• اخر تحديث : 2025-08-15 15:59
news-details
قراءات

استضافت العاصمة الأردنية عمّان، في 12 أغسطس 2025، اجتماعاً ثلاثياً يضم ممثلين عن الأردن وسوريا والولايات المتحدة، في محاولة لتفكيك الأزمة الطائفية في محافظة السويداء، وبحث مسائل دعم استقرار سوريا وإعادة إعمارها، والتمهيد لعودة سوريا للمحيط الإقليمي والدولي. كما أن الاجتماع جاء في ظل متغيرات معقدة تعزز من أهميته؛ حيث لا تزال تواجه السويداء توترات أمنية وإنسانية معقدة، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يوليو 2025، بالإضافة إلى أن الاجتماع يأتي بعد إعلان دمشق، في 10 أغسطس 2025، رفضها المشاركة في اجتماعات باريس مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مطالبة بنقل جميع المفاوضات إلى العاصمة السورية باعتبارها "العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين"، فضلاً عن عودة مطالب الدروز السوريين بتدويل قضية السويداء.
 
سياقات ضاغطة
 
جاء الاجتماع التشاوري حول سوريا في عمّان، في ظل عدد من الأحداث والتطورات المغايرة، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:
 
1- استمرار معضلة السويداء: لا ينفصل اجتماع عمّان عن تطورات الأحداث الطائفية في السويداء، بعد تفجر المواجهات مجدداً بين الفصائل الدرزية المسلحة في المحافظة ومسلحي العشائر. وأطلقت العشائر "النفير العام" تحت مبرر نجدة عشائر البدو في السويداء إثر بثّ أنباء مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي، تشير إلى انتهاكات واسعة النطاق ارتُكبت بحق عشائر البدو من جانب المكونات الدرزية المسلحة. وتجدر الإشارة إلى أنه برغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء، برعاية إقليمية ودولية، حيّز التنفيذ في 21 يوليو 2025، وذلك بعد انسحاب قوى الأمن السورية، إلا أن هذا الاتفاق لم ينجح في محاصرة جذور الأزمة الطائفية في السويداء.
 
2-  انعقاد مؤتمر "الحسكة": تصاعدت حدة التوترات بين دمشق والأقليات السورية، خصوصاً بعد رعاية قوات "قسد" في 9 أغسطس 2025 مؤتمراً في مدينة الحسكة، بمشاركة شخصيات دينية من السويداء والساحل السوري، وأطراف محلية لديها خصومة مع السلطة الانتقالية، وهو ما اعتبرته دمشق ضربة لجهود التقارب بين المكونات المجتمعية السورية. وفي رؤية حكومة دمشق، فإن مؤتمر الحسكة يفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية، فضلاً عن أنه يحمل "غطاءً لسياسات التغيير الديمغرافي الممنهج ضد العرب السوريين على يد التيارات الكردية المتطرفة".
 
3-  تصاعد التوتر بين دمشق وقسد: جاء اجتماع عمّان في ظل تصاعد حدة التوتر الأمني بين دمشق وقوات "قسد"، وهو ما انعكس في اندلاع اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وقوات "قسد" في 12 أغسطس 2025 في منطقة تل ماعز شرقي حلب، كما سبق هذه الاشتباكات إرسال الحكومة السورية في 10 أغسطس 2025 تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق استراتيجية في ريف حلب الشرقي وريف الرقة شمال سوريا.
 
4-  انسحاب دمشق من اجتماعات باريس: أعلنت دمشق، في 9 أغسطس 2025، أنها لن تشارك في اجتماعات كانت مقررة في العاصمة الفرنسية مع قوات "قسد"، كما أكدت أنها "لن تجلس على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد تحت أي مسمى أو غطاء". ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن إلغاء المشاركة في اجتماعات باريس، يعكس استمرار خيار الحرب كأحد بدائل دمشق لإعادة السيطرة على تلك المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، خصوصاً في ظل تعثر تنفيذ اتفاق 10 مارس 2025، وفشل تطبيق بنوده عملياً حتى الآن، إذ لا تزال الاشتباكات المتقطعة بين الطرفين تتجدد من حين لآخر.
 
5-  مساعي موسكو لدعم حضورها على الساحة السورية: يأتي اجتماع عمّان المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية في ظل تطور لافت للدور الروسي على الساحة السورية، وهو ما ظهر في تعزيز القوات الروسية حضورها في مطار القامشلي شمال شرقي سوريا، حيث بدأت في 11 أغسطس 2025 عمليات تأهيل لموقع تمركز طائراتها في المطار وتوسيع موقع إقامة جنودها.
 
 كما اتجهت العلاقات السورية الروسية إلى مرحلة اختبار جديدة مع وصول وزير الخارجية السوري، أسعد الحسن الشيباني، إلى موسكو في 31 يوليو 2025، وهي الزيارة التي تلقتها موسكو بانفتاح وترحيب كبيرين، بينما سعت السلطة السورية الانتقالية إلى توظيفها لتخفيف الصراع الجيوسياسي حول سوريا، وموازنة التوجهات المتعارضة مع مصالحها داخل المؤسسات الأممية، وبخاصة مجلس الأمن من خلال الفيتو الروسي.
 
أهداف حاكمة
 
استهدف اجتماع عمان تحقيق جملة من الأهداف التي يمكن أن تنعكس على دعم حالة الاستقرار في سوريا والإقليم، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
 
1-  تثبيت التهدئة في السويداء: استهدف اجتماع عمان العمل على توفير أجواء داعمة لتثبيت التهدئة في السويداء، وهو ما يعكس قلقاً إقليمياً ودولياً من انفلات الأوضاع مجدداً في السويداء، ولا سيما بعد إصدار الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في 9 أغسطس 2025، بياناً اتهم فيه الحكومة السورية بارتكاب ما وصفه بـ"إبادة ممنهجة" بحق أهالي المحافظة، داعياً إلى تدخل دولي عاجل وفتح تحقيقات أممية. وأثار بيان الهجري جدلاً واسعاً، لا سيما بعد إشادته العلنية بدور الولايات المتحدة وإسرائيل والإدارة الذاتية الكردية. وفي ضوء ذلك، يمكن فهم إقرار الاجتماع تشكيل مجموعة لتعزيز وقف إطلاق النار في السويداء والعمل على إيجاد حل شامل للأزمة، بالإضافة إلى تشديد المجتمعين على ضرورة محاسبة مرتكبي الانتهاكات، وتهيئة الظروف لعودة النازحين إلى منازلهم.
 
2-  التنسيق الإقليمي والدولي بشأن المشهد السوري: وفقاً للعديد من التقديرات، فإن أحد العوامل الحاكمة لاجتماع عمان الذي ضم ممثلين عن سوريا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية، يتمثل في الرغبة في تعزيز التسيق الإقليمي والدولي بخصوص إدارة التفاعلات السورية. وهنا، يمكن فهم تأكيد الاجتماع على أولوية تعزيز الأوضاع الأمنية في سوريا، وضمان سيادتها، وتأمين حقوق كل السوريين، ومن ثم فإن الاجتماع استهدف حشد الجهود والمواقف الإقليمية والدولية لضمان وحدة سوريا.
 
3-  دعم جهود إعادة الإعمار في سوريا: مثّل العامل الاقتصادي، والأزمات المعيشية والإنسانية التي تعانيها سوريا، محدداً رئيسياً في اجتماع عمان، خصوصاً في ضوء استمرار الانهيار الحاصل في البنية التحتية في قطاع واسع من الجغرافيا السورية، بالإضافة إلى الأزمات المعيشية، وهي اعتبارات كانت محل اهتمام اجتماع عمان، الذي أكد على ضرورة تسريع دعم عملية إعادة إعمار سوريا، كما تم الاتفاق على "تقديم المساعدات الإغاثية في المجال الإنساني، بما فيها تأمين عودة النازحين إلى منازلهم، وضمان وصول المساعدات الغذائية والدوائية، وفتح الطرق الدولية".
 
4-  مواجهة التدخلات الإسرائيلية في سوريا: تخشى الأردن وحكومة الشرع من تصاعد التدخلات الإسرائيلية في سوريا، وسعيها إلى توظيف الأحداث الطائفية لتبرير توسعها الجغرافي داخل الأراضي السورية. وعلى الرغم من الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية في الإقليم، فإن ثمة تبايناً بين البلدين فيما يخص الملف السوري، وتجلَّى هذا التعارض -على سبيل المثال- في السويداء، حيث تبرز فجوة استراتيجية بين الطرفين، فبينما ترى واشنطن في حكم الشرع، رغم التحديات، فرصة لإعادة التوازن في سوريا، وملء الفراغ الذي خلّفه تراجع النفوذ الإيراني، وهو ما يفسر حرص واشنطن على سوريا موحدة؛ ففي المقابل يعتبر نتنياهو أنَّ أي سلطة مركزية في دمشق، حتى لو كانت ضعيفة، تعرقل مشروعه لتفتيت سوريا طائفياً. وفي ضوء ذلك، أكد اجتماع الأردن على ضمان استمرار الدعم الأمريكي والدولي لوحدة سوريا، ومحاصرة التوسعات الإسرائيلية داخل الجغرافيا السورية.
 
5-  تأكيد محورية الدور الأردني في المشهد الإقليمي: أحد المُستهدفات الرئيسية لتحركات الأردن تجاه الأزمة السورية، يتمثل في الرغبة في تعزيز الدور الإقليمي للمملكة، وتأكيد مركزية هذا الدور. وبطبيعة الحال فإن استضافة الأردن طوال الأشهر التي خلت سلسلة من الاجتماعات الإقليمية والدولية المتعلقة بسوريا، هي إحدى الآليات الرئيسية التي ستضمن استمرار فاعلية الدور الأردني سواء في المشهد السوري أو إقليمياً، وهو الأمر الذي يمكن أن يعزز من مصالح الأردن الجيوسياسية والاقتصادية المختلفة في المنطقة. وفي ضوء ذلك، أكد الاجتماع على محورية الدور الأردني كقناة تواصل بين دمشق والمكونات المحلية السورية المناوئة للسلطة الانتقالية السورية. وتجدر الإشارة إلى أن العاصمة الأردنية كانت قد استضافت في 19 يوليو 2025 مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء. كما يستعد الأردن لاستضافة جولة مفاوضات بين الحكومة السورية وممثلين عن الطائفة الدرزية خلال المرحلة المقبلة بهدف تعزيز الحوار بين الطرفين.
 
في الختام، يمكن القول إن اجتماع عمّان ساعد الحكومة الانتقالية على التعامل مع الأزمات الطائفية التي تؤثر سلباً على الوضع في سوريا، من خلال إظهار دعم دولي وإقليمي لدمشق، كما كان خطوة إضافية لتقليل المخاطر الناتجة عن التدخلات الخارجية.