• اخر تحديث : 2025-08-12 14:27
news-details
تقدير موقف

لماذا تتجه أوروبا للاعتراف بدولة فلسطين؟


تواترت الإعلانات الغربية والأوروبية الخاصة بنية الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر 2025، بالتزامن مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، يأتي ذلك في الوقت الذي تزايدت فيه حدة الانتقادات للموقف الإسرائيلي في كل من الإعلام الغربي ومواقع التواصل الاجتماعي؛ مما أسهم في تصاعد الضغوط الداخلية على الحكومات الأوروبية لاتخاذ مواقف أكثر وضوحاً. 
 
مواقف متواترة: 
 
1. فرنسا: أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 24 يوليو 2025، بياناً أشار خلاله إلى أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين، في إطار "التزامها التاريخي بسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط"، على أن يتم تفعيل هذا القرار بصورة رسمية خلال اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة المرتقب في سبتمبر 2025.
 
2. بريطانيا: أصدرت الحكومة البريطانية في 29 يوليو 2025، بياناً بعنوان "بيان عن الأزمة الإنسانية في غزة والاعتراف بدولة فلسطين"، جاء أهم ما به كما يلي: 
 
• الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار، والسماح للأمم المتحدة بإرسال المساعدات الإنسانية بشكل مستمر لتجنب المجاعة، وإطلاق سراح الرهائن بشكل فوري، ودعم جهود الوسطاء للوصول إلى وقف إطلاق النار. 
 
• التعبير عن الالتزام بالعمل مع الشركاء الدوليين للالتزام بخطة سلام ذات مصداقية، تشمل حكماً انتقالياً وترتيبات أمنية، مع التأكد من تدفق المساعدات بالحجم الضروري، على أن يتزامن ذلك مع انسحاب إسرائيلي من غزة، وإزالة حكم حماس، وذلك كخطوات ضرورية نحو الوصول لحل الدولتين.
 
• التزام حكومة العمال بالاعتراف بدولة فلسطين، وذلك بموجب المانيفستو الانتخابي لهذه الحكومة، واعتبار ذلك حقاً فلسطينياً غير قابل للتصرف، وليس منحة، مع الإشارة إلى أن ذلك سوف يصب أيضاً في تحقيق أمن دولة إسرائيل. 
 
• تأكيد أن حماس جماعة إرهابية، ولا يمكن أن تتم مكافأتها على هجمات السابع من أكتوبر، وتأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعليه فيجب على حماس أن تطلق جميع الرهائن، وأن توقع على اتفاق فوري لوقف إطلاق النار، وأن تلتزم بنزع السلاح، وأن تقبل بأنها لن تؤدي أي دور في حكم غزة. 
 
• ستقوم المملكة المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية أمام الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، ما لم تقم إسرائيل بإنهاء الوضع المروع بغزة، وتدعو إسرائيل لأن تلتزم بعملية سلام مستدامة طويلة الأمد، بما يشمل وقف إطلاق النار والسماح للأمم المتحدة باستئناف دعمها الإنساني للقطاع، والتعهد بعدم ضم الضفة الغربية. 
 
• ستقوم الحكومة بعمل تقييم لما تم الالتزام به من هذه الشروط والمتطلبات قبل اجتماع الأمم المتحدة. 
 
• حيث إن الاعتراف بذاته لا يغير الوقائع على الأرض، تقوم الحكومة البريطانية بالمشاركة في الإسقاطات الجوية الإنسانية على قطاع غزة بالتعاون مع الأردن، كما تستقبل الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات البريطانية، وتستمر في الضغط من أجل تدفق المساعدات الإنسانية. 
 
• الشروع مع الشركاء في الإعداد لخطة تفاوضية طويلة الأجل قائمة على التفاوض وحل الدولتين، وذلك انطلاقاً من أن وقف إطلاق النار لن يصمد ما لم يلحق به عمل عاجل مرتبط بالحكم والترتيبات الأمنية في قطاع غزة. 
 
3. ألمانيا: تبنت المانيا نهجاً أكثر حذراً؛ حيث صرح وزير الخارجية الألمانية يوهان فاديفول، في 31 يوليو 2025، بأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن تكون بنهاية العملية التفاوضية الخاصة بحل الدولتين؛ لكن هذه العملية يجب أن تبدأ الآن، تزامن ذلك مع زيارة قام بها فاديفول إلى كل من إسرائيل والأراضي الفلسطينية.  
 
4. البرتغال: أعلن رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتنغرو، في 31 يوليو 2025، أن حكومته ستقوم بالتشاور مع الأحزاب السياسية الرئيسية، ومع الرئيس البرتغالي ريبيلو دي سوزا حول مسألة الاعتراف بفلسطين. 
 
5. كندا: صرح رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، بأن كندا تتجه لإعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل، بالتزامن مع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأرجع كارني القرار إلى توسع إسرائيل في الاستيطان بالضفة الغربية، وتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وهجوم السابع من أكتوبر، باعتبارها الأسباب الدافعة للموقف الكندي. 
 
وربط كارني قراره بالاعتراف ببعض الشروط والمتطلبات التي يجب على السلطة الفلسطينية الوفاء بها، منها إجراء إصلاحات جذرية داخلية، والنجاح في نزع السلاح. 
 
سياق المواقف الأوروبية:
 
 تأتي هذه المواقف في سياق عدد من التطورات، أهمها ما يلي: 
 
• دعوات باحثين ومسؤولين أوروبيين سابقين لدور أكثر فاعلية لأوروبا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: حيث تزايدت الدعوات التي وجهها باحثون ومسؤولون أوروبيون سابقون، والتي تدعو إلى دور أوروبي أكثر فاعلية في إدارة الصراع بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، وأبرز هذه الدعوات مقال لكل من المسؤول السابق عن السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية، والنائب السابق لرئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل، ورئيسة قسم الشؤون الدولية بالجامعة الأوروبية كاليبسو نيكولايديس، والذي حمل أوروبا مسؤولية تاريخية خاصة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ودعا إلى دور أوروبي أكثر وضوحاً واستقلالية، وإلى الشروع في الدخول على خط الوساطة بشكل أكثر فاعلية، واستقلالية عن الدور الأمريكي. 
 
• تزايد الانتقادات للمواقف الإسرائيلية في الإعلام الغربي: وهو ما يتضح بشكل كبير في تغير طبيعة التغطية الإعلامية للحرب الدائرة في قطاع غزة؛ حيث قامت عدد من المنصات الإعلامية الغربية البارزة، أهمها "بي بي سي" بنشر تقارير عن حجم الدمار الذي أصاب القطاع، في حين ركزت تقارير أخرى على المعاناة الإنسانية والضحايا من المدنيين.
 
• ارتفاع وتيرة الانتقاد الموجه لإسرائيل على صفحات التواصل الاجتماعي: حيث زادت نسبة الهجوم على المواقف الإسرائيلية بصفحات التواصل الاجتماعي عالمياً؛ وهو ما جعل وزارة الخارجية الإسرائيلية تقوم بتمويل برنامج مخصص لزيارة 16 من مؤثري التواصل الاجتماعي الأمريكيين، ممن تقل أعمارهم عن 30 عاماً إلى إسرائيل؛ وذلك بهدف التعامل مع الهجوم الكبير على المواقف الإسرائيلية، وامتد الأمر لقيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإجراء حوارات مع بعض المؤثرين أيضاً؛ بهدف شرح الموقف الإسرائيلي والعمل على ترويجه. 
 
دلالات متعددة: 
 
فيما يتعلق بالاتجاه الأوروبي العام، والخاص باحتمالات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يمكن الإشارة إلى ما يلي: 
 
• يؤشر الموقف الأوروبي على اتجاه أوروبي عام لاتخاذ مواقف أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة في قضايا السياسة الخارجية، وهو أمر يأتي في ضوء التباين بين الطرفين في عدد من الملفات، ولا سيما الملف الأوكراني، وكيفية التعامل مع الصين، والملف الاقتصادي؛ حيث تبدو أوروبا أكثر استعداداً لاتخاذ مواقف مختلفة عن الولايات المتحدة، يدفع في هذا الاتجاه أيضاً الجامعات ومراكز الأبحاث الأوروبية، والتي ترى أنه إذا كانت أوروبا تتجه للاعتماد على نفسها فيما يتعلق بمتطلبات الأمن، فمن الأولى أن تسلك مسلكاً خارجياً مستقلاً عن الولايات المتحدة. 
 
• هناك عدد من الآثار المباشرة التي تترتب على اعتراف دولة أو مجموعة دول بفلسطين، أهمها ما يلي: 
 
-تجاوز عدد من المسائل الفنية المعقدة المرتبطة بالاعتراف، وعلى رأسها حدود الدولة المعترف بها، والتي كانت فيما مضى تُعد أحد أهم المعوقات الفنية للاعتراف. 
 
-تغيير التمثيل الدبلوماسي للسلطة الفلسطينية في الدول التي تعلن الاعتراف من "رئيس بعثة" إلى درجة "سفير". 
 
-مزيد من الشرعية الدولية للسلطة الفلسطينية بصفتها ممثل دولة فلسطين. 
 
-سيفرض ذلك على الدول المعترفة بأن تراجع التزاماتها واتفاقاتها مع إسرائيل حتى لا تكون هذه الالتزامات تخل باعترافها بالدولة الفلسطينية، على سبيل المثال، سيمنح الاعتراف إطاراً قانونياً جديداً لحملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي تتم زراعتها أو إنتاجها في الأراضي المحتلة بعد 1967. 
 
فيما يتعلق بالموقف البريطاني على وجه الخصوص، يمكن الإشارة إلى ما يلي: 
 
• هناك عدد من الدوافع الخارجية التي مهدت الطريق للإعلان البريطاني والخاص بإمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر 2025، أولها هو الإعلان الفرنسي الخاص بالأمر ذاته، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي، والذي تمثل في رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند سؤاله ما إذا كان على رئيس الوزراء البريطاني الاستجابة للضغوط الداخلية والاتجاه للاعتراف بدولة فلسطينية، فأجاب بأنه "لن يتخذ موقفاً محدداً، وأن ما يهمه الآن هو إطعام الناس"؛ وهو ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر أمريكي للمملكة المتحدة. 
 
• تزامن مع ذلك عدد من الضغوط الداخلية التي أسهمت في تشكيل الموقف البريطاني المتجه للاعتراف بدولة فلسطين، أبرزها ما يلي: 
 
-وجود عدد من الوزراء الحاليين بمجلس الوزراء البريطاني يدعمون بشكل كبير اعترافاً فورياً بدولة فلسطين، أبرزهم أنجيلا راينر، نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدولة للإسكان والمجتمعات المحلية، وإيفيت كوبر، التي تشغل منصب وزير الداخلية، كما أثار مسألة الاعتراف كل من وزير الصحة والرعاية الاجتماعية ويسلي ستيرنج، ووزيرة العدل شابانا محمود، بالإضافة إلى وجود خطاب موقع من 250 نائباً من مختلف الانتماءات الحزبية بالبرلمان البريطاني يدعو إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين. 
 
-استمرار المسيرات والتظاهرات المؤيدة لفلسطين بشتى المناطق البريطانية، كان آخرها موجة من التظاهرات في 19 يوليو 2025؛ أدت إلى قيام الشرطة باعتقال ما يقرب من 100 متظاهر. 
 
-إعلان السياسي البريطاني جيرمي كوربن، عن تأسيس حزب سياسي جديد، وانضمام عدد من أعضاء حزب العمال الحاكم للحزب الوليد؛ وهو الأمر الذي قد يكون دافعاً لحزب العمال لمواقف أكثر تأييداً للطرف الفلسطيني، وذلك للحفاظ على اللحمة الداخلية للحزب وتقليل عدد المنشقين المنضمين إلى الحزب الوليد، وضعاً في الاعتبار أن الموقف من القضية الفلسطينية يُعد أحد أهم قضايا السياسة الخارجية التي يختلف فيها كوربن مع حزب العمال؛ حيث يدعو كوربن إلى تبني مواقف حاسمة خاصة بقيام الدولة الفلسطينية والضغط على إسرائيل.
 
• هناك عدد من النقاط المميزة في البيان البريطاني، أهمها ما يلي: 
 
-رغم الإشارة بشكل واضح إلى الالتزام بالاعتراف بالدولة الفلسطنية كالتزام انتخابي، وكحق أصيل للفلسطينيين، وهي لغة قد تكون جديدة على الموقف البريطاني؛ فإن نفس البيان ربط الاعتراف من عدمه بمدى استجابة طرفي الصراع (حماس، إسرائيل) لعدد من الشروط، كما منح البيان الفرصة لإعادة النظر في مسألة الاعتراف عبر الإشارة إلى إعادة تقييم الموقف قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة القادم؛ مما يرجح أن بريطانيا ربما تتراجع عن موقفها الخاص بالاعتراف حال تقديم إسرائيل بعض التنازلات، وتدفع بأن هذه المسألة يجب أن تكون نتيجة للعملية التفاوضية. 
 
-من اللافت دعوة بريطانيا إسرائيل لسحب قواتها من غزة، وهو موقف واضح مخالف للاتجاهات داخل الحكومة الإسرائيلية الخاصة بضم القطاع أو أجزاء منه، كما أن الدعوة الخاصة بتمكين الأمم المتحدة من استئناف إدخال المساعدات إلى القطاع تعكس الموقف البريطاني السلبي تجاه مؤسسة غزة الإنسانية. 
 
فيما يتعلق بمستقبل المواقف الأوروبية، يمكن الإشارة إلى ما يلي: 
 
• من المرجح أن تنضم مزيد من الدول الأوروبية لاتجاه الاعتراف بدولة فلسطين، خصوصاً إذا لم يتم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وضعاً في الاعتبار تزايد حجم التغطية الإعلامية الغربية للأوضاع الإنسانية بالقطاع بشكل مضطرد. 
 
• من المرجح أيضاً أن تحاول بعض الأطراف الأوروبية، ولا سيما بريطانيا وفرنسا وبلجيكا أن تدخل على خط الوساطة الحالية؛ بهدف الوصول إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية. 
 
• من المستبعد أن يتجه الاتحاد الأوروبي كوحدة واحدة للاعتراف بدولة فلسطين، وضعاً في الاعتبار أن قراراً كهذا سيحتاج إلى إجماع كل الدول الأعضاء في الاتحاد (حيث يتطلب أي قرار خاص بالسياسة الخارجية أو الأمن إجماع كل الأعضاء) وهو أمر لن يتوافر في ظل وجود دول تربطها علاقات وثيقة بإسرائيل قد ترفض القرار على رأسها ألمانيا والمجر والتشيك.