خطاب بنيامين نتنياهو الأخير، الذي قدّمه على أنه “مهمة تاريخية” لبناء «إسرائيل الكبرى» من فلسطين إلى الأردن وأجزاء من مصر وسوريا والسعودية والعراق، لم يكن في جوهره إلا محاولة للهروب من محاكماته المؤجلة في قضايا فساد مالي وأخلاقي. الحلم الصهيوني القديم بـ”من النيل إلى الفرات” ليس جديدًا، لكن الواقع اليوم يقف سدًا منيعًا أمامه، ويفضحه أكثر مما يخدمه.
حرب الـ12 يوم الأخيرة كانت نقطة تحوّل كاشفة. صواريخ إيران، عبر غزة وجبهات الدعم الأخرى، اخترقت العمق الإسرائيلي، مزّقت تل أبيب، دمّرت مراكز حيوية، وأحدثت حالة ذعر غير مسبوقة بين المستوطنين. آلاف القتلى والجرحى، عشرات الأسرى المجهول مصيرهم، واقتصاد يترنح على وقع الضربات. لا أمريكا ولا منظومتها العسكرية ولا القبة الحديدية تمكّنت من إيقاف وابل الصواريخ الذي حوّل “العاصمة الموحّدة” إلى مدينة أشباح.
نتنياهو اليوم محاصر من كل الجهات: انقسامات سياسية حادة، صراعات اجتماعية عميقة، جيش مُنهك، جبهة داخلية متصدعة، وعزلة دبلوماسية آخذة في الاتساع. حديثه عن “إسرائيل الكبرى” لم يعد سوى خطاب دعائي لستر فشله العسكري والسياسي، ومحاولة يائسة لاستعادة الهيبة المفقودة.
لكن المفارقة الجيوسياسية هنا، أن تصعيد نتنياهو يمنح العرب فرصة تاريخية لقلب الطاولة. فالكيان اليوم مكشوف أمنيًا ومعنويًا، والخلايا النائمة قادرة على استنزافه من الداخل، والعمل الاستخباراتي والميداني يمكن أن يضاعف من أزماته. التجربة الإيرانية في حرب الـ12 يوم أظهرت أن ضربات مركزة ومدروسة قادرة على شلّ إسرائيل وإجبارها على الاستنجاد بالغرب لوقف القصف.
لقد أعطى نتنياهو المبرر، وفتح الباب واسعًا أمام استراتيجية عربية موحّدة يمكن أن تنهي أوهام “الدولة العظمى” وتحيلها إلى كيان يتآكل حتى ينهار من الداخل. إنها لحظة فاصلة، ومن يملك الإرادة والرؤية يمكنه أن يحسم المعركة قبل أن يستعيد العدو أنفاسه.