• اخر تحديث : 2025-08-13 15:45
news-details
مقالات عربية

زائر لبنان الكبير… والرسائل الكبرى: قراءة في زيارة علي لاريجاني الى لبنان


زيارة لاريجاني هذه المرة ليست كسابقاتها، فهي تأتي محمّلة بصفات مضاعفة وأبعاد مركّبة، فهو ليس فقط سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بل الممثل الشخصي للإمام الخامنئي في مجلس الدفاع الوطني الأعلى الذي أُعيد تشكيله بعيد الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، ليكون بمثابة غرفة قيادة عليا لجبهات محور المقاومة؛ وهذه الصفات تجعل زيارته إلى بيروت حدثاً سياسياً–أمنياً من الطراز الأول، أقرب إلى إدارة ميدانية للأزمة من كونها جولة بروتوكولية.
 
لاريجاني… الفيلسوف ابن الفيلسوف وصهر الفيلسوف
علي لاريجاني ليس مجرد سياسي إيراني، بل هو ابن المرجع الديني هاشم أملي، أحد العلماء الثوريين البارزين في الحوزة العلمية، ما منحه منذ نشأته تكويناً دينياً وثوريا متيناً. وعلى الجانب الفكري، هو أيضاً صهر الشهيد مرتضى مطهري، الفيلسوف الإسلامي الكبير وأحد أبرز العقول المؤسسة للفكر الثوري الإيراني. هذه الخلفية المزدوجة — الفلسفية والدينية — جعلت من لاريجاني امتداداً لمدرسة فكرية ترى في السياسة امتداداً للعقيدة وفي الدبلوماسية شكلاً من أشكال الجهاد.
 
هذا الإرث الفكري والثقافي، مضافاً إليه تكوين أكاديمي متقدم في مجالات الرياضيات وعلوم تقنية في التكنولوجيا والفلسفة، بالاضافة الى العلوم الدينية، والتجربة العسكرية صاغ شخصية متعددة الأبعاد: قائد أمني، استراتيجي عسكري، مفاوض سياسي، ومفكر قادر على صياغة خطاب يجمع بين الصرامة العقائدية والمرونة التكتيكية.
 
علي لاريجاني  ثقة المرشد
موقع لاريجاني في قلب دوائر صنع القرار الإيراني لم يأتِ من فراغ. فهو يحظى بثقة شخصية من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، الذي أوكله مراراً مهام حساسة كمبعوث خاص في الملفات الإقليمية. وبعيد  تعيينه للمرة الثانية سكرتيراً للمجلس الأعلى للأمن القومي، بات لاريجاني الممسك الفعلي بعدة ملفات استراتيجية:
-البرنامج النووي الإيراني.
-إدارة التحالفات الإقليمية.
-ادارة الملفات الحساسة. 
-تنسيق العمليات بين جبهات المحور في ايران، فلسطين، العراق، لبنان، واليمن.
 
ومع إعادة تشكيل المجلس الوطني العسكري، أصبح لاريجاني القناة المباشرة لقرارات القيادة العليا إلى الميدان، بما في ذلك التواصل مع الحلفاء العسكريين والسياسيين في ساحات المواجهة.
 
توقيت الزيارة… ورسائلها
تأتي هذه الزيارة في وقت يعيش فيه لبنان في قلب عاصفة إقليمية: أزمة اقتصادية خانقة، انقسام سياسي داخلي حاد على خلفية قرار الحكومة نزع سلاح المقاومة، توتر عسكري على الحدود الجنوبية في حرب لا تزال مفتوحة بين لبنان وإسرائيل تهدد بجرّ المنطقة إلى مواجهات أوسع. وهذا ما عبر عنه سفير ايران لدى لبنان مجتبى اماني حيث قال: زيارة لاريجاني الى بيروت تأتي في مرحلة مصيرية  من تاريخ لبنان.
 
في هذا التوقيت، تحمل حقيبة لاريجاني بعدين أساسيين:
1. أمني–عسكري: إدارة مسار الحرب وتوسيع التنسيق العملياتي بين جبهات المحور، خصوصاً في حال توسعت رقعة المواجهة.
2. سياسي–استراتيجي: دعم المحور في لبنان، وضمان عدم انزلاق الساحة اللبنانية إلى حرب أهلية أو تفاهمات إقليمية أو داخلية قد تضعف موقع المحور أو تحد من قدرة حزب الله على التحرك.
 
الرجل الذي يدير الخطوط الحمراء
تاريخ لاريجاني في المناصب العليا يُظهر أنه مهندس الخطوط الحمراء الإيرانية. فمنذ أن تسلم الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي في المرة الأولى، تحول  الى مرجع في اتخاذ قرارات الردع، سواء في المفاوضات النووية أو في إدارة ساحات المواجهة غير المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. والآن، وبعد الحرب الإيرانية–الإسرائيلية، بات دوره مضاعفاً: التنسيق العسكري بين الجبهات، وضبط الإيقاع السياسي بين الحلفاء، بحيث يبقى المحور متماسكاً وقادراً على الرد بشكل متكامل.
 
الفلسفة في خدمة الإستراتيجية
من يتابع مسيرة لاريجاني يدرك أنه لا ينطلق من حسابات تكتيكية بحتة، بل يشتغل بعقلية تجمع بين التصور الفلسفي الكلي والبراغماتية السياسية. فتكوينه الفكري المتأثر بمدرسة والده المرجع هاشم أملي وصهره الشهيد مرتضى مطهري، منحه القدرة على قراءة الصراعات كجزء من مشروع حضاري–عقائدي طويل المدى. وهذه الرؤية تمنحه ميزة نادرة في إدارة الملفات العسكرية والأمنية: فهو لا يتعامل مع المعارك كأحداث منفصلة، بل كعُقد في شبكة أوسع من التوازنات الجيوسياسية والفكرية:
العقيدة كإطار لاتخاذ القرار: يرى لاريجاني أن القرارات العسكرية لا بد أن تستند إلى مشروعية عقائدية، تعطي للميدان بعداً يتجاوز الحسابات المادية. هذا ما يفسر إصراره على دعم محور المقاومة كمنظومة متكاملة.
الفلسفة كأداة لإدارة التعقيد: بفضل تكوينه الأكاديمي في الفلسفة والمنطق، يفكك لاريجاني المعضلات المعقدة إلى عناصرها الأساسية، ثم يعيد تركيبها في إطار يخدم الهدف الإستراتيجي.
الدمج بين القوة الصلبة والناعمة: رؤيته السياسية تقوم على التكامل بين الردع العسكري والتأثير الثقافي–الإعلامي، وهو ما ينعكس في تنسيقه المتوازي بين الجبهات الميدانية وخطاب المحور الإعلامي.
الحنكة الدبلوماسية كامتداد للعقيدة:  الخبرة التي اكتسبها من التفاوض النووي وصياغة التفاهمات الإقليمية، أدخلت في منهجه عنصر الصبر الاستراتيجي، حيث يرى أن بعض النتائج تحتاج إدارة طويلة النفس.
 
ما وراء المعلن
البرنامج الرسمي قد يتحدث عن لقاءات مع الرؤساء والوزراء اللبنانيين، لكن الثقل الحقيقي للزيارة سيكون خلف الأبواب المغلقة، حيث يجتمع لاريجاني مع قيادة حزب الله وقادة الاحزاب اللبنانية والفلسطينية. والملفات المتوقعة على الطاولة تشمل:
-تنسيق المهام بين الجبهات في حال توسعت الحرب.
-ضمان استمرارية خطوط الإمداد العسكرية واللوجستية.
-تنسيق الخطاب السياسي والإعلامي بين ساحات المحور لتفادي أي ارتباك أمام الرأي العام.
 
البعد الإقليمي للزيارة
زيارة لاريجاني إلى بيروت ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة تحركات وجولات تعكس استراتيجية جديدة للمجلس الوطني العسكري، تهدف إلى ربط الجبهات جغرافياً ولوجستياً وسياسياً، بحيث لا تبقى أي ساحة عرضة للعزل أو الاستهداف المنفرد. في هذا السياق، تُعتبر بيروت نقطة ارتكاز أساسية، كون الجبهة اللبنانية هي الأكثر قدرة على ممارسة الضغط الميداني على إسرائيل.
 
رسائل إلى الداخل اللبناني
لاريجاني سيحمل، على الأرجح، رسائل طمأنة إلى حلفاء طهران في لبنان، بأن الدعم الإيراني ثابت رغم انشغال طهران بجبهات أخرى. وفي الوقت ذاته، ستصل رسائل تحذير غير مباشرة إلى خصوم حزب الله، بأن ملف سلاح الحزب خط أحمر إيراني، وأي محاولة للمساس به ستُواجه برد حازم.
 
ردود الفعل المتوقعة
كما في كل زيارة لمسؤول إيراني رفيع، ستنقسم المواقف:
-المؤيدون سيرون فيها سنداً استراتيجياً للبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
-المعارضون سيعتبرونها تدخلاً في الشأن الداخلي وتكريساً للنفوذ الإيراني، وربما جلباً لمزيد من العقوبات والضغوط الدولية لكن لاريجاني، بأسلوبه البراغماتي، يركز على نتائج الزيارة على المدى البعيد، لا على الجدل اللحظي.
 
ما بعد الزيارة… سيناريوهات محتملة
تحليل افتراضي متخيَّل يشير إلى عدة احتمالات لما قد يلي الزيارة:
1. تعزيز الجبهة اللبنانية: رفع مستوى التنسيق الميداني مع جبهات غزة ولبنان.
2. تصعيد مدروس: عمليات ردع مركّزة لإرسال رسائل إلى تل أبيب دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
3. تثبيت الوضع الراهن: الحفاظ على حالة الاشتباك المحدود لتفادي استنزاف المحور.
 
خلاصة
زيارة علي لاريجاني إلى بيروت في هذه اللحظة الحساسة ليست حدثاً عادياً. إنها تحرك مركّب لشخصية تجمع بين الفلسفة والسياسة، الدين والعسكر، الفكر الاستراتيجي والقرار التنفيذي.
هو الفيلسوف ابن الفيلسوف وصهر الفيلسوف، لكنه أيضاً رجل الميدان الذي يملك صلاحيات واسعة لإدارة خطوط النار ورسم معالم الردع في المنطقة. وإذا كانت الكاميرات تنقل صور اللقاءات والابتسامات، فإن القرارات الحقيقية ستُكتب بعيداً عن الأضواء، لتحدد شكل المرحلة المقبلة من الحرب، وربما شكل لبنان والمنطقة في ما بعدها.