في الخامس والعشرين من تموز من عام 1925، دوّى صوت الحرية من جبال السويداء إلى أرجاء سوريا، إيذانًا بانطلاق الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي. لم تكن تلك الثورة حدثًا عابرًا، بل كانت لحظة تأسيسية في الوعي الوطني، توحدت فيها إرادة السوريين من مختلف الأعراق والطوائف والمذاهب، فحمل رايتها سلطان باشا الأطرش (الدرزي)، وأيّده فيها رجال كإبراهيم هنانو (الكردي)، وحسن الخراط (الدمشقي)، وصالح العلي (العلوي)، وغيرهم من قادة النضال الخالص.
كانت تلك الثورة، رغم إمكاناتها المحدودة، تعبيرًا ناصعًا عن مشروع وطني جامع، قاوم المحتل الأجنبي ورفض الإملاءات، وقدم التضحيات الجسام في سبيل وحدة الأرض وكرامة الإنسان. لم يكن في قاموسها تكفير أو تخوين، بل كان جوهرها التحرر من هيمنة المستعمر وصيانة النسيج السوري.
وبعد مئة عام تمامًا، وفي التاريخ ذاته، نشهد مشهدًا مقلوبًا على أرض سوريا، حيث تُنتهك الرموز الوطنية من قبل جماعات دخيلة لا تعرف شيئًا عن تاريخ سوريا ولا عن رموزها، ولا تنتمي إلى وجدانها الثقافي أو الحضاري. صور الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش تُداس بالأقدام من قبل مقاتلين من الأوزبك والإيغور والشيشان، ممن جاؤوا إلى سوريا تحت شعارات مضللة ليمارسوا "ثورة" لا تشبه الثورة، وعدوانًا لا يمت للتحرر بصلة.
شتّان بين ثورة شعب ضد احتلال أجنبي، وثورة مزعومة تُدار بريموتات خارجية وتحمل معها مفاهيم الغلو والتكفير وخراب المجتمعات. وإذا كانت ثورة عام 1925 قد رسخت مبدأ "الدين لله والوطن للجميع"، فإن ما نراه اليوم هو محاولات لتفكيك سوريا إلى هويات متصارعة ومذاهب متناحرة، تُمحى فيها الرموز، وتُطمس المعالم، ويُستبدل الاحتلال بوصاية متعددة الأوجه، تارة باسم الحرية، وتارة أخرى باسم "الخلافة" أو "التحرير".
ما يجري اليوم هو تشويه لمعنى الثورة، ومصادرة لأحلام الشعوب. إن من يدوس على صورة سلطان باشا الأطرش لا يدرك أنه يدوس على ذاكرة أمة، وعلى واحد من أعمدة تاريخها الوطني. وليس بعيدًا أن من ارتكب هذا الفعل لا يعرف من هو الأطرش أصلًا، ولا ما تمثله تلك الصورة من رمزية في ضمير الشعب السوري.
لقد آن الأوان لإعادة التذكير بأن الثورة الحقيقية لا تُصنع بالكراهية، ولا تُقاد من خارج حدود الوطن، ولا تُترجم بالقتل على الهوية. الثورة التي تستحق هذا الاسم هي تلك التي تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تحرر العقول قبل أن تُحرر الأرض. وفي ذكرى مئة عام على انطلاق الثورة السورية الكبرى، علينا أن نستحضر المعنى الحقيقي للثورة، ونفضح كل تشويه أصابها. فبين ثورة 1925 وثورات اليوم مسافة بحجم الفرق بين وطنٍ يُبنى على التعدد والحرية، وبين وطنٍ يُفكك تحت رايات الحقد والجهل والتطرف.