يحاول بنيامين نتنياهو صرف الأنظار عن مأزقه السياسي والعسكري، مدركًا أن اجتياح غزة ليس نزهة لجنوده المنهكين، وأن إطالة أمد الحرب قد تكون طوق النجاة لتأجيل سقوطه.
رفاقه في الداخل الصهيوني باتوا يعرفون أن هذا الطاغية المهووس يهرب إلى الأمام كلما ضاقت عليه السبل آخذا بهم الى الهاوية، وأن مخطط نزع سلاح حزب الله وصل إلى طريق مسدود، فيما الصواريخ اليمنية تترصده، وروسيا تعود إلى الساحة السورية بدعوة من الجولاني، وترامب مستعد لبيعه في صفقاته الاقتصادية.
وسط هذا المشهد، فاجأ نتنياهو العالم بإعادة طرح ما يسميه “رؤية إسرائيل الكبرى”، في خطاب لم يكن مجرد تصريح عابر، بل استفزاز صريح للمجتمع الدولي.
فقد أعلن أن الكيان الصهيوني سيقتطع أراضي من الدول المجاورة لتحقيق أسطورة “إسرائيل الكبرى” التوراتية، مؤكّدًا بذلك البعد الأيديولوجي للصهيونية المتوحشة.
هذا الإعلان ليس جديدًا في جوهره، لكنه حين يُطرح كسياسة رسمية، يصبح رسالة مهينة موجهة إلى الدول التي طبّعت علاقاتها مع الكيان بحجة “دفع الشر”.
إذ تبيّن أن تل أبيب تفسر التطبيع على أنه ضعف وخضوع، وأنها لا تعترف بسيادة تلك الدول ولا تحترمها.
خطاب نتنياهو كشف بوضوح أن المستهدفين المباشرين هم: مصر، السعودية، الأردن، سوريا، لبنان، والعراق.
وقد بدأت المواقف الرافضة بالظهور، حتى إن الجامعة العربية أصدرت بيان استنكار… قبل أن تعود إلى سباتها المعهود.
أما الدول المطبّعة، فقد تلقت صفعة جديدة: فهي لم تؤطّر علاقتها مع الكيان ضمن رؤية تحمي مصالحها، بل مضت بعيون معصوبة نحو تبعية كاملة، إلى حد تمويله اقتصاديًا، ودعمه عسكريًا، والترويج له إعلاميًا، مع محاربة محور المقاومة.
والآن، يأتيهم الرد من نتنياهو نفسه، بوضع بلدانهم على خارطة التوسع المقبلة، حيث لا سيادة وطنية، ولا حصانة قانونية، ولا اعتبار للقانون الدولي.
انه إعلان حرب صريح على جميع الدول المحيطة بفلسطين ومن يناصرها، فالكيان الصهيوني، كما أثبت خطابه، لا يحترم صديقًا ولا مهادنًا ولا حتى متعاطفًا، بل يعد البشرية كلها خدما له وعبيدا ولا يستطيع التخلص من هذا الوهم المرضي التأريخي، ولا يهزه الا منطق القوة والردع.
ويبقى السؤال: هل سيوقظ هذا الخطاب حرارة الغيرة والكرامة في جسد إقليمي ميت، أم سيمر كما مرت إهانات وتهديدات سابقة طويت في ملفات النسيان؟