• اخر تحديث : 2025-08-15 15:59
news-details
قراءات

تسود حالة من الشك وعدم اليقين بشأن نتائج القمة التي سوف تجمع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، والمقرر عقدها يوم 15 أغسطس الجاري في ولاية ألاسكا الأمريكية، والتي سبق أن اشترتها الولايات المتحدة من القيصر الروسي ألكسندر الثاني عام 1867 بنحو 7.2 مليون دولار.
 
وعلى الرغم من تصريحات ترامب المتفائلة حول لقائه مع بوتين، ما تزال الحسابات الصفرية تسيطر على مواقف الطرفين الروسي والأوكراني، فالمطالب الروسية تدور حول ضرورة اعتراف الولايات المتحدة والغرب بسيطرة روسيا على خمس مناطق أوكرانية هي شبه جزيرة القرم، ولوغانسك، ودونيتسك، وخيرسون، وزاباروجيا. بينما يقول الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، مدعوماً من الدول الأوروبية، إنه لا يستطيع التنازل عن "شبر واحد" من حدود أوكرانيا عام 1991 عندما استقلت عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق. أما الموقف الأوروبي، فينطلق من ضرورة عدم منح روسيا جزءاً من الأراضي الأوكرانية؛ لأن هذا سيكون بمثابة مكافأة على ما وصفه بالعدوان، وسيشجع موسكو على العودة مرة أخرى إلى الاعتداء على الدول الأوروبية. 
 
وفي هذا الإطار، تُطرح تساؤلات بشأن الخيارات المُتاحة أمام الرئيس ترامب في قمة ألاسكا، والتحديات التي يواجهها الطرفان الروسي والأوكراني للقبول بالطرح الأمريكي، ومدى إمكانية أن تُمثل قمة ألاسكا نقطة انطلاق لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
 
التاريخ والواقع:
 
سيكون الصراع بين التاريخ والواقع، العقدة الرئيسية التي يتوجب على ترامب حلها حتى تنجح قمة ألاسكا، ففي الوقت الذي تقول فيه روسيا إن المناطق الأربع في جنوب وشرق أوكرانيا يقطنها سكان غالبيتهم من أصل روسي وكانوا ضمن ما يُسمى بجمهورية "نوفو روسيا"، ترفض أوكرانيا هذا الطرح، مؤكدة أن هذه المناطق جزء لا يتجزأ من الأراضي الأوكرانية التي اعترفت بها روسيا نفسها والأمم المتحدة منذ عام 1991. ويواجه هذا السجال التاريخي الواقع الحالي على الأرض، والذي يدور حول عدد من الحقائق التالية:
 
1- سيطرة روسيا على نحو 20% من الأراضي الأوكرانية بعد سيطرتها على كامل شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول عام 2014، ومنذ ذلك التاريخ بدأ التمرد المُسلح من الموالين لروسيا ضد السلطات الأوكرانية في لوغانسك ودونيتسك، ويترافق مع ذلك تقدم ميداني ثابت للجيش الروسي على محاور القتال في الشمال والجنوب الشرقي لأوكرانيا.
 
2- عدم سيطرة روسيا على كل الأراضي التابعة للحدود الإدارية لمناطق لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا. فبينما تسيطر روسيا على نحو 90% من أراضي لوغانسك، تسيطر فقط على نحو 70% من دونيتسك وخيرسون وزاباروجيا؛ لكنها ضمت المناطق الأربع بحدودها الإدارية الكاملة إلى روسيا في سبتمبر 2022.
 
3- فشل الهجوم الأوكراني المُضاد منذ يونيو 2023 في استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا بعد اندلاع الحرب في فبراير 2022، كما فشلت أوكرانيا في الاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية في أغسطس 2024، واستعاد الجيش الروسي كورسك بالكامل بعد أن كانت أوكرانيا تراهن على أن تبادل شبة جزيرة القرم أو المناطق الأربع شرق وجنوب البلاد بالأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك.
 
4- تراجع الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، فمنذ آخر حزمة من المساعدات العسكرية الأمريكية التي أقرها الكونغرس في 20 إبريل 2024 في عهد الرئيس السابق جو بايدن بقيمة 60.8 مليار دولار، لم يتم إقرار أي مساعدات أمريكية جديدة لكييف، بل على العكس يطالب ترامب باستعادة ما يقول إنها 350 مليار دولار مساعدات أمريكية قدمتها بلاده إلى أوكرانيا. وحالياً، تشتري الدول الأوروبية المعدات الدفاعية مثل نظام "باتريوت" من واشنطن، ثم توردها إلى كييف؛ وهو ما يعني توقف الدعم العسكري الأمريكي المباشر. وعملياً، لا تستطيع الدول الأوروبية تعويض أوكرانيا عن السلاح والذخيرة الأمريكية؛ حيث تشير التقديرات إلى استهلاك كييف نحو 250 ألف قذيفة شهرياً؛ وهو رقم قياسي في استهلاك الذخيرة، في الوقت الذي فشل فيه الاتحاد الأوروبي أكثر من مرة في الوفاء بإنتاج مليون قذيفة سنوياً، وهذا تحدٍّ لا يمكن للدول الأوروبية وأصدقاء أوكرانيا تعويضه والاستمرار فيه دون إطار زمني واضح لوقف الحرب.
 
5- فشل سيناريو "الحرب الخاطفة"، فكلا الطرفين الروسي والأوكراني لا يستطيع إسقاط الآخر بـ"الضربة القاضية"، وكل ما يحققه هذا الطرف أو ذاك يتم بالنقاط؛ فروسيا تسيطر على قرى وبلدات صغيرة؛ لكنها لم تستطع أن تدخل كييف، وخرجت من ثاني أكبر المدن الأوكرانية وهي خيرسون في شمال شرق أوكرانيا. وهذا يعني أن استمرار الحرب يؤدي إلى استنزاف مقدرات روسيا وأوكرانيا ومن يدعمهما، دون خسارة نهائية لأي منهما. 
 
مقاربة ترامب:
 
تنطلق رؤية ترامب للحل في أوكرانيا من الحقائق على الأرض، فبعد ما يزيد على ثلاث سنوات من الحرب، لا تستطيع أوكرانيا بكل الدعم الذي حصلت عليه، استعادة الأراضي التي سيطر عليها الجيش الروسي منذ عام 2014، كما أن الجيش الروسي لا يسيطر بنسبة 100% على كل مناطق لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا. لهذا قد يطرح ترامب في قمة ألاسكا مقاربة تقوم على مجموعة من العناصر، وهي: 
 
1- إقرار الواقع الراهن: تنطلق مقاربة ترامب من الواقع وليس التاريخ، فهو يريد تحويل حدود الجبهة الحالية إلى حدود دولية، مع تبادل بعض الأراضي بهدف التسهيلات الإدارية بعد ذلك؛ بمعنى وقف الحرب واعتراف روسيا بأوكرانيا مقابل منح موسكو الأراضي التي تسيطر عليها بالفعل. لكن هذا يقتضي من الرئيس زيلينسكي إجراء استفتاء شعبي؛ لأن الدستور الأوكراني يمنع الرئيس من التنازل عن أجزاء من أراضي البلاد.
 
2- بقاء بعض الأراضي لأوكرانيا: المبدأ الثاني في مقاربة ترامب هو أن الدبلوماسية لن تمنح روسيا ما لم تستطع موسكو الحصول عليه بالقوة، وهذا المبدأ يهدف إلى إرضاء الشعب الأوكراني والأوروبيين. ففي الوقت الذي تطالب فيه روسيا بالحصول على كل شرق أوكرانيا، وكل أراضي شرق نهر دنيبرو، بما فيها بعض الأراضي التي تقع ضمن الحدود الإدارية لكل من لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا؛ يرفض ترامب ذلك ويقترح أن تحصل روسيا على الأجزاء التي يسيطر عليها جيشها فقط، وليس على كل الحدود الإدارية لهذه المناطق. وقد يُمثل هذا الطرح نهاية لصراع بدأ بين الموالين لروسيا والموالين للغرب منذ ما يُعرف بـ"الثورة البرتقالية" عام 2005.
 
3- عقدان لكييف بعيداً عن الناتو: من المُتوقع أن يقترح ترامب على بوتين في قمة ألاسكا، إغلاق باب حلف شمال الأطلسي "الناتو" أمام أوكرانيا لمدة 20 عاماً كاملة؛ وهو ما قد يُمثل حلاً وسطاً بين رغبة روسيا في تعهد مكتوب من جانب الحلف بعدم التوسع شرقاً باتجاه أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، وبين إصرار "الناتو" على الإبقاء على سياسة "الباب المفتوح" وحق كل دول أوروبا في الالتحاق بالحلف. ويطرح ترامب فكرة لمنح أوكرانيا ضمانات أمنية مكتوبة - تشبه الضمانات التي قدمتها مذكرة بودابست في ديسمبر 1994- كبديل للرفض الروسي لنشر قوات سلام أوروبية على الحدود بين الجيشين الروسي والأوكراني، ويقترح البعض أن تكون قوات حفظ السلام من خارج "الناتو" والدول الأوروبية، بينما تصر أوكرانيا في الوقت الحالي على ضرورة منحها كل الأسلحة والضمانات الأمنية الكاملة بما فيها عضوية "الناتو" حتى لا تتكرر الحرب مرة أخرى بعد سنوات. 
 
4- ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي: وفق الرؤية الأمريكية، يمكن الإسراع بدخول أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي لتسريع وتيرة إعادة الإعمار من جانب، وكنوع من المكافأة على شجاعة الشعب والجيش الأوكراني في القتال طوال الحرب من جانب آخر. 
 
سيناريوهات مُحتملة:
 
في ظل الحسابات الروسية والأوكرانية، وتخوف الأوروبيين من فرض اتفاق على الرئيس زيلينسكي من جانب واشنطن؛ فإن مفاوضات ترامب وبوتين يمكن أن تأخذ أحد المسارات الستة التالية:
 
1- السيناريو القبرصي والكوري: يعتمد على إقناع الرئيس الأمريكي لنظيره الروسي بوقف الحرب الحالية، وتحويل الحدود الميدانية بين الجيشين الروسي والأوكراني إلى حدود دائمة، لكن دون الاعتراف بذلك رسمياً، على غرار الحدود بين شمال قبرص التي تسكنها أغلبية من أصول تركية، وجنوب قبرص التي تسكنها أغلبية من أصول يونانية، وكذلك مثل خط الهدنة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، الذي بالرغم من عدم الاعتراف به كخط دولي رسمي فاصل بين الدولتين؛ فإن تجميد القتال أسهم في وقف القتال بين الكوريتين منذ نحو 72 عاماً. وهذا السيناريو قد يحفظ ماء الوجه للدول الأوروبية وللرئيس زيلينسكي؛ كونه لا يتضمن اعترافاً رسمياً بسيطرة روسيا على الأراضي الأوكرانية. ولهذا يمكن أن يتحول وقف إطلاق النار في أوكرانيا إلى هدنة دائمة وتجميد كامل للصراع دون اعتراف الدول الأوروبية والولايات المتحدة رسمياً بالسيادة الروسية على نحو 20% من أراضي أوكرانيا. 
 
2- سيناريو فرساي: هو أكثر السيناريوهات التي يخشاها زيلينسكي والقادة الأوروبيون، فوفقاً له يمكن أن تتم صفقة بين ترامب وبوتين دون حساب للمصالح الأوكرانية والأوروبية، وتُفرض هذه الصفقة على كييف، وذلك على غرار معاهدة فرساي التي وقّعها الحلفاء المنتصرون في يونيو 1919، وفُرضت على ألمانيا المهزومة في الحرب العالمية الأولى. وفي حالة رفض أوكرانيا ومن ورائها بعض القوى الأوروبية لأي اتفاق يطرحه ترامب، يمكن للولايات المتحدة وروسيا فرض شروط التسوية على أوكرانيا. 
 
3- سيناريو مينسك: يشغل هذا السيناريو تفكير الأوروبيين الذين يعتقدون أن روسيا تُجهز جيشاً قوامه ثلاثة ملايين مقاتل ونحو خمسة ملايين طائرة مُسيَّرة للعودة إلى القتال عام 2030؛ ومن ثم يرى الأوروبيون أن أفضل طريقة لمنع ذلك هو عدم منح موسكو أي مكافأة على الحرب في أوكرانيا. ولتعطيل أي قدرة روسية على العودة مرة أخرى إلى القتال؛ يجب أن تكون الجبهة الأوكرانية مفتوحة من خلال السعي لتجميد القتال لفترة عام أو عامين لمنح الجيش الأوكراني فرصة لاستعادة قوته وتسليحه استعداداً لجولة جديدة من الحرب على غرار اتفاقيات مينسك عام 2014 التي سمحت بتجميد القتال شرق أوكرانيا، وفي نفس الوقت منحت الجيش الأوكراني الفرصة والوقت لإعادة التسلح. 
 
4- إعلان وقف إطلاق النار: يمكن لترامب أن ينجح في الاتفاق على ترتيبات لوقف إطلاق النار، وبدء المفاوضات المباشرة بين موسكو وكييف بناءً على الخطوط العريضة للمقاربة المطروحة التي أساسها منح جزء من الأراضي لروسيا مقابل الحفاظ على الدولة والنظام في أوكرانيا ومنحها عضوية الاتحاد الأوروبي وكل الأسلحة للدفاع عن نفسها. 
 
5- الانسحاب من الوساطة: في حال تمسك بوتين بكل الحدود الإدارية للمناطق الأربع وشبه جزيرة القرم، والإصرار على المنع النهائي والكامل لدخول أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، ومواصلة المطالبة بنزع سلاح أوكرانيا وتحديد عدد جيشها؛ يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى فشل قمة ألاسكا وانسحاب ترامب من الوساطة مثلما هدد من قبل. 
 
6- مجرد قمة تمهيدية: هو السيناريو الذي أشار إليه ترامب في الساعات الأخيرة كتمهيد لعدم نجاح قمة ألاسكا في الوصول إلى نتائج حاسمة؛ حيث يمكن أن تكون هذه القمة مقدمة لعدد من القمم الأخرى مع بوتين لمواصلة طرح الأفكار والمقاربات بهدف الوصول إلى حل، خصوصاً أن هناك دعوة لترامب لزيارة روسيا.