يمكن أن تستفيد بشكل كبير من زيادة التجارة والاستثمار والتعاون المالي مع الولايات المتحدة. فقد كان أداء المنطقة لفترة طويلة دون المستوى من حيث النمو الاقتصادي، وهي بحاجة ماسّة إلى الدعم الذي يمكن أن تحقّقه سياسة أميركية جادّة مصممة لتعزيز تنميتها.
وكما يُظهر كتاب جديد لعالم السياسة فرانسيسكو أوردينيز بعنوان "النزوح الاقتصادي: الصين ونهاية الهيمنة الأميركية في أميركا اللاتينية"، فإن جزءاً من سبب تحقيق الصين لهذه الاختراقات الكبيرة في الأميركتين يعود إلى تراجع دور الولايات المتحدة، ولا سيما في أميركا الجنوبية. ومن ثمّ، ينبغي الترحيب بأي محاولة لعكس هذا المسار.
مع ذلك، يُذكّر مصطلح "عقيدة ترامب" المرتبط بعقيدة مونرو بـ"عقيدة روزفلت" التي صاغها الرئيس ثيودور روزفلت في أوائل القرن العشرين لتبرير ما عُرف لاحقاً بـ"دبلوماسية الزوارق الحربية" الأميركية. وقد أدّت هذه الأخيرة إلى غزو الولايات المتحدة واحتلالها للعديد من دول أميركا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، بما في ذلك هايتي وجمهورية الدومينيكان وكوبا ونيكاراغوا وغيرها.
ومع نشر الولايات المتحدة أكبر حاملة طائرات لها، "يو إس إس جيرالد فورد"، وأسطول كبير من السفن الحربية الإضافية قبالة سواحل فنزويلا، وإغراقها ما يُزعم أنه "قوارب مخدرات" وقتل طاقمها بناءً على مزاعم تهريب غير مُثبتة، وإعلانها أنها ستضرب قريباً أهدافاً على الأراضي الفنزويلية، يبرز هذا الارتباط بمبدأ روزفلت بشكل خاص.
وقد ركّز جزء كبير من الاهتمام في استراتيجية الأمن القومي، التي اعتمدتها الإدارة الأميركية مجدداً، على بُعدها العسكري، حيث دعت إلى "إعادة هيكلة وجودنا العسكري لمواجهة التهديدات المُلحّة في نصف الكرة الأرضية، وخاصةً المهام المُحدّدة في هذه الاستراتيجية".
ومع ذلك، ينبغي أن يحظى البُعد الاقتصادي باهتمام مماثل، إذ يكشف عن فهم خاطئ لطبيعة اقتصادات أميركا اللاتينية، وكيفية تفاعلها مع بقية العالم، وما يجب القيام به لتعزيز تنمية المنطقة.
لا شيء يُجسّد هذا أفضل من الجملة الأخيرة في القسم المُخصّص لنصف الكرة الغربي، التي تنصّ على "ضرورة بذل قصارى جهدنا لطرد الشركات الأجنبية التي تُنشئ البنية التحتية في المنطقة". فعلى الرغم من أن الوثيقة تُؤكّد أهمية البنية التحتية المُرنة للاقتصاد الأميركي، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بأميركا اللاتينية، يظهر خيطٌ إرشاديّ غريبٌ يُشير إلى اتجاه مُعاكس، يبدو مُصمّماً على إيقاف توسّع البنية التحتية الإقليمية إذا كانت جهة أجنبية هي التي تتولى بنائها.
وفي عصر اقتصاد عالمي مُعولم ومترابط، تُعدّ البنية التحتية العامة الكافية لتعزيز القدرة التنافسية، مثل الموانئ والطرق السريعة والأنفاق والجسور والسكك الحديدية، مسألة حيوية لمنطقة بعيدة عن الأسواق العالمية الرئيسية. ومع ذلك، يُعدّ هذا أيضاً أحد أبرز نقاط ضعف المنطقة.
فقد أدّت عقود من نقص الاستثمار إلى عجز كبير في البنية التحتية، تُقدّر وحدة الاستخبارات الاقتصادية أن سدَّه يتطلب استثماراً بقيمة 250 مليار دولار سنوياً خلال الفترة 2024-2028. أما النتيجة فهي أن تكاليف الخدمات اللوجستية والنقل في أميركا اللاتينية تتراوح بين 14 و18% لكل وحدة تصدير، مقارنةً بمتوسط منخفض لا يتجاوز 8% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وهذا يجعل صادرات أميركا اللاتينية، التي تُعدّ شرياناً اقتصادياً أساسياً للمنطقة، أقل تنافسية مما كانت ستكون عليه، وهو أحد عوامل ضعف النمو والركود النسبي فيها.
وفي هذا القرن، ولا سيما منذ عام 2010، بدأت شركات البناء الصينية تُسهم في سد هذا العجز عبر تشييد الموانئ والطرق السريعة والسكك الحديدية ومترو الأنفاق في مختلف أنحاء المنطقة. ومن أبرز الأمثلة ميناء شانكاي البيروفي، الأحدث على الساحل الغربي لأميركا الجنوبية، الذي بنته شركة "كوسكو" الصينية بتكلفة 1.3 مليار دولار، وافتتحه الرئيس شي في نوفمبر 2024.
ولا شك أن الإشارة المذكورة في استراتيجية الأمن القومي تهدف إلى استبعاد الشركات الصينية من مواصلة هذا الدور. علاوة على ذلك، تُوسّع الاستراتيجية هذا المفهوم ليشمل ما يتجاوز البنية التحتية، إذ تنص على: "سنحرم المنافسين من خارج نصف الكرة الأرضية من القدرة على نشر القوات أو غيرها من القدرات التي تُشكّل تهديداً، أو امتلاك أو السيطرة على أصول حيوية استراتيجياً". وهذا قد يشمل، بطبيعة الحال، أي شيء بدءاً من السدود ومحطات الطاقة وصولاً إلى الموارد المعدنية الرئيسية، بما يصعّب تدفّق الاستثمار الأجنبي المباشر من خارج الأميركتين.
هناك العديد من المشكلات في هذا النهج. أولاً، يتجاهل حقيقة أن أسرع مناطق العالم نمواً وأكثرها ديناميكية اليوم هي آسيا، وأن الصين تُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهذا يعني، بحكم الواقع، أن العديد من مناطق العالم، بما في ذلك أميركا اللاتينية، شهدت وستشهد زيادة في تدفقات التجارة والاستثمار معها (فالصين هي بالفعل الشريك التجاري الأول لأميركا الجنوبية). إنّ محاولة إيقاف هذا المسار تُشبه محاولة منع شروق الشمس.
ثانياً، يتجاهل هذا القرار حقيقة أن شركات البناء الأميركية امتنعت، لعقود، عن المشاركة في مناقصات مشاريع البنية التحتية في أميركا اللاتينية، لأنها اعتبرتها صغيرة جداً، أو لأسباب أخرى. ومن غير المرجّح أن يتغيّر هذا الوضع بفعل ضغوط الحكومة الأميركية. فمنذ سنوات قليلة، كانت حكومة كولومبية محافظة حريصة على منح عقد بناء مشروع مترو بوغوتا لشركة أميركية، لكنها اكتشفت عدم وجود شركات أميركية تعمل في بناء مترو الأنفاق. وفي عام 2019، منحت العطاء لشركة صينية بدلاً من ذلك.
ومن ناحية أخرى، تُعدّ تكاليف شركات البناء الأوروبية مرتفعةً للغاية، مما يجعلها في كثير من الأحيان غير قادرة على المنافسة. وليس من المستغرَب أن تُحقق الشركات الصينية أداءً جيداً، إذ تفوز بعطاءات العديد من مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها.
ويُعدّ أحد أسباب استمرار هجرة مواطني أميركا اللاتينية إلى الولايات المتحدة هو تخلف المنطقة وما ينتج عنه من نقص في الفرص الاقتصادية لشعوبها. وإنّ الاعتقاد بأن أفضل طريقة لوقف تدفقات الهجرة هذه هي عرقلة جهود سدّ العجز الهائل في البنية التحتية، وبالتالي الإبقاء على المنطقة في حالة تخلف دائم، هو اعتقاد غير قابل للاستمرار.
وفي هذا القرن (على عكس عام 1823، عندما أُعلن مبدأ مونرو للمرة الأولى)، نوّعت دول أميركا اللاتينية روابطها الدولية، وانخرطت في العالم، واستفادت من تدفقات التجارة والاستثمار والتعاون المالي من مختلف الجهات العالمية، بما يتّسق مع عصر الترابط. إنّ محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر منع تدفقات الاستثمارات من ما يُسمّى "القوى من خارج نصف الكرة الأرضية" هي محاولة عبثية. لقد غادر الحصان الحظيرة بالفعل.