موقع "The Conversation" الأميركي ينشر تقريراً للكاتب مارتن كير يتناول إعلان أستراليا نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل، لتنضم إلى بريطانيا وكندا وفرنسا، ويحلّل أبعاده الرمزية والسياسية.
يوضح أن الاعتراف، رغم أهميته الرمزية في تعزيز الإجماع الدولي على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، لن يغير واقع الاحتلال في المدى القريب، إذ يواجه قيام دولة فلسطينية مستقبلية عقبات معقدة، ويناقش النص الشكوك حول مدى استعداد القوى الغربية لاستخدام نفوذها للضغط على "إسرائيل" لتفكيك المستوطنات أو وقف الضم، مشيراً إلى أن التجارب السابقة تشير إلى الاكتفاء ببيانات سياسية من دون خطوات عملية، ما يثير التساؤل حول المستفيد الفعلي من الاعتراف. أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
ستعترف أستراليا بالدولة الفلسطينية خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل، لتنضم بذلك إلى المملكة المتحدة وكندا وفرنسا في اتخاذ هذه الخطوة التاريخية.
يُعدّ الاعتراف بدولة فلسطينية أمراً رمزياً من جهة، إذ يُشير إلى إجماع عالمي متزايد حول حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. لكن على المدى القريب، لن يؤثر ذلك على الوضع الميداني في غزة.
ومن الناحية العملية، فإن إقامة دولة فلسطينية مستقبلية تتكون من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية هو أمر أصعب بكثير.
استبعدت الحكومة الإسرائيلية حل الدولتين، وردّت بغضب على خطوات الدول الأربع الأعضاء في مجموعة العشرين للاعتراف بفلسطين. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القرار بأنه "مخزٍ".
إذاً، ما هي القضايا السياسية التي يجب حلها قبل أن تصبح الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة؟ وما جدوى الاعتراف إذا لم يُذلّل هذه العقبات التي تبدو مستعصية؟
توسّع المستوطنات
المشكلة الأولى هي ما يجب فعله بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي أعلنت محكمة العدل الدولية أنها غير قانونية.
منذ عام 1967، شيّدت "إسرائيل" هذه المستوطنات بهدفين: منع أي تقسيم مستقبلي للقدس، ومصادرة ما يكفي من الأراضي لجعل قيام دولة فلسطينية مستحيلاً. ويوجد الآن أكثر من 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية و233 ألف مستوطن في القدس الشرقية.
يرى الفلسطينيون القدس الشرقية جزءاً لا يتجزأ من أي دولة مستقبلية، ولن يقبلوا أبداً بدولة من دونها عاصمةً لهم.
في أيار/مايو، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستبني 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو أكبر توسع استيطاني منذ عقود. ووصف وزير الدفاع يسرائيل كاتس ذلك بأنه "خطوة استراتيجية تمنع قيام دولة فلسطينية تُعرّض إسرائيل للخطر".
كما اقتربت الحكومة الإسرائيلية أيضاً من ضم الضفة الغربية بالكامل في الأشهر الأخيرة.
التعقيدات الجغرافية للدولة المستقبلية
ثانياً، هناك قضية الحدود المستقبلية بين الدولة الفلسطينية و"إسرائيل". فإنّ ترسيمات قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ليست حدوداً معترفاً بها دولياً، بل هي خطوط وقف إطلاق النار، المعروفة باسم "الخط الأخضر"، منذ حرب عام 1948 التي شهدت قيام دولة إسرائيل".
ومع ذلك، في حرب الأيام الستة عام 1967، استولت "إسرائيل" على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وشبه جزيرة سيناء المصرية (التي عادت إليها لاحقاً) ومرتفعات الجولان السورية. واستغلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، إلى جانب البنية التحتية الواسعة، لخلق "وقائع جديدة على الأرض".
تعمل "إسرائيل" على تعزيز قبضتها على هذه الأراضي من خلال تصنيفها باعتبارها "أراضي دولة"، وهذا يعني أنها لم تعد تعترف بالملكية الفلسطينية لها، الأمر الذي يعوق بشكل أكبر إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
على سبيل المثال، وفقاً لبحث أجراه البروفيسور الإسرائيلي نيف جوردون، كانت حدود بلدية القدس تغطي ما يقرب من سبعة كيلومترات مربعة قبل عام 1967. ومنذ ذلك الحين، توسع بناء المستوطنات الإسرائيلية عند حدودها الشرقية، بحيث أصبحت تغطي الآن نحو 70 كيلومتراً مربعاً.
وتستخدم "إسرائيل" أيضاً جدار الفصل العنصري أو الحاجز، الذي يمتد لمسافة نحو 700 كيلومتر عبر الضفة الغربية والقدس الشرقية، لمزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية.
وفقاً لكتاب صدر عام 2013 للباحثتين أرييلا أزولاي وآدي أوفير، يُمثل الجدار جزءاً من سياسة الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى تطهير الفضاء الإسرائيلي من أي وجود فلسطيني. فهو يُجزّئ المساحات الحضرية والريفية الفلسطينية المتجاورة، ويعزل نحو 150 تجمعاً فلسطينياً عن أراضيهم الزراعية ومراعيهم.
ويجري تعزيز الحاجز بوسائل أخرى للفصل، مثل نقاط التفتيش، والسواتر الترابية، وحواجز الطرق، والخنادق، وبوابات الطرق والحواجز، والجدران الترابية.
وهناك أيضاً الجغرافيا المعقدة للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. وبموجب اتفاقيات أوسلو في تسعينات القرن العشرين، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، أُطلق عليها اسم المنطقة "أ"، والمنطقة "ب"، والمنطقة "ج".
في المنطقة (أ)، التي تُشكل 18% من مساحة الضفة الغربية، تُمارس السلطة الفلسطينية سيطرةً مُعظمة. أما المنطقة (ب) فتخضع لسلطةٍ إسرائيليةٍ فلسطينيةٍ مُشتركة. أما المنطقة (ج)، التي تُشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، فتخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وكان من المفترض نقل السيطرة الإدارية تدريجياً إلى السيطرة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو، لكن هذا لم يحدث أبداً.
إنّ المنطقتين (أ) و(ب) مقسمتان اليوم إلى العديد من التقسيمات الصغيرة التي تظل معزولة بعضها عن بعض بسبب السيطرة الإسرائيلية على المنطقة (ج). إنّ هذه التفرقة المتعمدة بين المناطق تخلق قواعد وقوانين ومعايير منفصلة في الضفة الغربية تهدف إلى منع حرية التنقل بين المناطق الفلسطينية ومنع تحقيق الدولة الفلسطينية.
من سيحكم الدولة المستقبلية؟
وأخيراً، هناك الشروط التي فرضتها الحكومات الغربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والتي تحرم الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير.
من أبرز هذه الشروط، اشتراط عدم مشاركة حماس في حكم الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقد أيدت جامعة الدول العربية هذا الشرط، ودعت حماس أيضاً إلى نزع سلاحها وتسليم السلطة في غزة.
فتح وحماس هما الحركتان الوحيدتان في الساحة السياسية الفلسطينية القادرتان على تشكيل حكومة. في استطلاع رأي أُجري في أيار/مايو، قال 32% من المشاركين في كل من غزة والضفة الغربية إنهم يفضلون حماس، مقابل 21% يؤيدون فتح. ولم يُبدِ ثلث المشاركين أي رأي أو لم يُعربوا عن أي رأي.
محمود عباس، زعيم السلطة الفلسطينية، لا يحظى بشعبية كبيرة، إذ يطالب 80% من الفلسطينيين باستقالته.
إن سلطة فلسطينية "مُصلَحة" هي الخيار المُفضَّل لدى الغرب لحكم الدولة الفلسطينية المُستقبلية. ولكن إذا حرمت القوى الغربية الفلسطينيين فرصة انتخاب حكومة من اختيارهم، من خلال تحديد من يُمكنه المشاركة، فمن المُرجَّح أن تُعتبر الحكومة الجديدة غير شرعية.
هذا يُهدد بتكرار أخطاء محاولات الغرب تنصيب حكومات من اختياره في العراق وأفغانستان.
إنّ معالجة هذه القضايا وغيرها الكثير ستتطلب وقتاً ومالاً وجهداً كبيراً. والسؤال هو: ما مقدار رأس المال السياسي الذي يرغب قادة فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا (وغيرها) في بذله لضمان أن يُفضي اعترافهم بفلسطين إلى قيام دولة فعلية؟
ماذا لو رفضت "إسرائيل" تفكيك مستوطناتها وجدار الفصل العنصري، ومضت قدماً في ضم الضفة الغربية؟ ما الذي يرغب أو يستطيع هؤلاء القادة الغربيون فعله؟ في الماضي، لم يكونوا مستعدين لفعل أكثر من إصدار بيانات حازمة في مواجهة رفض "إسرائيل "المضي قدماً في حل الدولتين.
ونظراً لهذه الشكوك حول الإرادة السياسية والقدرة الفعلية للدول الغربية على إجبار "إسرائيل" على الموافقة على حل الدولتين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو هذا الاعتراف ومن هو المستفيد منه؟