بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونغ، إلى الولايات المتحدة، في 25 أغسطس 2025، أرسل "لي" وفداً إلى الصين، بقيادة رئيس البرلمان الكوري السابق، بارك بيونغ سيوغ؛ حيث التقى الوفد بوزير الخارجية الصيني، وانغ يي، وأكد تطلع سول لتعزيز العلاقات مع بكين، بعدما شهدت هذه العلاقات توتراً متزايداً خلال السنوات الأخيرة، وهو ما عكس أحد مؤشرات الانفتاح الراهن من قبل الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة على الصين؛ الأمر الذي يُثير العديد من التساؤلات بشأن دوافع سول من هذا الانفتاح، وما إذا كانت تستهدف تعزيز التقارب مع بكين؛ ومن ثم فرص نجاحها في تحقيق التوازن الاستراتيجي في علاقاتها بالولايات المتحدة والصين.
مؤشرات التقارب:
بعدما شهدت السنوات الأخيرة توتراً متزايداً بين الصين وكوريا الجنوبية، ولا سيما عقب سماح الأخيرة، في عام 2017، للولايات المتحدة بنشر نظام دفاع صاروخي في سول، شهدت الآونة الأخيرة مؤشرات عدة تتعلق برغبة كوريا الجنوبية في تعزيز التقارب والتعاون مع الصين، ويمكن عرض أبرز هذه المؤشرات على النحو التالي:
1.مبعوث خاص من كوريا الجنوبية للصين: أعلنت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية أن الرئيس الجديد، لي جاي ميونغ، أرسل مبعوثاً خاصاً إلى الصين، وهو رئيس البرلمان الكوري السابق، بارك بيونغ سيوغ، ليقود وفد سيول لبكين. وقد عقد الوفد اجتماعات مع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، وأكَّد رغبة سول بتعزيز العلاقات مع بكين. كما سلَّم بارك رسالة من الرئيس الكوري الجنوبي لنظيره الصيني، شي جين بينغ، تضمنت دعوة حضور قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، والمقررة في أكتوبر 2025.
كما تجدر الإشارة، إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً في لغة الخطاب الكوري الجنوبي في الحديث عن الصين، وهو ما عكس مساعي سول لتعزيز التعاون والتقارب مع بكين، على عكس التصعيد الخطابي الحاد، والذي كان قد وصل ذروته في عام 2023، من خلال التصريحات الانتقادية للصين، والتي اعتاد عليها الرئيس الكوري الجنوبي السابق، سون سوك يول.
2.الاتفاق على تعزيز التعاون الاقتصادي: اتفق الوفد الكوري الجنوبي، الذي زار الصين مؤخراً، مع المسؤولين في بكين على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصةً وأن بكين تُعد شريكاً تجارياً رئيسياً بالنسبة لسول. وكانت اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وكوريا الجنوبية، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2015، قد أسهمت في تعزيز التجارة والاستثمار المشترك بين البلدين، وظلت بكين لسنوات تمثل الشريك التجاري الأهم بالنسبة لسول، ورغم تراجع هذه العلاقات خلال السنوات الأخيرة؛ فإن الدولتان بدأتا مؤخراً مفاوضات جديدة لتعزيز حرية تجارة الخدمات والاستثمارات المشتركة. بيد أن هذه الجهود تواجه ضغوطاً أمريكية متزايدة على سول؛ حيث تسعى الولايات المتحدة لمشاركة كوريا الجنوبية في إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية؛ بهدف الانفصال عن الصين.
3.رفض سول منح "مرونة استراتيجية" للقوات الأمريكية: أعلن لي جاي ميونغ، أنه من الصعب قبول طلب الولايات المتحدة بمنح "المرونة الاستراتيجية" للقوات الأمريكية المتمركزة في سول؛ وتعني هذه المرونة قدرة القوات الأمريكية على تعديل مواقعها وتدريباتها وتحركاتها دون أي قيود من الجانب الكوري الجنوبي. وجاءت هذه التصريحات للرئيس الكوري الجنوبي على متن الطائرة التي أقلته إلى واشنطن لعقد قمة مع نظيره الأمريكي، دونالد ترامب، في 25 أغسطس 2025.
وثمَّة تخوفات كورية جنوبية من أن هذه المرونة الاستراتيجية تزيد من احتمالات تورطها في أي حرب مُحتملة بشأن تايوان. وكانت مخاوف مماثلة وراء البيان المشترك الذي صدر عام 2006، عندما وافقت - آنذاك- الولايات المتحدة على احترام موقف كوريا الجنوبية بشأن "عدم استعدادها للتورط في أي صراع إقليمي في شمال شرق آسيا"؛ الأمر الذي دفع سول وقتها للموافقة على سياسة "المرونة الاستراتيجية" للقوات الأمريكية في كوريا الجنوبية. بيد أن المعطيات الجيوسياسية الراهنة اختلفت كثيراً عن المشهد في مطلع القرن الحالي، فقد باتت الولايات المتحدة تعتبر الصين أكبر تهديد أمني لها، كما أنها جعلت من الدفاع عن تايوان ضد أي هجوم صيني مُحتمل أولوية قصوى لها. وقد حذرت بعض التقارير الغربية من أنه حال قاومت الحكومة الكورية الجنوبية طلب الولايات المتحدة بشأن المرونة الاستراتيجية؛ فإن واشنطن ربما تعمد إلى نقل المكونات الرئيسة لقواتها في كوريا الجنوبية لمناطق أخرى تواجه فيها قيوداً أقل على حركة قواتها؛ وهو ما سيشكل تهديداً أمنياً كبيراً بالنسبة لسول. وفي هذا السياق، أظهرت استطلاعات الرأي مؤخراً أن غالبية المواطنين في كوريا الجنوبية يريدون أن تعمد بلادهم لبناء أسلحتها النووية الخاصة، لإنهاء الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتها.
4.منح السياح الصينيين دخولاً دون تأشيرة إلى كوريا الجنوبية: أعلنت الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة منح السياح الصينيين دخولاً دون تأشيرة إلى سول، بدءاً من 29 سبتمبر 2025، وذلك في إطار التحسن النسبي في العلاقات الثنائية بين سول وبكين مؤخراً، ورغبة الرئيس الكوري الجنوبي الحالي، لي جاي ميونغ، في تعزيز العلاقات الهشة بين بلاده والصين. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة تُعد الأولى التي تسمح فيها سول بإعفاء المجموعات السياحية الصينية من تأشيرة السفر، بغض النظر عن نقطة الدخول، فسابقاً، كانت جزيرة "جيجو" هي الوحيدة التي تسمح للسياح الصينيين بالدخول دون تأشيرة والإقامة لمدة تصل إلى 30 يوماً.
سياقات مُتشابكة:
يأتي الانفتاح الراهن من قبل كوريا الجنوبية على الصين في إطار سياق جيوسياسي معقد، وتحولات نسبية في هيكل التحالفات التقليدية القائمة، وقد شهدت علاقات كوريا الجنوبية والولايات المتحدة تناغماً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، ونظيره الكوري الجنوبي السابق، يون سوك يول، بيد أن هذا التناغم بدأ يتراجع خلال الأشهر الأخيرة، في ظل تصاعد التنافس الأمريكي الصيني، مع عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسلطة، وعزل الرئيس الكوري السابق، يون سوك يول. وهو ما يعكس واقعاً مُتشابكاً لسول، ربما يدفعها لإعادة تقييم علاقتها ببكين. وفي هذا الإطار، يمكن توضيح أبعاد السياقات المتشابكة التي تحكم التحركات الراهنة لكوريا الجنوبية تجاه الصين على النحو التالي:
1.تأثير التغيرات السياسية الداخلية في سول: أشارت بعض التقديرات الغربية إلى أن التغيرات السياسية التي شهدتها كوريا الجنوبية مؤخراً، والتي أفضت إلى وصول الحزب الديمقراطي المعارض للسلطة، مُتمثلاً في الرئيس الحالي، لي جاي ميونغ، ربما تفضي إلى تحولات نسبية في علاقة سول وبكين، في ظل الانتقادات التي لطالما وجهها الحزب لسياسات الرئيس الكوري الجنوبي السابق، يون سوك يول، تجاه الصين، وكذلك روسيا واليابان وكوريا الشمالية، كما لفتت هذه التقديرات إلى احتمالات أن تتمخض هذه التغيرات السياسية في سول عن استجابة مُغايرة للضغوط المُتزايدة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن التحالف مع الولايات المتحدة في تنافسها الراهن مع الصين، رغم توقعها أن تعمد الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة إلى تقديم كثير من التنازلات لواشنطن في بقية الملفات الخلافية.
وفي هذا السياق، لطالما روج الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لنفسه باعتباره يتبع النهج البراغماتي، وربما انعكس هذا الأمر في التفاهمات التي نجحت إدارته في التوصل إليها في الكثير من الملفات الخلافية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بروسيا واليابان، من خلال العودة للنهج ثنائي المسار في علاقاته بطوكيو، عبر فصل المظالم التاريخية، المرتبطة بفترة استعمار اليابان لكوريا، عن التعاون الموجه نحو المستقبل في القضايا الاقتصادية والتهديدات الأمنية المشتركة. مع الابتعاد عن النهج الأيديولوجي للرئيس الكوري الجنوبي السابق، يون سوك يول، تجاه روسيا؛ ومن ثم الدفع نحو تخفيف التوتر مع موسكو، لدرجة تجنب انتقاد التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية.
2.شكوك بشأن فاعلية استراتيجية "المسار المزدوج": أشارت بعض التقارير الكورية الجنوبية إلى أن استراتيجية "المسار المزدوج"، أو شعار "الاقتصاد مع الصين والأمن مع الولايات المتحدة"، والذي تبنته كوريا الجنوبية خلال العقد الأول من القرن الحالي، ربما لم يعد قابلاً للتطبيق في الوقت الراهن، في ظل المنافسة الحادة بين الولايات المتحدة والصين، ناهيك عن الطبيعة المعقدة والمتكاملة للاقتصاد والأمن.
وفي هذا السياق، تشهد منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الإندوباسيفيك) حالة من الاستقطاب الحاد بين الولايات المتحدة والصين، يصعب معها الحفاظ على علاقات متوازنة بين واشنطن وبكين؛ إذ يبدو أن المنطقة تتهيأ لفترة طويلة من المنافسة الأمريكية الصينية المحتدمة. ومع عودة ترامب للبيت الأبيض، يتوقع أن تزداد حدة هذه المنافسة، مع توقعات أكبر من قبل الولايات المتحدة بشأن دور حلفائها الإقليميين، ولا سيما كوريا الجنوبية، في دعمها ضد بكين. وقد تتجسد الضغوط الأمريكية المتوقعة على سول في إعادة المطالب الخاصة بتقاسم أعباء الدفاع، مع طرح فكرة تخفيض عدد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية وتحول مهمة هذه القوات باتجاه الصين ومضيق تايوان.
3.مساعي سول للحفاظ على تحالفاتها مع واشنطن: رغم انفتاح الحكومة الكورية الجنوبية الراهن على الصين؛ فإنها تسعى في الوقت ذاته للحفاظ على تحالفاتها التقليدية مع الولايات المتحدة، ولعل هذا ما انعكس في الزيارة التي قام بها الرئيس الكوري الجنوبي، لي جاي ميونغ، إلى الولايات المتحدة، في 25 أغسطس 2025، والتي استهدفت تحديث التحالف القائم بالفعل بين البلدين، وتسوية الملفات الخلافية بين الجانبين، خاصةً ما يتعلق بتقاسم تكاليف الدفاع، فبينما تدفع كوريا الجنوبية حالياً مليار دولار للولايات المتحدة؛ يستهدف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع هذا الرقم ليصل إلى 10 مليارات دولار، بالإضافة لمطالبته بزيادة الانفاق الدفاعي لسول ليصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لها، بدلاً من النسبة الحالية التي تبلغ نحو 3.5%. وقد كشفت بعض التقديرات أن الرئيس الكوري الجنوبي الجديد أبدى استعداده للموافقة على طلبات الجانب الأمريكي. كما دعا الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ نظيره الأمريكي ترامب لحضور اجتماع وزراء تجارة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، الذي سيعقد في سول، في نوفمبر 2025.
بالإضافة لذلك، كانت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قد توصلتا مؤخراً لاتفاق تجاري جديد، أدى لخفض التعريفات الجمركية الأمريكية على كوريا الجنوبية من 25% لتصبح 15%، مقابل استثمارات كورية جنوبية بقيمة 350 مليار دولار في قطاعات أمريكية رئيسة، أبرزها بناء السفن، بالإضافة لشراء منتجات الطاقة الأمريكية، مع ضمان وصول أكبر للسيارات والمنتجات الزراعية الأمريكية للسوق الكورية الجنوبية.
4.محاولات سول التوصل لتفاهمات مع بكين بشأن البحر الأصفر: بالإضافة للمصالح الاقتصادية المشتركة، التي تربط كوريا الجنوبية والصين، تعمل سول على تعزيز الانفتاح على بكين لتجنب تفاقم المواجهات في البحر الأصفر، خاصةً في ظل تخوفها من مشروع "البحر الأصفر الصيني".
وتجدر الإشارة إلى أن البحر الأصفر يُعد مسطحاً مائياً ضحلاً، بحجم ولاية كاليفورنيا الأمريكية تقريباً، يفصل شبه الجزيرة الكورية عن الصين، وثمة خلافات تاريخية بين كوريا الجنوبية والصين بشأن ترسيم الحدود البحرية المشتركة في البحر الأصفر، وخلال الأشهر الأخيرة، تزايد النشاط الصيني في البحر الأصفر، فقد وسع أسطول بحر الشمال التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني نطاق عملياته، ليشمل المياه الواقعة شرق خط طول 124 درجة، والذي تعتبره سول الحدود البحرية الفعلية بينها وبين بكين؛ الأمر الذي اعتبرته كوريا الجنوبية انعكاساً لتطلعات التوسع العسكري الصيني في البحر الأصفر، ومحاولتها تحويله لمياه داخلية صينية، خاصةً في ظل الأهمية الاستراتيجية للبحر الأصفر بالنسبة للقوات البحرية الصينية.
وفي هذا السياق، تسعى الحكومة الكورية الجنوبية لتعزيز الانفتاح على الصين للتوصل لتفاهمات جديدة خاصة بالبحر الأصفر، لا سيما وأن تدويل هذه القضية ربما يفضي لنتائج عكسية، من خلال تعقيد المفاوضات وتقويض المكاسب السابقة في التعاون البحري الثنائي؛ ومن ثم تسعى سول لتسوية هذه الخلافات بشكل مباشر مع بكين، بما يحافظ على سلامة الترتيبات الثنائية القائمة في البحر الأصفر.
5.تطلعات صينية لاستقطاب حلفاء واشنطن: تتماشى التحركات الكورية الجنوبية الراهنة إزاء الصين مع تطلعات الأخيرة، والتي تسعى لاستقطاب حلفاء الولايات المتحدة، في إطار المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين على قيادة النظام الدولي الجديد. وفي هذا السياق، ألمحت وزارة الخارجية الصينية إلى أن تطوير العلاقات بين سول وبكين يشكل الخيارات الصحيحة لتعزيز التعاون المشترك بين البلدين.
كذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قوه جيا كون، أن العلاقات بين بكين وسول ترتكز على المصالح المشتركة للبلدين، وأنها ليست موجهة ضد طرف ثالث، ولا ينبغي لأي دولة التدخل فيها. وذلك رداً على التقديرات التي أشارت إلى أن كوريا الجنوبية لن تتخذ أي إجراءات مخالفة لسياسة الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن بكين تتطلع لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع سول.
انعكاسات مُحتملة:
في إطار المؤشرات الراهنة المرتبطة بمساعي كوريا الجنوبية للانفتاح على الصين، هناك جملة من الانعكاسات المحتملة لهذه التحركات، يمكن عرضها على النحو التالي:
1.تقارب كوري محسوب مع الصين: رغم تعدد المؤشرات التي عكست وجود تطلعات لدى الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة للتقارب مع الصين؛ فإنها غير مستعدة في الوقت الراهن لتوسيع هذا التقارب لحد الدرجة التي تؤدي إلى توتر علاقتها التقليدية بالولايات المتحدة، ولعل هذا ما دفع الرئيس الكوري الجنوبي، لي جاي ميونغ، للتأكيد، في خطابه الذي ألقاه في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، أنه لم يعد من الممكن الحفاظ على استراتيجية "الأمن مع الولايات المتحدة والاقتصاد مع الصين"، لافتاً إلى أنه في الماضي، قبل أن تتخذ واشنطن موقفاً أكثر حزماً في مواجهة الصين أو احتوائها، كان يمكن لكوريا الجنوبية أن تتبنى هذه الاستراتيجية، غير أن تطبيقها في ظل المنافسة الحادة بين الولايات المتحدة والصين حالياً أصبح غير واقعي.
لكن، يتوقع أن يعمد الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لتبني مقاربة مُغايرة عن سلفه إزاء الصين، من خلال محاولة تعزيز التعاون الاقتصادي، ولكن بالدرجة التي لا تهدد تحالفه التقليدي مع الولايات المتحدة، مع العمل على تجنب تقديم تنازلات للجانب الأمريكي تُثير غضب الصين، ولعل هذا ما انعكس في تخليه عن سياسة "التوازن الاستراتيجي" مع الولايات المتحدة.
2.الحفاظ على التحالفات التقليدية بين سول وواشنطن: على الرغم من تبني الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونغ، لسياسة براغماتية في علاقات بلاده الخارجية؛ فإنه في الوقت ذاته أكد رغبته بالحفاظ على تحالفات كوريا الجنوبية التقليدية مع الولايات المتحدة، والممتدة منذ سبعة عقود، وتطلعه لتعزيز التقارب مع إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
ومن هذا المنطلق، يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تسوية كافة الملفات الخلافية بين البلدين، سواء الاتفاق على كافة بنود الاتفاق التجاري الجديد بين البلدين، أم استجابة سول لمطالب ترامب الخاصة بتقاسم أعباء الأمن وزيادة الإنفاق الدفاعي لكوريا الجنوبية. لكن، رغم تجنب الرئيس الكوري الجنوبي مناقشة ملف الانفتاح على الصين خلال زيارته لواشنطن؛ يبقى هذا الملف يشكل أبرز التحديات أمام الحكومة الكورية الجنوبية الجديدة للتوصل فيه لاتفاق مع الإدارة الأمريكية، ولا سيما فيما يتعلق بسياسة "المرونة الاستراتيجية"، والتي يواجه الرئيس الكوري، لي جاي ميونغ، ضغوطاً داخلية واسعة بشأن قبولها.
3.محاولات لتفكيك الحلف الثلاثي: يُثير التقارب المتنامي بين كوريا الشمالية وروسيا والصين تخوفاً متزايداً لدى كوريا الجنوبية والولايات المتحدة؛ ومن ثم تتفق سول وواشنطن في مساعيهما لخلخلة هذا التحالف الثلاثي، حتى إن هناك بعض التقديرات كانت قد ألمحت إلى وجود مساعٍ كورية جنوبية للتقارب مع الصين لمحاولة إقناع الأخيرة بالضغط على بيونغ يانغ لتحجيم تقاربها مع موسكو. وفي هذا السياق، ألمح مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي، وي سونغ لاك، إلى أن مشاركة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، في فعاليات إحياء الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، والتي عقدت في الصين في 3 سبتمبر 2025، تستحق المراقبة، كونها تشكل أول رحلة دولية لكيم منذ عامين، منذ زيارته لروسيا في سبتمبر 2023، كما أنها مثلت أول لقاء بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، منذ يونيو 2019، محذراً من أنها قد تؤدي إلى ترسيخ الحلف الثلاثي، الصيني – الروسي – الكوري الشمالي، في آسيا؛ الأمر الذي قد يفاقم الانقسامات الجيوسياسية في المنطقة.
وفي التقدير، رغم تبني الرئيس الكوري الجنوبي الجديد، لي جاي ميونغ، لسياسة مُغايرة عن سلفه إزاء الصين، من خلال تخفيف حدة التوترات مع بكين، والدفع نحو تقارب اقتصادي محسوب معها؛ فإن هذا النهج الجديد لن يصل حد تحقيق التوازن الاستراتيجي في علاقة كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة والصين؛ حيث يستهدف لي الحفاظ على تحالفات بلاده التقليدية مع واشنطن، مع الاستجابة لبعض وعوده الانتخابية الخاصة بسياسته الخارجية البراغماتية والانفتاح على كافة الأطراف، فضلاً عن تجنب الانزلاق في أي مواجهات مع بكين حال تفاقم المواجهات بين الولايات المتحدة والصين في مضيق تايوان.